(الجزء الأول)
عزة كامل المقهور
محامية
تدخلت الأمم المتحدة في ليبيا في القرن الحديث عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وفي إطار تقرير مصير ليبيا بإعتبارها إحدى المستعمرات الإيطالية. وبتاريخ 21 /11 /1949 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الشهير بإستقلال ليبيا.
تأرجحت العلاقة ما بين ليبيا والأمم المتحدة في أن تكون هذه المؤسسة الدولية سببا في خروج ليبيا إلى الوجود من خلال العمل المميز لمفوض (Commissioner ) الجمعية العامة للأمم المتحدة الهولندي “أدريان بلت”، الذي أصدر في عام 1970 كتابا ملحقا به وثائق تحت عنوان ( الاستقلال الليبي والأمم المتحدة/ حالة الاستقلال المخطط)، وهو كتاب وضع له مقدمته السيد يو تانت الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، وما بين ما شهدته ليبيا من علاقات متوترة مع الأمم المتحدة خلال الفترة من (1992- 1999 ) وهي الفترة التي أصدر بموجبها مجلس الأمن القرارين ( 748 / 1992، 883/ 1993 ) اللذين فرضا على ليبيا عقوبات ، وقيدها بشروط لرفعها وذلك في إطار ما عرف أنذاك بقضيتي لوكربي و UTA.
وهاهي ليبيا تشهد تدخلا للأمم المتحدة من جديد ولأسباب مختلقة، ما بين 2011- 2019 (وهي الأطول زمنا وزخما)، تناوب فيها على ليبيا ستة ممثلين خاصين للأمين العام للأمم المتحدة، كان أولهم السيد عبد الإله الخطيب وآخرهم السيد غسان سلامة. لكنه وبموجب القرار رقم 2009 لعام 2011 أضيف للممثل الخاص للأمين العام منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي عرفت بالانسمل UNSMIL.
عقب الثورة التي اندلعت في البلاد في فبراير 2011 ضمن سلسلة من الثورات شهدتها المنطقة، توالت القرارات الدولية ذات العلاقة بليبيا حتى بلغت حوالي 26 قرارا (من بينها بيانات عن رئيس مجلس الأمن). كان أولها القرار رقم 1970 لسنة 2011 الصادر في 26 فبراير 2011 تأسيسا على البند السابع من الميثاق. ومن الملاحظ أن هذا القرار وجه خطابه إلى “السلطات الليبية” من خلال أربع نقاط أولها إحترام حقوق الإنسان والتحلي بضبط النفس والقانون الدولي الإنساني والسماح لمراقبين دوليين بدخول البلاد، وضمان حقوق الإجانب على أراضيها وتسهيل رحيلهم، وضمان مرور الإمدادات الطبية والإنسانية، ورفع القيود على الوسائط الإعلامية. وفي فقرة أخرى أحال القرار الوضع القائم في ليبيا إلى محكمة الجنايات الدولية.
وكان آخرها قرار مجلس الأمن رقم 2441 (2018) بجلسة 5 نوفمبر 2018 بشأن تمديد ولاية فريق الخبراء حتى 15 فبراير 2020.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن آخر وثيقة صدرت عن مجلس الأمن الدولي هي البيان الصحفي الصادر في 26 مارس 2019 الذي ورد فيه تأكيد “أعضاء مجلس الأمن دعمهم الكامل للمثل الخاص للأمين العام غسان سلامة ولبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في سعيهما للوساطة لإيجاد حل سياسي في ليبيا من شأنه أن يؤدي إلى انتخابات سلمية وذات مصداقية”.
كما ” ورحب أعضاء مجلس الأمن بإعلان الممثل الخاص للأمين العام في 20 آذار/مارس 2019 بأن الملتقى الوطني سيعقد في الفترة من 14 إلى 16 نيسان/أبريل 2019 في مدينة غدامس، في ليبيا”.
وهكذا ما بين عام 2011 و 2019، تطور وتنامى دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشكل واضح كما سنبين لاحقا في هذا المقال.
عبد الإله الخطيب | أردني | مارس 2011 | سبتمبر 2011 |
إيان مارتن | بريطاني | سبتمبر 2011 | أكتوبر 2012 |
طارق متري | لبناني | اكتوبر 2012 | سبتمبر 2014 |
برناردينو ليون | اسباني | سبتمبر 2014 | اكتوبر 2015 |
مارتن كوبلر | الماني | اكتوبر 2015 | يونيو 2017 |
غسان سلامة | لبناني | سبتمبر 2017 |
تطور دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا (من مبعوث خاص إلى بعثة أممية متكاملة):
- الفترة الزمنية الأولى (2011): الثورة/ الحرب الأهلية الأولى واسقاط النظام/ المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي والحكومة المؤقتة.
- الفترة الزمنية الثانية (2012): انتخاب المؤتمر الوطني العام وولايته.
- الفترة الزمنية الثالثة (2013): ظهور حالة الاستقطاب السياسي بما في ذلك قانون العزل السياسي ودعوة الأمم المتحدة لحوار وطني.
