بعد ست سنوات..ضباط مخابرات أمريكيين ناجين من هجوم بنغازي يروون مشاهداتهم عن الليلة الدامية

ليبيا – وصف تقرير إخباري أعدته صحيفة “POLITICO” الأميركية ما قام به إثنين من قدامى المحاربين ذوي القدرات القتالية العالية بوكالة الإستخبارات المركزية “CIA” يوم الثلاثاء الماضي بأمر مثير للتعاطف بعد إعادة سرد رواية مهمة بالتأريخ السياسي الأميركي.

التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد أشار إلى أن هذه الرواية المباشرة هي لحدث يعد واحداً من الأحداث المتفجرة سياسياً في التأريخ الأميركي المعاصر وهو الهجوم الدامي على المنشآت الحكومية الأميركية في مدينة بنغازي عام 2012 مشيراً إلى أن إدلاء هذين الإثنين بشهادتيهما أتى في ظل تدابير سرية غير عادية بما فيها ما وصفه القاضي بالتمويه الخفيف ليخبرا هيئة المحلفين الإتحادية في واشنطن خلال محاكمة لقائد ميليشيا ليبية عما حدث معهما بالضبط.

رسم بياني لمجمع القنصلية الامريكية فى بنغازي و المقار الملحقة به بما فيه مقر لوكالة المخابرات المركزية

وأضاف التقرير بأن العنصرين في الـCIA أفادا بكيفية طيارانهما ليلة الإعتداء على المجمع الديبلوماسي بمدينة بنغازي من العاصمة طرابلس ليجدا نفسيهما في نهاية المطاف محاصرين بمرفق قريب لوكالة الإستخبارات المركزية وأمام معركة واسعة وفيما كان يبدو أن السفير “كريستوفر ستيفنس” وتقني الحاسوب بوزارة الخارجية “سين سمث” قد توفيا بالهجوم الأولي فقد أدى القصف للمرفق الذي أعقب ذلك لمقتل المتعاقدين الأمنيين بالوكالة “غلين دوهرتي” و”تايرون وودز” وإصابة العميل بالأمن الديبلوماسي “ديفيد أوبين” بجروح خطيرة.

ووفقا للتقرير فإن قائد الميليشيا الليبي أحمد أبو ختالة الذي تم إعتقاله بعملية خاطفة نفذتها القوات الأميركية في فيلا على ساحل البحر قرب مدينة بنغازي عام 2014 يواجه عددا من التهم الجنائية بضمنها التآمر لقتل الأميركيين الـ4 وتدمير ممتلكات للولايات المتحدة وإستمع من دون مبالاة لرواية الرجلين عن محنتهما التي تحولت مع رواية عدم إيلاء وزير الخارجية آنذاك هيلاري كينتون الإهتمام الكافي بالتهديدات المحتملة إلى روايات للحملة الإنتخابية الرئاسية لكلينتون عام 2016.

صورة نشرتها واشنطن بوست لـ أبوختالة بعد إعتقاله فى ليبيا

وأضاف التقرير بأن سلسلة تحقيقات أجراها “الكونغرس” أوردت أدلة قليلة بشأن إمكانية القيام بأي شيء في تلك الليلة لمساعدة الأميركيين الذين كانوا تحت خط النار في وقت إنتقد فيه الجمهوريون كلينتون ومساعديها لقيامهم بالقليل إزاء التهديدات الأمنية للديبلوماسيين في ليبيا بعد أن تدهورت الأوضاع فيها عام 2012 مبيناً بأن أي نقاش بشأن الأثر السياسي للحادثة لم يتم البحث فيه خلال الشهادة التي قدمت يوم الثلاثاء الماضي.

