بقلم المحامية عزة المقهور : الأزمة الحالية للهجرة غير النظامية واللجوء في ليبيا..استراتيجيات وحلول

ليبيا – كتبت المحامية أ.عزة المقهور مقالاً قانونياً وبحثيا.  تطرقت فيه لمسألة ازمة الهجرة غير الشرعية وتداعياتها ولا سيما الجدل المحلي والدولي الذي أعقب المقطع المصور الذي بثته قناة CNN وقالت انه لسوق رق فى ليبيا .

و فى ما يلي نص المقال الذي كتبته المقهور وتلقته منها المرصد عبر البريد الالكتروني :

 

 

 

الأزمة الحالية للهجرة غير النظامية واللجوء في ليبيا

(استراتيجيات وحلول)

عزة كامل المقهور/ محامية

مقدمة:

الهجرة في العالم هي حركة بشرية إنسانية منذ الأزل، لكنها في حراكها هذا قد تخلق أزمات. ولعل الأزمة التي تشهدها حركة الهجرة غير النظامية[1] من أفريقيا إلى أوروبا في القرن الحالي تفاقمت لحد أن التعامل معها أضحى غير إنساني. فمن ترك المهاجرين يغرقون في البحر، إلى ترحيلهم بالقوة إلى بؤر الصراع، إلى الزج بهم في مراكز الأيواء، هي كلها مظاهر تتناقض والطبيعة الإنسانية للهجرة أولا، ولكنها قبل كل هذا تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تحت بصر ونظر العالم.

وفي حالة ليبيا وهي في أغلب الأحيان دولة معبر، فإن موضوع الهجرة غير النظامية ليس بجديد، لكنه تفاقم ووصل إلى حد من الاستغلال والبشاعة حتى هز الضمير العالمي،  وفي ذات الوقت فإن حالة الفراغ السياسي والأمني الذي تعيشه ليبيا جعلها هي ذاتها فريسة لهذه الظاهرة، مما قد يزج بها إلى نتائج غير محمودة العواقب وهي الدولة الضعيفة غير القادرة حتى على حماية مواطنيها من مخالب المليشيات وجرائمهم.

ويبدو أن هذه الأزمة ستطول طالما أن ليبيا ما تزال تتلمس طريقها للخروج من أزمتها السياسية، فما يزال اتفاق الصخيرات بين الفرقاء الليبيين يراوح مكانه، وما يزال السيد غسان سلامة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا لم ينجح في المرحلة الأولى لخطته (المكونة من ثلاثة مراحل) التي عرضها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. وطالما أن الأزمة السياسية ماتزال دون حل في الأفق، وأن التشكيلات المسلحة خارج سيطرة الدولة تمرح وتسرح في البلاد، وأن معدلات الجريمة مرتفعة، فإن أزمة الهجرة غير النظامية واللجوء ستستمر.

والملفت للنظر أن دولا تدخلت في هذه الأزمة لتزيدها تفاقما وليس أدل على ذلك من تدخل وضغط الحكومة الايطالية على مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني التي لم تنل بعد اعتماد مجلس النواب الليبي وإن تم الإعتراف بها دوليا، ودفعها في ظروف صعبة للتورط في مذكرة تفاهم ليبية ايطالية أبرمت في شهر فبراير الماضي دون حتى أن تنال موافقة المجلس الرئاسي بالإجماع كما يتطلب ذلك الاتفاق السياسي الليبي.

ومن خلال مذكرة التفاهم هذه، تحولت ليبيا إلى حارس لحدود ايطاليا، وأعاد خفر السواحل الليبي بالتعاون مع البوارج  والمروحيات والأجهزة الأمنية الايطالية المختلفة اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين قسرا إلى ليبيا وايواءهم قسرا في مراكز ايواء. كما وأن الأخبار تواترت على تعامل السلطات الايطالية مع تشكيلات مسلحة ما أدى في احيان عدة إلى تصعيد الأزمة داخل ليبيا ونشوب معارك مسلحة. كما أنه من الملاحظ أن الدور الايطالي في ليبيا اتسع وامتد إلى لقاءات مع زعماء قبائل وعمداء بلديات في روما.