- الفترة الزمنية الرابعة (2014- 2016): انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور/ تشكيل لجنة فبراير/ انتخاب مجلس النواب/ أزمة تداول السلطة وتسليمها لمجلس النواب/ حكم المحكمة العليا نوفمبر 2014 /الحوار السياسي الليبي 2014- 2015 / اتفاق الصخيرات ديسمبر 2015.
من مبعوث خاص إلى بعثة أممية متكاملة
الفترة الأولى (2011): الثورة/ الحرب الأهلية الأولى وإسقاط النظام/ المجلس الوطني الانتقالي/ صدور الإعلان الدستوري/ المكتب التنفيذي والحكومة الإنتقالية:
اقتصر القرار الأول لمجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011 فيما عرف بالحالة الليبية ، كما بينا في التمهيد أعلاه، على مخاطبة السلطات الليبية وتحديد مطالب معينة، لكن وتيرة القرارات ازدادت وتنامت، فعين مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، ثم في ذات السنة أنشأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بناء على طلب من المجلس التنفيذي في ليبيا (السلطات الليبية كما ورد في القرار).
1 – المبعوث الخاص
بتاريخ 11. 3. 2011، عين السيد عبد الإله الخطيب مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، حيث لعب دور الوسيط في الأزمة الليبية ما بين الحكومة الليبية التابعة للنظام السابق والأمم المتحدة.
2 – الإشارة إلى المبعوث الخاص في قرار مجلس الأمن
جاء ذلك في القرار رقم 1973 الصادر في 17 مارس 2011 الذي “أذن للدول الأعضاء…. بإتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهله بالسكان المدنيين المعرضين لخطر الهجمات في الجماهيرية العربية الليبية بما فيها بنغازي”، تمت الإشارة للمبعوث الخاص للأمين العام بالقول ” وإذ يرحب بتعيين الأمين العام للسيد عبـد الإلـه محمـد الخطيـب مبعوثـا خاصـا لـه إلى ليبيـا، وإذ يـدعم الجهـود الـتي يبـذلها مـن أجـل إيجـاد حـل دائـم وسـلمي للأزمـة في الجماهيريـة العربية الليبية”.
ومنذ تعيين السيد إيان مارتن، تحولت المهمة من الاقتصار على مبعوث خاص، إلى إضافة صفة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وانسحب ذلك على بقية المبعوثين الخاصين.
- بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ( قرار مجلس الأمن رقم 2009/ 2011):
من اللافت للإنتباه، أن تشكيل البعثة الأممية كان بناء على طلب من الحكومة الليبية (المجلس التنفيذي أنذاك)، واستجابت الأمم المتحدة لهذا الطلب.
بتاريخ 16. 9 . 2011، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2009 محددا مهام هذه البعثة.
أهم ما ورد في هذا القرار:
- الإشارة في هذا القرار إلى رسالة الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخة في 7/ 9/ 2011 S/2011/542) ) بإعتزامه “إرسال بعثة من الأفراد لنشرهم بصفة مبدئية، بناء على طلب من السلطات الليبية، على أن يقود البعثة الممثل الخاص للأمين العام”.
- أكد القرار على ضـرورة أن تتـولى الأمـم المتحـدة قيـادة جهـود المجتمع الـدولي، دعمـاً لعمليـة الانتقـال وإعـادة البنـاء الـتي تقودهـا ليبيـا والـتي تهدف إلى إقامـة دولـة ديمقراطيـة، مستقلة موحدة في ليبيا.
- انه استنادا إلى الفصل السابع من الميثاق.
- أنه تقرر إنشاء بعثة أممية لفترة أولية قدرها ثلاثة أشهر.
- حدد القرار اختصاصات بعثة الأمم المتحدة تحت بند “ولاية الأمم المتحدة”، على النحو التالي:
- استعادة الأمن والنظام العامين وتعزيز سيادة القانون؛
- إجــراء حــوار سياســي يــضم الجميــع، وتعزيــز المــصالحة الوطنيــة، والــشروع في عملية وضع الدستور والعملية الانتخابية؛
(جـ) بسط سلطة الدولة بوسائل منها تعزيز المؤسسات الناشـئة الخاضـعة للمـساءلة واستئناف الخدمات العامة؛
(د) تعزيـز حقـوق الإنـسان وحمايتـها، لا سـيما بالنـسبة لمـن ينتمـون إلى الفئـات الضعيفة، ودعم العدالة الانتقالية؛.
(هــ) اتخاذ الخطوات الفورية المطلوبة لبدء الإنعاش الاقتصادي؛
(و) تنسيق الدعم الذي قد يُطلب من الجهات الفاعلة الأخرى المتعـددة الأطـراف والثنائية، حسب الاقتضاء.
