في عام 2011 انتقلت الشرعية إلى حكومة ( الثورة )، السؤال من الذي انتزعها من نظام القذافي ونقلها إلى المجلس الانتقالي؟ دعونا نفكر ولو قليلاً في السطور القادمة :
كان قادة المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي يجوبون العالم (بلا تأشيرات ) لأن معهم ( الإرادة الدولية ) يبحثون عن الشرعية ممثلة في دعم دولي متزايد ، كانت صورة واحدة يحرص على التقاطها محمود جبريل أو مصطفى عبدالجليل ( اجليل: اسم التدليل الذي خصصناه به آنذاك ) أو حتى على الترهوني كافية لتبث الفرح عند أنصار الثورة وتكون حافزاً لاطلاق موجات صاخبة من التهليل والتحميد.
وتترجم الدعم الدولي بصدور القرار 1973 في 17 مارس 2011 لحماية المدنيين ، وكان القصد حمايتنا أولا في المنطقة الشرقية كي تنجح الثورة ( لم نكن نذكر برقة حينذاك صوناً للوحدة الوطنية!!! ) يومها بكى عبدالرحمن شلقم كانت دموعه فاصلاً بين زمنين ، يراها الثائرون طُهراً خرج به شلقم من مرحلة عبادة الدكتاتورية إلى عهد جديد فالدموع جَبَّتْ ماقبلها!! بينما رآها ليبيون آخرون مجرد دموع عبدٍ عقَّ سيدهُ وخانَ شعبه ولن تتوقف حتى تغرقه في وحل الخيانة الذي اختاره طائعاً.
وانطلقت المسيرات والمظاهرات في بنغازي والبيضاء وطبرق وحتى في القبة، ترحب بالقرار الدولي وتعتبره فتحاً إلهياً مبيناً ودعماً دولياً مشروعاً واستمراراً للدعم القديم الذي كان سبيلاً لاستقلال ليبيا في 24/12/1951 ، فرفعت أعلام فرنسا وبريطانيا وأميركا وألمانيا وتصدر علم قطر كل هذه الأعلام.
في المقابل كانت المظاهرات الصاخبة في اطرابلس تندد بالقرار وتعتبره تدخلا سافراً في شؤوننا الداخلية وفرضاً جديدا للوصاية الدولية على ليبيا وانتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، وظهرت كذلك مجموعات تسلحت فيما بعد وصفت بالمدافعة عن السيادة الوطنية.
كنا نستمع إلى قناة الجزيرة ونحن نعلم إنها ( حقيرة ) لكننا نصم الآذان والأفهام !!
العالم لم يكن نزيهاً تماماً ، لكن مادام عمله لصالحنا فلا بأس ببعض المكر والمخاتلة فهذا حال السياسة وعلينا أن نقبل ونتعامل به !! ومع أولى موجات التدخل الدولي ” المبارك ” بدأت الحناجر تصدح طرباً ( لولا فزعة ساركوزي :: راني ميت نا وعزوزي )
وحتى ذلك النذل ( ليفي ) يبشر بانعتاقنا من ربقة القهر ، فأهلا به وسهلا، صديقاً في الإنسانية ، ألسنا من سوية واحدة ، وماذا إن كان يهودياً مرتبطاً بالصهونية ، إنه الآن فرنسي وصديق يقدم لنا خدمات جليلة ، نحن يجب أن نتعامل مع المجتمع الدولي بلا عقد ماضوية !!
وبدأت القنابل الصواريخ الموجهة تنهال على اطرابلس والمناطق التي يسيطر عليها القذافي ، كنا نشاهد صور القتلى: رجالاً ونساء وأطفالاً على شاشات النظام ، فنهرع – خوفاً من وخز الضمير – إلى قناة الجزيرة التي سرعان ما تُرضي ضمائرنا وتقنعنا أن كل شيء مفبرك ، وكنا جاهزين تماماً لنقتنع ، فالمجتمع الدولي لن يخذلنا وبالتالي لن يخذل ضمائرنا.