ارشيفية لمثول كلينتون أمام لجنة للتحقيق و الاستماع فى الكونغوس حول ليلة الهجوم المميت ببنغازي

وتطرق التقرير إلى وصف الشاهدين لمغادرتهما للعاصمة طرابلس في حدود منتصف الليل في طائرة صغيرة تم إستئجارها بمبلغ 30 ألف دولار دفعت نقدا ووصولهم في الساعات الأولى من الصباح بعد الهجوم الأولي وبعد الإنتظار لبضعة ساعات في المطار من أجل وصول ميليشيا لمرافقتهم توجه الأميركيون إلى مرفق الوكالة الذي يبعد قرابة الميل ونصف عن المجمع الأميركي الرئيسي حيث قالا في شهادتيهما:” لقد وصلنا إلى الداخل وما هي إلا دقائق معدودة وفتحت أبواب جهنم”.

صورة بالقمر الصناعي توضح موقع القنصلية الامريكية و مقر وكالة المخابرات الامريكية فى بنغازي

وإستذكر الضابط بالوكالة الذي يتحدث العربية ويستخدم إسما مستعارا هو “اليكسندر تشارلز” ما جرى قائلاً: “ربما كانت 8 دقائق منذ وصولنا كانوا يستخدمون قذائف الهاون وبدأنا نحس وأن الأرض كلها تهتز تحت أقدامنا والبناية ذاتها والجدران بدأت تنهار والكتل الإسمنتية الكبيرة تنهار أيضا” مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من إمتلاكه خبرة 3 عقود من العمل في القوات المسلحة والـ CIA فقد توقع بأنه سيموت في حينها.

وأضاف: “على الرغم من كل تلك السنوات التي قضيتها في القوات المسلحة فقد شعرت حقاً أن تلك الليلة هي الأخيرة لي على هذه الأرض لقد راودني هذا الشعور كثيرا ولو إستمر الحال على ما كان عليه حينها لتم دفننا أحياء”.

من جانبه وصف المسؤول الرفيع بالوكالة في ليبيا في ذلك الوقت والذي إستخدم إسم “روي إدواردز” حينما كان يدلي بشهادته يوم الثلاثاء الماضي الإعتداء أيضا بالمروع وقال: “كان أمر مرعباً في الواقع وأقول أننا معتادون على ذلك ولكن كنا نتلقى الرصاص وكان أمراً سيئاً” فيما تعرض ديفيد أوبين إلى إصابة خطيرة بسبب قذيفة هاون سقطت على سطح البناية الرئيسية لمجمع الوكالة وفقاً لما قاله إدواردز.

النيران تلتهم مقر القنصلية عقب الهجوم

وأضاف إدواردز بأن أوبين الذي تم إعطائه جرعة من مادة المورفين المسكنة للوجع إستمر بالصراخ وقال: ” على الرغم من تلقيه جرعة بمعيار 20 ملي غراماً من المورفين إلا أنه إستمر بالصراخ بشكل لن أستطيع نسيانه في حياتي لن أنسى ذلك الصراخ ما حييت”. وأوقف إدواردز شهادته وهو يقوم بوصف قيامه بالتسلق نحو سطح البناية وسماع أحد زملائه وهو يقول بأن “دوهرتي” قد مات وقال: “لم يتم تسجيل الأمر مباشرة لقد مات بوب إنتقل إلى مسعف آخر”.

وقبل أن يأخذ وقفة طويلة لإستعادة رباطة جأشه قال: “لقد أمسكت “TY” من سرواله وسحبته 15 قدماً نحو السلم وخلال ذلك الوقت كان قد إنتهى” فيما قال تشارلز وإدواردز بأنهما خلصا إلى أن البقاء في المجمع أمر محفوف بالمخاطر حيث قال تشارلز: ” لقد قلت دعنا نذهب من هنا” وفيما كان الرجلان يتباحثان في عملية إخلاء السطح كان أوبين ووودز ودوهيرتي يحاولون الدفاع عن المجمع مضيفاً بالقول: “هو قال أحتاج إلى جلب “TY” و”GLEN” وأنا قلت لماذا تريدهما؟ فقط إخبرهما بالنزول إلى الأسفل فنظر إلي وقال لقد قتل كلاهما”.

