الكبير : قرارات مؤلمة وتغيير سعر الصرف ورفع الدعم لإنقاذ الدينار الليبي

ليبيا – أصدر محافظ المصرف المركزي في طرابلس الصديق الكبير بياناً صحفياً وصفه بمحاولة جادة للتواصل مع الرأي العام الذي يعكس بتفاعلاته واقع معاناة إنعكس على مستوى المعيشة وبأن البيان لا علاقة له باللغط الكبير حول المصرف وشخص المحافظ.

البيان الذي صدر اليوم الأحد وتلقت صحيفة المرصد على نسخة منه أعرب فيه الكبير عن إيمانه بأن الظهور الإعلامي المباشر لا يجب أن يكون للدعاية والإعلان والتسويق للأشخاص أو المؤسسات بل لتعريف أبناء الوطن بما يجب أن يعرفوه وما يحق لهم أن يعرفوه مبيناً بأن الفترات السابقة شهدت محاولات للحفاظ على توازن دقيق بين دفع الضرر وجلب المنفعة لأن الكلام في مقام الخلاف والصراع قد يزيدهما تأجيجاً ويساء فهمه وتفسيره ويستغل لتحقيق مصالح أنانية على حد تعبيره.

الاعتراف بوجود أزمة

وأضاف بأنه مما لا يخفى على أحد ومما يوجب الإنصاف الإعتراف بوجود أزمة وبأن من الأمانة الشرعية والمسؤولية الوطنية العمل على تغييرها نحو الأحسن وليس الإكتفاء بمنع إنحدارها نحو الأسوء وبقدر ما يفرض الإنصاف والعدل وأن تتوزع مسؤولياتها وتبعاتها على كافة مؤسسات الدولة كلا حسب إختصاصاتها وصلاحياتها وليس من خلال إلقاء جميع هذه التبعات والمسؤوليات على طرف واحد لم يخوله القانون صفة قيادية تسمح له برسم السياسات العامة للدولة أو تحاسبه بما لا يقع ضمن مسؤولياته كمؤسسة تنفيذية لجزء من السياسة العامة للدولة والمعني هنا هو المصرف المركزي الذي حرص المشرع على جعله مؤسسة مستقلة ليحصنه من الخلافات والتدخلات فيما قام المصرف على الرغم من ذلك بشغل فراغات حتمتها المصلحة العامة لرفع المعاناة عن المواطن قدر المستطاع على حد وصفه.

وأشار البيان إلى أن المصرف المركزي بإعتباره مؤسسة ذات طبيعة خاصة وحساسية فائقة تجاه المتغيرات والظروف المحلية والخارجية وبغض النظر عمن يكون مجلس إدارته ومحافظه لا يمكن أن ينفصل تأثراً وتأثيراً عن الوضع العام للدولة سواء في حال قوتها وإستقرارها أو في حال ضعفها وإضطرابها ولا عن الشكل العام للسلطة وأداء إدارتها العامة في وضع التماسك والعمل أو في وضع التفكك والتعطل ولا عن الإقتصاد الوطني العام الذي يضم المدخلات والمخرجات والسياسة والإجراءات إستقر وأزدهر أم إرتبك وإنكمش وتعطل ولا عن دور المواطن في دولته ومجتمعه وإقتصاده.

وتطرق البيان إلى مسألة محافظة مؤسسة المصرف المركزي على وجودها وتماسكها وحياديتها وأدائها ومكانها على المستوى الدولي الذي يراقب ويتابع ويتفاعل ويقيم عملها حفاظاً على أصول ليبيا من التجميد مثنياً في ذات الوقت على الشعب الليبي الذي تحمل وعانى من دون أن تمتد منه يد بالأذى إلى مصارفه ومؤسساته إلا في حدود واقعات محدودة تمثل الإستثناء على قاعدة القيم الأصيلة والأخلاق المجتمعية النبيلة.

