مقال رأي – بقلم الكاتب فوزي عمار
أكبر مشكل (من وجهة نظري ) ظهر علي السطح بعد أحداث فبراير 2011 في ليبيا هو تدني الوعي بالهوية الليبية الجامعة في المخيال الليبي .
فعندما سقط النظام سقطت الدولة برمتها في حادثة تظهر مدي هشاشة الدولة الليبية في العهد السابق وهذا لم يحدث لا في مصر ولا في تونس التي واجهت مصير مشترك تمثل في ظاهرة ما سمي بالربيع العربي .
فلم نجد لدى المواطن الليبي و الشخصية الليبية لمفهوم الوطن اي أثر حتي عند المتعلمين منهم و ظهرت بديلاً عن مكون الهوية الليبية مكونات الشخصية البدائية الممثلة في القبيلة و المدينة و الاقليم و المليشيا و حتي المجموعة المؤدلجة المنضوية في حزب اسلاموي عابر للحدود لا تعني له ليبيا الا أنها بيت مال للمسلمين .
و ظهر ذلك التشظى واضحا في لجنة الحوار الوطني ، فهذا يطمح في الحصول علي نائب لمدينتة و الاخر وزيرا لقبيلته وعدد من الكراسي لحزبه العابر للحدود والمؤدلج والذي يستمد قراره من خارج ليبيا بل وظهرت المصلحة الشخصية في من يريد أن يصبح رئيساً للوزراء بدلاً من مفاوض جاء لأجل ان يجد حلا للأزمة ككل .
كل ذلك سببه عدم تجذر الهوية الليبية الجامعة التي تجمع
العربي مع الأمازيغي والتارقي مع التابوي والمصراتي
مع الزنتاني والورفلي وغرب ليبيا مع شرقها و جنوبها
و ظهر إقليم برقة من جديد و تقسم الغرب الى ثلات أقسام علي الأقل هي مصراتة و من في فلكها وطرابلس و ضواحيها و الجبل الذي انقسم سكانه في التسمية بين جبل نفوسة والجبل الغربي .
الجنوب شهد نزوح إعداد كبيرة من طوارق النيجر والتبو التشاديين لينضم لأبناء عمومتهم في ليبيا فالقبيلة أهم من الوطن في وعي الشخص القبلي وإذا استمر هذا الحال سيشهد الجنوب قريباً تغير في التركيبة السكانية و لن تعد ليبيا التي نعرفها قبل 2011 والسبب هو التخندق حول الهوية البدائية .
تاريخياً هذا ما حدث لدول شهدت حروب و انفصال
مثل يوغسلافيا و حتي لبنان حيث تخندق المتحاربون حول الهوية الضيقة المثمتلة في العرق والديانة ولم يتم
بناء الدولة علي أساس المواطنة والدولة المدنية ، الدولة العصرية ؛ مثل ما حدث في دولة سويسرا المكونة من ثلات شعوب مختلفة هي فرنسية و ايطالية وألمانية فكونت دولة من أحدث و اقوي دول أوربا اقتصاديا واجتماعيا وامنيا وفي مؤشرات التنمية .
فالحل يجب ان يبدأ من رفع منسوب الوعي بالهوية الليبية الجامعة علي أرض ليبيا الوطن و الدولة المدنية القائمة على المواطنة وليس لأي مكون بدائي آخر سواء مدينة أو قبيلة أو حزب عابر للحدود وهي مقاربة استراتيجية طويلة الامد يجب أن يتصدى لها المثقف والاعلامي والسياسي الوطني و لا يترك الامر للعقلية الجهوية والمليشياوية والمؤدلجة أن تقود البلد الي الخراب و الهاوية .
الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية من الوعي بالهوية الليبية هو البناء المؤسساتي ، فالبناء المؤسسي اشكالية ليبيا الثانية.
لا شك ان الوعي بالهوية الليبية هو أهم معضلة تواجه الكيان الليبي و أقول الكيان و ليس الدولة لأن مفهوم الدولة هو المعضلة التانية التي تشكل مشكل حقيقي في ليبيا .
ففي اعتقادي ان ليبيا تحولت من مفهوم قبل الدولة الي مفهوم ما بعد الدولة في البعد الفوضوي دون المرور بمفهوم الدولة التي تعني مؤسسات و مجتمع معا و نظام سياسي .
فليبيا اليوم هي مجتمع و ليست دولة بدليل أن اليوم هناك ثلاث حكومات علي أرض الإقليم الليبي و ربما أربع اذا تحدثنا عن داعش .