لذا فليس مستغربا أن تبث قناة CNN   ما يشير إلى وجود حالات اتجار بالبشر، لكن المستغرب هو حالة ردود الافعال التي تعاملت مع ليبيا وكأنها دولة مستقرة أو أن مواطنيها ذاتهم ليسوا ضحايا لهذه الأزمة التي تمر بها. حالة الإنكار ليست حلا، لكن الحل هو في اتباع استراتيجية/ استراتيجيات تحد من الأزمة إن لم تستطع دفعها وتفتح لليبيا والمجتمع الدولي السبيل لإيجاد مخرج ليس لأزمة الهجرة غير النظامية  واللجوء فحسب، ولكن لليبيا من أزمتها التي تكاد أن تقضي عليها كدولة.

  1. بتاريخ 30 نوفمبر 2017، صدر بيان عن قمة الإتحاد الأفريقي- الإتحاد الأوربي الخامسة المنعقدة في أبيذجان/ ساحل العاج حول وضع المهاجرين واللآجئين في ليبيا تحديدا، مع إشارة إلى “التقارير الإعلامية الفظيعة عن المعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون الأفريقيون على أيدي مجموعات إجرامية”[2]. وهو بيان يضع ليبيا في صدارة ملف الهجرة، حيث ورد اسم ليبيا دون غيرها من الدول في كل فقرات البيان (عدا الفقرة الأولى)، كما أنه شدد على عدة التزامات تقع على عاتق ليبيا ومجموعات أخرى من دول[3] (ليست دول بعينها) أو منظمات (الأمم المتحدة/ الاتحاد الأفريقي/ الاتحاد الأوربي) وهي:
  • الإشارة الى التحقيقات التي تجريها ليبيا لإثبات صحة الإدعاءات الإعلامية، واتخاذ ليبيا لإجراءات فورية ضد مرتكبي هذه الجرائم داخل ليبيا وخارجها وتقديمهم للعدالة بدعم دولي يقدم لها.
  • “ضرورة قيام جميع أصحاب المصلحة الليبيين بتسهيل وصول المنظمات الدولية والمسؤولين القنصليين لبلدان المنشأ إلى هؤلاء المهاجرين”.
  • اتخاذ كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والإتحاد الأوربي وحكومة ليبيا وبلدان المنشأ والعبور الإجراءات والتدابير اللازمة للتعجيل بالعودة الطوعية للمهاجرين واللاجئين [4]من ليبيا إلى أوطانهم، وذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية لإعادة توطين هؤلاء إما في بلدان المنشأ أو بلدان ثالثة.

وعليه، تتلخص الالتزامات الواردة في بيان القمة بالنسبة لليبيا فيما يلي: قيام ليبيا بالتحقيق في ما يدعى من جرائم ومعاملة غير إنسانية/ تسهيل وصول المنظمات الدولية بما فيها وكالات الأمم المتحدة ومبعوثي قناصل دول المنشأ/ عمليات الترحيل للمهاجرين واللاجئين غير النظاميين من ليبيا والتوطين لدى دول المنشأ أو بلدان ثالثة[5].

وهي التزامات تتطلب من الليبيين توحيد الجهود لمواجهتها، ولكن قبل كل شيء الإستعداد لها من خلال وضع استراتيجيات قبل أن يجد الليبيون أنفسهم مرة أخرى بين فكي الإتهام والإستجابة إلى مزيد من الضغوطات بالتوقيع على مزيد من الاتفاقات وتكبيل البلاد والأجيال القادمة بها.

وهذا المقال هو محاولة لطرح أفكار لاستراتيجيات يمكن للجهات ذات العلاقة الإستعداد لها وتطويرها أو تبنيها لمواجهة هذه الأزمة.

 

الاستراتيجيات والحلول

من هذا المنطلق، فإننا نطرح الاستراتيجيات و ونقترح الحلول التالية:

                                                          أولا/ استراتيجية جغرافية:

موقع ليبيا الجغرافي هو مكمن رخائها ومبعث شقائها في آن واحد، لذا فإن حل أزمة المهاجرين غير النظاميين واللاجئين يجب أن يجد أساس استراتيجي في موقع ليبيا الجغرافي.

يمكن لليبيا أن تلعب دورين، فموقعها الجغرافي يؤهلها أن تقف في صف الدول الاوروبية جنوب المتوسط حين تتقارب مصالحها معها، بإعتبارها ليست دولة منشأ (هي دولة عبور ويمكن أن تكون دولة مقصد)، كما يمكن أن تلعب دورا مع جيرانها الافارقة من جنوب الصحراء وغيرها في مواجهة الاتحاد الاوروبي. وهذا الموقف المتميز يمكّن ليبيا من حماية مصالحها حيثما كانت.

