بشكل مفاجئ ..هل أفرغ سلامة المؤتمر الجامع من مضمونه قبل إنعقاده وحوّله إلى “كومبارس” ؟

ليبيا – فى ظل الغموض الذي يلف آلية إنعقاد وإختيار الشخصيات والمكونات المشاركة المؤتمر الوطني الجامع الذي تعد له الأمم المتحدة ، فاجئ المبعوث الخاص إلى ليبيا غسان سلامة الجميع بإعلان خطة قد تجعل من هذا المؤتمر مجرد غطاء لخطة لا تعبر عن إرادة الليبيين فى التغيير والتي تُرجمت من خلال مظاهرات عارمة عمت المدن الليبية خلال الفترة الماضية ، أو  حتى مولوداً ميتاً فاقداً لقيمته على أقل تقدير  .

وفى حوار مع قناة الحرة الأمريكية بثته اليوم الأربعاء قال سلامة أن هناك توافقاً بأن الانتخابات الرئاسية الليبية غير ممكنة قبل أن يُحدد وبوضوح في نص دستوري صلاحيات الرئيس ولكنه لم يحدد من هي الأطراف التي توافقت على ذلك وهو الذي قال فى آخر إحاطة له بأن الإنتخابات هي مطلب الليبيين الأول وبأن الشعب يرغب فى إستبدال كل هذه الأجسام التي إتهمها بالنهب والتمسك بالكراسي إلى آخر حياتها.

وتعد هذه الفكرة – أي صلاحيات الرئيس – سابقة جديدة على صعيد عمل المبعوث سلامة ويرى فيها مراقبون عقبة جديدة قد أعلن عنها الرجل وسيكون من شأنها عرقلة وتأخير الإنتخابات الرئاسية أكثر وأكثر بعد أن أفشلت الأطراف السياسية خطة إنتخابات كان من المزمع عقدها فى ديسمبر الماضي وفقاً لمخرجات لقاء باريس .

وكانت مقررات لجنة فبراير ( سميت نسبة للشهر الذي تشكلت فيه ) والتي أقرها المؤتمر العام بغالبية أعضائه فى سنة 2014 بعد أن ضمّنها كتعديل دستوري رسمي قد حددت صلاحيات الرئيس القادم بوضوح ، الأمر الذي يطرح علامات إستفهام كبيرة جداً عن دوافع سلامة من وراء هذا الطرح .

كما أن مسودة مشروع الدستور التي يُعرقل كل من مجلسي الدولة والرئاسي والهيئة التأسيسية الإستفتاء عليها عبر الطعون القضائية صد قانون الإستفتاء الذي أصدره النواب من جهة وقطع التمويل عن مفوضية الإنتخابات من جهة أخرى قد حددت هي الأخرى صلاحيات الرئيس القادم  .

وخلال ذات اللقاء عاد سلامة وأشار إلى أهمية وجود قاعدة دستورية صلبة قبل الانتقال للانتخابات الرئاسية في ليبيا لكنه تجاهل الحديث عن إمكانية إجرائها على أساس أقصر الطرق ألا وهو الإعلان الدستوري ومقررات لجنة فبراير والقرار رقم 5 لسنة 2014 الصادر عن مجلس النواب فى جلسة صحيحة النصاب ، كان فائز السراج أحد المشاركين والمصوتين فيها بنعم عندما كان عضواً بالمجلس .

وفى تطور جديد ، كشف بأن خطته التي أعدها مسبقاً هي التواصل مع الأطراف الليبية للإتفاق على خطة عمل من خلال إنعقاد لقاء وطني واسع تتمثل به مختلف القوى الليبية وتقبل بذلك حيث يدعم مجلس الأمن هذه المقترحات والسير بها تدريجياً نحو إنتخابات نيابية أولاً ثم إستفتاء على الدستور يليه إجراء إنتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجارى، مضيفا أن الدعوة ستتم للجامع بعد نجاح الإتصالات التي يجريها ليتم بعد ذلك تحديد موعده ومكانه.

وبهذا الحديث عن تبني سلامة خطة إنتخابات برلمانية يطاح فيها بمجلس النواب الحالي ويأتي بآخر دون ضمان واضح لشكله مع عدم وحود ضمان لفترة وجوده أولاً ، ثم إستفتاء على الدستور ثم إنتخابات رئاسية ، ومن هنا يتضح أن إجراء الأخيرة وفقاً للموعد الذي يتحدث عنه فى نهاية 2019 سيكون ضرباً من الخيال من الناحية الزمنية والفنية وتناغماً حصرياً مع الرؤى الإسلامية التي ترغب فى تأجيل هذا الطرح إلى مالا نهاية.