رسم توضيحي للمواجهات أعلى أسطح المجمع ليلة الهجوم

وبعد إخلاء الأميركيين في المجمع إلى مطار بنغازي ليتم إرسالهم إلى الخارج بطائرة صغيرة قرر تشارلز بوصفه متحدثاً للعربية بأن يجب أن يبقى في مدينة بنغازي لمواصلة جهود إستعادة ستيفنس الذي تم الإعتقاد بموته فيما لم يكن وضعه مؤكداً وقال تشارلز بأنه قرر في لحظة ما أن يسير نحو بعض عناصر الميليشيات الليبية ممن حموا المجموعة الأميركية في مدرج المطار إلى جانب جثث سمث ودوهرتي ووودز.

وقال تشارلز: ” في تلك اللحظة قررت أن أسير قريباً من الثوار لا أعرف لماذا ربما كان التدخل الرباني فقد سمعت إثنين من الليبيين وهما يقولان: ” هل علينا أن نخبرهم عن الميت الأميركي في المستشفى؟” وبعد ضغط مارسه الأميركيين وصلت جثة ستيفنس إلى المدرج بعد مرور 15 دقيقة فيما أضاف تشارلز بالقول:” لقد وصل على نقالة برتقالية بسيارة إسعاف ووضع بداخل كيس للجثث فيها وبعد أن تم سحبه من الكيس الذي لم يكن مغلقاً لم يظهر على وجهه أي علامات سخام وكأنهم قد غسلوه في المستشفى”.

وبدأ صوت تشارلز بالإختناق والإرتجاف وهو يصف عملية منح سائق سيارة الإسعاف المال من أجل أن يأخذ الأميركيون النقالة التي كانت جثة ستيفنس مسجاة عليها وقال: ” لقد قلت له أنا أستطيع أن أدفع لك ألف دولار في مقابل هذه النقالة فأنا لا اريد أن أجرد السفير من آخر ذرة كرامة لديه فنحن مدينون له مضيفاً بأن الليبيين تخلوا بعد هذا الكلام في نهاية المطاف عن النقالة ذات العجلات ولم يأخذوا المال في مقابل ذلك.

وتحدث التقرير عن نقل عدد قليل من الرعايا الأميركيين المتبقين وجثث القتلى الـ4 إلى طائرة عسكرية من طراز سي 130 تابعة للقوات الجوية الليبية جوا من مدينة بنغازي في صباح ذلك اليوم من قبل المؤتمر الوطني العام الهش الذي كان يحكم ليبيا في ذلك الوقت وقال تشارلز: ” لقد وضعنا الجثث على سطح الطائرة وأتذكر أن “TY” كان ما يزال ينزف على الرغم من كونه ميتاً كان ما يزال هنالك دم في جسده حيث تكون مجرى من الدم من الجثث على طول الطريق إلى خلفية الطائرة”.

طائرة عسكرية أمريكية حطت فى مطار طرابلس الدولي و ونقلت الجثامين يوم 13 سبتمبر 2012

من جانبه أكد إدواردز بأنه وعلى الرغم من المعركة الشرسة في المجمع فإنه كان قلقاً جداً بشأن الطيران على متن الطائرة الليبية وقال:” كان الظرف مرعباً فقد شعرت حقاً إنني سأموت على متن هذه الطائرة وليس خلال ما حدث في تلك الليلة” فيما أخبر إدواردز المحلفين بأنه مستمر في تأمين الحكومة الأميركية من دون أن يفصح عن المكان الذي يعمل فيه.

