كتبت صحيفة ” لاستامبا ” الإيطالية اليوم السبت مقالاً تحليلياً عن أبعاد معركة سرت ضد تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) و وصفتها بأنها الاختبار الحقيقي الذى يواجه ليبيا المهددة بالتقسيم بسبب المنافسات الداخلية بين الأطراف المتنازعة و كذلك من بعض الدول الأوروبية و العربية.
و تقول الصحيفة فى تقريرها الذى ترجمته و تابعته صحيفة المرصد أن ما تبقى من مقاتلى داعش فى سرت محاصرين من قبل ائتلاف قوات تقودها ميليشيات مصراتة بالدبابات والمدفعية بالتنسيق مع مركز عمليات يقع على بعد 190 كيلومترا إلى الغرب من ساحة المعركة و تحديدا فى مصراتة حيث المستشارين البريطانيين العسكريين الذين إنضموا قبل الأمريكان و حيث زعماء المدينة المحليين الذين يتمتعون بدعم مالي و سياسي كبير من دولة قطر .
أما عن حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج فيشير التقرير إلى انها جزء من هذا التحالف الذي يوشك على طرد داعش من سرت المعقل السابق للقذافي لكنها لا تقوده و ترى الصحيفة بأن القيادة العسكرية فى الحقيقة بيد مصراتة .
التقرير تطرق إلى الفريق حفتر قائد الجيش و قال بأنه مدعوم من البرلمان و الحكومة فى طبرق و تمثل قواته القوة المسلحة الرئيسية فى برقة كما أنه يحظى بدعم المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة و يتابع التقرير الإيطالي أن حفتر كانت لديه النية للمشاركة و المساهمة فى معركة سرت و هدم ” إمارة داعش ” و لكن المليشيات الموالية لمصراتة تحاول منعه من التقدم و إستبعاده من العمليات الجارية .
الهجوم على سرت ضد مقاتلي أبو بكر البغدادي ومعظمهم من أصل تونسي و من أفارقة دول جنوب الصحراء الكبرى يمكن أن يتم بنجاح و لكن بعكس ما يحدث الآن تماما حيث رأت الصحيفة أن إقامة تحالف بين الفصيلين الرئيسيين فى البلاد ممثلان فى القوات التى يقودها حفتر و مليشيات مصراتة كممثل لحكومة السراج مع ضرورة التنسيق مع بقية القوى الليبية الأخرى لمكافحة داعش هو الخيار الإستراتيجي من أجل الحفاظ على ليبيا كدولة موحدة و أن حكومة إيطاليا تعمل وفق هذه الإستراتيجية .
و يشير التقرير إلى أن الأيادي العليا على أرض الواقع ممثلة فى القوى السياسية و الدينية قد بدأت تميل لتفكيك ليبيا و هذا ما يفسره النداء الذى وجهه الشيخ الصادق الغرياني إلى ” المليشيات الثورية ” بقيادة مصراتة عبر قناة التناصح و طلبه منهم عدم التوقف عند سرت بل الوصول إلى درنة و بنغازي فى قلب برقة لهزيمة حفتر الذى يملك أسلحة فعالة و منها المقاتلات و المروحيات التى يستخدمها فى ذات الوقت لقصف مليشيات مجلس شورى مجاهدي درنة المدعومة من أطراف فى طرابلس و يحذر التقرير إلى أن حدوث هذا الامر قد يؤدى فى أحسن الأحوال إلى الإنفصال بين طرابلس و برقة كما أن هناك سيناريو آخر سيئ و هو تحول الأمر إلى صدام مسلح دموي و مفتوح بين مصراتة و حفتر .
و تصف الصحيفة بأن هذا السيناريو واقعي و توقعه غير صعب وذلك بمجرد تسليط الضوء على التداخل الحاصل بين أطراف الصراع الدائر في ليبيا والتنافس بين الجهات الفاعلة الإقليمية التى لكل منها أجندته الخاصة فمصر مثلا تخشى من عبور الجهاديين إليها من برقة عبر الصحراء بينما ترى قطر أن النجاحات العسكرية لمصراتة التى أشار التقرير إلى أنها مدعومة منها سيؤكد دورها كقوة إقليمية عربية ، اما وجود بريطانيا و فرنسا على طرفين متناقضيين فيوحي برغبة لندن و باريس لاستغلال عملية التفكك الحاصلة فى ليبيا ضمن عملية تفكيك الدول القومية العربية و الإسلامية لخلق أجواء تفرض نفوذهم الخاص خاصة و أن تحقيق التوافق عبر المبادرات الدولية قد أصبح صعب للغاية كما أشارت الصحيفة إلى أن ذلك يقابله محاولة سرية و ماهرة و غير واضحة من روسيا فلادمير بوتن .
و ختم التقرير بأنه لم تعد هناك صعوبة فى الإستنتاج للوصول إلى نتيجة مفادها أن هناك لعبة تجري فى ليبيا هي أبعد من تحقيق نتائج عبر هجوم قوات مصراتة على داعش فى سرت التى باتت محاصرة فى منطقة مساحتها 5 كيلومتر يحرسها القناصة الجهاديين بل أن ما يجرى هو لعبة رائعة لتوزيع توازن القوى على رقعة من الشطرنج تقع على البحر الأبيض المتوسط على حد وصف الكاتب .