وليس أدل على ذلك من أن بيان القمة المشار اليه أفرد لليبيا مكانة خاصة وهي وإن كانت في حقيقتها سلبية إلا أنه يمكن إستخدامها في إطار جغرافي والتأكيد على أن ليبيا تقع بين محيط أفريقي جنوب الصحراء وأوربي شمال المتوسط والإنطلاق من هذا الأساس بما يحقق مصالحها.

                                            ثانيا/ استراتيجية قانونية/ قضائية:

وتتمثل في ثلاث خطوات:

  1. العمل على الغاء مذكرة التفاهم الليبية الايطالية بشأن التعاون في مجالات التنمية ومكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر والتهريب وتعزيز أمن الحدود بين الجمهورية الإيطالية ودولة ليبيا من خلال القضاء الليبي:

مازال الطعن رقم 30 لسنة 2017 المرفوع من عدد من المواطنين ضد المجلس الرئاسي وآخرين في مذكرة التفاهم الليبية الايطالية أمام محكمة استئناف طرابلس/ دائرة القضاء الإداري بإلغاء هذه الاتفاقية منظورا أمام المحكمة في موضوعه[6]. ومن هنا أدعو المهتمين بالشأن العام الليبي خاصة في هذا الموضوع  بالتدخل بالإنضمام إلى الطاعنين بهذه الدعوى لتقوية مراكزهم فيها استنادا للمادة 142 من قانون المرافعات الليبي، والسير قدما في هذه الدعوى.

إن الحكم في موضوع الدعوى في حال صدوره بإلغاء مذكرة التفاهم المبرمة بين ليبيا وإيطاليا في فبراير 2017 سيحقق مكسبا كبيرا ويعزز من موقف ليبيا وسيجنب ليبيا الكثير من النتائج السلبية التي تسبب فيها المجلس الرئاسي بسبب إبرام هذا الاتفاق، وسيحقق خط رجعة له، ويمنح ليبيا الفرصة لبناء أساس قانوني متين خارج الفخ الايطالي.

على ليبيا أن ترفض هيمنة ايطاليا على ملف الهجرة والسيطرة عليه، وأن تعود للنقطة الأولى في التموضع الجغرافي ما بين القارتين الأوروبية والأفريقية. فتتعامل مع هذا الملف من خلال كتل (الاتحاد الأفريقي/ الإتحاد الاوروبي) وهو النهج الذي انتهجه بيان قمة الإتحاد الأفريقي- الإتحاد الأوروبي،  وليس من خلال اتفاقات ثنائية تكون الهيمنة فيها لإيطاليا وفي غير مصلحة ليبيا.

  1. توحيد جهود الفرقاء الليبيين في ملف الهجرة واللجوء، فهو ملف مصيري، خاصة ما بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي لسن تشريعات تتعلق بالهجرة واللجوء. ففي غياب التشريعات اللازمة ذات العلاقة بالهجرة واللجوء – وليبيا فقيرة فيما يخص هذه التشريعات- يتم الضغط على ليبيا بقبول اتفاقات ثنائية أو متعددة الاطراف تكبل ليبيا إلى الأبد.

من اللازم وعلى وجه السرعة العمل على إصدار عدد من التشريعات المطلوبة خاصة في ظل انعقاد القمة المشار اليها وما ترتب عليها من نتائج والتزامات.

ذلك أنه من المتعين الاستعداد للمرحلة المقبلة التي دعى فيها بيان القمة ليبيا لقبول دخول المنظمات الدولية وقناصل دول المنشأ والتزامها بالمشاركة في عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين وإعادتهم إلى بلدانهم أو بلدان أخرى والتي يشترط فيها أن تكون طواعية وبالإتفاق مع بلدان المنشأ أو دول ثالثة. لذا فإن هناك حاجة ملحة لمواجهة هذه العمليات المعقدة والعلاقات التي ستنشأ وتتولد عنها بالإستعداد لوضع تشريعات عاجلة تحفظ حقوق ليبيا وسيادتها والتعامل مع كل ما سينشأ من عمليات الترحيل بطرق يحكمها القانون الوطني لا اتفاقات ثنائية أو متعددة الأطراف.

