المرصد – مقال رأي
ليبيا – مع دخولها يومها السابع ، تلخصت أزمة مهجري تاورغاء على مايبدو فى نظر قيادات ورموز وأحزاب تيار الاسلام السياسي ومنظريه على أنها ” متاجرة سياسية ” وإعلامية تمارسها بعض الاطراف المناوئة لتوظيف هذه الازمة وهو ما فتأ أتباع هذا التيار على ترديده صباح مساء ، بمجرد توجيه قيادتهم لدفة القضية نحو هذا الاتجاه .
فمنذ اليوم الأول للأزمة التي تفاقمت يوم الخميس الماضي الموافق 1 فبراير 2018 بسبب إعلان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج لمهجري تاورغاء بالعودة التي تعثرت وانتهت بأن نجح السراج فقط فى نقل المهجرين من مخيمات المدن الى رمال منطقة قرارة القطف حيث عبّر الليبيون وبشكل غير مسبوق عن تضامن ووقوف لا محدود مع حق التاورغيين فى العودة وتنفيذ الاتفاق مهما كلف الامر فى مشهد تلاحمي يبدو أنه لم يرق لبعض الاطراف التي لا تقتات الا على الفرقة والتشرذم .
https://www.facebook.com/ObservatoryLY/videos/2048659642035967/
ومما لاشك فيه أن الامل قد حذا نفوس التاورغيين منذ يوم 26 ديسمبر الماضي الذي بشرهم فيه السراج بيوم العودة الموعودة وقد تضاعف حجم هذه المشاعر الجياشة يوم انطلاقهم بالالاف فى قوافل نحو مدينتهم وإقترابهم منها لينعكس كل هذا الأمل الى ضده فى صورة خيبة رسمت واقعاً أليماً تدفق عبر وسائل الاعلام المختلفة من على عتبات المدينة المهجورة كانعكاس لواقع معاناة أليم جداً لطالما تخيّل الليبيون بأنها تقتصر على حر صفيح المخيمات صيفاً وفيضانتها شتاءً.
بيد أن من تعود على تجارة الدين وله باع طويل فى المتاجرة السياسية بالقضايا الانسانية كما حدث فى فترة معارك قنفودة والقصف الجوي على درنة الذي خلف عدداً من الضحايا الابرياء بين الاطفال ، هيأت له مخيلته وعينه التي يرى بها ولا يرى بها هناك ، بأن صور ومقاطع الاطفال والشيب والنساء وهم يأنون حسرة على أطلال تاورغاء ليست سوى متاجرة سياسية تقف ورائها أطراف لاتريد المصالحة بل أن بعضهم ذهب الى نظرية التلقين والفبركة وعدم العفوية اثناء تسجيل هذه المقاطع وذلك فى محاولة لامتصاص صدمة الحدث والتضامن الشعبي الجارف معه والذي قد يتحول الى موجة تتجاوز مخططات كل من يتخذ عبارة ” فرق تسُد ” كمنهج له !
https://www.facebook.com/ObservatoryLY/videos/2047013235533941/
ومن هنا إنطلقت الدعوات وإنهمرت بيانات وتصريحات سدنة دار الايمان ، داعيةً لوقف سوق المتاجرة السياسية ، أي بمعنى أصح ، التوقف عن التضامن مع مهجري تاورغاء والإنتصار لقضيتهم وذلك لغاية فى نفس يعقوب ظهرت فى بداياتها على شكل تلميحات وباتت جلية خلال الـ 48 ساعة الماضية عبر ربط ملفي نازحي بنغازي وتطويق درنة بملف تنفيذ إتفاق عودة تاورغاء ! .
وهنا يجدر الانتباه الى الإختلافات الجذرية بين الملفين وهو ماتطرقت له بلدية بنغازي فى آخر بيان لها ، فالأول والثاني يعدان قضيتان أمنيتان بامتياز تتعلقان فى جلهما بتنظيمات متطرفة ومطلوبين ومرتبطين بحرب وصفها رئيس المجلس الرئاسي ذاته فى أكثر من مناسبة بأنها حرب على عصابات التطرف والارهاب .
بل أن رئيس حزب العدالة والبناء – الذراع السياسي بالفرع المحلي للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين – محمد صوان ، أقر سابقاً بوجود فريق إرهابي متطرف يقاتل فى بنغازي ممثلاً فى تنظيم داعش وفريق آخر صنفه على انهم الثوار ، إلا أنه غفل أو إستغفل حقيقة أثبتتها تقارير لجنة الخبراء بمجلس الامن الدولي الا وهي أن الفريقين كانا فى حلف واحد ، يقاتلان جنباً الى جنب ، يقتسمان المحاور والذخيرة والاموال والمؤن التي تصل لكليهما عبر ممرات بحرية معروفة !
