بقلم عيسى عبدالقيوم : نجح غسان ورسب صوان !

مقال رأي بقلم الكاتب الصحفي عيسى عبدالقيوم

على وقع أزمة أدارها الجيش الوطني بحرفية برزت أزمات فى مؤسسات أخرى أبرزها وسائل إعلام “ليبية” تلتقي فى نقطتين هامتين ، الأولى أنها ممولة من دولة قطر والثانية أنها تتبع تيار الإسلام السياسي ودار الإفتاء .

فعلى مدى أكثر من 10 أيام نجحت الأجهزة الأمنية الليبية فى ضرب طوق من السرية حول القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر ، فعجزت كافة الأجهزة الإستخباراتية والإعلامية المحترفة فى الوصول اليه رغم أنها نجحت سابقاً فى الوصول الى “المشفى الفرنسي” الذي يرقد فيه الزعيم الراحل ياسر عرفات وسَربت له عدة صور.

فإجتهدت بعض وسائل الاعلام فى تحليل المتوفر من المعلومات الصحيحة وذهب “المؤدلج” منها الى الفبركة والكذب الصريح والإشاعات الرخيصة !.

وفى تقديري فقد أربكت الأزمة عدة جهات منها تحديداً جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي “حزب العدالة والبناء” الذى كان قد شرع قبلها بفترة وجيزة فى إطلاق حملة علاقات عامة فى محاولة منه للرجوع الى المشهد السياسي الذي باتت خسارته فيه كبيرة وعميقة كونها لم تعد تقتصر على مخاصمة السلطة بل بات صدامه مع الشارع مباشرة .

فوصف إعلامه عملية الكرامة بأنها “كانت ناجحة وهدفها التصدي للإرهاب” ووصف من قُتلوا فيها “بالشهداء” ولم يمتنع أحد قادة الجماعة عن التسليم بأن المشير حفتر ضمن “قائمة المرشحين لرئاسة ليبيا” وربما أبرزهم .

حدث هذا أيضا بالتزامن مع محاولة أحد اذرع جماعة الإخوان المسلمين الإعلامية “قناة ليبيا الأحرار” العودة هي الأخرى بحلة جديدة وخطاب مختلف بل وثقافة ومنهجية جديدة (كما وعدت جمهورها ومن قبلوا العمل فيها) ودشنت محاولتها بالإنتقال من الدوحة الى استنبول على أمل التمكن من الإفلات من ضريبة وإسقاطات إسم “الدوحة” الذي بات مرتبط بدعم الإرهاب وتغذية الفتن !!

غير أنها رسبت فى أول إختبارات القبول (المهني والأخلاقي) حيث أكدت هذه الأزمة وقوع التنظيم وإعلامه وكُتّابه فى مأزق خطير فلم يستطيعوا مقاومة إغراء مطالب التنظيم الدولي والتبعية الأيديولوجية ولا مقاومة ضغوط الدولة الممولة “قطر” التى تورطت فى دعم الارهاب فى ليبيا .

فإنطلقوا فى حملة إرتكزت على فبركة المصادر وإطلاق الشائعات وتضخيم الأمور وصلت الى حد الكذب المباشر من قنوات الإسلام السياسي كقناة النبأ والتناصح بالإضافة الى ليبيا الأحرار وعديد المواقع الالكترونية التابعة للجماعة وإعتلت منبر الإفتراء والتحريض هذه المرة “عمائم” ما كان لها ان تتورط فى ذاك المستنقع الآسن المجافي لأبسط معاني التدين والوطنية !.

ومن زواية أخرى اتصور أن أحد أبرز أهداف تلك الحملة الرخيصة التى تواطأت فيها وسائل إعلام الجماعة (ونظيراتها الممولة من قطر) كان للأسف العمل بقوة على ادخال البلاد فى فوضى جديدة فإعتمدت الحملة على تحريض الجيش ضد الجيش وتحريض القبائل ضد الجيش وإرتكزت على لعبة الصياغة وخطاب ديني مغلوط يزعم دائماً أن الله ينحاز الي الجماعة ضد خصومها عند احتدام اي صراع سياسي وأن السماء تتطوع بالقضاء على خصومهم الاقوياء الذين هزموا أمامهم على الأرض  فى مشهد يشي بعمق الهرطقة التى يعيشونها ويشير الى قبح العمل الذي يعلمون جيداً أن مآله – لو نجح – لن يكون إلا حرباً ودماراً ومزيداً من الدماء على غرار تورطهم السابق فى تحريض الشباب الأغرار والتحالف مع أنصار الشريعة والقاعدة وداعش ضد أهالي بنغازي والمؤسسة العسكرية وما نتج عنه من خراب حاولوا لاحقاً التنصل منه .

إن ما جرى أوضح كذلك أن التيار الإسلامي لا يقوده اي مشروع إنما يقوده مزيج من مشاعر الكراهية والنهم للسلطة يغذيها منطق الثأر وعُقد تاريخية ومفتقد فى الوقت ذاته الصلة ببوصلة الوطن لصالح الأيديولوجية الأممية والغريب أنهم وقعوا فى ذات المطب مع النظام السابق فبعد أن وقّعوا معه مصالحة سياسية وقدموا له مراجعاتهم الدينية عادوا لينقلبوا عليه وليغدروا به عندما حدثت انتفاضة فبراير ورأيناهم لاحقاً يجترون الندم .

ثم كرروها مع انتفاضة فبراير التى إنقلبوا عليها وتحالفوا مع داعش والقاعدة ثم رأيناهم لاحقاً يجترون الندم وشاهدنا الأسبوع الماضي محاولتهم للإنقلاب على المسار التصالحي الذي وعدوا به وعادوا لتغذية العنف وركوب خطاب الكراهية وسنراهم قريباً يجترون الندم مجدداً ، مما يؤكد أن من يقودون هذا التيار هم أحد أسباب نكباته وتعثراته المستمرة وأنه يقيناُ تيار بلا رأسٍ صالحة ولا مشروع إصلاحي وأن ما يلوكونه حيال مفهوم الدولة المدنية غالباً لا يصمد أمام الإختبارات الصعبة !.

لقد كشفت الأزمة عن سقوط مريع لقيم تيار الإسلام السياسي الأخلاقية قبل الإعلامية فالكذب والفبركة والشماتة والتحريض المريض لم تكن يوماً خلقاً اسلامياً لا بل ولم يكن خلقاً إنسانياً حتى أما المهنية الإعلامية فأعتقد أنه يجب أن يمضي زمن طويل قبل أن تتحدث عنها ليبيا الأحرار او النبأ او التناصح ومن فى حكمهم .

أما بالنسبة للشيوخ وعلى رأسهم المفتي الصادق الغرياني فمن المهم أن يتواروا عن الأنظار بعد أن أصبح ظهورهم يذّكر الناس بالموت والخراب والتلاعب بالدين وأضافوا إليها أخيراً الكذب بعد أن إتضح أن بعثة الأمم المتحدة برئاسة غسان سلامة صدَقت القول مع الشعب الليبي .. ودار الإفتاء كذبت عليه !!.

عيسى عبدالقيوم

28 ابريل 2018

Shares