بقلم عزة المقهور : مهمة سلامة” في ليبيا أساسها .. أبعادها .. أهدافها ونتائجها

 

مهمة “غسان سلامة” في ليبيا أساسها/ أبعادها/ وأهدافها/ ونتائجها

(الجزء الثاني)

فترة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة د. غسان سلامة 2017 – 2019  

عزة كامل المقهور    

محامية

 

 

خطة الجزء الثاني

  ملاحظة : للإطلاع على الجزء الأول من الخطة إضغط هنا 

أولا: الفترة الزمنية الخامسة (2017- 2019) 

ثانيا: تحليل تطور دور بعثة الأمم المتحدة من الوساطة إلى القيادة.

ثالثا: التوصيات

 

أولا: الفترة الزمنية الخامسة (2017- 2019 )

فشل اتفاق الصخيرات/ تعيين د.غسان سلامة/ خطة العمل من أجل ليبيا/ مبادرات أجنبية/ المؤتمر الوطني الجامع.

أولا: الفترة الزمنية الخامسة (2017- 2019 )

اتفاق الصخيرات 17. 12. 2015:

لن أخوض في تفاصيل الإتفاق إلا بقدر ما يتصل بهذه الورقة. لكن بلغة غير دبلوماسية فإن اتفاق الصخيرات لم ينجح، وما يدلل على ذلك:

  1. إعتراف الأمم المتحدة بعدم نجاعته من خلال اعتباره “اطارا” بعد أن كان الاتفاق الوحيد.

 

  1. الحاجة لخطة جديدة/ بديلة، وهي الخطة التي وضعها د. سلامة من خلال ما أطلق عليه (خطة العمل من أجل ليبيا) والتي تشكل ابتعادا عن اتفاق الصخيرات بخطة مغايرة تتكون من مراحل ثلاث تفضي إلى مؤتمر وطني جامع يضع قاعدة دستورية لانتخابات مقبلة، على خلاف ما ورد في اتفاق الصخيرات الذي وضع مرحلة انتقالية جديدة هدفها بالاساس تشكيل حكومة موحدة (حكومة الوفاق الوطني) تنتهي بمضي سنتين كحد أقصى، على أن يترك أمر القاعدة الدستورية للانتخابات المقبلة، بالتوافق ما بين مجلس النواب ومجلس الدولة (م 23 الاتفاق السياسي) دون تحديد مدة لذلك ( يراجع مقالنا ” تقييم خطة العمل من أجل ليبيا”/ منشورة في مبادرة الإصلاح العربي أكتوبر 2017) .

 

 

  1. إن هذا الاتفاق لم تحدد له مدة على اعتبار أنه سيتحول إلى تشريع دستوري (تعديل دستوري) من مجلس النواب، وهو ما لم يحدث ليظل اتفاقا بين أطرافه معتمداً من مجلس الأمن ولكن ليس تشريعا وطنيا.

 

  1. لكنه يمكن القول أن هذا الإتفاق تضمن أسس تنبئ عن أن مدته لن تتجاوز مدة الحكومة الانتقالية (السنتين) ( يراجع مقالنا” الاتفاق السياسي الليبي: ما بين التوقيع عليه ودخوله حيز النفاذ”/ منشور بالمفكرة القانونية 2016) تأسيسا على المؤشرات التالية:

 

 

  • إن الهدف من الاتفاق تغطية مدة انتقالية جديدة يفترض أنها تفضي لمرحلة مستقرة، وهو ما يعني أنها مدة محددة، وهذا ما جرت عليه المدد الإنتقالية السابقة: مدة المؤتمر الوطني الانتقالي (2011- 2012) مدة المؤتمرالوطني العام (2012-2014) مدة مجلس النواب (2014- 2015 ) ،  وبالتالي لا يتوقع أن تتعدى هذه المدة.

 

  • إن حكومة الوفاق الوطني بمكونيها ( المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء) كانت لمدة عام واحد، ويمكن أن تمدد كأقصى حد لعامين (بموافقة مجلس النواب على التمديد).

