مقال رأي – بقلم فوزي عمار
لا يوجد هناك تعريف جامع مانع لمفهوم الثورة و كأنها عصية على التعريف ، كطبعها العنيف ، و لكن أبسط التعاريف المتاحة قد يكون بأنها : التغير السريع للأفضل ، من وجهة نظري الثورة هي” قلب المقلوب ليستوي ” .
فعندما تكون هناك عدة عوامل سلبية متوفرة في
بلد ما فلا بد أن تقوم ثورة لتسوي الأوضاع المقلوبة ،
يبقى موضوع الزمن والذي يصعب التنبؤ به بدقة لأنه ما من شخص يملك القدرة على معرفة الغيب .
من المهم هنا التعرف على أهم الأسباب و العوامل التي تقوم من أجلها الثورة في بلد ما ، و هي :
– الاستبداد من قتل و تعذيب.
– الفساد من بعثرة الثروات و نهب المال العام
و الواسطة و المحسوبية و الرشوة.
– الإقصاء للآخر المختلف أيديولوجيا دون وجه
حق و حرمانه حتى أبسط حقوقه الإنسانية.
– سد الآفاق ، بمعنى أن لا يجد الإنسان فرصة في التعبير عن آرائه بحرية .. مثال على ذلك لجأت الأنظمة العربية إلى عسكرة المجتمعات و هيمنة المؤسسات الأمنية على كل صور المجتمع من اقتصاد و تجارة و حتى إن كان ذلك في شكل منح الموافقات لتأسيس جمعيات لحماية نوع من الحيوانات القادم على الانقراض .
كل ذلك ضرب الإنسان في كرامته ، فكان عليه إما الحياة خانعا خائفا مهمشا في وطنه أو لاجئا في الغرب يعيش في الشوارع الخلفية للمدينة ، إلا من رحم ربي ، وكانت لديه الإمكانيات العلمية و المادية لينخرط في حياة طبيعية في تلك المجتمعات الديمقراطية.
فالشعب مثل الحجارة يتكاثر كلما تفتت .
كما ان دخول عصر الإنترنت و التواصل الاجتماعي ساعد في تحريك الانتفاضة فالعالم الافتراضي اخرج الإنسان من سلطة و قمع الدولة البوليسية ليحيا في عالم لا يمكن السيطرة عليه و عولمة تخاطب الجموع مباشرة دون رقيب و مخبر شبه امي كان يصادر الكتب في المنافذ لتدخل
الكتب عبر جهاز حاسوب في كل بيت و هاتف محمول في كل يد. !
آلية تحقيق الثورة من وجهة نظري هي أشبه بمباراة لكرة قدم من شوطين ، فالشوط الأول هو الانتفاضة و هدم البناء القديم البالي و الذي تعيشه ليبيا اليوم .
و الشوط الثاني بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي تؤسس على دستور مدني يقوم على المواطنة و يفصل بين السلطات و يبني المؤسسات و أولها مؤسسة الجيش الوطني و القضاء. الجيش الوطني و الذي ينضوي تحته كل المظاهر المسلحة و يعيد تنظيم و توزيع السلاح .. و المؤسسة الثانية مؤسسة القضاء و الأمن.
فبناء أي دولة حديثة في العالم اليوم يقوم على ثلاث مقومات هي : المشاركة في القرار السياسي ، و التوزيع العادل للثروة و بناء مؤسسات الدولة .
في ليبيا اليوم مازلنا نعيش الشوط الاول شوط الانتفاضة الذي طال فالزمن في عمر الثورات غير محدد و لان طبيعة الشعب الليبي طبيعة عنيفية ، كما ان اكبر مشكل ظهر ابان سقوط النظام في ليبيا هو مفهوم الوعي بالهوية الليبية الذي لم يتجذر في ذهن المواطن الليبي فبمجرد سقوط النظام سقطت الدولة ؛ و ذلك لسببين من وجهة نظري ، الاول هي عودة المجتمع الليبي الي مكوناته البدائية مثل القبيلة و المدينة و الاقليم.
