لن تكون هناك “حكومة توافق وطني” لسببين رئيسيين هما انعدام “التوافق” بين المليشيات المتحكمة في القرار الليبي بقوة السلاح وبالإجرام منذ سرقة ثورة 17 فبراير من قبل جماعات “الاسلام” المفترى عليه وانعدام “الوطنية” بل وانعدام الحس الوطني بين معظم أفراد تلك المليشيات ومن يقف وراءهم من تجار الدين والدنيا واطفال السياسة ومن المجانين والناهبين لثروات الوطن ومقدراته من الذين أزكمت رائحتهم الأنوف حتى كرههم الوطن وكرههم المواطنون. وهؤلاء جميعا مع الاسف هم كل “مخلفات” او “فضلات” فبراير اوما تبقى منهم.
انعدام التوافق تجسده هذه الخلافات والاختلافات بين اطراف النزاع الليبي حيث المصالح المتناقضة والأجندات المختلفة والعداوات المتأصلة والتوافق المستحيل بين الجميع بمن فيهم اعضاء ما يسمى بمجلس رئاسة الوزراء. وهو مجلس غريب ولا سابقة له في عالم السياسة القريب منه والبعيد. يجعل للحكومة تسعة رؤوس لا يجمعها لا توافق ولا فكر ولا توجه واحد. بل ان ما يجمعها هوتجسيد الإقليمية البغيضة والجهوية المقيتة والجهل المكعب والغباء المسطح في امور السياسة والادارة وتحكمها المصالح الشخصية وليس المصلحة العامة. يفرقها كل ماهو حسن ويجمعها كل ماهو سيئ. هذا التأصيل للإقليمية البغيضة والعنصرية المقيتة لم يعرفها الليبيون والليبيات قط. فلماذا يتم تشكيل هذا المسمى بالمجلس الرئاسي على أساس التفريق بين ابناء الوطن الواحد وتقسيمهم الى شرق وغرب وجنوب. ثم تكريس ذلك في التشكيل الحكومي كله وإقرار ذلك كله نصا وروحا فيما سميت زورا وبهتانا باتفاقية الصخيرات للتوافق الوطني دون توافق وطني حقيقي وهي اتفاقية أعدتها وفرضتها قوى خارجية لا علاقة لها بالليبيين والليبيات ولا بالصالح الليبي العام. وتم التوقيع عليها من من لم يفوضهم احد من الليبيين والليبيات بالتوقيع عليها نيابة عنهم. ويحاول البعض منهم رغم ذلك ان يسبغ عليها ثوب التقديس ويجعل من المساس بها اوتعديلها رجسا من عمل الشيطان حتى لوجاء ذلك من السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة والقائمة في البلاد وهي مجلس النواب الذي يملك وحده حق قبول اورفض اوتعديل هذه الاتفاقية اوحتى الغائها ويملك وحده سلطة تشكيل ومنح حكومة الوفاق الوطني الثقة اوحجبها عنها كما فعل مع مهزلة حكومة الاثنين وثلاثين وزيرا الاولى.!!
صحيح انه قد بدا ما سمي بالحوار الليبيى اوحوار الطرشان في غدامس وانتهى في الصخيرات مرورا بعدد من المدن العربية والاوربية بين عدد من الليبيين والليبيات كان ما يفرقهم اكبر بكثير مما يجمعهم ولذلك كان لابد ان يفشل هكذا حوار وان ينتج عنه من الشقاق ما يزيد كثيرا عن الوفاق. لقد كان العديد من اطراف هذا الحوار المزعوم من المنتفعين “بثورة” ما قبل فبراير ومن حملة الشهادات المزيفة في سخافات “القائد” وكتابه الأخضر ونظريته العالمية الثالثة ومن المنتسبين للجانه الثورية المجرمة سيئة السمعة ومن المساهمين في ارتكاب جرائمها التي لا تعد ولا تحصى.
