بالمستندات | سيالة والجهيمي بين تقرير المحاسبة وعهدين إثنين .. كشف حساب !

ليبيا- فى سنة 2017 أكد تقرير ديوان المحاسبة الصادر مؤخراً عن ذات السنة وجود هدر مفزع فى مختلف قطاعات الدولة ، وبطبيعة الحال لم تكن  وزارة الخارجية بصفتها أحد اهم الوزارات السيادية فى معزل عن هذا النزيف المالي الحاد الذي سُجل فى ظل ظروف اقتصادية رسمية ومجتمعية بالغة الخطورة .

يشير التقرير الى أن مصروفات المجلس الرئاسي بالعموم على السفر اضافة للتوسع فى صرف العُهد المالية فاقت قيمتها عشرات ملايين اليوروات بما في ذلك السفريات التي كان وزير خارجية الوفاق محمد الطاهر سيالة من ضمن وفودها وكانت إحداها الى نيويورك أقام فيها الاخير بفندق لمدة ثلاثة ليالي بقيمة 13 الف دولار .

كانت أبرز ملاحظة داخلية فى تقرير المحاسبة حيال وزارة الخارجية اضافة للتوسع فى الكادر الوظيفي هي عـدم مسك سجل خاص بالعهد المالية بالمخالفة لقوانين ولوائح الميزانية والحسابات والمخازن وقد فاقت قيمة بعض هذه العُهد لشخص واحد والتي لم تتم تسويتها الى الان 40 الف دينار ليبي فيما فاقت قيمة اجمالي ماتم صرفه على نفقات السفر وعلاوات المبيت 8 مليون دينار ليبي وغيره من المخالفات ! .

سيالة والمحاسبة والاجراءات .. بين عهدين !

قد يقول قائل وهو ما ألمح له تقرير ديوان المحاسبة بأن بعض المخالفات المرتكبة من بعض مسؤولي حكومة الوفاق او المؤقتة او الحكومات السابقة بعد سنة 2011 مرده عدم وجود خبرة ادارية لديهم فى تسيير شؤون العمل لكن هذه القاعدة يجب أن لا تنطبق على من يعمل اليوم وكان يسير عمله على أكمل وجه لمدة سنوات عمل بها إبان فترة النظام السابق .

صحيفة المرصد الليبية بحثت فى أرشيفها الخاص بالمستندات التي تخص فترة عمل سيالة والطاهر الجهيمي إبان النظام السابق حيث كان يشغل الاول نائب وزير الخارجية ( أمين مساعد للجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي ) وتدرج فى عمله الى درجات أعلى أما الثاني فكان أمين اللجنة الشعبية العامة للتخطيط ( وزير التخطيط ) وهو ذاته منصبه الحالي فى حكومة الوفاق .

تشير المستندات التي بحثت فيها المرصد الى ان سيالة كان ملتزماً تماماً بقوانين الصرف والانفاق بوزارة الخارجية إبان النظام السابق وبأنه كان يتبع كامل الاجراءات الادارية المتبعة والملزم بها بحكم منصبه .

ففي هذا المستند مثلا سافر سيالة فى مهمة سنة 2004 الى خمسة دول لتسليم رسالة لزعمائها من العقيد معمر القذافي مقابل علاوة سفر مالية وقع عليها بالاستلام وفقاً للاجراء المتبع الذي لاتلتزم به وزارته الان وتقدر فقط بثلاثة آلاف دولار .

وفى هذا المستند يوقع أيضاً على إيصال مقابل تسلمه 3000 الاف دولار علاوة نظير سفره الى اوكرانيا ولمدة اسبوع فى مهمة رسمية تلبية لدعوة رئيس وزرائها .

ينص الاجراء المتبع فى الوزارة وفقا لهذا المستند على ان يقوم وكيلها باعداد كشف دوري يتضمن المبالغ المسلمة للوزراء ونوابهم الموفدين فى مهام عمل خارجية او علاج على ان يرسل نسخة منه الى كل من رئيس الوزراء ونائبه ومحافظ مصرف ليبيا المركزي ووزير المالية ورئيس جهاز الرقابة الادارية والمالية  ( ديوان المحاسبة حالياً ) وهو الاجراء الذي لم يعد سيالة ولا رئاسة الحكومة يتبعانه فى عملهما الان .

فى هذا المستند ترأس الراحل شكري غانم الوفد الذي ضم سيالة الى أوكرانيا بصفته أميناً للجنة الشعبية العامة ( رئيس وزراء ) ووفقاً للاجراء المتبع فى وزارة الخارجية يظهر المستند التالي أن غانم ورغم كونه رئيساً للحكومة قد وقع أيضاً لموظف الشؤون المالية بالوزارة على إيصال إستلام لعلاوة مالية نظير ترأسه الوفد لمدة أسبوع بقيمة 5000 دولار .

كما ينص الاجراء ايضاً على أن يحيط وكيل وزارة الخارجية الوزير بما قام به من اجراء معززاً بقوائم الموفدين للمهمة فى الخارج وكشف ماتلقوه من اموال كُعهد مالية وواصلات استلام من الضروري أن تكون ممهورة بتواقيعهم مهما كانت صفاتهم كما فى هذا المستند الموجه للوزير الذي تضمن اسم شكري غانم على الرغم من الاخير رئيساً للحكومة .