الملاحظات: إن هذا القرار هو بمثابة إعلان عن تمدد اختصاص مهمة الأمم المتحدة من مبعوث (فرد) للوساطة في ليبيا لوقف اطلاق النار وغيرها من المطالب المحددة، لتصبح بعثة للدعم لهدفين أساسيين : أن تكون بمثابة القيادة لجهود المجتمع الدولي من جهة، ولتقديم المساعدة والعون لمؤسسات الدولة الوليدة خاصة في مواضيع: بناء الأمن/ الانتخابات/ الدستور/ حقوق الإنسان وغيرها. ومن الملاحظ أن تاريخ هذا القرار سابق لأول عملية انتخابية تجرى في ليبيا بعد فبراير 2011.
الفترة الثانية (2012): صدور قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام رقم 4 لسنة 2012/ انتخاب المؤتمر الوطني العام/ مراسم تسليم السلطة وتداولها من المجلس الوطني الإنتقالي إلى المؤتمر الوطني العام):
خلال هذه الفترة ادخلت تعديلات على مهام بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في ظل استقرار نسبي.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قرار مجلس الأمن رقم ( 2040) بتاريخ 20 مارس 2012 على النحو التالي:
- تمديد فترة ولاية البعثة من ثلاثة أشهر في عام 2011، إلى إثنى عشرة شهرا في عام 2012 بموجب رسالة من رئيس الوزراء الليبي المؤرخة 6 مارس 2012 الموجهة إلى الأمين العام تحت رقم (139/2012 S /).
- التأكيد على مبادئ الملكية الوطنية، وتقديم المساعدة للسلطات الليبيــة علــى تحديــد الاحتياجــات والأولويــات الوطنيــة في جميــع أنحــاء ليبيــا.
- التأكيد على “أنـه يـتعين علـى الأمـم المتحـدة أن تتـولى قيـادة تنـسيق جهـود المجتمع الدولي لـدعم عمليـة التحـول وإعـادة البنـاء بقيـادة ليبيـة”.
- تمتد ولاية البعثة إلى “تقـديم المـشورة الاسـتراتيجية والتقنيـة حـسب الاقتضاء، ودعم الاقتضاء، ودعم الجهود الليبية من أجل:
- إدارة عمليــة التحــول الــديمقراطي، بمــا في ذلــك مــن خــلال تقــديم المــشورة والمـساعدة التقنيـة لعمليـة الانتخابـات الليبيـة وعمليـة إعـداد وإقـرار دسـتور لـيبي جديـد، علـى النحــو الــوارد في خريطــة الطريــق الدســتورية للمجلــس الوطني الانتقــالي.
- تعزيــز ســيادة القــانون ورصــد وحمايــة حقــوق الإنــسان، وفقــا للالتزامــات القانونية الدولية لليبيا.
(ج) إعـادة إقـرار الأمـن العـام، بمـا في ذلـك مـن خـلال تقـديم مـشورة ومـساعدة اسـتراتيجية وتقنيـة ملائمـة للحكومـة الليبيـة .
(د) التـصدي للانتـشار غـير المـشروع لجميـع الأسـلحة والمعـدات ذات الـصلة مـن جميع الأنواع.
(هـ) تنــسيق المــساعدة الدوليــة وبنــاء القــدرة الحكوميـة في جميــع القطاعــات ذات الصلة.
- يشجع مجلس الأمن البعثة على مواصلة دعم الجهود الرامية إلى النهوض بالمصالحة الوطنيـة والحوار السياسي الشامل والعمليات السياسية التي ترمي إلى تيسير انتخابات حرة ونزيهة وموثوق بها.”
- يتبين في العام 2012 أن الأمم المتحدة من خلال قرارات مجلس الأمن شعرت ببعض الرضى من مسار التحول الديمقراطي في ليبيا وهو أمر كررته في قرارات مجلس الأمن خاصة بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام. وأنها أشارت في إحدى قراراتها إلى لإعلان الدستوري بإعتباره خارطة الطريق الدستورية للبلاد.
- التأكيد على الملكية الوطنية والقيادة الليبية لعملية التحول الديمقراطي وفقا للإعلان الدستوري الليبي، وأن مهمة البعثة الأممية تقتصر بالأساس على تقديم المشورة الفنية والإستراتيجية والمساعدة في تحديد الأولويات، وأن البعثة الأممية تتولى “قيادة تنسيق جهود المجتمع الدولي”.
- من الملاحظ أن قرارات مجلس الأمن في الفترة التي سبقت انتخاب المؤتمر الوطني واللاحقة له كثر فيها الإشارة إلى انتشار السلاح ووجود عمليات ارهابية وجماعات ارهابية وتحديدا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.
الفترة الثالثة (2013): ظهور حالة الاستقطاب السياسي بما في ذلك صدور قانون العزل السياسي ودعوة الأمم المتحدة لحوار وطني.
شهد العام 2013 – بعد حوالي العام من انتخاب المؤتمر الوطني العام الذي افتتح مرحلة جديدة في الحياة السياسية الليبية بالتفاؤل والأمل في مسار ديمقراطي- انتكاسات عديدة واستقطاب سياسي داخل المؤتمر الوطني العام ذاته، إضافة إلى تغول المجموعات المسلحة و قيام عمليات ارهابية في البلاد.