كما أن مايسمى بسرايا الدفاع عن بنغازي التي تتخذ من المفتي الغرياني مرجعية لها ورفعت أيضاً شعار العودة الى الديار وخصصت لها منابر الاسلام السياسي الاعلامية مساحات وتغطيات ووسوم على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي على مدار أيام وأسابيع رغم أنها سفكت الدماء فى قرى سلطان واجليداية والمقرون خلال محاولات العودة الفاشلة ، كانت قد صُنفت من قبل الخارجية الامريكية كجماعة مسلحة مرتبطة بتنظيم ” القاعدة فى بلاد المغرب الاسلامي ” بينما يلتزم مهجري تاورغاء طريق السلم والحوار ولم يسبق أن سُجلت بحقهم ممارسة عنيفة واحدة بحق أي منطقة منذ تهجيرهم من ديارهم بعد توقف اطلاق النار سنة 2011 ، فكيف لهذا التيار وبأي منطق ومنطلق أن يربط بين هذا وذاك ؟
إن ذاكرة المتابع ورغم تتابع الاحداث تذكر جيداً البيان الشهير الذي صدر عن مايسمى بـ ” مجلس شورى ثوار بنغازي ” فى يونيو الماضي عقب الهجمات التي شنتها قوات السرايا جنوباً وغرباً وقد أكد المجلس فى بيانه وكشاهد من أهلها ، على أن السرايا تحاول الزج بالمهجرين فى صراعات لاطائل منها مشيراً فى بيانه لجمل من قبيل ” الصراع السياسي والشعارات البراقة ” وذلك فى إشارة منه لشعار عودة النازحين الذي رفعته السرايا وداعميها على الصعيدين المالي والسياسي والاعلامي والحزبي ، فهل هناك من يحتاج بعد هذا لدليل اضافي ليثبت من هو المتاجر بقضايا الانسان الليبي وهمومه ؟
وعلى النقيض من محاولة ” التيار المعتدل ” فى مصراتة إحتواء هذا الملف وتنفيذ إتفاق العودة وإن كان بطريقة تدريجية مع تهيئة مدينة تاورغاء بحاجياتها الاساسية والأمنية ، يطل رأس مايعرف إصطلاحاً بـ ” تيار المفتي ” كفصيل رافض جملة وتفصيلاً ويضع العقبات أمام من محاولات الاصلاح بل وينكأ جروحاً ويفتح ملفات مغلقة أصلاً ويخترع الاحجيات التي وصفها طيف مصراتي واسع بأنها غير منطقية ، ألا أن إبراهيم بن غشير ابرز وجوه هذا التيار لم يخفي صراحة نيتهم ربط ملف مهجري تاورغاء بملف نازحي بنغازي ، كيف لا هو والداعم والحاضن الابرز لتيار العنف البنغازي وذلك بصفته رئيساً لمجلس إجتماعي شكلته بقايا الجماعة الليبية المقاتلة بالمؤتمر الوطني العام ممثلة فى كتلة الوفاء للشهداء وأضفت عليه عبثاً صبغة الحكماء والاعيان ، يقول مراقب .
وبالعودة الى الخلف قليلاً وقوفاً على التقرير الذي أصدره مدير مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام الصديق الصور اضافة للاعترافات التي تبثها قوة الردع الخاصة فى طرابلس وجهاز مكافحة الجريمة فى مصراتة بين الفينة والأخرى لمجموعات تحاول ممارسة هوايتها المفضلة فى التفخيخ والتفجير والقتل ، تبرز حقيقة أخرى تؤكد تشعب ملف متطرفي بنغازي ودرنة وذويهم النازحين الى المنطقة الغربية كقضية أمنية صرفة ، كما تظهر مدى عبثية الربط بين هذا الملف وملفات المهجرين الآخرين باستثناء ملف مهجري التيار المتشدد نفسه فى طرابلس .