إن في غياب هذه التشريعات الوطنية، ستيم الضغط على ليبيا للدخول في اتفاقات و مذكرات تفاهم أو عقود قد تمس بسيادتها الوطنية وتكبلها بالتزامات لا تملك التخلص منها أو تثقل كاهلها بواجبات لا قدرة لها على تنفيذها. وبالتالي يتكرر سيناريو مذكرة التفاهم الليبية الإيطالية. والأفضل أن تصدر ليبيا سلسلة من القوانين واللوائح بالخصوص، كتنظيم عمل المنظمات الدولية وفتح مكاتب أو فروع لها في ليبيا أو لوائح استرشادية في تعامل المنظمات الدولية في ليبيا (ما لها وما عليها)، أو تشريعات تتعلق بعمليات الترحيل وتنظيمها وتنظيم الزيارات لمراكز الإيواء، وآلية تصنيف اللاجئين وما يترتب عليها من إجراءات.. الخ فتحتفظ ليبيا بالمفتاح بيدها وليس بيد غيرها.

  1. مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بشجاعة من خلال الأجهزة الأمنية والقضائية وذلك بحصر الوقائع والشكاوى وفتح الحقيقات بشأنها بشجاعة ومسؤولية والتحقيق مع المشتبه بهم وتقديم المتهمين إلى المحاكمة دون تردد أيا كانت جنسياتهم. وفي هذا الشأن فإن التعاون الدولي ضروري ولازم من خلال تفعيل الاتفاقيات الثنائية و العلاقات مع الانتربول وطلب المساعدة الدولية وإعداد مذكرات بالإنابة القضائية لدى الدول ذات العلاقة. وهنا على ليبيا أن تستغل الفقرات الواردة في بيان القمة المشار اليه بالمساعدة والتعاون الدوليين لمصلحتها ومصلحة التحقيقات بغية تحقيق العدالة.
  2. التفكير جديا في تشكيل محكمة مختلطة (وطنية دولية) للنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية المرتكبة في ليبيا.

                                        ثالثا/ استراتيجية دبلوماسية:

  • التمسك بمعاهدة الصداقة والشراكة والتعاون الليبية الايطالية لعام 2008، وتفعيل بنودها خاصة الموادة 19/2 و3 المتعلقة بحماية الحدود البرية الجنوبية للبلاد والتي تنص على أن يتحمل تكاليفها كل من إيطاليا والإتحاد الأوربي، والتأكيد على التزام ايطاليا بعدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي (المادتان 2، 4).
  • تفعيل العلاقات الليبية الافريقية من خلال المنظمات الإقليمية، وهي على سبيل المثال، الإتحاد الأفريقي، تجمع دول الساحل والصحراء، اتحاد المغرب العربي، السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي، بنك التنمية الأفريقي، اللجنة الإقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة. وكذلك من خلال الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع دول الجوارواستخدامها لمصلحة ليبيا في موضوع الهجرة.
  • من خلال بيان القمة المشار اليه، وردت ليبيا فيه وحيدة وكأنها ليست جزءا من القارة الإفريقية، وهذا يبين ما آلت إليه مركز ليبيا من ضعف حتى ضمن إطارها الأفريقي، فورد أسم ليبيا وحملت المسؤولية وكأنها ليست طرفا في الاتحاد الأفريقي، أو كأنها دولة العبور الوحيدة دون غيرها من الدول الأفريقية للأسف. على ليبيا أن تعيد موضوعها وأن لا تسمح بأن تصبح وحيدة بين القارة التي تنتمي اليها وحوض المتوسط الذي هي جزء منه.

                                         رابعا/ استراتيجية اقتصادية:

من المهم الإشارة إلى أن التواجد الأجنبي في ليبيا تضاءل منذ عام 2014، وأن هجران السفارات والشركات الأجنبية والمنظمات الدولية قد أثر تأثيرا سلبيا واضحا سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. لذا فإنه يمكن القول أن عملية أو عمليات العودة الطوعية – بإفتراض حسن النية- المزمع القيام بها للمهاجرين غير النظاميين من مراكز الإيواء إلى بلدانهم قد تحقق عودة فعلية للمنظمات الدولية، مما يمكن معه استثمار هذا الأمر لعدة أهداف من بينها تفعيل منظمات المجتمع المدني الليبية الخبيرة في الشأن الإنساني والحقوقي، وتحريك عجلة الإقتصاد الوطني والمساهمة في خلق فرص عمل لليبيين والمؤسسات الليبية العامة والخاصة، وأن تمهد لعودة الشركات الأجنبية والسفارات.

