وزير العدل المُقال من حكومة الوفاق يكتب : تغيبت عن الحكومة لأنٌي عملت فى القضاء لسنوات تحت القانون فكيف أُخالفه اليوم ؟!

كتب المستشار جمعة بوزيد المرشح سابقاً لشغل منصب وزير العدل بحكومة الوفاق الوطني مقالاً مطولاً تحت عنوان ” أضواء على الإستقالة الإعتبارية لبعض وزراء حكومة الوفاق الوطني ” و تلقت المرصد سخة عنه و قد سلط من خلاله الضوء على أسباب إنقطاعه عن المجلس الرئاسي و الحكومة المنبثقة عن الاتفاق السياسي و جاء فيه :

بإعتباري أحد هؤلاء الوزراء فقد اتصل بي الكثير من الأصدقاء سواء على الخاص او بالهاتف او بالاتصال الشخصي منهم من يلوم ومنهم من يعاتب وبعضهم يبارك وبعضهم يهنئ وآخر يتأسف ، والجميع لم يفهمني ولإيضاح الحقيقة لكل من يسأل اقول ان الخلاف مع المجلس الرئاسي هو خلاف دستوري وقانوني ولتوضيح اكثر اقول :

1 – ان من يمارس أي عمل سياسي او اداري لابد ان يستمد اختصاصه من أداة تعيين قانونية تعطيه هذه الصفة والاختصاص ؛ فإذا مارس الموظف العمل بدون هذه الأداة يعتبر مغتصباً للسلطة قانوناً و جميع القرارات التي تصدر منه تعتبر باطلة او قابلة للإبطال عن طريق حكم قضائي من دائرة القضاء الاداري .

وبما أن تعيين الوزير في منصبه يتطلب صدور قرار من مجلس النواب بعد التصويت عليه من خلال سيرته الذاتية وبرنامج عمله .

2 – لابد لرئيس الحكومة والوزراء أن يحلفوا اليمين القانونية قبل مباشرة اعمالهم .

وللتوضيح الأكثر ننقل لكم النصوص الدستورية والقانونية :

• المادة 25 من الاعلان الدستوري نصت على أن (( يؤدي رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي ـ أو الحكومة المؤقتة ـ اليمين القانونية بالصيغة المنصوص عليها في المادة ( 19 ) قبل مباشرة أعمالهم ، أمام رئيس المجلس الوطني الانتقالي المؤقت)).

• المادة 30 فقرة 10 نصت على أن (( يقوم المؤتمر في مدة لا تتجاوز تسعين يوماً من أول اجتماع له بالآتي :

ـ أ‌. تعيين رئيس وزراء يقوم باقتراح أسماء وزراء حكومته على أن يحظوا جميعاً بثقة المؤتمر الوطني العام قبل مباشرة أعمالهم كحكومة مؤقتة . كذلك يقوم المؤتمر بتعيين رؤساء الوظائف السيادية .

• نصت المادة 47 من مقترح فبراير على أن يؤدي رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام رئيس الدولة وفي جلسة علنية اليمين التالية : ” أقسم بالله العظيم ان أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، وأن أحترم الإعلان الدستوري والقانون ، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أسعى لتحقيق مبادئ و أهداف ثورة 17 فبراير”.

• كذلك نصت المادة 48 منه على أن يتولى رئيس مجلس الوزراء على وجه الخصوص ما يلي :

-7 اقتراح تشكيل مجلس الوزراء على الرئيس للموافقة، ومن ثم عرضه على مجلس النواب لنيل الثقة.

• اما القانون رقم 4 لسنة 2014 باعتماد النظام الداخلي فقد نصت المادة 181 على أن يؤدي رئيس الحكومة وأعضاء حكومته اليمين القانونية بمقترح فبراير المعتمد بموجب التعديل الدستوري السابع امام رئيس الدولة او من يحل محله بعد منحها الثقة من مجلس النواب .