الوضع الاقتصادي بالارقام

وشدد البيان في جانب منه على أهمية رسم الواقع في صورة متكاملة وتحسس حلول الأزمة وعدم الهروب من مواجهة واقع سلبي يداهم البلاد ويحاصرها إلى المماحكات والمنازعات وذلك من خلال إلقاء نظرة موضوعية على الحقائق والمعطيات التي تصف الواقع الراهن المتمثل بوجود إقتصاد ريعي أحادي المصدر بإمتياز يتأثر سلباً وإيجاباً وبإيقاع سريع بإنتاج النفط وتصديره وبأسعاره حيث تدنت الإيرادات النفطية من 53 ملياراً و300 مليون دولار في العام 2012 إلى 4 مليارات و800 مليون دولار في العام 2016 وبإنخفاض يقدر بـ91% وهو ما إنعكس على تدني الإيرادات الممولة للموازنة العامة حيث إنخفضت من 70 مليار دينار إلى 8 مليارات 600 مليون دينار وهو الأمر الذي أثر سلباً على القوة الشرائية للدينار وأسعاره في السوق الموازية.

وأضاف بأن الحال الآن يتمثل أيضا بتدن مستمر في معدلات الدخل القومي خاصة في السنوات الـ4 الأخيرة 2013 و2014 و2015 و2016 نتيجة الإقفال التعسفي لإنتاج النفط وتصديره حيث فاقت الخسائر 160 مليار دولار وإنعكس ذلك سلباً على إحتياطيات النقد الأجنبي وأضعف قيمة الدينار وزاد من قيمة العملات الصعبة في السوق الموازية فضلاً عن وجود زيادة مضطردة وغير منطقية في الإنفاق العام ذي الطبيعة الإستهلاكية وخاصة بند الرواتب حيث لا يوجد دولة في العالم بخلاف ليبيا يستهلك بند الرواتب وما في حكمها فيها أكثر من 60% من إجمالي الموازنة فيما كانت موازنة التنمية تمثل نسبة 51% من إجمالي موازنة العام 2010 بالإضافة إلى  تضخم أعداد الموفدين إلى الخارج في مختلف المجالات من دون وجود حاجة حقيقية لهم ومن دون معايير معتمدة في تكليفهم ولا مصلحة وطنية في إستمرار الإنفاق عليهم في ظل الإنفلات والهدر للمال العام.

غياب وزارة الاقتصاد وأزمة السيولة النقدية

وتحدث البيان عن مسألة غياب أدوار الوزارات والهيئات والإدارات المسؤولة ضمن الإدارة العامة للدولة منذ العام 2012 ومنها وزارة الإقتصاد المنوط بها تنظيم التجارة الخارجية والداخلية والأسعار والتوزيع خاصة في الظروف الإستثنائية وأوقات الأزمات فضلاً عن غياب دور مصلحة الجمارك المسؤولة عن تأمين الدولة وعبر منافذها من جرائم التهريب والتهرب والجباية والحماية وتعذر قيام الضبط القضائي بردع المخالفين والمتجاوزين وأداء الرقابة الفاعلة بجميع مجالاتها فضلاً عن غياب الإعلام بمفهومه الإيجابي التوعوي التنويري وليس السلبي الإستقطابي متطرقاً في ذات الوقت إلى حالة الفوضى في تأسيس وخلق الوحدات التجارية الخاصة ومن دون ضبط ومعايير ما أدى إلى وجود مئات الشركات المتهافتة على طلب العملة والإعتمادات المستندية المالية ومن خلال ممارسة ضغوط رهيبة على المصرف المركزي والمصارف التجارية التي لا تتوفر لها منظومات حماية عامة أو ذاتية ما تسبب في إفساد الذمم الضعيفة وإستنزاف إحتياطيات النقد الأجنبي وإنعدام تحقيق أية قيم مضافة إلى الإقتصاد أو منافع حقيقية للمجتمع حيث تشكل هذه الشركات ما نسبته 60% من إقتصاد الظل غير المنظم الذي يستنزف مقدرات الشعب من النقد الأجنبي من دون القيام بدفع المستحق عليها من رسوم وضرائب لتهريب السلع إلى الدول المجاورة.