كما يعني أيضاُ أن الرجل تراجع عن خطة إنتخابات الرئاسة فى الربيع المقبل وفقاً لمخرجات باليرمو بحديثه عن إجرائها آخر 2019 ونسج ملامح خطة المرحلة القادمة مسبقاً ولن يكون لليبيين فى مؤتمرهم الجامع أي دور فى تقرير القادم سوى لعب دور ” الكومبارس ” أو ” المُحَلّل الشرعي ” لخطة سلامة ومنحها المباركة المحلية أمام العالم والمجتمع الدولي ومجلس الأمن ، وهو الملتقى الذي كان من المفترض أن يكون مطبخاً لصياغة القاعدة الدستورية للإنتخابات فقط ، وذلك وفقاً لرأي عدد من السياسيين والمحللين والمراقبين والدبلوماسيين الليبيين الذين علقوا للمرصد على هذه التصريحات .

https://www.facebook.com/1707659659469302/posts/2273031739598755/

إذا ، هو خطاب ولغة جديدة يتحدث بها سلامة عن خطة تبدوا غامضة وتحتوي نوعاً من المحاباة والإرضاء لطرف بعينه وكذلك مخاطر لاحصر لها وقد تفتح باب صراع سياسي أعمق رغم محاولته تبسيطها وشرحها فى ثلاثة نقاط ، معلناً بذلك خيبة أمل جديدة لليبيين الذين أكد بنفسه سابقاً رغبتهم فى التغيير والخلاص ، وبالتالي إستعادة الأمانة عبر صندوق الديمقراطية وإختيار أول رئيس لهم بعد أن إغتصب تلك الأمانة حكّام اليوم بصناديق الذخيرة ، يقول قائل  .

الطريق الأقصر الذي يتجاهله سلامة

حديث سلامة الأخير جاء بعد أربعة سنوات من الأزمة والإقرار من مختلف الأطراف السياسية تقريباً بفشل إتفاق الصخيرات فى إنهائها ، حيث بدأ أخيراً عدد من أعضاء مجلس النواب يتلمسون الطريق الأقصر إلى الحل أو ما يعتبرونه الطريق الأمثل ألا وهو الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية وخروج الجميع من المشهد المرتبك .

إنتخابات إن كُتب لها أن تنعقد ستكون كفيلة بإخراج البلاد من أزمتها أو على أقل تقدير أن تُنهي الإنقسام السياسي الحالي المُدمر بعد أن تعثرت كل فرص الحل خلال الفترة الماضية بما فى ذلك جهود تشكيل رئاسي جديد التي يتهم كل من فائز السراج ورئيس الإستشاري خالد المشري بعرقلتها حتى وصل الإنقسام والصراع إلى طاولة الرئاسي الحالي نفسه .

 

كيف السبيل ؟

يؤكد النائب عن الجنوب مصباح دومة بأن الذهاب إلى إنتخابات رئاسية للدولة وفق الإعلان الدستوري كقاعدة دستورية كما نُصص على ذلك فى الفقرة 11 من المادة 30 وتفعيل قرار مجلس النواب رقم 5 لسنة 2014 هما الطريق الأمثل للحل .

حل عاد الحديث عنه ولأول مرة بكل صراحة تحت قبة مجلس النواب كخيار يمكن اللجوء له وفقاً لما أعلنه المستشار الإعلامي للمستشار عقيلة صالح بعد أن جرت مناقشته فى جلسات النواب لهذا الأسبوع فى مدينة طبرق .

النائب مصباح دومة – أرشيفية

وقال النائب مصباح دومة أن تجهيز مجلس النواب لقانون انتخاب الرئيس المؤقت اجراء ضروري للحفاظ على ما تبقى من الدولة من التلاشي نتيجة الصراعات السياسي ومماطلة الأجسام السياسية المنبثقة من الصخيرات .

كما تحدث دومة عن تجارب البعثة الأممية على ليبيا من اجتماعات وحوارات ومؤتمر جامع يعتبره فسخاً للاتفاق السياسي الذي كان هو أحد داعميه مؤكداً بأن الأتفاق حمل على متنه أشخاص لا يمثلون الا أنفسهم فيما تم تنصيب آخرين لا يعبرون الا على إرادة المجتمع الدولي ومطامعه في ليبيا .

وأكد قائلاً : ” يجب أن يُترك الشعب الليبي ليقول كلمته في إختيار من يحكمه خاصة بعد التعطيل غير المبرر لقانون الاستفتاء على الدستور وفِي ظل ما نراه من قيادات تدعي بأنها هي من تمثل الشعب ولها مؤيدين في ارجاء البلاد ” .