لكن الخشية وفي ظل وجود مذكرة التفاهم الايطالية والليبية، أن يكون السبق لمنظمات ايطالية على وجه الخصوص تعمل في هذا المجال. إن دواعي الشفافية وحسن الإدارة يتطلب التعامل مع المنظمات غير الحكومية بحيادية وجدية ووفقا لخبرتها لما يحقق مصلحة ليبيا والمهاجرين غير النظاميين واللاجئين وعمليات عودتهم الطوعية وتحسين أوضاعهم، وأن لا يكون الأمر قائما على المصالح الخاصة لأطراف ليبية بعينها لتحقيق مكاسب سياسية، بعيداً عن المصلحة العامة.

وعليه، فإنني أرى أن تتمسك الجهات المختصة ذات العلاقة في تفاوضها للسماح بعمليات العودة الطوعية بما يلي:

  1. التعامل مع هذه المنظمات الأجنبية بحيادية وشفافية و حسب خبرتها في هذا المجال، ووضع آلية عامة ومجردة وشفافة تحقق ذلك.
  2. أن تعمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية و الدولية غير الحكومية من الاراضي ليبيا، بأن تلزم بفتح مكاتب لها في ليبيا تعمل من خلالها.
  3. أن تتعامل هذه المنظمات مع المصالح والشركات والمؤسسات الليبية إلا في حال عدم توافر الخدمة في ليبيا، وعلى سبيل المثال أن تتم عمليات العودة الطوعية عن طريق شركات الطيران الليبية أو المواصلات البرية، ونشاط شركات التأمين الليبي، والقطاع المصرفي، والخدمات المصاحبة. كما وأن ذلك قد يساهم في ترميم البنى التحتية التي تضررت مثل المطارات.
  4. الزام هذه المنظمات بتشغيل العمالة الليبية في عمليات العودة الطوعية والعمليات المصاحبة لها.
  5. الزامها بتدريب العمالة الليبية، ونقل الخبرة لها في عمليات لوجستية مهمة كهذه.

إن في التمسك بهذه النقاط وغيرها وتطويرها ما قد يعجل بعملية الإستقرار ويكون بداية لفتح أبواب العمل لليبيين وخاصة الشباب وعودة لمنظمات المجتمع المدني لاستئناف نشاطاتها. ولكن من المهم أيضا التنبه إلى أن مثل هذه العمليات يجب أن تتم في إطار مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وأنها تحتاج إلى آلية لمكافحة الفساد ومتابعته وإجراءات بالشفافية وحسن الإدارة والحوكمة الرشيدة.

                                    خامسا/ استراتيجية تتعلق بالاتفاق السياسي:

نص بيان القمة على “أن الحل الدائم لمسألة المهاجرين الأفريقيين يرتبط ارتباطا وثيقا بمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة ويتطلب حلا سياسيا للأزمة الدائرة في ليبيا”. ومن هذا المنطلق فإن   على ليبيا أن تطوع نصوص الاتفاق السياسي خاصة ذات العلاقة بالتدابير الأمنية وتدابير بناء الثقة لمصلحتها في هذا الملف. على ليبيا وهي تحت الاشراف الأممي لحل أزمتها أن تطالب بتعاون الأمم المتحدة ووكالاتها والمجتمع الدولي في موضوع الهجرة غير النظامية وذلك على النحو التالي:

  • التمسك بالبند 28 من باب المبادئ الحاكمة في الاتفاق السياسي التي تنص على ” الالتزام بالعمل على محاربة التجار بالبشر والهجرة غير الشرعية من خلل تضافر جهود الدول المعنية وبالتعاون الوثيق مع المجتمع الدولي والدول المجاورة، مع التأكيد على احترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة” والسعي لتطبيقه.
  • المساعدة في القضاء على التشكيلات المسلحة واتباع سياسات مقارنة ناجحة دوليا مع الاخذ في الاعتبار الخصوصية الليبية.
  • المساعدة في اعداد برامج للشباب تهدف إلى ابعادهم عن السلاح والتشكيلات المسلحة واعادة الأمل لهم في مستقبل للبناء وأن لا يكونوا معاول هدم.
  • تدريب الكوادر الأمنية النظامية وتأهيلها وتزويدها بما يلزم من تقنية لتطويرها وتطوير كوادرها.
  • العمل على وقف التدخلات الأجنبية السافرة في الشأن الليبي، وحصر الأمر لدى الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا.