وتطرق البيان إلى قيام كبار المودعين والمتعاملين بسحب أموالهم التي بلغت 30 مليار دينار وهو ما يمثل أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي من المصارف وكنزها وتدويرها خارج النظام المصرفي فيما كانت نسبة هذا الناتج لا تتجاوز 9% في نهاية العام 2010 وهو ما قاد إلى خلق أزمة في السيولة النقدية يستحيل حلها بطباعة المزيد من النقود بعد تجاوز النقد المتداول للنسب المسموح بها عالمياً في الإقتصاد الوطني والآثار التضخمية الخطيرة لتضخم عرض النقود المتناسب عسكياً مع تضاؤل حجم النشاط الإقتصادي مشيراً في ذات السياق إلى مسألة تضخم الدين العام وبلوغه معدلات غير مسبوقة بعد أن بلغ حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي 66 مليار دينار وهو ما لا يشمل ما تم صرفه من المصرف المركزي في البيضاء ما تسبب بعجز مستمر ومتصاعد للموازنة العامة بسبب تناقص الإيرادات وزيادة النفقات فضلاً عن مصاحبة عجز الموازنة عجزاً غير مسبوق في ميزان المدفوعات ما أجبر المصرف المركزي على إتخاذ جملة من الإجراءات والضوابط لتخفيض حجم العجز والمحافظة على إحتياطيات النقد الأجنبي وقدرة الدولة على الإستدامة المالية ليتمكن من تخفيض العجز في هذا الميزان إلى 7 مليارات دولار خلال العام 2016 قياسا بـ12 مليار دولار في العام 2015 و22 مليار دولار في العام 2014 فيما كانت الأوضاع ستكون أسوء لولا إتخاذ المصرف لهذه الإجراءات.

الإنفلات الأمني وفوضى التشريعات

وتناول البيان في جانب منه مسألة توقف الدور الطبيعي والإيجابي للنظام المصرفي في الإقتصاد العام وهبوط معدلات الإئتمان والتمويل والإستثمار لأسباب كثيرة من أهمها الإنقسام السياسي والإنفلات الأمني وفوضى التشريعات وإرتفاع المخاطر وإستمرار قفل السجل العقاري وعدم وجود البيئة الأمنية والقانونية والإدارية اللازمة لدعم عمل القطاع المصرفي فيما شهدت البلاد توسعا في حجم السوق السوداء للعملات وإزديادا للمضاربات بسبب إنخفاض الإيرادات من النقد الأجنبي وإزدياد المعروض من النقود خارج النظام المصرفي وعدم ضبط المنافذ وغياب الرادع القانوني ما أثر سلبا على قوة الدينار فيما أحال المصرف المركزي ملفات للنائب العام لها علاقة بتهريب أموال بأكثر من 4 مليارات دينار.

وتطرق البيان إلى إزدياد الإنفاق خارج الموازنة العامة وخارج الترتيبات المالية من خلال المصرف المركزي في البيضاء الذي بلغ حسب المعلومات المتوافرة نحو 15 مليار دينار خلال العامين 2015 و2016 على الرغم من كون عملية دفع الرواتب تتم ضمن منظومة الرقم الوطني ولكافة مستحقيها فضلاً عن أبواب الموازنة الأخرى لكافة أنحاء ليبيا التي تتم من قبل إدارة العمليات المصرفية في العاصمة طرابلس فيما لا تقابل هذا الإنفاق أي موارد أو غطاء وأصبح يمثل ضغطا هائلاً على قوة الدينار وأسعاره في السوق الموازية وعلى أصول وموجودات بعض المصارف التجارية وهو ما سينعكس سلباً على المراكز المالية لهذه المصارف وعلى الإقتصاد الوطني فيما لم تلقى الدعوات المتكررة من المصرف المركزي للحد من هذا الإنفاق ومعالجة آثاره الخطيرة أي تجاوب يذكر.

وتحدث البيان عن مسألة ضعف تحصيل الرسوم السيادية من الجباية الضريبية والجمركية والبلدية وما في حكمها وهو ما أفقد الخزانة العامة لأحد مصادر تمويلها وزاد من تفاقم العجز والدين العام فضلاً عما سببته أزمة نقص السيولة النقدية في دولة تعاني من إنقسامات سياسية وهو ما أفقد السلطة وحدتها وقدرتها لينعكس ذلك الإنقسام على المصرف المركزي والنظام المصرفي بكامله بالإضافة إلى الإنفلات الأمني الذي ساعد على إنتشار الفوضى والجريمة المنظمة والإرهاب الذي ضرب الدولة والسلطة والمجتمع والإقتصاد في مفاصلها.