• اما المادة 178 منه فقد نصت على أن يقوم رئيس الحكومة المكلف من قبل رئيس الدولة بتشكيل حكومته وتقديمها مرفقة ببيان موجز حول برنامجها الى المجلس في اجل لا يتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه من رئيس الدولة او من يقوم مقامه بحسب الأحوال .

• اما المادة 179 فقد نصت على أن يتولى رئيس المجلس الدعوة الى جلسة عامة في اجل اقصاه ثلاثة ايام من تاريخ تسلمه ملف تشكيل الحكومة لمنحها الثقة بالأغلبية المطلقة لأعضائه الذين أدوا اليمين الدستورية …. ويجوز التحفظ على واحد او اكثر من الوزراء بطلب من اربعين عضواً .

فاذا نظرنا الى مشروع حكومة الوفاق فانها لا تخرج عن كونها مقترحاً قدم من السيد رئيس المجلس الرئاسي الى مجلس النواب ، ولم يتم التصويت عليه ولا على برنامج عمله كما تنص المواد المذكورة وبالتالي لم يصدر قرار من مجلس النواب بمنح الحكومة الثقة أي تعيين الحكومة و وزرائها في مناصبهم بطريقة دستورية ، و لم يحلفوا اليمين القانونية بما فيها مجلس الرئاسة نفسه والمعروف ان حلف اليمين القانونية او يمين الولاء فإنه شرط جوهري للتعيين في الوظائف والمناصب العامة ولا يجوز قانونا أن يُمكن الموظف المعين من مباشرة عمله او يصرف له مرتبه الا اذا حلف اليمين .

• المادة 13 من الاتفاق السياسي الليبي نفسها نصت على أن يتولى مجلس النواب منح الثقة لحكومة الوفاق والمادة 12 نصت ايضاً على ان مجلس النواب يتولى السلطة التشريعية وفقا للاعلان الدستوري وتعديله وكذلك يُفهم من المادتين 37 ، 43 أن حكومة الوفاق لا تباشر عملها الا بعد نيل الثقة من مجلس النواب .

3 – القول بأن شرعية الحكومة مستمدة من الاتفاق السياسي الليبي فإن لا يجد له أي سند قانوني ، فالاتفاق السياسي الليبي لا يخرج عن كونه مقترحاً مقدماً لحل المشكلة الليبية فلا يكتسب أي شرعية الا اذا اعتمده البرلمان بالأغلبية الموصوفة وتم ضمه الى الاعلان الدستوري ويؤكد ذلك سببان لا يختلف عليهما اثنان وهما :

• ان المعاهدات الدولية الخطيرة مثل اتفاقية مكافحة الفساد واتفاقية المحكمة الجنائية الدولية التي تمثل فيها الدول الكبرى برؤسائها ويتم التفاوض عليها ثم التوقيع عليها بالأحرف الأولى الا انها لا تنفذ الا بعد التصديق عليها من برلمانات هذه الدول وصدور تشريع داخلي بذلك .

فرغم توقيع الرؤساء الذين يملكون شرعية دستورية في بلادهم الا أنها لا تنفذ الا بعد التصديق عليها فكيف تنفذ اتفاقية داخلية من اطراف مشكوك في صفتهم دون التصديق عليها من السلطة التشريعية واضافتها للاعلان الدستوري !؟

• أن الاتفاق السياسي الليبي موقع من 22 مواطن ليبي بعضهم يمثل مجلس النواب والبعض الآخر يمثل المؤتمر الوطني و قد سحب منهم التفويض قبل التوقيع و بعضهم اشخاص لا صفة رسمية لهم ، فأقل ما يقال انه توقيع بالأحرف الأولى فكيف يلزم توقيع 22 مواطن الدولة الليبية دون ان يعتمد من ممثلي الشعب الذين تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية من الشعب الليبي كله !؟