الجهيمي .. عبث وإفراط فى هدر المال العام

يتولى الطاهر الجهيمي منذ ثلاثة سنوات منصب وزير التخطيط بحكومة الوفاق وهو ذات المنصب الذي تقلده فى فترة حكومتين إبان النظام السابق ولكن تقرير ديوان المحاسبة الصادر الاسبوع الماضي كشف عن حجم التسيب الاداري والهدر المالي وماوصفه بالعبث فى وزارته حيث يبين ان الوزير صرف 83 الف دينار مقابل تذكرة سفر فقط للولايات المتحدة الامريكية وتذكرة اخرى بقيمة 16 الف وبأنه لا يمسك بدفتر العهد المالية فى الوزارة كما ان سيارات مقدمة كعهد لبعض الموظفين لم يتم استردادها وباتت خارج السيطرة .

وعند البحث الذي اجرته المرصد فى بقية المستندات الخاصة بالوزير الجهيمي ، كانت المصادفة ممثلة فى هذا المستند الذي يحمل توقيعه ويعود تاريخه لسنة 2005 وهو عبارة عن إيصال استلام نقدي وقع عليه مقابل الحصول على علاوة مالية بقيمة 3000 دولار للتوجه فى مهمة عمل الى الولايات المتحدة أيضاً التي سافر لها فى عهد حكومة الوفاق بتذكرة تبلغ قيمتها 83 الف دينار !

الاجراءات المالية فى وزارة الخارجية

فى هذا المستند ، وهو عبارة عن كشف سنوي قدمه وكيل وزارة الخارجية الى وزيره حينها عبدالرحمن شلقم والجهات المختصة الأخرى حول الاموال المقدمة للوزراء كعُهد نظير قيامهم بمهام خارجية وتتمثل المفاجأة الثانية وهي أن اجمالي مصروفات هذا الباب طيلة سنة 2006 لعدد 24 وزير كانت 94 الف دولار فقط جميعها معززة بالمستندات ومنها 20 الف صرفت لأبوزيد دوردة إبان إصابته بمرض القلب .

 كما ان الاجراء فى وزارة الخارجية كان يحتم على وكيل الوزارة حينها فتحي المقصبي ان يخاطب نظيره فى وزارة المالية بحجم مصروفاتهم من العهد على المسؤولين والوزراء معززة باذونات الصرف وواصلات الاستلام وغرض السفر واسبابه ، كما هو فى هذا المستند .

وبالعودة الى تقرير ديوان المحاسبة الاخير والذي سبقه فقد اشار الى انفاق حكومة الوفاق وخارجيتها لعشرات الملايين على ايجار الطائرات الخاصة ، اما فى هذا المستند الذي يعود تاريخه ما بين سنتي 2004-2005  يحيط وكيل الوزارة ، الوزير ، بأن رئاسة الوزراء وافقت على عرض وزارة الخارجية بشأن ايفاد عدد من موظفيها لدعوة زعماء افارقة لحضور قمة دعت لها ليبيا ، لكن الموافقة كانت مشروطة بأن تكون نفقات الطائرات الخاصة المعدة لنقل هؤلاء خصماً من ميزانية القمة لا من ميزانية الدولة ، فى الوقت الذي يسرف فيه الرئاسي وخارجيته على هذا الغرض من ميزانية الدولة بل ومن بند الطوارئ !

وبالنسبة لهذا المستند فيمكن من خلاله تصور وفهم مدى الالتزام بتنفيذ الاجراءات المالية والادارية بين ادارات وزارة الخارجية فى السابق ، حيث يتطلب سفر الوزير فى مهمة رسمية الى تونس موافقة رئيس الحكومة والتوقيع على ايصال مالي نظير العهدة المالية ومخاطبة السفارة لتسكينه ويتضح هذا من حجم التواقيع ( التهميشات ) على هذا المستند مثلاً .

ختاماً ، فأن تقرير ديوان المحاسبة الذي أثار كل هذه الزوبعة حول حجم الهدر والفساد والعبث بالمال العام قد أثار كذلك سخطاً شعبياً وصل بالبعض الى درجة القول بأن هذا النزف المالي مننهج لاقتياد الدولة الليبية نحو الاقتراض .

كما ان صحيفة المرصد واذ تنشر هذه الوثائق التاريخية الهامة فهي ان اشارت لشيء – أي الوثائق – انما تشير الى تساؤلات مبهمة حول أشخاص لطالما عملوا سابقاً فى الدولة وتقيدوا باجراءاتها المالية والقانونية والادارية والمحاسبية بحذافيرها ثم انهمكوا فى مخالفة كل ذلك حالياً رغم علمهم التام بما كان يجب اتباعه للحفاظ على المال والصالح العام ما يطرح علامات استفهام عن سبب هذه التصرفات ، وعن ما اذا كان مردها علم مرتكبيها بأن الحكومة الحالية قد فرضت بأمر واقع وبلا رقيب أو لأنهم يتمتعون بحصانة محلية واجنبية خارقة تمكنهم من تجاوز القانون او لعلمهم المطلق بأن رئاستهم لم ولن تحاسبهم على كل ذلك لانهماكها هي الاخرى فى ذات المخالفات بل وبشكل اعمق واشد وطأة .

المرصد – خاص

فى مايلي وثائق أخرى متعلقة بعلاقة مسؤولين آخرين فى الدولة السابقة بوزارة الخارجية وطريقة تعاملها وتعاملهم معها اجرائياً ومالياً وادارياً فى مايتعلق بالسفر والعهد والمهمات الخارجية والعلاج والاجازات :

 

Shares