وقال واحد من الشهود العاملين في الـCIA يوم الثلاثاء الماضي بأنه حين الوصول إلى العاصمة طرابلس على متن الطائرة الليبية مع الجثث الـ4 تم إخباره بأنه سيفصل عن الجثث الأميركية ويتم نقله فوراً إلى مرفق الـCIA لغرض عقد مؤتمر مصور مع البيت الأبيض فيما قضى الشاهدان معظم وقتهما على المنصة وهما يتلقيان الأسئلة من الإدعاء العام فيما كان إستجواب الدفاع لهما في بضعة دقائق لكل منهما.

اوباما وكلينتون فى مراسم استقبال و دفن السفير ستيفنز بعد وصول جثمانه الى الولايات المتحدة

ووفقاً للتقرير فقد بدى أن محامي الدفاع “ميشيل بيترسون” يدفع بإتجاه أن رجلي الـCIA لا فكرة لديهما بشأن مهاجمة ميليشيا ليبية لمجمع الوكالة في تلك الليلة فيما كان المحلفون قد شاهدوا شريطاً مصوراً يظهر فيه أبو ختالة في مشهد بالمجمع الديبلوماسي بعد تعرضه للهجوم حيث لم يكن هناك دليل واضح لحد الآن يربطه بالهجوم الذي حصل خلال الساعات السابقة في وقت ظهر فيه إسم مخبر يدعى علي عمل مع السلطات الأميركية وزعم أنه حصل على نحو 7 ملايين دولار نظير خدماته ويعتقد أنه ورط أبو ختالة في كلا الهجومين.

وبالإضافة إلى الأسماء المستعارة والتمويه الخفيف فقد تم إغلاق قاعة المحكمة بوجه الجمهور يوم الثلاثاء الماضي وهي حالة نادرة لأن المتهمين الجنائيين قد تم ضمان محاكمة علنية لهم فيما تم عرض شريط فيديو يظهر أبو ختالة والمحامين والقاضي قرب قاعة المحكمة وفي غرفة الإعلام فيما لم يظهر شهود الـCIA وظهرت أصواتهم فقط في وقت كانت فيه الإحتياطات أكثر تشدداً من تلك المستخدمة في محاكمة التسريب التي شملت العديد من شهود الـCIA في المحكمة الاتحادية قرب أليكساندريا عام 2015.

وأضاف التقرير بأن محاكمة التسريب شهدت السماح للجمهور بالدخول إلى قاعة المحكمة إلا ان فواصل كبيرة وضعت آنذاك منعت رؤية الشهود فيما شهدت بداية جلسة المحاكمة الحالية يوم الثلاثاء الماضي قيام قاضي المحكمة الأميركية “كريستوفر كوبر” بإبلاغ المحلفين بأن الإدعاء العام والدفاع إتفقوا على هذه الترتيبات وقال بأن هويات الشهود ستبقى سرية وموثقة.

وقال القاضي: “بهدف تلقي شهاداتهم ولمصلحة الحكومة في الحفاظ على سرية هوياتهم وافقت الأطراف على السماح لهم بالإدلاء بشهادتهم مع تمويه خفيف” فيما لم يكن من الواضح إذا كان المحلفون يدركون أن الجمهور قد أستبعد من قاعة المحكمة.

تم إستجواب أبو ختالة من قبل فريق من الإستخبارات الأميركية لمدة 3 أيام إنتهت في الـ5 و45 دقيقة صباحا في الـ19 من يونيو وبعدها تم توفير فراش وسجادة للصلاة وملابس وقرآن ومواد للكتابة لمكان إحتجازه وحصل على مرات إستحمام مناسبة ووجبات للطعام.

هذا وعلى الرغم من أن أبو ختالة كان قد أتهم في الأصل بجرائم يمكن أن تفضي إلى عقوبة الإعدام فإن النائب العام السابق “لوريتا لانتش” كانت قد قررت العام الماضي عدم إلتماس عقوبة الإعدام في القضية وبهذا فإن أقصى حكم سيواجهه أبو ختالة هو السجن مدى الحياة.

الترجمة : المرصد – خاص

حقوق الترجمة محفوظة لـ صحيفة المرصد الليبية 

 

Shares