ليبيا – كتبت المحامية د. عزة المقهور مقالاً تناولت فيه الجوانب الفنية و القانونية بشأن إتفاق رئيس رئاسي الوفاق مع الحكومة الإيطالية حول الهجرة غير الشرعية و التي أكدت خارجيته أنها ستشمل دخول قوارب الى ميناء طرابلس لتلك المهمة .
و كانت المقهور واحدة من بين فريق تقدم بطعن قانوني ضد مذكرة تفاهم السراج – جنتلوني الموقعة مطلع العام الجاري و تحصلت و فريقها على حكم قضائي بوقف نفاذ المذكرة و تعد أيضاً من المهتمين بملف الهجرة غير الشرعية .
المقهور كتبت مقالها اليوم الثلاثاء و إختارت نشره على صحيفة المرصد ، إلى نص المقال :
بقلم عزة المقهور : ما بين “توفير الدعم الفني المناسب” والتدخل الأجنبي ، ما بين طلب السراج واستجابة جنتلوني
طلب المجلس الرئاسي من الحكومة الايطالية تقديم الدعم الفني المناسب للوحدات البحرية الليبية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب، وجاء في الطلب كذلك، أن مقر الوحدات البحرية للدعم الفني سيكون ميناء طرابلس البحري، مع مشاركة الجانبين الايطالي والليبي في القيام بدوريات مشتركة داخل المياه الإقليمية الليبية بناء على طلب الجانب الليبي.
وإزاء هذا الطلب، اعلن رئيس الحكومة الإيطالية الموافقة عليه و وضعت حكومته خطة عمل لذلك، ولأن الأمر سيتطلب دخول قطع بحرية ايطالية للمياه الاقليمية والداخلية ( الميناء) وبالتالي انتقال وحدات ايطالية خارج حدودها، فإن الأمر تطلب الإحالة للبرلمان الإيطالي للحصول على الموافقة.
أولاً : المياه الإقليمية الليبية
1 . بتاريخ 18 فبراير 1959، صدر القانون رقم 2/ لسنة 59 بشأن تحديد المياه الاقليمية الليبية، والذي جاء من مادتين، نصت المادة الأولى منه على ” تحدد المياه الإقليمية الليبية بأثني عشر ميلا بحريا”، كما ورد في المادة 2 منه “على رئيس الوزراء والوزراء تنفيذ هذا القانون كل فيما يخصه، ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية”.
ثم صدر قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 104 بشأن خطوط الأساس المستقيمة لقياس المياه الإقليمية والمناطق البحرية.
2 . المياه الإقليمية وفقا للعرف والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ليبيا هي المنطقة البحرية التي تمتلك الدولة “حق السيادة عليها”، والتي تتضمن حق الصيد، والملاحة والشحن البحري واستثمار المصادر الطبيعية و الثروات البحرية ، و الأهم هو سريان قوانين الدولة الوطنية بما في ذلك القوانين الجنائية على هذا الإقليم بالكامل واختصاص القضاء الوطني بما يجري داخل حدوده.
3.وتأسيسا على ذلك، صدرت حزمة من القوانين الوطنية ذات العلاقة بالمياه الإقليمية ومنها:
– القانون رقم 97 لسنة 1976 بشأن مكافحة التهريب.
– القانون رقم 8 لسنة 1973 بشأن منع تلوث مياه البحر بالزيت.
– قانون رقم 14 لسنة 1989 بشأن استغلال الثروة البحرية.
– قانون رقم 15 في شأن حماية وتحسين البيئة.
– القانون البحري الليبي لسنة 1953.
3. ومن خلال ما ورد من بيانات عن الجانب الليبي تؤكد على أن “السيادة الوطنية خط أحمر” و من خلال تصريحات ومواقف مختلفة من الجانب الإيطالي بتدخل لوحدات بحرية عسكرية ولوازمها ورعاياها داخل المياه الإقليمية الليبية، فإن الفيصل ما بين هذا و ذاك هو مدى سريان القوانين الوطنية الليبية ومدى اختصاص القضاء الليبي على هذه الوحدات الإيطالية و على من هم على متنها من رعايا إيطاليين ؟!
