ثلاثة أسماء تدير السلطة في بلادها، وتحتك بالسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، تجرب مصالحة الإسلام السياسي مع الديمقراطية، والإسلاميين مع العلمانية، والمجتمعات المحافظة مع الحادثة. ثلاثة أسماء تتحرك تحت ضوء كثيف من الشرق والغرب، والجميع يحاول اكتشاف زعماء الإسلاميين الجدد، وقدرتهم على التكيّف مع أحوال الزمن وتحديات العصر.
رجب طيب أردوغان الذي يقود تركيا منذ العام 2002. نجح في بناء حزب عصري محافظ، يضم ثلاث تياراتٍ على قدر غير يسير من الاختلاف. أولهم الإسلاميون الذين خرجوا من عباءة نجم الدين أربكان وحزب الرفاه الذي لم يتأقلم مع قوانين العلمانية الصلبة في بلاد أتاتورك. وثانيهم تيار التكنوقراط الذين رأوْا في زعامة أردوغان وانفتاحه جواز مرور للانخراط في حزب كبير، وخدمة بلدهم من خلال حزب محافظ وديمقراطي. وثالث التيارات هو البورجوازية المتدينة التي وجدت حزباً محافظاً، تنسجم معه قناعاتها الإسلامية، وبرنامجا اقتصادياً رأسمالياً، يحفظ مصالحها، ويعطيها فرصاً استثمارية، كانت محرومة منها، زمن حكم العسكر الذي كان يُقصيها. ثاني نجاح حققه أردوغان قيادة تركيا للدخول إلى نادي الدول الصاعدة، حيث تضاعف معدل دخل الفرد ثلاث مرات، وتضاعف الناتج الداخلي الخام لتركيا مرتين في السنة. وثالث نجاحاته أنه أعطى للغرب نموذج إسلام معتدل محافظ، ومنسجم مع مبادئ الديمقراطية الغربية، ولولا تعقيدات الإقليم، وفي قلبه الأزمة السورية، ولولا تعصّب دول أوروبية منعت تركيا من دخول الاتحاد الأوروبي، لكانت أنقرة اليوم في مكان آخر.
الثاني؛ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية التي تشارك اليوم في الحكومة بوزاراتٍ رمزية، فيما هي أول قوة سياسية في البرلمان، بعد خروج كتلة برلمانية من حزب القايد السبسي. يحظى الغنوشي اليوم باحترام كبير في الشرق والغرب، باعتباره رجلاً حكيماً، قاد مفاوضات صعبة للتوافق مع خصومه على دستورٍ متقدّم، ثم اتخذ قراراً تاريخياً للخروج من السلطة في ظرف دقيق، لإنقاذ بلده من نار الفتنة، وسخر فكره وحزبه وتجربته للبحث عن توافقاتٍ مؤلمةٍ، لمنع الثورة المضادة من دخول بيت تونس الصغير. ليس الغنوشي منظّراً للإسلام المعتدل فقط، بل إنه أبان عن حنكة سياسية كبيرة، عندما قاد حزبه للخروج من السلطة، لمّا أصبحت تونس على شفا الانهيار، وقال: “خسرت النهضة السلطة لكن تونس ربحت الديمقراطية”. كان في استطاعته أن يتصلب، وأن يحتمي بقاعدته الشعبية، العريضة بما يكفي لخوض صراع مرير حول السلطة، مع اليسار وبقايا حزب بن علي، لكنه فضل الانحناء للعاصفة، وقراءة مؤشرات المرحلة جيداً.
الثالث عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية الذي قاوم كل الضغوط، وانحنى للعواصف، ليستمر حزبه “العدالة والتنمية” في الحكومة عنواناً لتطبيع سياسي نهائي مع القصر الملكي، ووسيلة لتحقيق إصلاحاتٍ، ولو صغيرة، تعيد للشعب الأمل في التغيير في ظل الاستقرار والإصلاح من داخل البيت المغربي. نجح في إخراج حزبه من الخانة الأصولية إلى الخانة المحافظة، وطمأن جزءاً كبيراً من الطبقة الوسطى والبورجوازية المغربية بأنه قائد حزبٍ لا يهدد الحرية، ولا نمط العيش المفتوح للمغاربة، وأنه رئيس حكومة وليس مرشد جماعة، وأن حزبه مهموم بالبطالة ونسبة عجز الميزانية وإصلاح العدالة والنهوض بالفقراء، ولا يعتبر نفسه وصياً على تديّن المغاربة، وإن الأصوات التي منحته المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة لا تخوّل له فرض أجندته الأيديولوجية على الشعب. حوّل حزبه إلى حزب سياسي لخدمة الشعب، وحركته الإسلامية إلى جمعية تشتغل وسط المجتمع المدني، وليست وصيّة عليه.
الثلاثة رجال سياسة وتنظيم وفكر. يقبلون بالديمقراطية ويعلنون الانتساب إليها، ويحاولون أن يتكيّفوا مع قواعدها. لا يدعون لمحاربة الغرب، بل يمدّون اليد إليه، ويدّعون شركاته للاستثمار في بلدهم، وللتعاون معهم على محاربة الاٍرهاب. يناهضون “الإسلام الجهادي”، ويحاربون تعبيراته الراديكالية، ولا يبرّرون قتله وإرهابه. تلك بالمجمل سمات زعماء ثلاثة، يمكن انتقاد كثير من أفكارهم وقراراتهم ومنهجية عملهم. لكن، لا يمكن إنكار تطورهم وتكيفهم مع العصر.
للكاتب : توفيق بوعشرين