لقد عاش الليبيون والليبيات فترة الاستقلال الاولى بين عامي 1952 و1963 اي ما يزيد قليلا عن عشر سنوات في ظل النظام الاتحادي اوالفيدرالي حيث كانت هناك فعلا لا قولا ثلاث ولايات في كل منها حكومة خاصة بها ومجلس تشريعي خاص بها ولكل منها وال يمثل الملك في كل من الولايات الثلاثة. ثم كانت هناك حكومة اتحادية تمثل الدولة الليبية المتحدة وكان هناك مجلس نواب ومجلس شيوخ يصدران القوانين الاتحادية. ولكن رغم ذلك لم تكن هنالك لا قبلية ولا جهوية ولا إقليمية تتحكم في القرار الليبي وتشل حركة الليبيين والليبيات داخل وطنهم رغم ما قد يوحي اليه نظام الحكم الاتحادي في ذلك الوقت من علامات الانقسام والفرقة بين ابناء الوطن الواحد. بل ان الليبيين والليبيات كانوا يعيشون في ذلك الوقت كشعب واحد وكأمة واحدة. وكان المواطن الليبي ينتقل بكل حرية عبر الولايات الثلاثة دون بوابات ودون مليشيات تسال عن الهوية ولم يتم خطف احد ولا ابتزاز احد ولم يحدث طوال فترة الحكم الاتحادي اوالفيدرالي ان تم خطف الأطفال والنساء والرجال وطلب الفدية للافراج عنهم. ولم يتم خلال ذلك العهد تدمير المطارات وتدمير الطائرات وحرق آبار النفط والغاز ولا تدمير خطوط الأنابيب ولا انقطاع الكهرباء ولا المياه ولم يتم نهب المال العام والخاص ولكن كل ذلك حدث ولايزال يحدث من قبل اللصوص والمجرمين ادعياء الثورة وادعياء الدين اخوان الشياطين واخوان ابي جهل وابي لهب وابن سبا الذين سرقوا ثورة الشعب الليبي الثورة الحلم ثورة 17 فبراير ثورة الشهداء الحقيقيين والجرحى الحقيقيين الذين قدموا ارواحهم ودماءهم واطرافهم فداء لحرية الشعب الليبي وكرامته سواء خلال ملحمة فبراير المجيدة اوالذين تعرضوا للاغتيال والخطف والتعذيب على يد المجرمين الذين سرقوا الثورة وأساؤوا الى ابطالها الحقيقيين من الشباب والرجال والنساء. هناك سؤال يتردعلى السنة الليبيين والليبيات: هل خلفت لنا فبراير غير هؤلاء.!؟ وهل يمكن لهؤلاء وامثالهم ان يجلبوا الخير للوطن اوان يحققوا حلم فبراير اوان يحققوا الوفاق الوطني اوان يشكلوا حكومة ترعى مصالح الناس.!؟ كيف يمكنهم ان يفعلوا ذلك وقلوبهم جميعا شتى ويملؤها الحقد والانانية وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة.!؟ لا يتوقع عاقل واحد ان يتمكن أمثال هؤلاء من تحقيق اي وفاق اوتوافق وطني اوتشكيل حكومة ليبية تتحمل مسؤولية إدارة الشان العام الليبي.
لقد أوصلتنا فبراير المخطوفة الى طريق مسدود لن يفتح الا بازالة هذه العاهات والعوائق التي نصبت نفسها بقوة السلاح و”بقانون” الجريمة والفساد وصية على الشعب الليبي الذي كان ينتظر من ثورة فبراير الخير والامن والامان والاستقرار ودولة الدستور والقانون والازدهار والحرية والتنمية وبناء انسان ليبي جديد خال من عقد الماضي البغيض ومن اثار العدوان والحقد والانانية والبغي التي خلفها الانقلاب العسكري المشؤوم منذ عام 1969 في نفوس وعقول البعض منا بعد ما يزيد عن اربعة عقود من التخلف والقهر والعذاب.
لم يبق بعد ذلك كله الا ان يباشر مجلس النواب المنتخب صلاحياته التشريعية والدستورية وان يتجاور ما يسمى بإنفاق الصخيرات وان يتولى بنفسه تشكيل حكومة طوارئ اوحكومة وحدة وطنية حقيقية بعيدا عن المهاترات وعن الخلافات الصبيانية تضم عددا مِن الليبيين والليبيات من التكنوقراط وذوي الخبرة والوطنية ممن لا يعرفون الجهوية والإقليمية ومن الذين يكون ولاؤهم اولا وأخيرا للوطن وحده ولا تربطهم أية علاقة لا بالمتاجرين بالدِّين والدنيا ولا باصحاب الاجندات الخارجية الذين لا تهمهم مصلحة المواطن الليبي في شيئ. وعلى المجتمع الدولي وبعثة الامم المتحدة في ليبيا دعم هذا التوجه الذي اصبح اليوم ضرورة وطنية ملحة وذلك بكل الوسائل الممكنة طبقا لقرار مجلس الأمن الخاص بحماية المدنيين الذين يتعرضون اليوم للموت والفناء والمستقبل المجهول.
العاجزون عن العمل الجاد من اجل الوطن عليهم ان يتنحوا عن الساحةً. ان خمس سنوات من الدماء والدمار والنهب المنظم للمال العام كافيةً لإزاحة المفسدين في الارض من المشهد السياسي الليبي. ان بلادنا على شفا حفرة من الهاوية ولا يوجد ليبي واحد عاقل يرضى بذلك اويقبله. ان كل الدلائل تشير الى استحالة تشكيل حكومة الوفاق الوطني المنتظرة من فبل من لا يعرفون الوفاق ولا يعرفون التوافق ولا يستطيعون. بل هو الاستمرار في التمسك بالباطل والجري وراء السراب والضحك على ذقون الليبيين. اجل يجب على مجلس النواب وحده تشكيل حكومة الطوارئ اوالوفاق الوطني وهويملك الصلاحيةً التشريعية والدستورية للقيام بذلك كما يمكنه رفض ما يسمى باتفاق الصخيرات كله وليس المادة الثامنة منه فقط والبدا في ممارسة صلاحياته بعيدا عن المسميات الغريبة وغير المفهومة والمعدومة مثل الحوار الوطني واتفاقية الصخيرات والمؤتمر الوطني العام. وعلى المجتمع الدولي دعم مجلس النواب وحده دون سائر الأجسام الاخرى التي تدعي الانتماء الى ثورة 17 فبراير بينما تلك الأجسام هي التي حولت فبراير الى ماساة حقيقية للشعب الليبي الصابر الصامد.
هاهي الذكرى الخامسة للثورة على الأبواب فماذا سيقول الليبيون والليبيات عنك يافبراير.!!؟… اللهم هل بلغت.!؟ اللهم فاشهد.!!
ابراهيم محمد الهنقاري / ليبيا المستقبل