ليبيا – نجح الصحفي الإستقصائي البريطاني “روس جيمس كيمب” بتصوير وكتابة وإنتاج وثائقي مصور بعنوان “جحيم المهاجر في ليبيا” حيث تابعته وإطلعت عليه وترجمته صحيفة المرصد الليبية ليكون على 3 أجزاء نشرنا منها الجزئين الأول والثاني وننشر الآن الجزء الثالث والأخير.
ووفقاً لما ورد في الجزئين الأول والثاني فقد أجرى “كيمب” إتصالات مع بعض الجماعات المسلحة لتأمين رحلته التي بدأت من الحدود الجنوبية مروراً بمدينة براك الشاطئ فيما نسق مع بعض المهربين لإجراء مقابلات محدودة مع رجال ونساء تعرضوا إلى العنف والإبتزاز والإكراه على العمل وممارسة البغاء بحجة توفير الأموال الكافية لتمويل رحلتهم الطويلة التي تمتد من أقصى جنوب ليبيا وصولا إلى أقصى شمالها.
وفيما إحتوى الجزء الأول على رحلة “كيمب” مع المهاجرين غير الشرعيين ومهربيهم من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال كان الجزء الثاني بشأن تفاصيل الرحلة داخل العاصمة طرابلس وحتى الوصول إلى شاطئ البحر ليكون الجزء الثالث والأخير عن رحلة الساعات الـ11 التي قضاها “كيمب” مع دورية لخفر السواحل الليبيين في البحر ويبدأ السرد بشأنها قائلاً:”أنا على الساحل وعلى بعد 30 ميلاً غرب العاصمة طرابلس وفي هذا المكان يقوم أغلب المهاجرين بمحاولة الوصول إلى أوروبا”.
“ويتم تحميلهم على متن قوارب مطاطية قابلة للنفخ وتحتوي على محركات وهي بالتأكيد ليست قادرة على القيام برحلة الـ200 ميل إلى إيطاليا وأغلبهم يتم إلتقاطهم عن طريق القوارب الأوروبية والكثير منهم يغرق ومنهم من يتم إعتراضهم عن طريق خفر السواحل الليبيين فقبل يومين فقط من الإسبوع الماضي تم إنقاذ نحو 1300 من المهاجرين في البحر عن طريق مهمة أوربية للإنقاذ عليها أن تعمل في إطار المياه الدولية على بعد 12 ميلاً من الساحل”.
“ولكن الأمر الذي لا يحصل على الشهرة الإعلامية الكافية هو ما يحصل في المياه الإقليمية فخفر السواحل الليبيين لا يملكون سوى بضع سفن وأنا على شوك مرافقتهم ليلا وقضاء الليل في البحر لأعرف ما الذي يتم فعله لإيقاف التهريب في إطار عملية لهم”.
كيمب: الملازم رمزي كيف حالك السلام عليكم.
الملازم رمزي: وعليكم السلام أهلاً وسهلاً بك.
“يبلغ الملازم رمزي الـ24 من العمر وهو نائب المسؤول عن خفر السواحل في الزاوية وعملهم هو وقف المهربين وإنقاذ المهاجرين في البحر ولكن في بلد منهار مثل ليبيا هم يعانون من نقص التمويل ولا يملكون سوى 4 قوارب ويتعرضون لنيران ميليشيات التهريب. الساعة الآن الـ11 والنصف مساء ونحن على وشك مغادرة الميناء الآن ولا يوجد الكثير من قوات خفر السواحل في العالم ممن يتم تسليحهم بهذا النوع من الأسلحة”.
“ومنها القذائف الصاروخية والقنابل والعديد من الأسلحة الثقيلة فضلا عن بنادق الكلاشينكوف والسبب لحملهم هذه الأنواع من الأسلحة هو إمتلاك المهربين أحيانا قاذفات صواريخ من طراز آر بي جي 7 ونحن على هذا القارب نحمل الكثير من الوقود”.
كيمب: رمزي إن فريقك يرتدي أقنعة سوداء لماذا يفعلون ذلك؟
رمزي: أننا نخفي وجوهنا لضمان عدم إستهدافنا ومنازلنا.
كيمب: ما الذي يحصل لو أتى المهربون لمنزلك؟
رمزي: سيقتلوننا.
كيمب: هل تمانع إذا سألتك عن مقدار راتبك؟
رمزي: 700 دينار أي قرابة الـ400 جنيه إسترليني في الشهر.