هزم القذافي وجيشه ( أقصد كتائبه ) بعد أن أنهكته هجمات المجتمع الدولي ( حامينا وحارسنا ) وانطلقنا فـ (حررنا) كامل ليبيا ومنحناها الشرعية الثورية التي سلبناها من القذافي ( أقصد التي سلبها المجتمع الدولي من القذافي ومنحها لنا ).
فـ لله در المصالح كيف تغير النفوس وتقلب المبادئ رأساً على عقب .. فلأنها تخدم مصلحتنا أصبحت طائرات ( المجتمع الدولي ) طيوراً أبابيل أرسلها رب السماء ضد الشياطين لحماية الملائكة !! فماذا لو قررت ذات الطائرات أن لعبة الشياطين والملائكة لم تنتهِ بعد ، فقط عليها أن تعيد استدارة رقعة الشطرنج من جديد .
لا شيء حينها سيحدث !! سوى أن شعار طيور الأبابيل سيعود ليتردد مجدداً ، وعلى حناجر ليبية أيضاً ، مع اختلاف والزمان والمكان ، مجرد استدارة بسيطة لرقعة الشطرنج ذاتها ، وربما ستزيد بعض الحناجر صارخة في شماتة : البادئ أظلم .
والآن :
بعد خمس سنوات ، أحجار الشطرنج لم تزل على الرقعة، غير أن الرقعة استدارت أو بدأت في الاستدارة ، فتبدلت الأماكن ، وأصبح الأسود أبيض وغدا الأبيض أسود كالشيطان تماماً
الغرور نفسه يقود قادة ( برقة ) النغمة نفسها التي كان يرددها القذافي في مواجهة لعبة المجتمع الدولي : السيادة الوطنية – الوصاية الدولية – الاستقواء بالأجنبي – الشرعية من الداخل – الشارع ” الشعب “قال كلمته – لا لحكومة العملاء ..!
ولم يستطع القذافي الصمود أمام جموح المجتمع الدولي ، الذي قرر إسقاطه ، بدأ بالإغراءات ثم لوح بالعقوبات وعندما لم تجد نفعاً حسمها بالصواريخ والطائرات..
والمجتمع الدولي ذاته يريد الآن حكومة توافق وطني ومستعد لأجل إقرارها أن يفعل أيما شيء ، خاصة وأن ذات السيناريو جاهز ولا يزال مدعوما بنفس القرارات الأممية ذاتها أضف إلى ذلك حجة مقارعة الإرهاب الذي بدأ يتمدد ويهدد.
رئيس مجلس النواب يصاب بالغرور ويرفض لقاء زميله البرلماني الذي أصبح رئيساً للوزراء ، ينصحه مستشاروه بدلاً عن ذلك بالذهاب للعمرة ، فالله كفيل بدفع غائلة المجتمع الدولي ، عليك فقط أن تخلص الدعاء !! ولكي يكون الدعاء مخلصاً أكثر ومقنعاً سنكون معك فنحن حواريوك ومريدوك ، سنشد من أزرك عند الله .
و”الفريق” الذي أكد مراراً أنه لا يتدخل في السياسة يقول أنه لا يعترف بشيء سوى القوة، اللهجة ذاتها كان تحدث بها “العقيد” قبلاً.
فماذا كانت النتيجة ؟
كان القذافي في موقفه يتكيء على دعم نصف الكرة الأرضية تقريباً، أفريقيا وأميركا اللاتينية ونصف آسيا وأوربا بما في ذلك الصين وروسيا !!
ومع ذلك كل هؤلاء صمتوا وتخاذلوا أمام سطوة اللعبة المسماة ( إرادة المجتمع الدولي ).
فعلى من تتكؤون أيها المغرورون المُغَــــــرَّرون !!
أعلمُ علامَ تتكؤون !! بعضكم يتكيء على ملايين مهربة أو مخزنة وبعض آخر على بيوت مجهزة في بعض عواصم الجوار وفي أوربا وحتى في ضاحية فيرجينيا الأميركية ! مفاتيحها ذهبية لا تصدأ بانتظار قرار الفرار إليها ، متى ما اقترب الجحيم .
فوزي الحداد 22/5/2016