                                      سادسا/ استراتيجية المصالحة الوطنية:

مما لا شك فيه أن ليبيا ما تزال تعاني أزمتها، وأن موضوع الهجرة غير النظامية واللجوء وما أسفر عنه من نتائج قد فاقم من أزمتها، حتى كادت أن تقف وحيدة ومتهمة في مواجهة العالم بشعب يعاني ويلات الحرب وغير قادر على مواجهة مصاعب يومه. ومن هنا يجب أيضا طرح السؤال فيما إذا كان ملف الهجرة هذا يؤثر سلبا على ملف المصالحة الوطنية؟ وفي اعتقادي أنه سيلقي ظلالا كثيرة وسيعيق ملف المصالحة الوطنية خاصة في منطقة الجنوب التي تشهد تعديلات ديمغرافية واضحة. لذا فإن على الليبيين أن يسعوا بجدية للعمل في مسار المصالحة الوطنية الشاملة ويستعجلوا الحلول لملفات ماتزال عالقة كملف مصراتة/ تاورغاء، وغيرهم من المهجرين من مناطق عدة، والنازحين واللاجئين الليبيين. وإلا فإن هذا الوضع المتفاقم لملف الهجرة غير النظامية واللجوء سيدخل على خط المصالحة الوطنية ويزيد من تعقيداته وتشعبه.

                                                    سابعا/ استرايجية اعلامية:

يتعين الاستعانة بذوي الشأن بالخصوص وأن تكون موجهة للداخل أكثر منه للخارج، تعتمد على الشفافية، وتضع مباديء حقوق الانسان والتوعية بها كأولوية عملا بقول عمر رضي الله عنه “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”.

أقول قولي هذا، وأنا أرى من التشظي الكثير، ومن إهمال الخبرات وتيرة، ومن هيمنة المصالح السياسية عنوانا، ومن العناد سمة، ومن النية الحسنة القليل، ومن استرضاء الأجنبي مبلغا وغاية، ومن حب ليبيا وأبنائها النزر اليسير. فإلى أين أنتم بنا سائرون؟

 

عزة كامل المقهور/ محامية

30/11/ 2017

[1]

[2]  رغم عدم الإشارة تحديدا إلى ليبيا في هذه الفقرة وتحديدا مكان وقوع هذه الجرائم، إلا أن بقية فقرات البيان تخص على وجه التحديد ليبيا، خاصة عند الإشارة إلى ” اثبات صحة البيانات الإعلامية” ” التصدي لهذه الأحداث” والمقصود بالأحداث ما ورد من وقائع وجرائم يتعرض لها المهاجرون واللاجئون الأفارقة.

[3]  استخدم البيان أوصاف وليست دول بعينها، كدول المصدر أو المنشأ. وحدها ليبيا ذُكرت بالإسم.

[4]  رغم ورود لفظ اللاجئين مع المهاجرين في موضوع العودة الطوعية، إلا أنه لا يتصور إعادة اللاجئ بعد تصنيفه كذلك إلى بلاده خاصة إذا كانت في حالة حرب أو نزاع مسلح أو يخشى على حياته، والأقرب توطينه في بلد “ثالث”.

[5]  لم يحدد البيان المقصود تحديدا بالدول الثلثة وهي على ما يبدو ترجمة من اللغة الإنجليزيةThird countries  أو الفرنسية pays tiers. وهنا تجب التفرقة بين المهاجر غير النظامي واللاجئ، إذ أن اللاجئ  متى توفرت له هذه الصفة يمنع اعادته إلى دولته،  لذا يتوقع أن تتم عملية تصنيف للاجئين في مراكز الأيواء الليبية وبقاءهم  في ليبيا لحين الفصل في أمرهم وبذا هناك امكانية لأن تصبح ليبيا مكانا لإيداع طلبات اللجوء لدول أخرى.

[6]  رفع الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس في شهر 2017 من قبل مواطنين ليبيين ضد رئيس المجلس الرئاسي وآخرين وتضمن عدة طلبات من بينها طلبا مستعجلا بوقف تنفيذ مذكرة التفاهم الليبية الايطالية المبرمة في 2 فبراير 2017. وبتاريخ 22/ 3/2017 أصدرت المحكمة حكمها في الشق المستعجل بوقف تنفيذ تنفيذ المذكرة مؤقتا لحين الفصل في موضوع الدعوى، إلا أن  المجلس الرئاسي تقدم بطعن في الحكم المستعجل أمام المحكمة العليا التي أصدرت حكمها في 25 أغسطس 2017  بإلغاء حكم محكمة الاستئناف بوقف تنفيذ مذكرة التفاهم الليبية الايطالية ودون أن تبدي اسبابا لذلك. إلا أن موضوع هذا الطعن مازال منظورا أمام محكمة استئناف طرابلس (دائرة القضاء الإداري) ولم تفصل فيه بعد.

Shares