و زاد الطين بلة ظهور الايدلوجية الدينية و الاسلام السياسي الذي يؤمن بالدولة العابرة للحدود ..و السبب الثاني هو تفكيك النظام السابق للمؤسسات تحت مسمي الثورة الشعبية جعل الكيان الليبي هش و المؤسسات هي الخاصرة الرخوة التي لم تستطع ان تصمد امام عنف الانتفاضة المسلح .
كما لا ننسي ان التدخل الاجنبي في احداث فبراير يعتبر شائبة يراها كثيرون اسأت الي الانتفاضة الليببة و اصبح البعض المعارض يعتبرها (ثورة ناتو ).. و يرفض التعامل معها .. رغم ان الناتو تدخل بعد قرابة شهر من اندلاع الانتفاضة و خروج ثلتي مساحة ليبيا بالكامل من سلطة النظام .. ( كل مدن برقة و مصراتة و الجبل الغرب و الزاوية) … و ما تبقي كان تحت قبضة امنية شرسة .
ما حدث في ليبيا في أحداث فبراير لم تكن ثورة
و لا مؤامرة .. هي شيئ من هذا و ذاك هي انتفاضة .. لكن الشعوب الساكنة مثلنا التي لم تتعود التغير لا تقبل به . لانها ببساطة تعيش تحت النظام الأبوي الذي لا يقبل بالفردانية و مجتمع المخاطرة الذي نشأ في الغرب بعد الثورة الفرنسية تحديدا و تعاليم المجناكارتا في بريطانيا.
بينما نحن كعرب نحيا في الحياة في ظل الأب الذي
هو شيخ القبيلة أو القائد أو الزعيم و حتي رب الأسرة … لم نتعلم كعرب الحياة في ظل مجتمع متغير و مخاطر… بل ساكن و لم نعش في ظل دولة مواطنة لأن الدولة بشكلها الحالي لم تقم في أرض العرب بل في في أرض الفرنجة .
و لدينا قصور معرفي و هنالك خلط بين ما هو معرفي و ما هو سياسي .. و خلط بيت السياسي و السيادي .. و بين الإسلام كعقيدة و كشريعة.. و بين العرب و الإسلام .
و قبل أن نفهم الفرق بين الدولة و الشخصية الأبوية سنظل نلف في دوائر مغلقة لا طائل منها سوي الفوضي و العودة للماضي و الخوف من المستقبل لأننا ببساطة لا نملك آليات فهمه و تفكيكه و التعايش معه .. بل نلجأ الي الحنين للماضي و تخوين التغير .
و لدينا جروح نرجسية لا نريد الاعتراف بها منها جرح نرجسي نعتقد أننا خير أمة أخرجت للناس بدون شرط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر … و لا نؤمن أن المنكر هو أن نظل نحتكم لحاكم فرد أو عائلة تسرق أموال الشعب و تهربها في بنوك اوربا و أمريكا الكافرة … (تناقض يسمي في علم النفس شيزوفرينا).
لذلك تجدنا نستسهل الحلول الجاهزة و لا نفكر في حل ينطلق من أرضنا … أرض الملح و السواد . بل نستعين بالأجنبي في كل شيء فنصبح كمن يريد التزلج… ليس في جبال الألب بل في الحمادة الحمراء و الصحراء الكبري .
أخيرا أقول علينا ببناء نموذجنا الخاص المتماهي مع العالم المتحضر .. و قبل ذلك عودة الامن و الامان..
لانه عماد اي دولة .
و هنا تجدر الاشارة الى ان الانتفاضة منذ بدايتها أخطأت في تبني نموذج اقصائي شبيه بنموذج العراق و اجثتات البعث بدلا من نموذج جنوب افريقيا التصالحي .
إن غياب الأمن و المؤسسات سيرجع الاستبداد و الفساد و الإقصاء و سد الآفاق و هي العوامل التي سببت كل ثورات الربيع العربي .
فمن ادمن النوم في سرير السلطة لابد ان تسحقه السلطة.. انها لعنة الحكم و مكر التاريخ .. و عندها ستحدث الفوضى و التي تاريخيا كانت مصاحبة في معظم الثورات التي حدثت في العالم و نكون قد ضحينا بدم الليبيين و بمزيد من الدماء الجديدة التي لن نتفق علي أن كلهم شهداء .
وفي النهاية نبدو مثل المثل القائل : كأنك يا زيد ما غزيت !