شكل صدور قانون العزل السياسي تحت تهديد السلاح بتاريخ 5 /مايو / 2013، و قد سبقه صدور القرار رقم 7 لسنة بشأن بني وليد (سبتمبر 2012) أبلغ مثالين على المختنقات الجدية التي بدأت تظهر في مسيرة التحول الديمقراطي أثتاء فترة انتقالية هشة.
في أغسطس 2013 صدر قرار من رئيس الحكومة المؤقتة بتشكيل هيئة تحضيرية للحوار الوطني، قامت بتسيير جلسات حوار في مناطق عديدة من البلاد، لكن توقفت أعمالها في عام 2014 دون أن تتمكن من تقديم تقرير عن عملها، وبهذا لم يكتمل عملها.
وهنا يلاحظ تغير خطاب مجلس الأمن الدولي على النحو التالي:
بيان رئيس مجلس الأمن عقب جلسة 7083، المنعقدة في 16 ديسمبر 2013 تحت عنوان “الحالة في ليبيا”، حيث جاء فيه:
- التعبير عن القلق الشديد ازاء حالة التدهور الأمني، وحالات الإنقسامات السياسية التي تقوض العملية الديمقراطية.
- ‘‘يرحب مجلس الأمن بالجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحـدة للـدعم في ليبيـا وبمــساعي الممثــل الخــاص للأمــين العــام، طــارق متــري، لتيــسير إقامــة حــوار وطــني ذي مغزى بقيادة ليبية في ليبيا، ويشجع بقـوة علـى اتخـاذ مزيـد مـن الخطـوات في هـذا الصدد. ويشدد اجمالا على أهمية إقامة حوار وطني واحد وشامل للجميـع يتـسنى مـن خلاله التوصل إلى توافـق في الآراء بـشأن الأولويـات لـضمان الانتقـال إلى الديمقراطيـة ويساعد على كفالة أن تؤخذ في الحسبان بصورة مناسبة جميع وجهات النظر المعـرب عنها في ليبيا.
- يؤكد دعمه للمؤسسات المنتخبة ويشير إلى أهمية اعتماد دستور للبلاد، و يشدد على الطابع العاجل والهام لإحراز مزيد من التقدم في العملية الدستورية.
- ‘‘ويؤكد مجلس الأمن الحاجة الملحة إلى تعزيـز المؤسـسة العـسكرية ومؤسـسة الشرطة في ليبيا، و يشير إلى أعمال العنف التي تنفذها الجماعات المتطرفة ولا سيما في بنغازي ودرنة”.
- ‘‘ويــدعو مجلــس الأمــن جميــع الأطــراف في ليبيــا إلى دعــم عمليــة التحــول الديمقراطي في ليبيا، بما في ذلك الاتفاق على الخطوات المباشـرة التاليـة في سـياق تلـك العملية، وإلى المشاركة في الحوار السياسي، ونبذ العنف والأعمـال الـتي تـشكل تحـديا لاستقرار الدولة .”
- الترحيب بجهود السيد طارق متري في تيسير حوار وطني ذي مغزى بقيادة ليبية. وهو ما يعني أن هناك خطوات عملية قام بها السيد متري للحوار ما بين الليبيين. وهو أمر يبدو أنه كان على نطاق ضيق أنذاك.
- التأكيد على تشجيع وتسيير حوار وطني موحد وشامل للجميع وشفاف و ذي مغزى.
- التأكيد على “السيطرة الوطنية” على مقاليد الأمور.
- الكشف عن حالة تفاقم للوضع الأمني وانقسامات سياسية.
ويمكن القول من خلال ما سبق أن الأمم المتحدة بدأت في هذه الفترة بالمجاهرة بالتفكير في مسار دولي قد يختلف مع المسار الوطني والتفكير في خطة لإقتسام السلطة بين المنقسمين السياسيين، ويمكن في هذا الصدد مراجعة كتاب السيد طارق متري مبعوث الأمين العام ورئيس البعثة الأممية و المعنون (مسالك وعرة/ سنتان في ليبيا ومن أجلها ) حول اشكاليات الحوار في تلك الفترة وعدم نجاحه.
الفترة الرابعة (2014- 2016): انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور/ تشكيل لجنة فبراير/ انتخاب مجلس النواب/ عدم تداول السلطة وتسليمها لمجلس النواب/ حكم المحكمة العليا نوفمبر 2014 /الحوار السياسي الليبي 2014- 2015 / اتفاق الصخيرات ديسمبر 2015.
شهدت هذه الفترة انفراجين اساسيين، كان يمكن أن يشكلا منقذا لإنسداد عملية التحول الديمقراطي في البلاد، وهما انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع دستور للبلاد (2014). وثانيا، تشكيل لجنة فبراير (2014) بموجب تعديل دستوري (التعديل السادس) والمشكلة من خليط من أعضاء من المؤتمر الوطني العام (6 أعضاء) وشخصيات مستقلة (9 أعضاء) والتي تقدمت بمقترحها في المدة المحددة لها إلى المؤتمر الوطني العام.