كيمب: في الشهر.. وبرأيك كم يكسب المهربين في الشهر؟
رمزي: مليون دينار.
كيمب: هذا الأمر لا يبشر بخير لمستقبل البلاد.
رمزي: وجود العديد من ميليشيات الحرب هنا يتسبب بالمزيد من المخاطر والألم لليبيا فهم لا يفعلون أي شيء لصالحها ونحن نقاتل من أجلها.
“هؤلاء الشباب لا يحصلون على أجور كافية قياساً بما يحصل عليه المهربون وهم يغامرون بحيواتهم ليس من أجل المال الكثير كما قال رمزي بل من أجل مستقبل ليبيا.نحن الآن في منتصف الليل وقاربنا يشق البحر الذي يستخدمه المهربون وكما تشاهدون فإن هذه الأنوار أمامي هي لقوارب المهربين وهي ممتدة على طول الأفق وهذا الجندي بجواري يقول بأنه على طول الطريق الممتد على الساحل هنا في صبراتة هناك العديد من الميليشيات المسلحة تسليحاً ثقيلاً وكلها تحصل على تمويل للعبة القوة من التهريب”.
رمزي: أعمل كل يوم لأقاتل الميليشيات وكل أنواع العصابات في البحر نحن نبقى بحجم صغير وهم يكبرون.
كيمب: هل تم عرض المال عليك؟
رمزي: نعم في الكثير من الأوقات.
كيمب: لتغض الطرف عنهم؟
رمزي: نعم ولأذهب إلى منزلي للنوم فيه.
“يتعرض رمزي ورجاله إلى إطلاق نيران من قبل المهربين معظم الليالي.وبعد مرور نحو ساعة على العملية ظهر قارب مشتبه به رفع حالة الإنتباه والآن نحن نقترب من سفينة صيد تستخدم لمراقبة عمل المهربين وخفر السواحل على وشك إيقاف من فيه وتجريدهم من أسلحتهم ولقد حدث تصادم مع سفينة معرقلة أتت من إتجاه غير متوقع”.
رمزي: كان عبارة عن قارب صيد غير قانوني من مصر ولا يجب أن يتواجد هنا.
“تم إعتقال ربان سفينة الصيد وتم أخذه بواسطة أحد القوارب الداعمة وعدنا لنستأنف بحثنا وبعد مرو نحو 3 ساعات من بحثنا عثرنا على أول شيء مليء بالمهاجرين وحينما نقترب من القارب هنالك أناس إمتطوه وقرروا ببساطة أن يتزاحموا فيه وهم قرابة الـ220 أنه ممتلئ بالفعل.أكثر من أي وقت مضى يموت المهاجرون في واحد من أكثر المسارات المميتة فخلال هذا العام أكثر من 4 آلاف غرقوا في البحر محاولين الوصول إلى أوروبا”.
“ومعظمهم تم إلتقاطه من قبل الأساطيل الأوروبية بعد أن تمكنوا من الوصول إلى مسافة الـ12 ميلاً وإذا ما أفلتوا من الأسطول الصغير إلى المياه المفتوحة فلن يستطيعون إكمال الرحلة لمسافة 200 ميل وسيغرقون”.
رمزي: هذا النوع من القوارب سيغرق بعد ساعة من الآن وكل من على متنه سيموتون.
“لقد وصل قارب الدعم ليعيد المهاجرين إلى الشاطئ ولكن خفر السواحل لا يملكون الخبرة أو التدريب اللازم مع هذه الحالة المعبرة عن اليأس وتوجه لهم الإتهامات بالوحشية وقد تم تحميل المهاجرين على متن القاطرة وسيتم أخذهم إلى الميناء وقررنا الإستمرار مع الدورية وخلال الساعتين المقبلتين إقتربنا من قاربين آخرين يحملان نحو 250 من المهاجرين وتبدو في وسط القارب نساء محبطات جداً مما يجري”.
رمزي: هذا هو القارب الثالث.
“ها هي الشمس تشرق ونقترب من المزيد من القوارب وحتى في هذه النقطة هنالك المزيد من الناس لا يدركون بأنهم لن يذهبوا إلى أوروبا وبأن خفر السواحل سيعيدوهم إلى ليبيا. وبحلول الـ9 صباحاً تم إنقاذ نحو 600 من النساء والرجال ممكن سيواجهون الآن مستقبلاً غير محدد”.