تاريخياً مفهوم الدولة في ليبيا لم يعش طويلاً إلا في فترة قصيرة هي عهد الحكم الملكي الذي أسس لبدايات جنين دولة سرعان ما تم اجهاضه ، فبمجرد وصول القذافي للسلطة فكك مؤسسات الدولة الهشة و تحديداً في خطاب زواره الشهير في شهر ابريل من عام 1973 و بذلك تحولت ليبيا الي حالة من نظام حاكم يقول : أنا الدولة و الدولة انا علي غرار لويس الرابع عشر تماماً قبل الثورة الفرنسية .
كما ان القذافي اسس نظام سياسي غريب ، فريد (النظام الجماهيري) نظام غير مستدام ، لا تجد له شبيه في العالم ، فاغلب النظم السياسية اليوم اما ملكية (دستورية او مطلقة ) او جمهورية بشقيها البرلماني و الرئاسي .
نظام قال عنه ابنه سيف: ” نظام يصلح لان يحكم ابي ليبيا في حياته فهو نظام مغلق لا يوجد فيه مكان لنائب القائد و البديل في حالة غياب الرجل الأوحد ” .
العالم اليوم دخل في مرحلة ما بعد الدولة في بعدها المؤسسي ، تأسست كيانات عابرة لحدود دول عريقة
مثل الاتحاد الأوربي الذي اصبح يملك مصرف مركزي واحد و عملة واحدة بينما نحن في ليبيا رجعنا الي مرحلة ما قبل الدولة من جديد في بعدها الفوضوي.
تأسيس الدولة يقوم علي بناء مؤسسي و تقوية مؤسسات قائمة Institutional Strengthenig و بناء القدرات
.Capicity Bulding
و لابد أولا من الفصل و الجمع في نفس الوقت بين الدولة
و المجتمع ” و لهذا حديث آخر في مقام اخر ” كما أن البناء المؤسساتي لابد أن يصاحبه توزيع الثروة و المشاركة في القرار السياسي.
فأهم روافد بناء الدولة في أي مكان من العالم بعد البناء المؤسساتي هما عاملي توزيع الثروة والمشاركة في القرار السياسي .
و هما مفهومي العدالة و الشوري في الإسلام فتكاد لا تخرج أي دولة من هذه المقومات الثلات لكي يطلق عليها انها دولة ديمقراطية ، فالعدالة التي هي أساس الحكم معنية بتوزيع الثروة بينما الشوري معنية بالمشاركة في القرار السياسي.
المشكل في مفهوم توزيع الثروة في دول الاقتصاد الريعي يشكل إشكالية كبري فمثلا دول النفط يحتكر فيها المال اما عائلة حاكمة أو سلطة مهيمنة قد تكون الجيش أو شريحة كمباردورية طفيلة أو ثيوقراطية تعيش علي فساد القطاع العام وهي اشكالية توزيع المال المشاع ( النفط )
فكثير من الصراع المسلح في ليبيا سببه صراع علي المال فدخل ليبيا يعتمد على النفط ، تقريبا بنسبة 95% ، النفط الذي يري الجميع ان له حصة فيه و لذلك نجد أن الدول التي تحولت الي الاقتصاد التنافسي المعرفي تعتبر أقل فساداً.
كما أن دول الاقتصاد الريعي اهتمت بصناعة الثروة قبل التفكير في توزيع الثروة ، فصناعة الثروة سؤال معرفي بينما توزيع الثروة طرح إيديولوجي ، إذا كمحصلة فان المشكل ؛ اجتماعي ؛ سياسي ؛ اقتصادي .
الحل يبدأ من رفع منسوب الوعي بالهوية الليبية وهو
مسؤولية النخبة والانتلجنسيا الليبية والجامعات الليبية
و الاتفاق على دستور و هي مسؤولية لجنة صياغة الدستور كما البناء المؤسسي واولها مؤسسة القضاء والجيش و الشرطة وهي مؤسسات يجب ان تحتكر وحدها السلاح و استعماله وفق القانون .
الاهم من المهم هو الاتفاق على مشروع اقتصادي يسعي لتراكم الثروة و تنويع مصادرها و تحديد تنافسية الاقتصاد الليبي وتموضع داخل اقتصاد عالمي والاتفاق على توزيع الثروة القادمة من النفط التي اسميها ؛.” حل الصراع حول المشاع ” .
و ذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية و التنمية المستدامة يعتبر عامل حاكم للرضى و للأصطفاف وراء مشروع الدولة تلك هي جوانب تشكل تحدي بناء و قيام دولة ليبيا اليوم .
بقلم : فوزي عمار