إعادة النظر في سعر الصرف ورفع دعم المحروقات

وأشار البيان إلى أن كل ما تقدم ذكره رسم لصورة الواقع بكل موضوعية وتجرد وتوضيحاً للأزمة وتحديداً للمسؤليات عنها وإستنباطاً للحلول التي إن لم يتم المسارعة إليها والسعي فيها بضمير وطني جمعي وفردي متجرد عن هوى الإنحياز فأن ذلك سيزيد من طول الأزمة وحدتها مبيناً في ذات الوقت بروز الكثير من الحلول المقترحة من المختصين وغير المختصين خلال فترة الأزمة إتفقت جميعها في حسن النية والمساهمة في حلحلة الأزمة وإن غاب عنها المعلومات الكافية وإمكانيات التطبيق على أرض الواقع حيث لا يمكن بيع العملة الصعبة نقداً في ظل توقف توريدها إلى ليبيا منذ ديسمبر من العام 2013 بعد سرقة شحنة المصرف المركزي في مدينة سرت فيما يجب أن يصاحب تغيير سعر الصرف حزمة من الإجراءات والإصلاحات المالية والإقتصادية والتجارية التي تتم في تناغم وتنسيق للسياسات بين مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.

وأضاف البيان بأنه لا مناص من الإعتراف بأن البلاد تمر بأزمة حقيقية خانقة فيما لا زالت الحلول ممكنة وتحتاج الى إرادة وعزيمة وقوة للتطبيق ومن خلال إنهاء الإنقسام السياسي وتكوين سلطة تنفيذية وسياسية موحدة وتوحيد المؤسسات المنقسمة وتفعيل مؤسسات الدولة النظامية وفاعلية السلطة التشريعية وعودة المنظومة القضائية وفرض الأمن وإيقاف الصراعات المسلحة والدعوة إلى المصالحة والإصلاح وعودة المهجرين وزيادة إنتاج وتصدير النفط والغاز وإعادتهما إلى مستوياتهما في العام 2010 والعمل الجاد على إيجاد تناغم تام بين السياسات المالية والتجارية والإقتصادية والحد من الإنفلات الإستيرادي والفوضى التجارية وضبط المنافذ وتوفير فرص العمل الحقيقي لا الطفيلي إضافة إلى إعادة النظر في سعر الصرف ورفع دعم المحروقات وإستبداله بدعم نقدي للفئات المتضررة وترشيد الإنفاق وفتح المجال للقطاع الخاص وتحفيزه وتنشيط بيئة الإنتاج والأعمال والإستثمار حيث من الممكن أن يمثل ما تقدم وصفة متكاملة ممكنة التنفيذ ومضمونة النتائج لتتعافى ليبيا من هذه الأزمة.

وبارك البيان اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح برئيس مجلس الدولة عبد الرحمن السويحلي في العاصمة الإيطالية روما لكونه خطوة هامة في الإتجاه الصحيح لإنهاء الإنقسام السياسي مثمناً في ذات الوقت مبادرة مجلس النواب بتشكيل لجنة لدعم ومتابعة الحوار ولترسيخ المصالحة والوفاق بين أبناء الوطن فيما يمثل إصدار لجنة الـ12 التوافقية لمسودة مشروع الدستور بارقة أمل أخرى للخروج من المراحل الإنتقالية إلى المرحلة الدائمة.

إتخاذ قرارات مؤلمة للدفاع عن الدينار

ورأى البيان في فتح الحقول النفطية وإعادة الإنتاج والتصدير خطوة هامة تعزز الثقة في تجاوز هذه الأزمة داعياً إلى ضرورة دعم المؤسسة الوطنية للنفط لتتمكن من الوصول إلى إنتاج وتصدير النفط والغاز إلى مستوياتهما في العام 2010 ما سيسهم إسهاماً فعالاً في دعم قوة الدينار ورفع المعاناة عن المواطن.

وشدد البيان على عدم وقوف المصرف المركزي عاجزاً أو محايداً أمام الحرب التي تتعرض لها العملة الوطنية وإقتصاديات الأفراد ومستوى معيشتهم وعزمه على التدخل بالقوة التي يملكها لضبط الأوضاع النقدية وتحسين الدخول المباشرة للأفراد من خلال الدفاع عن الدينار وإتخاذ خطوات عملية جادة خلال الأيام القادمة وبالتنسيق مع مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والشخصيات الوطنية التي تهمها المصلحة العلياً للوطن والمواطن مؤكداً أهمية إتخاذ قرارات مؤلمة وضرورية لفترة زمنية محدودة لتنفيذ خطوات العلاج الذي لا مفر حيث أوضح التأريخ بأن دولا مرت بظروف أسوء مما تمر به ليبيا لكن إتخاذها لهذه القرارات جعلها تتجاوز ظروفها وتتعافى من محنتها فيما تبقى الثقة معقودة بقدرة الشعب على تجاوز الأزمة والإنطلاق لبناء مستقبل أفضل.

 

Shares