كيمب: ما مدى إحباطك الآن؟
أحد المهاجرين: أنا محبط جداً فقد خسرت الكثير من المال لقد فقدت المال القليل الذي قدمته لي أمي في نيجيريا.
“أنا أعلم حجم ما يوجهونه من فقدان الأمل وضياع الأمنيات والخيبة وهنا ترون طفلا يرضع من صدر والدته وعمره لا يتجاوز شهراً واحداً ولقد شهدت الرحلة من الجنوب فقد قاسى هذا الطفل الكثير على ما يبدو مع والدته وبالنسبة لهما تم إلتقاطهما الآن وإذا ما كنت تتفق مع الهجرة أم لا هنا بعض الناس يبدون وهم مرضى وليسوا على ما يرام بعد الذي أصابهم لا أملك الكثير لأقوله. إنظروا إليها أنها حبلى.وحينما كنا في طريق العودة إلى الميناء مررنا بالقارب الخامس وعلى متنه 120 مهاجراً تم نقلهم إلى سفينة خفر السواحل”.
كيمب: متى صعدتي إلى القارب؟
مهاجرة: منذ الليلة الفائتة.
كيمب: وكم عمر إبنتك هذه؟
المهاجرة: أنها في الـ5 وستبلغ السادسة غدا.
كيمب: هل تعلمين ما الذي سيحدث لك مستقبلا؟
المهاجرة: كلا. لا أعلم.
كيمب: سيتم وضعك في مركز إحتجاز في ليبيا هل تفهمين هذا؟
المهاجرة: لا. لا أفهم لماذا نذهب إلى ليبيا هنالك الكثير منا في ظروف سيئة.
“إن إستخدام الكلمات أحياناً يمثل كارثة إنسانية لكنهم سيواجهونك بالحقيقة فإن كنا خلال 9 ساعات فقط قد أعدنا أكثر من 750 من المهاجرين فكم عدد الناس الذين يتم وضعهم في هذه القوارب وكم منهم قد غرق ولا أحد يعلم عنهم شيئاً ولن يعلم أحد بهم مرة أخرى هذا ويتم إحراق هذه القوارب المطاطية لردع المهربين ولمنعهم من إستخدامها مجدداً ولقد بدأ الإتحاد الأوروبي بعملية تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبيين”.
“وبوجود هؤلاء الناس الذين تم إعادتهم إلى ليبيا فلقد تم إعتبارهم خارقين للقانون بشكل مريع وهم سيكونون من دون دعم وبفرص قليلة للعودة إلى ديارهم فخلال 11 ساعة وبإستخدام 3 قوارب تمكن خفر السواحل الليبيين من إنقاذ نحو 750 من المهاجرين والآن سيذهبون إلى مراكز الإحتجاز وفيها تأريخ حافل بإنتهاكات حقوق الإنسان وأعتقد بأن الإتحاد الأوروبي إن أراد أن يوقف تدفق المهاجرين عبر المياه الليبية وتهيئة وتمكين خفر السواحل فعليه أن يتأكد أيضاً من كون المراكز الإحتجازية التي تدار من قبل الليبيين مناسبة”.
“ولقد تنامت الهجرة من ليبيا إلى أوروبا بعد الثورة المدعومة من الغرب إلا أن الثورة فشلت في جلب الأمن الدائم وتحول البلد إلى سوق لإستعباد المهاجرين وما شاهدنه هنا يمثل كارثة إنسانية فلقد تم الإيقاع بمئات الآلاف من المهاجرين وإستغلالهم من دون أي أمل بعودتهم ولا توجد أية منظمة دولية تعمل هنا وتحقق أي نجاح فالمعاناة التي شاهدتها هنا يتحمل مسؤوليتها بشكل جزئي الغرب لأنه تخلى عن هذا البلد بعد المساعدة بالإطاحة بالقذافي ونظامه”.
“ومن ذلك الحين تطورت الأمور للأسوء فيما يخص ليبيا وأوروبا والمهاجرين فالمهمة هائلة لمساعدة هذا البلد لتأمين حدوده الجنوبية وحينما يقف المجتمع ساكناً أمام اللعبة السياسية ينزلق هذا البلد كل يوم ويقترب من حالة الدولة الفاشلة ويبقى السؤال الأبرز هل سندير ظهورنا إلى ليبيا مرة أخرى؟”