فقد شهدت العاصمة نهاية شهر مايو الماضي إشتباكات عنيفة بين قوات حكومة الوفاق التي يعد تيار الاسلام السياسي ممثلاً فى جماعة الاخوان المسلمين شريكاً أساسياً فيها وفى مشروع الصخيرات برمته ، ضد قوات محسوبة على الجماعة المقاتلة و ” تيار المفتي ” وإنتهت بانتصار للفريق الاول على غريمه وهو ما أعقبه عمليات هجرة لعائلات وكيانات رموز وقادة الجماعة من طرابلس بما فيهم المفتي الصادق الغرياني نفسه الذي إستقر به المقام فى تركيا وكذلك عوائل خالد الشريف المسؤول العسكري السابق للجماعة الذي تم تهديم بيته ، وزميله المسؤول الشرعي سامي الساعدي بل وأميرهم عبدالحكيم بلحاج وصديقهم عبدالباسط غويلة مسؤول الاوقاف السابق إضافة لعشرات المقاتلين والقادة الآخرين كطارق درمان آمر كتيبة غابة النصر التي أشار تقرير النائب العام الى ارتباطها بخلية فلسطينية معتقلة تابعة لحركة حماس ، يضاف لها عملية اقتحام قناة النبأ الفضائية على هامش تلك العملية وهجرتها وفريقها أيضاً الى اسطنبول .
![](https://almarsad.co/wp-content/uploads/2018/02/5A47EFA4-1682-40DD-A671-AC0F506B5035.jpeg)
وهنا يبرز تساؤل آخر يوجه لمن يتخذ شعار الانسانية ديدناً وغلافاً لمواقفه الا وهو ، لماذا لايطالب جناح الاخوان المسلمين فى تيار الاسلام السياسي بعودة هؤلاء القادة المهجرين رفقة عوائلهم الى طرابلس بينما تقتصر مطالبته على عودة آخرين مرتبطين بهم ومدعومون منهم الى بنغازي ؟ وهل يعني هذا أن الجناح ممثلاً فى الجماعة المقاتلة والمفتي والمعارض لعودة تاورغاء يمارس لعبة النكاية والكيد ضد رفاق الماضي الذين فرقهم مشروع الصخيرات السياسي على حساب آلاف التاورغيين المشردين فى فيافي قرارة القطف ؟ أوليس هذا غاية فى المتاجرة السياسية بل وضرباً فى عرض الحائط للقيم الدينية والمجتمعية التي يتخذها هؤلاء ستاراً لهم !
وبين هذا وذاك ، تستمر معاناة مهجري تاورغاء فى ظروف إنسانية ونفسية مزرية فى ظل عجز حكومي على تحقيق ما وُعد به ، بينما ينهمك الاسلام السياسي فى محاولات عابثة لإختزال كل هذه التراجيديا السوداء فى مقطع فيديو وعدد من الصور المؤلمة ضمن مايسميها لعبة المتاجرة السياسية بآلام ومعاناة الناس وتبادل الادوار وهي اللعبة التي طالما كانت لعبته المفضلة منذ أن كان فصيل منه يفاوض مبعوثي النظام السابق فى دول المهجر بينما يضرب فصيل آخر ذات النظام من تحت الحزام وهكذا دواليك دون الالتفات لأي قيم او تقدير حقيقي لمخاطر إجتماعية جمة قد تنجم عن هذه اللعبة المميتة والتي بدأت تتجلى فى تعقد ملف تاورغاء أكثر وأكثر بشكل قد لا تحمد عواقبه على الامدين القريب والبعيد .
ختاماً .. يبقى السؤال المُلح المُركب المطروح على القارئ الذي يحاول تحديد موضع المتاجرة السياسية بالقضايا الانسانية ، وبالتأكيد فأن الاجابة على السؤال ستقود الى الموضع المطلوب وهو : لو سلمنا جدلاً بأن كافة القضايا العالقة قد سويت فى ملف نازحي بنغازي من عائلات ونساء لاعلاقة لهم بالعنف الا من خلال بعض ذويهم ، وفتحت لهم مدينتهم أوسع أبوابها بعد هجرانهم لها ، فهل سيقبل هؤلاء أصلاً العودة للعيش فى ظل الوضع الحالي للمدينة الخاضعة بشكل تام لخصمهم الذي كان ولازال وسيزال ممثلاً فى القيادة العامة والاجهزة الامنية ؟
بل وهل سيقبل من يقف خلفهم ويحرضهم على ذويهم وجيرانهم من أحزاب وكيانات وتيارات وقادة ورموز دينية وبقايا قادة مجلس شورى بنغازي أن يتأقلم هؤلاء السكان بعد العودة بهدوء مع وضع يعتبره محرضيهم ” حكماً طاغوتياً مخالف لشرع الله ” كما تقبّل مهجري تاورغاء العودة للعيش تحت راية ” ثورة فبراير ” ومخرجاتها والنظام الممتد منها رغم علمهم بأن مدينتهم ليست صالحة للعيش وقد طال الخراب حتى نحاس أسلاك الكهرباء فى جوف الارض ؟
المرصد – خاص