لكن هذين الانفراجين تبددا لعدة اسباب أهمها ما لحق الهيئة التأسيسية من مختنقات بما فيها تلك التي جرت بين أعضائها، واللجوء إلى المحاكم، ثم تأخرها في اصدار مشروعها وانقضاء المواعيد المحددة لها وصدور المشروع الأول ثم الثاني في ظروف حرب وانقسام حاد. أحيل المشروعان إلى مجلس النواب، الذي أصدر قانون رقم 6 لسنة 2018 بشأن الاستفتاء على مشروع الدستور وتعديلا دستوريا بالخصوص (التعديل العاشر).
أما فيما يتعلق بلجنة فبراير المشكلة بناء على التعديل السادس للإعلان الدستوري، فالإشكالية هو سطحية وبؤس التعامل مع مخرجاتها من قبل المؤتمر الوطني العام وعدم فهم طبيعتها، فهي لجنة دستورية لأنها شكلت بموجب “نص دستوري” وضمت أعضاء من المؤتمر الوطني العام ومن تم كان مقترحها متعين الإعتماد والإصدار، كما وأنها كانت حلا وسطا لحالة انقسام سياسي داخل المؤتمر مما يعني أنه يفترض عدم خضوع مخرجاتها للتعديل إلا بإعادتها للجنة مجددا بملاحظات، وإلا ما كان هناك من جدوى لتشكيلها بالأساس.
إن عبث المؤتمر الوطني بمخرجات لجنة فبراير وتعطيل الانتخابات الرئاسية أنبأ عن وصول عملية الاستقطاب والانقسام السياسي في المؤتمر الوطني العام أوجها على حساب الحلول الدستورية للدفع بالعملية الديمقراطية، ولعل أسوأ مظاهرها هو التعامل مع مخرجات دستورية نتاج عمل مضن وجاد في إطار لعبة سياسية تطيح بالحكومة أنذاك ووضعها ضمن صفقة سياسية لا علاقة لها بعمل اللجنة ولا بمخرجاتها.
وما يهمنا الآن هو ملاحظة بداية هيمنة المسار الدولي على المسار الوطني بسبب ضياع الفرص وسوء التقدير وعدم الجدية ووصول حالة الانقسام السياسي إلى أوجها بإنقسام المؤتمر الوطني العام على نفسه، بين أعضاء سلموا السلطة لمجلس النواب الذي انتخب تحت اشراف ورعاية المؤتمر ذاته وبين آخرين رفضوا تسليم السلطة وأبقوا على المؤتمر الوطني لتتمزق سلطات البلاد وتتضاعف وتتكاثر وتعم الفوضى وتتدهور الحالة الإقتصادية والإنسانية، وتدخل البلاد في حروب أهلية متفرقة. وهذا أول انقسام سياسي في ليبيا على عكس الإعتقاد السائد بإن أول انقسام سياسي في ليبيا هو بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب، إذ أن هذا الأخير ما هو إلا نتاج لإنقسام المؤتمر الوطني العام على نفسه.
في هذه الأوضاع أخذ مجلس الأمن الدولي مسارا آخر يختلف عن المسار الوطني لكنه لا يستبعده وإنما يطمح في أن يتضمنه ويستوعبه وهو أمر لم يحدث.
وبهذا تولت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا حوارا سياسيا بدأ أولا ما بين المقاطعين لمجلس النواب والمجلس ذاته، ثم توسع ليشمل مجلس النواب وما تبقى من أعضاء المؤتمر الوطني العام المعارضين لتسليم السلطة وشخصيات مستقلة ومنظمات مجتمع مدني وبلديات وغيرها بتعدد المسارات.
بدأت أول جلسة للحوار السياسي الليبي في غدامس في سبتمبر 2014 ، ثم اعقبتها جولة في مدينة جنيف بيناير 2015، ثم استقرت الجولات الأخرى في مدينة الصخيرات المغربية. اختارت البعثة اسماء أعضاء الحوار (عدا ممثلي مجلس النواب والمؤتمر)، وقامت بإصدار المسودات حتى المسودة العاشرة والنهائية، وأعلن الممثل الخاص للأمين العام (برناردينو ليون) في اكتوبر 2015 في مؤتمر صحفي أسماء أعضاء المجلس الرئاسي الليبي. ولم يعلن عن وجود محاضر لإجتماعات جولات الحوار لدى الأطراف الليبية.