ثانياً : سريان القوانين الوطنية الليبية وأختصاص القضاء الليبي على الوحدات الإيطالية ومن على متنها
لا شك أن التواجد الإيطالي في المياه الإقليمية بل في داخل المواني الليبية (مياه داخلية) أيا كان شكله هو تدخل، وإن من حق الدول أن تقوم بالتعاون والإشتراك في بعض الأعمال التي ترى أنها تحقق مصالحها ولكن في إطار القوانين النافذة، ولا يمكن أن تكون خارجها أو بدون أن تكون لها شرعية أو اختصاص في القيام بها أو بالمخالفة للقوانين النافذة.
وبغض النظر عن كل ما يٓعْتور المجلس الرئاسي من عيوب قانونية، وعدم الخوض حالياً في قرار محكمة إستئناف طرابلس بإيقاف نفاذ مذكرة التفاهم ، و تجاوزاً لكل هذا دون التنازل عنه ، فإنه من المهم الإنتباه إلى أن الفارق ما بين تحقيق المساعدة والتعاون و ما بين التدخل الأجنبي و إنتقاص السيادة هو مدى خضوع الأعمال التي يقوم بها الأجنبي على الأراضي الليبية أو في مياهها الإقليمية للقوانين الوطنية الليبية واختصاص القضاء الليبي عليها.
ولمّا كانت الأعمال المتوقع مشاركة الوحدات الإيطالية فيها هي أعمال تتعلق بمكافحة الهجرة والتهريب وقد تتطلب استخدام وسائل القوة والإجبار ، مما قد تتسبب في حوادث تتعلق بالبشر و من بينهم مواطنين ليبيين قد تصل لحد ارتكاب أفعال يجرمها قانون العقوبات الليبي.
كما وأن هذه الأعمال – كغيرها- قد تنتهك القوانين الوطنية النافذة، إضافة إلى إمكانية ارتكاب الايطايين القائمين على هذه الوحدات أفعالا مخالفة للقوانين الوطنية.
لذا، فإنه من المتعين معرفة فيما إذا كانت “الوحدات” الإيطالية ومشغليها من الإيطاليين خاضعين للقوانين الليبية ولإختصاص القضاء الليبي ، فإن خضعوا لها، فإن سيادة الدولة ما تزال قائمة -رغم التحفظ على دور الرئاسي واختصاصه ومخالفته لقرار المحكمة- أما إذا ما كانت هذه الإعمال محصنة من سريان القوانين الوطنية عليها و من اختصاص القضاء الليبي ، فإن هذا يعني أنه تدخل أجنبي بواح معتدياً على السيادة الليبية على إقليمها.
وهنا فإننا نرى أن يتحقق الجانب الليبي وخاصة خارجية الوفاق من هذه النقطة وأن يضمن عدم خرقها، وأن يلتزم الجانب الإيطالي بها.
وفي الختام، لمن يريد لصوت المواطن أن يخفت نقول أنه وفي غياب دور لمجلس النواب الذي يتساكن بعض أعضاءه لدى المجلس الرئاسي (غير المنتخب) أو يرفض بعضه أعمال المجلس الرئاسي مكتفياً بالبيانات دون عمل برلماني حقيقي ، بسبب إما الإجازة المفتوحة أو المقاطعة الدائمة، فإنه لم يعد إلا صوت المواطن، الذي منحه لمن لم يراعي الله في حقه، أو في مواجهة من يتصرف دون إذن منه في مسائل سيادية و بالمخالفة لأحكام القضاء الليبي .
وما توفيقي إلا بالله
عزة كامل المقهور – صحيفة المرصد الليبية
1 أغسطس 2017