ليبيا – يوم أمس الإثنين حلّت الذكرى الثامنة لما عُرف بمظاهرة ” باص الحرية ” التي خرجت في 25 فبراير 2011 من منطقة ( بلدية ) تاجوراء نحو وسط العاصمة طرابلس مطالبة برحيل النظام السابق وكما في كل سنة إحتفلت إدارة البلدية بهذه الذكرى يوم أمس لكن بدا وكأن شيءً ما غاب عنها وعن إحتفالات السنوات الأربعة الأخيرة ألا وهو ” الباص ” ذاته الذي كان يخرج في نفس التاريخ من كل عام .
بدأت فصول القصة عندما إنضمت لتلك المظاهرة سنة 2011 حافلة بيضاء قديمة من طراز “ GMC ” لتقصير المسافة على المحتجين الذين قالوا بأنه كان عليهم قطع حوالي 15 كيلومتراً سيراً على الأقدام حتى الوصول لوسط طرابلس وعُرفت منذ ذلك الوقت بإسم ” باص الحرية ” وقد إشتهرت عقب بث قناة الجزيرة لقطات هاتفية لها وللمظاهرة والأحداث التي صاحبتها .
حظيت هذه الذكرى يوم أمس بإهتمام من قبل منصات ووسائل إعلام توصف بقربها من تيار الإسلام السياسي وليس هذا الغريب في الأمر ، لكن الأغرب هو عدم بروز إسم سائق هذه الحافلة الذي لم تشر له أي من هذه التقارير وكأنها كانت تسير بدون سائق الأمر الذي أثار إستغراب بعض المعلقين .
https://www.youtube.com/watch?v=o7jem12odyI&feature=youtu.be&fbclid=IwAR0kKlYzJkSR1AolkC4zwPYP1dKB5n7_3USVK1EiDyj6mh_0TjuyLrDC7PI
بحثت صحيفة المرصد عن هوية ذلك السائق المجهول ليتبين بكل سهولة بأنه شاب معروف في تاجوراء إسمه خالد مختار حسن العالم الأمر الذي وضع غياب إسمه المعروف عن التقارير المنشورة أمس حول ” الباص ” علامة إستفهام إضافية .
ولكن ، بعد التمعن والبحث أكثر ، تبين بأن خالد العالم قد توفي في ظروف غير عادية يوم 6 مايو 2015 ولازالت أسرته تستحضر ذكراه في مقال نُشر عبر صفحة مخصصة بإسمه يوم أمس وقد تم تجاهله هو الآخر ، لقد عُثر على جثة الإبن يومها في منطقة وادي الربيع مرمياً بالرصاص رفقة أحد رفاقه وهو الأمر الذي يبدوا بأنه لم يرق لكاتبي هذه التقارير الإفصاح عنه ، يقول معلقون ورفاق خالد الذين تحدثت معهم المرصد .
https://youtu.be/brEvVTd060I
أما قناة التناصح التابعة لدار الإفتاء فقد تناولت ذكرى المظاهرة بشكل مكثف دون الإشارة لدور ” الباص ” فيها وإستبدلته ببث لقطات لأشخاص يحتفلون بالذكرى وهم يهتفون بحياة المتطرف وسام بن حميد الذي كان سائق ” الباص ” أحد خصومه وهذه المفارقة الأولى .
ومن هنا كانت المفاجئة الأكبر وهي أن ” خالد العالم ” كان يُعرف بأنه من أشد مناصري ” عملية الكرامة ” في تاجوراء وكان أحد رفاق الشخصية التاجورية المعروفة عبدالله ساسي الذي قُتل بطريقة مشابهة في ذات الفترة كما سبق له التصادم مع مسلحين متورطين في مجزرة غرغور والمشاركة بحراك لا للتمديد المطالب برحيل المؤتمر العام ، فيما كان آخر ظهور لـ ” الباص ” يوم 25 فبراير 2014 ومنذ ذلك اليوم بقي مركوناً على غير ماجرت العادة من كل عام .
قبل مقتل العالم وتحديداً في 28 أبريل 2015 لقي ساسي وهو آمر الكتيبة 101 مصرعه على يد مقاتلين من كتائب طرابلس وتاجوراء ومصراتة تابعين لما يسمى ” فجر ليبيا ” رغم أنه تعرض للإعتقال حياً بعد خوضه معركة وإعلانه تبعية كتيبته للقيادة العامة وكان ” سائق الباص ” أحد أعضاء هذه الكتيبة المحسوبة كقوة مساندة للقيادة العامة بالمنطقة الغربية التي كان يتولى إمرتها حينها اللواء إدريس مادي .
كان خالد العالم أحد الأشخاص الذين ظهروا مع عبدالله ساسي وتصدر معه رفقة آخرين مشهد المعركة في ذلك اليوم ، وبعد خسارتهم نظراً لعدم تكافؤ القوة ظل يختبئ من مكان لمكان قبل أن يحاول الفرار يوم 5 مايو 2015 براً إلى تونس .
في منتصف الطريق إلى منفذ رأس إجدير وتحديداً في البوابة المعروفة باسم ” بوابة نجمة وهلال ” بمدينة صبراتة ، تم إستيقاف خالد العالم من قبل مسلحي عملية فجر ليبيا ، ومن سوء حظه كان هناك تعميم قد صدر بالفعل من قيادة العملية في تاجوراء للبوابات بالقبض عليه رفقة آخرين بعد سقوط معسكرهم الذي بثت قناة النبأ أول لقطات سقوطه ، وذلك فقاً لرواية من تبقوا على قيد الحياة من هذه المجموعة .
تم القبض على خالد العالم رفقة صديق له من تاجوراء هو الآخر ويدعى عثمان عريبي ، جرى تسليمهما في نفس اليوم إلى قيادة عملية فجر ليبيا أيضاً في تاجوراء .
وفي صبيحة اليوم التالي عُثر على العالم وعريبي مضرجين بدمائهم بعد أن تكبيلهم ورميهم بالرصاص في رؤوسهم ، لتكون المفارقة الثانية وهي الأكبر – بحسب رفاق وعائلة – سائق ” باص الحرية ” بأن خالد رحل غيلة بتهمة موالاة ” الأزلام ” والإنتماء للأكذوبة المسماة بـ ” الثورة المضادة ” التي أُحرقت بشماعتها البلاد سنة 2014 تحت لواء فجر ليبيا التي توصل الأمريكيين أخيراً إلى أنها كانت سبب الإنقسام السياسي وأدرجوا قائدها على قوائم العقوبات الأمريكية والأممية على إثرها وإثر الحروب الأخيرة التي شارك بها في طرابلس .
وفي النهاية ربما تُثبت هذه قصة ” الباص وسائقه ” صحة وجهة النظر التي يقول أصحابها بأن هؤلاء – أي الإسلام السياسي وأذرعه السياسية والمسلحة ومن لف لفهم – لا يقيمون وزناً لمن يتفق معهم على مبدأ ” الثورة ” أو لا يتفق فالإثنين سواء في خانة العدو طالما يخالفونهم في المشروع .
المرصد – خاص