قرار مجلس الأمن رقم 2144 (2014) جلسة 14 مارس 2014:
- وإذ يؤكـد مـن جديـد أن الأمـم المتحـدة ينبغـي أن تتولى قيادة تنسيق الجهـود الـتي يبـذلها المجتمع الـدولي مـن أجـل دعـم عمليـة الانتقـال وبنـاء المؤسسات بقيادة ليبية، وفقا لمبدأي السيطرة الوطنية على مقاليـد الأمـور والمـسؤولية الوطنيـة، وبما يفضي إلى تحقيق السلام والديمقراطية في ليبيا المستقلة والموحدة،
- وإذ يرحـب بتنظـيم انتخابـات هيئـة صـياغة الدسـتور في 20 / فبرايـر 2014،
- وإذ يعرب عن بالغ القلق مـن تفـاقم الوضـع الأمـني وتعـاظم الانقـسامات الـسياسية، بما يشمل عمليات الخطف والاغتيال، والصدامات العنيفة بـين الجماعـات المـسلحة، ولا سـيما في شرق ليبيـا وعلـى طـول حـدودها الجنوبيـة، ممـا يهـدد بتقـويض الانتقـال إلى ديمقراطيـة تلـبي طموحات الشعب الليبي،
- وإذ يعرب عن دعمه للجهود التي تبذلها الحكومة الليبية من أجل إيجاد حلٍّ بالوسـائل الـسلمية لمـشكلة تعطيـل صـادرات ليبيـا مـن الطاقـة، وإذ يكـرر التأكيـد علـى وجـوب إعـادة مقاليد جميع المنشآت إلى السلطات المختصة،
- فيما يتعلق بولاية البعثة، أسبغ القرار وصفا جديدا للبعثة بإعتبارها “بعثة سياسية متكاملة”، وورد فيه،
” تقــرر تمديــد ولايــة بعثــة الأمــم المتحــدة للــدعم في ليبيــا لغايــة 13 / مارس 2015 ،تحت قيادة ممثـلٍ خـاصٍ للأمـين العـام، ويقـرر أيـضا أن ولايـة البعثـة، بوصـفها بعثة سياسية خاصة متكاملة، تتمثـل في دعـم جهـود الحكومـة الليبيـة لتحقيـق الأهـداف التاليـة بما يتفق تماما مع مبدأ السيطرة الوطنية على مقاليد الأمور:
- كفالــة التحــول الــديمقراطي، علــى ســبيل الأولويــة القــصوى، بوســائل منــها تشجيع وتيسير إجراء حوار وطني موحد وشامل للجميع وشفاف وتشجيع وتيـسير العمليـات الانتخابية الليبية وعمليـة إعـداد وصـياغة واعتمـاد دسـتور لـيبي جديـد، وتقـديم المـشورة الفنيـة والمــساعدة التقنيــة لتنفيــذ كــل ذلــك، وتــشجيع تمكــين جميــع شــرائح المجتمع اللــيبي وتيــسير مـشاركتها الـسياسية، بمـا يـشمل النـساء والـشباب والأقليـات، وكـذلك باسـتخدام المـساعي الحميدة من أجل دعم تحقيق تسوية سياسية ليبيـة شـاملة للجميـع والتـشجيع علـى تهيئـة المنـاخ السياسي اللازم لإدماج المقاتلين السابقين في صفوف قوات الأمن الـوطني الليبيـة أو تـسريحهم وإعادة إدماجهم في مناحي الحياة المدنية؛
قرار مجلس الأمن رقم 2174 ( 2014) الصادر بجلسة 27 أغسطس 2014
- يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى حوار سياسي شامل والموافقة المسبقة على توريد الأسلحة.
- يأسف لتزايد أعمال العنف في ليبيا وخاصة في المنطقة المحيطة بكل من طرابلس وبنغازي، ويدين القتال المتواصل بين الجماعات المسلحة والتحريض على العنف.
- يشدد على ضرورة مشاركة جميع الأطراف في حوار سياسي سلمي وشامل.
- يشجع جميع الجهات التي لها نفوذ على الأطراف وبخاصة البلدان المجاورة وبلدان المنطقة على دعم الوقف الفوري لأعمال القتال والدخول بروح بناءة في ذلك الحوار.
- القلق من تزايد وجود الإرهابيين من جماعات وأفراد المرتبطين بتنظيم القاعدة والناشطين في ليبيا، والإشارة إلى انتشار الأسلحة ووصولها إلى أيادي جماعات ارهابية ومتطرفة عنيفة وما تشكله من خطر على استقرار ليبيا والمنطقة.
- يدعو جميع الأطراف إلى الاتفاق على الوقف الفوري لإطلاق النار، وإلى الدخول في حوار سياسي شامل، بقيادة ليبية، من أجل المساعدة على استعادة الاستقرار، والتوصل إلى توافق في الآراء يشأن الخطوات المقبلة في عملية التحول التي تشهدها ليبيا.
القرار رقم 2238 (2015) بجلسة 10. 9. 2015 (اثناء جولات الحوار وبعد التوقيع على المسودة الرابعة بالأحرف الأولى في الصخيرات)
- الترحيب بالجهود المتواصلة للممثل الخاص للأمين العام لتيسير التوصل بقيادة ليبية إلى حل سياسي للتحديات المتزايدة التي تواجه البلد، وإذ يؤكد أهمية الاتفاق، وفقا لمبادئ الملكية الوطنية.
- يرحب بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات في 11 يوليو 2015 من جانب غالبية المندوبين الليبيين المشاركين في الحوار.
- الإشارة إلى تزايد العمليات الارهابية في ليبيا بما فيها داعش والقاعدة وتنظيمات وافراد أخرين مرتبطين بها.