4 – رب قائل يقول ان وزراء الحكومة يباشرون عملهم بموجب التفويض الصادر لهم من المجلس الرئاسي ، فأقول ان التفويض في الاختصاص له معنى كبير في القانون الاداري وقد شرح شراح القانون الاداري قواعد واصوله ، فالقاعدة العامة أن الموظف العام يمارس الاختصاصات المبينة في القانون لوظيفته و لا يجوز له التنازل عنها او تفويض الغير بها ، الا اذا نص القانون بنص صريح على ذلك و قد نظم القانون رقم 29 لسنة 1970 بشأن التفويض في الاختصاصات المعدل بالقانون رقم 147 لسنة 1971 التفويض في الاختصاص حيث جاء فيه :

” لرئيس مجلس الوزراء أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين واللوائح إلى نائب رئيس الوزراء أو الوزير المختص وللوزير أن يعهد من وقت لأخر ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين واللوائح إلى وكلاء الوزارة أو مديري الإدارات العامة أو رؤساء المصالح ومن في حكمهم، وله أن يوزع هذه الاختصاصات بينهم في حالة تعددهم ” .

ثم نصت المادة 107 من اللائحة التنفيذية لقانون علاقات العمل على أنه لشاغلي وظائف الادارة العليا والاشرافية ان يعهدو من وقت لآخر ببعض اختصاصاتهم المخولين بها لشاغلي الوظائف المساوين لهم في الدرجة فالتفويض في الاختصاص لابد ان يكون منصوص عليه في القانون وأن يكون بعض اختصاصات المفوض و ليس كلها وان تكون محددة ولا يجوز التفويض في التفويض !
اما ان يفوض المجلس الرئاسي اختصاصات غيره فهذه تنطبق عليها قاعدة في القانون الإداري تسمي الحلول أي ان يحل موظف محل آخر في اختصاصاته كأن يمارس الوزير اختصاص ادارة من الادارات التابعة له وهو قرار باطل .

أمّا التكييف القانوني لقرار التفويض المذكور فهو في حقيقته قرار تعيين بغير الطريق الذي رسمه القانون ومن جهة لا تملكه قانونا وليس تفويضاً كما سُمي .

وبناءاً عليه فإن الجهة المختصة دستورياً بتعيين الوزراء هي مجلس النواب و بطريق التصويت وهذا لم يحصل ، وبعد ذلك لم يتم حلف اليمين القانونية ، فكيف لوزير لم يعين ولم يحلف اليمين القانونية أن يباشر عمله ! خاصة وأن مباشرة العمل تتطلب إصدار حزمة من القرارات التي ستكون محلاً للطعن عليها بالإلغاء و يتكرر ما حصل في السنوات الماضية من صدور أحكام باإلغاء آلاف القرارات و ربما يتذكر رجال القانون قضايا شركة تيبستي و قضايا القانون رقم 10 لسنة 1989 و قضايا الاسواق و قضايا شركات البترول و شركات التأمين التي عرضت على القضاء بالآلاف نتيجة أخطاء ما كانت لتحصل لو أُتبع بشأنها القانون .

وخلاصة القول أن ما يهمني هو سمعتي القضائية التي حافظت عليها اكثر من اربعين عامآٓ مارست فيها العمل القضائي في جميع المحاكم من الجزئية الى العليا و في النيابة العامة و توليت وظائف قيادية في القضاء ، فلا أقبل أن اُمارس عملاً بطريق اقحامي فيه بطريقة تخالف القانون فتصدر مني قرارات باطلة وقابلة للإلغاء امام القضاء الاداري و أخالف مبدأ المشروعية و في نفس الوقت انا لست من طلاب المناصب ولا يستهويني السعي إليها و لكن اذا كلفت بها ابذل كل جهدي على ان اؤديها على الوجه الصحيح قانوناً .

المستشار جمعة عبدالله بوزيد الدرسي

Shares