 

ماهو القرار رقم 5 لسنة 2014 ؟
القرار 5 لسنة 2014

صدر القرار 5 لسنة 2014 فى جلسة مكتملة النصاب لمجلس النواب يوم 14 أغسطس فى أول جلسات عقدها منذ إلتآمه وأصبح جزءً من الإعلان الدستوري وذلك فصلاً فى مقترحات ” لجنة فبراير ” التي قامت بالتعديل الدستوري فى آخر أيام ولاية المؤتمر العام الذي صوت عليه بـ ” نعم ” وتركت مسألة كيفية إنتخاب الرئيس لكي يفصل فيها مجلس النواب .

وعلى إثره أصدر مجلس النواب هذا القرار وقد منح بموجبه الشعب حق إنتخاب رئيس الدولة ، ليقفل بذلك باب جدل فتحه حينها المؤتمر الوطني العام وتيار الإسلام السياسي بشكل خاص حيث كانت هذه الأطراف تصر على أن يقوم البرلمان او الجهة التشريعية بإنتخاب رئيس ” على الطريقة اللبنانية ”  بدلاً من أن ينتخب الشعب رئيسه .

ولا يحتاج هذا القرار مثلاً الى جلسة أو نصاب لإعادة تفعيله أو لأي تعديل دستوري لكونه قد أتخذ فى جلسة كاملة حضرها كل الأعضاء غير المقاطعين حينها بما فيهم فائز السراج الذي كان عضواً بالمجلس عن دائرة حي الأندلس قبل أن يصبح رئيساً لحكومة الوفاق وعددهم ما يزيد عن 140 نائباً .

وإتخذ مجلس النواب لنفسه حق ممارسة صلاحيات ومهام رئيس الدولة إلى حين إنتخاب رئيس لها وهو الأمر الذي يتطلب منه فقط تفعيل قانون للإنتخابات عبر لجنته التشريعية وإحالته للمفوضية الوطنية العليا للإنتخابات على غرار عملية إنتخاب مجلس النواب ذاته فى يونيو 2014 .

لتجري وفق هذا السيناريو العملية الإنتخابية كما نص إتفاق مايو فى باريس بين الأطراف الليبية وفق قاعدة دستورية هي الإعلان الدستوري وتعديلاته بحسب تعديل مقررات ” لجنة فبراير ” الذي حدد مهام الرئيس المنتخب وصلاحياته وواجباته وشروط ترشحه ولعل أبرزها هو شرط ان لا يكون وقت ترشحه حاملاً لجنسية أجنبية أخرى أو متزوجاً من غير ليبية . إضغط للإطلاع على كامل بنود مقررات لجنة فبراير .

 

من سيعرقل ؟

فى أغسطس الماضي دعا رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح الشعب الليبي إلى دعم العملية الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة مؤكداً عدم توصلهم إلى إتفاق بسبب التدخلات الخارجية وتعارض المصالح الشخصية.

وكان حديث صالح حينها فى جلسة مخصصة لتعديل الإعلان الدستوري كأساس لوضع قانون الإستفتاء على الدستور لكنها لم تتحصل على حضور النصاب القانوني المطلوب لإجراء هذا التعديل الذي تم لاحقاً وبموجبه أُقر قانون الإستفتاء الذي تعرقله حالياً رئاسة مجلس الدولة وشخصيات إسلامية أخرى وتلوح بالطعن ضده قضائياً ، بينما يمنع السراج تنفيذه بعدم تخصيص الميزانية المطلوبة لمفوضية الإنتخابات وفقاً لرئيسها عماد السايح .

يومها طالب المستشار صالح جميع النواب بإقرار التعديل الدستوري من أجل وضع قاعدة دستورية كأساس للانتخابات القادمة المقرر عقدها فى ديسمبر القادم كمخرج للأزمة الليبية المستفحلة منذ سنوات لكن الظروف لم تكتب لهذه الإنتخابات أن تجري لعدة عوامل منها دخول النواب والدولة فى حوار جرت عرقلته لاحقاً .

وأكد رئيس مجلس النواب مراراً بأن تعذر إجراء الاستفتاء على مسودة مشروع الدستور  أو فشل مقترح تعديل الإعلان الدستوري يعني إنه يتوجب على المجلس تفعيل القرار رقم 5 الصادر سنة 2014 والقاضي بانتخاب رئيس مؤقت للبلاد عن طريق التصويت الشعبي المباشر .

https://www.facebook.com/1707659659469302/posts/2191056837796246/

وعلى الفور خرج رئيس حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين محمد صوان معترضاً على هذا الطرح ووصف حديث المستشار عقيلة صالح عن القرار رقم 5 لسنة 2014 ضرباً من العبث وبأنه مخالف للإتفاق السياسي الذي تحول لدى هؤلاء لما يشبه كتاباً مقدساً كُتب على الليبيين حتى آخر الزمان  .