القرار رقم 2259 (2015) بجلسة 23 ديسمبر 2015 (ما بعد اتفاق الصخيرات 17. 12. 2015)
- يرحب بالجهود التي تبذلها البعثة والممثل الخاص للأمين العام بهدف تيسير التوصل إلى حل سلمي تقوده ليبيا لمعالجة الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية والمؤسسية التي تواجه ليبيا بما في ذلك عن طريق تشكيل حكومة للوفاق الوطني.
- يرحب بتوقيع اتفاق الصخيرات السياسي الليبي في 17. 12. 2015 من جانب غالبية المندوبين الليبيين إلى الحوار السياسي الذي قامت الأمم المتحدة بتسييره، من جانب مجموعة واسعة من ممثلي المجتمع المدني ومسؤولي البلديات ورؤساء الأحزاب السياسية. وأشار إلى مساهمات المجتمع المدني وزعماء القبائل والترتيبات المحلية في الحوار السياسي والمسارات الأخرى لعملية السلام.
- الإشارة الى التنظيمات الإرهابية في ليبيا وادانتها، والإشارة لتواجد تنظيم داعش في ليبيا بالإضافة إلى تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة. ويحث الدول الأعضاء على مساعدة حكومة الوفاق الوطني في دحر هذه التنظيمات وسائر الجماعات والمؤسسات والكيانات والأفراد ممن يرتبطون بتنظيم القاعدة ويتحركون في ليبيا.
- الإشارة لإنتشار عملية تهريب المهاجرين عبر المتوسط وخاصة قبالة الساحل الليبي وعبر الأراضي الليبية، وإدانة عملية الاتجار بالبشر نحو الأراضي الليبية وعبرها.
- دعم المداولات الجارية في اطار المسار الأمني للحوار السياسي الذي تقوم الأمم المتحدة بتسييره للانتهاء من إعداد الترتيبات الأمنية.
- يرحب بتوقيع اتفاق الصخيرات السياسي وهو الذي ينص على تشكيل حكومة وفاق وطني مؤلفة من المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء تدعمها مؤسسات الدولة الأخرى بما فيها مجلس النواب ومجلس الدولة.
القرار رقم 2273 (2016) بجلسة 15 مارس 2016.
- تأييد الجهود التي تبذلها البعثة والممثل الخاص للأمين العام لتيسير التوصل إلى حل سياسي بقيادة ليبية للتحديات التي تواجه ليبيا.
- دعم مجلس الأمن للتنفيذ الكامل لاتفاق الصخيرات، ويرحب بإقرار مجلس النواب مبدئيا الاتفاق السياسي الليبي في 25 يناير 2016..
القرار رقم 2291 (2016) بجلسة 13 يونيه 2016 (دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس)
- تأييد مجهودات البعثة والممثل الخاص للأمين العام لتسيير التوصل إلى حل سياسي بقيادة ليبية للتحديات التي تواجه ليبيا.
- الإشارة إلى وصول أعضاء المجلس الرئاسي إلى طرابلس بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج.
- الإشارة إلى استمرار العمليات الارهابية في البلاد و إلى تواجد المجموعات الإرهابية.
- البعثة الأممية بإعتبارها بعثة سياسية متكاملة ، في اطار التقيد التام بمبادئ الملكية الوطنية لزمام الأمور، لتقوم من خلال جهود الوساطة والمساعي الحميدة بتقديم الدعم في تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي ودعم حكومة الوفاق الوطني في ترتيباتها الأمنية والمراحل اللاحقة من العملية الانتقالية الليبية.
- العودة التدريجية للبعثة إلى طرابلس حسبما تسمح به الظروف الأمنية.
القرار رقم 2323 (2016) بجلسة 13 ديسمبر 2016:
- رحب بقيام المجلس الرئاسي بإستحداث الحرس الرئاسي، لضمان الأمن في ليبيا وحمايتها من الإرهاب.
- توقف الدول الاعضاء عن تقديم الدعم إلى المؤسسات الموازية “التي تدعي لنفسها صفة السلطة الشرعية بينما هي خارج نطاق الاتفاق السياسي” وأن تكف عن إجراء إتصالات رسمية مع تلك المؤسسات.
- يشجع حكومة الوفاق الوطني على قيادة جهود تحقيق الاستقرار في المدن المتضررة بما فيها سرت وبنغازي من أجل مكافحة خطر الإرهاب.
- النص على مهام جديدة للبعثة بما يتفق تماما مع إمساك ليبيا بناصية الأمور على الصعيد الوطني، ممارسة الوساطة وبذل المساعي الحميدة لتقديم الدعم في عديد المجالات منها:
- تنفيذ الإتفاق السياسي.
- توحيد ترتيبات حكومة الوفاق الوطني.
- المراحل اللاحقة من العملية الانتقالية.
- الإقرار بأن البعثة كفلت وجودا مستمرا لها في ليبيا منذ 30 مارس 2016 من أجل دعم المجلس الرئاسي واللجنة الأمنية المؤقتة.
