سليمان البيوضي : ليبيا والصبح الأسود !

مقال رأي – بقلم الكاتب السياسي سليمان البيوضي

في البداية وجب الإشارة بأن ” الصبح الأسود ” اقتباس من عنوان لتقييم غربي لتنظيم الدولة الإسلامية ، خلص فيه لنتيجة تقول أن هذا التنظيم يشبه في تركيبته الشركات المتعددة الجنسيات ، و يختلف عنها كونه يتركب من أجهزة مخابرات لعشرات الدول ، اثنى عشر منها من منطقة الشرق الأوسط و هذا التقييم يفسر بعض العمليات التي حصلت في سوريا ما بين الإجلاء لمجاميع المسلحين أو تتبعهم و قصفهم ، بما يسمح بوقف اقتفاء الأثر لهذه الدول .

في سوريا يستعد الأسد و حليفه الروسي للهجوم على إدلب ، و في الأروقة الغربية بدأ الحديث عن انتصار بشار الأسد في الحرب السورية ، و هو يعني ضمنيا تغيير الموقف من وجوده في السلطة ، و التخلي عن كل عناصر الصبح الأسود مقابل منع اقتفاء أثرهم .

مؤخرا أكدت تقارير الدول الكبرى أنها تمكنت من شل حركة التنظيمات الإرهابية في ليبيا ، و أن هذه المجاميع لم تعد قادرة على شن حملات عسكرية واسعة أو بسط سيطرتها على أجزاء من ليبيا ، كما حدث في سرت و بنغازي و درنه و صبراتة ، بل منعت بشكل مباشر وصول أعداد – كبيرة – من مجاميع الصبح الأسود من سوريا لليبيا في إطار الهجرة العكسية ، و هي تعمل بشكل علني على وضع ترتيبات لاستقرار آمن في ليبيا .

التقديم المقتضب كان لأجل الولوج في الحالة الليبية ، و ما تشهده العاصمة من عمليات عسكرية ، و تطبيق منهجية اقتفاء الأثر و الدور الذي قد تلعبه جماعات الصبح الأسود ، و الأهم هو مآلات هذا الصدام العسكري الدامي ، و دور المجتمع الدولي الخفي في المعركة ؟

حتى الآن لم يصدر موقف رسمي من قبل القيادة العامة و حقيقة تبعية اللواء السابع لها ، بيد أن المناطق التي دخلها قوات هذا اللواء تتمركز بها نقاط تفتيش للشرطية العسكرية مدعومة بقوات نظامية ، و لم تسجل أي خروقات أمنية او سرقات في مناطق سيطرتها ، بخلاف تلك المناطق التي دخلتها قوات لا تتبع للواء السابع ، و تلك المناطق تعيش انفلاتا أمنيا مرعبا .

أبرز أهم الأخبار في طرابلس و الذي مر بشكل طبيعي في زحمة الأحداث في العاصمة ، هو إعلان مقتل و إصابة مجموعة من المسلحين التابعين لمجلس شورى بنغازي في مواجهات طرابلس ، و هذه المجموعة لا تشارك مع قوات اللواء السابع بل دخلت للعاصمة ضمن مجموعات أخرى تدخَّلت في الصراع و يشاع أن هدفها سجن معيتيقه الذي يضم بداخله أعدادا كبيرة من جماعات الصبح الأسود و بالتالي : يصبح مشروعا أن نتساءل إن كان الهدف من دخول هذه القوات هو إيقاف اقتفاء الأثر ، و تنفيذ عمليات موضعية ، الهدف الأساسي منها ليس إطلاق سراحهم طبعا !!!!!؟

المواجهات المسلحة في طرابلس هي خليط من التناقضات و تضارب المصالح ، فاقتفاء الأثر هو هاجس مرعب لبعض الدول الإقليمية و أجهزتها الأمنية ، و بالتالي فإن بعض المجموعات التابعة لها على الأرض ستكون جاهزة لتنفيذ عمليات واسعة عند حدوث أي طارئ ، قد يتسبب في فرار السجناء ، و قد تلجأ للقصف الجوي – المجهول – .

إن تهيئة الأوضاع الأمنية لإجراء الإنتخابات العامة هو الهدف الإستراتيجي لبعض الدول و الشركات الكبرى ، التي تبحث عن سلطة منتخبة معترف بها ، لبدأ مرحلة إعادة الإعمار ، و ما بين السيناريوهات المتعددة يعيش سكان طرابلس أياما عصيبة .

لا يمكن توقع اللحظة التي سيتدخل فيها المجتمع الدولي بشكل حازم لوقف الإقتتال الدائر ، لكن فكرة تأمين – الحكومة الضيقة – بالقبعات الزرقاء الدولية ، يبقى خيارا مطروحا قد تلجأ له القوى الكبرى ، كحل وسيط – خصوصا – إذا ما شكلت مجاميع الصبح الأسود خطرا حقيقيا على – الحكومة الضيقة – و المقصود بها : (( رئاسة الحكومة و البنك المركزي و المطار و مفوضية الانتخابات و مصلحة الأحوال المدنية و المؤسسة الوطنية للنفط )) .

في كل الأحوال فإن الملف الليبي يشهد حاليا إعادة تموضع في صراع الدول الكبرى ، و باتت أغلبها مقتنعة بضرورة الدفع بإجراء الإنتخابات العامة كخيار استراتيجي لبدأ مرحلة إعادة الإعمار و تعويض الشركات الكبرى عن خسارتها في مناطق الصراع الأخرى .

بقى أن أشير أن ملف التغير في مراكز توزيع الطاقة الدولية ، هو أساس العمليات العسكرية و الأمنية في ليبيا ، و هي ما تغفل القوى المحلية عنه في إدارة صراعها حول السلطة في ليبيا ، إذ أن هذه الحرب المنسية مكنت قوى إقليمية من توظيف بعضها لصالح تعطيل المجال الحيوي الليبي ، فالقوى الرديكالية بأجنحتها المتعددة ، عملت كمعاول هدم لمشاريع التدافع لتغيير مراكز توزيع الطاقة حول العالم ، في أكثر من موقف و الذي تطلب أحيانا إقفال و تعطيل المجال الحيوي لثروات ليبيا الغازية و النفطية ، و نفذت تلك العمليات في إطار خوفها من اقتفاء الأثر .

ووجب أن أنوه بشكل واضح أن زمن تعطيل المجال الحيوي الليبي قد انتهى و أن دولا كبرى ستلقي بكامل ثقلها في الملف الليبي ، بعد انتهاء هذه الفورة القصيرة من العنف ، و التي قد تنتهي بفرض استتباب الأمن و الإستقرار من قبل القوى النظامية الرسمية ، و إن تعذر ذلك فستكون القبعات الزرقاء في قلب العاصمة طرابلس .

 

تنويه : مقالات الرأي المنشورة ملزمة لكاتبها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الصحيفة
Shares