وحينها قال مراقبون بأن رفض صوان ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين وكامل طيف الإسلام السياسي لا يتعلق بما ساقوه من حجج فى رفض القرار 5 وآلية تنفيذه بقدر ماهو ترجمة لموقفهم القديم الجديد الرافض أصلاً لفكرة إنتخاب رئيس من الشعب بشكل مباشر وديموقراطي بدليل عرقلتهم لهذا الخيار من خلال المؤتمر الوطني العام السابق ومحاولتهم بأن يُختار الرئيس من داخل البرلمان القادم وهو الأمر الذي تقول التجربة بأنه سيستحيل تنفيذه .

https://www.facebook.com/1707659659469302/posts/1980544352180830/

وماقد يضفي مصداقية كاملة على هذه الفرضية هو إن إستطلاعات الرأي الأخيرة وأهمها الذي أجرته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية  (USAID) تشير إلى تراجع شعبية الإسلاميين فى ليبيا إلى الحضيض كما أن الشخصيات التي أعلنت عزمها الترشح للإنتخابات الرئاسية حتى الآن أو تلك المرجح ترشحها تعد من المناوئين بشدة لتيار الإسلام السياسي وسياساته الفاشلة منذ سبعة سنوات .

https://www.facebook.com/1707659659469302/posts/2018361411732457/

وبالتالي فأن هذه المصلحة الضيقة هي ماتدفع هذا التيار إلى رفض الإنتخابات الرئاسية والقبول بالبرلمانية فقط على مضض لإمكانية تسلله من خلالها إلى السلطة عبر دس مرشحين يزعمون الإستقلالية كما حدث فى إنتخابات المؤتمر الوطني ، لذى فأن ذات التيار يرى بأن ديمقراطية الإنتخابات إجمالاً ليست فى صالحه وبأنه لن يحقق مكاسب كالتي تحصل عليها الآن من خلال ديمقراطية التوافق الفاشلة عبر تحالفهم كما الآن مع السراج ومواليه وتحالف الأخير معهم على ذات الهدف  ، وإن كان ذلك على حساب إستمرار الصراع والإنقسام السياسي بما له من آثار كارثية على البلاد .

https://www.facebook.com/1707659659469302/posts/2102502983318299/

ومما لايجب إغفاله أيضاً من باب الإنصاف ، فأن هناك قسمٌ من أعضاء مجلسي النواب والدولة من خارج الطيف الإسلامي المعرقل ، يسيرون فى موقف متناسق تماماً مع هذا التوجه الرافض للإنتخابات ، وذلك إما رغبة منهم فى البقاء أكثر أو للحفاظ على مصالح كوّنوها مع المجلس الرئاسي ووزارة خارجيته ومصرفه المركزي ومؤسسات هامة أخرى لاسيما وأن مجموعة منهم تتعمد التغيب عن طبرق وتعطيل الجلسات وقد تحول بعضهم إلى مايشبه موظفين لدى الرئاسي الذي بيّن تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2017 إغداقه وبالمخالفة لمئات آلاف الدولارات على هؤلاء النواب الموالين تحت بند الفنادق والتذاكر والمهام الخارجية وخلافه  .

كما أن المؤتمر الوطني الجامع الذي كانت الآمال معقودة عليه بات الغموض يلفه خاصة بعد تصريحات سلامة الأخيرة وسط مخاوف بأن يأتي بُمخرجات لا تتناغم مع الإرادة الشعبية فى التغيير من أعلى الهرم إلى أسفله عبر إجراء إنتخابات رئاسية فقط أو رئاسية وبرلمانية تُنهي أزمة الشرعيات بدل إجراء برلمانية فقط لن تختلف نتائجها عن سابقاتها ، ومن هنا يأتي إحياء النواب لخيار القرار 5 كبصيص أمل قد يكتب آخر فصول هذه المأساة السياسية ، فهل سينجح تنفيذ هذا الخيار ويكتب النواب خروجاً مشرفاً لهم وللبلاد من أزماتها المُفتعلة ؟ أم أن العرقلة ستكون من نصيبه كالعادة من قبل تجار الأزمات ومن ذات ذلك التيار المتوجس دوماً وشخوصه وحلفائه ؟

المرصد – خاص

 

Shares