- في هذه الحقبة صدر أكبر عدد من قرارات مجلس الأمن ( ست قرارات). وفيها أيضا وصفت البعثة بالبعثة الخاصة المتكاملة.
2 . إذا كانت الفترة السابقة (2013) وصفتها الأمم المتحدة في قرارتها بالإنقسام السياسي الداخلي وبالتالي الحاجة إلى حوار ليبي، فإن هذه الفترة هي فترة الانقسام في مساري الانتقال السياسي الليبي ما بين الوطني والدولي وبالتالي هناك حاجة أساسية لحوار ليبي أممي قبل استئناف الخطة الأممية القادمة في أبريل المقبل. إذ لا يمكن أن ينجح المسار الدولي دون مسار وطني حقيقي وليس تبعا للأول ولا مفروض منه.
3 . إطلاق صفة جديدة على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ( بوصفها بعثة سياسية خاصة متكاملة).
4 . إختلف موقف مجلس الأمن في قراراته الصادرة في 2014 والتي حاول أن يوازن فيها ما بين المؤسسات الوطنية القائمة وأهمها مجلس النواب المنتخب، إلى انحياز لمؤسسة واحدة في الاتفاق السياسي هو الذي انشائها وهي المجلس الرئاسي. وعليه بدى أن البعثة حادت عن حيادها وتحولت بقدرة قادر إلى خادم للإتفاق السياسي ومؤسساته المعينة.
5 . استمرار الأمم المتحدة في قراراتها استخدام ذات المصطلحات ” الملكية الوطنية”،” القيادة الليبية”، “إمساك ليبيا بناصية الأمور على الصعيد الوطني”، وأن دور البعثة ” تسييري” للحوار، والمساعدة، والدعم، و”جهود الوساطة” و” المساعي الحميدة”، وهي مصطلحات كانت تعكس واقعا حتى عام 2014، لكنها فيما بعد لم تعد إلا تكرارا لا يجد من الواقع سندا له. أصبحت الأمم المتحدة عن طريق بعثتها وممثلها الخاص المالكة الدولية للاتفاق السياسي الليبي، وهي من تسيره وتدعمه وتمنعه من السقوط. في هذه القرارات لأول مرة تتكرر الإشارة إلى المجلس الرئاسي وتخفت الإشارة إلى حكومة الوفاق الوطني، كما وأن هناك إشارة مرتين على الأقل لرئيس المجلس الرئاسي بالإسم.
6.رغم أن هذه القرارات بدأت في 2014 بالإشارة إلى الترحيب بإقرار مجلس النواب للاتفاق مبدئيا (معضلة المادة 8 من الأحكام الإضافية)، إلا إن التركيز تحول نحو المجلس الرئاسي تحديدا حتى أصبح هم البعثة وشغلها الشاغل هو تنفيذ الإتفاق السياسي و التواجد المستمر في ليبيا من أجل دعم المجلس الرئاسي واللجنة الأمنية المؤقتة.
7. أصبح الاتفاق السياسي هو الأساس الذي تتعامل على أساسه الأمم المتحدة والدول الأعضاء والتي حثتهم على التعاون مع مؤسساته دون غيرها وبالتالي استبعاد المؤسسات التي تقوم على الإعلان الدستوري الليبي وحده.
8. وعليه من الواضح هنا الانقسام ما بين المسار الدستوري الليبي والمسار الدولي الجديد الذي وضع لليبيا منذ اتفاق الصخيرات واشتد عوده دوليا دون أي حسبان للمسار الدستوري الوطني منذ عام 2016. ليتقاذف ليبيا مدارين أحدهما الإعلان الدستوري الليبي الذي ما يزال ساريا ويحكم القضاء على أساسه، وآخر دولي يتعامل على أساسه المجتمع الدولي والأمم المتحدة. وهو أمر زاد من الفوضى في ليبيا على كل الأصعدة وخاصة التشريعي/ الدستوري/ القضائي، وأضر بمركزها وبمواطنيها.
9 . الإشارة إلى تقديم الدعم للمراحل اللاحقة من العملية الانتقالية. وبالإشارة إلى المراحل اللاحقة لم يعلن عن اساسها الدستوري وفيما إذا كان للقاعدة الدستورية الوطنية مكانة أم أن ذلك سيكون تأسيسا على اتفاق الصخيرات.
10 . من البين أيضا أن كثافة القرارات في هذه الفترة محاولة لدعم الاتفاق لسياسي الذي بدى من الواضح ترنحه وفشله. لذا تواترت القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لدعمه ودعم المجلس الرئاسي في محاولة لنفخ النار في الرماد.
لذا، كان من الضروري تعيين ممثل خاص جديد وقائد لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في محاولة توفيقية “موديفيكا” أخرى لدعم المسار السياسي والدفع به فكان السيد غسان سلامة وخطته الجديدة (خطة العمل من أجل ليبيا) التي أعلن عنها في سبتمبر 2017 بنيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أشاد بها مجلس الأمن في بيان من رئيسه في أكتوبر 2017. وهو ما سنتطرق اليه في الجزء الثاني من هذه الدراسة.
عزة كامل المقهور