 

 

  • إن الاتفاق أعطى مهلة للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور حتى تاريخ موعد أقصاه 24 مارس 2016 “وفي حال ما لم تتمكن الهيئة من الانتهاء من مهمتها بحلول ذلك الموعد، تشكل لجنة من خمسة ممثلين عن كل من مجلس النواب ومجلس الدولة وبمشاركة مجلس رئاسة الوزراء، في موعد غايته “أسبوعين” من ذلك التاريخ للتداول في هذا الشأن”. وهذا الفصل أهمل بالكامل ولم يطبق.

 

  • إن الاتفاق نص على أن مجلس الدولة ينتهي بإنتهاء مجلس النواب بانعقاد الجلسة الأولى للسلطة التشريعية بموجب الدستور الليبي (مادة 18).

وكل هذا لم يحدث، واستمرت هذه الأجسام دون أية مؤشرات على رحيلها وتسليمها السلطة، رغم أنها جميعا تدعو لانتخابات دون أن تلتقي من أجل حدوثها، الأمر الذي يستحيل، دون اتفاقها ورسم خارطة لها واصدار التشريعات اللازمة وتأمينها.

لذا كان لزاما أن تعرض خطة بديلة (خطة سلامة) لإخفاق الخطة الأولى (خطة ليون/ كوبلر)

لماذا فشلت خطة (ليون/ كوبلر)؟:
  1. اسباب بنيوية تتعلق بالاتفاق ذاته:

 

  • لم ينص الاتفاق على تاريخ دخوله حيز النفاذ، على اعتبار أنه سيصبح تعديلا دستوريا ليكون نافذا بنشره. ولم يتعامل الاتفاق مع هذا الشرط الإجرائي المهم المتوقف على سلطة واحدة هي مجلس النواب. ولما لم يتحقق فرض الاتفاق ومؤسساته كسلطة أمر واقع دون سند وطني يحمله. وهذه المسألة بالذات زادت من عمق الأزمة ومن الانقسام الداخلي وأثرت في صناعة التشريع التي ضعفت، وأدت إلى صدور أحكام قضائية ضد قرارات المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، كما أدت إلى تضارب في الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم. تزامن الامر مع قرار  الجمعية العمومية للمحكمة العليا رقم 7 لسنة 2016 بوقف البث في الطعون الدستورية، ربما وفقا لرأي يقول بتفادي الغرق في هذه فوضى الشرعية .
  • استحالة تحقق بعض بنود الاتفاق السياسي. فللوهلة الأولى يبدو وكأن هذا الاتفاق وضع للملائكة وليس لأطراف متناحرة، خاضت حربا وخلفت دمارا. ولعل أبرز مثال على ذلك (قد يتكرر الأمر في (خطة/ خطط) المؤتمر الوطني الجامع) هو اشتراط الإجماع في كل قرارات المجلس الرئاسي، وهو الإسفين الذي ضرب الإتفاق.

 

  • إن لب الاتفاق هو خلق سلطة تنفيذية واحدة توحد الانقسام المؤسساتي وتعيده إلى نصابه. لكن هذه السلطة التنفيدية ذاتها أصابها الانقسام منذ بداية عملها كما أصابها التناحر والاختلاف. وبسبب استقالة أحد أعضاء المجلس الرئاسي تعذر تحقق الإجماع المشروط لكل قراراتها فأستحال تنفيذ الاتفاق السياسي وفقا لنصوصه.

 

 

  • رغم كل هذه الخروقات، استمرت الامم المتحدة في كل قراراتها تقريبا في دعم الاتفاق السياسي وهو ما يعني أنها بالضرورة تدعم خروقاته وانتهاكاته. ولعل أشدها وأبرزها انفراد رئيس المجلس الرئاسي بالسلطة، وادعائه لسلطات ليست له (سلطاته بروتوكولية ومحددة (المادة 8/ 1) منها ادعاء صفة القائد الأعلى للجيش واصدار قرارات تحت هذه الصفة وهي صفة ممنوحة للمجلس الرئاسي مجتمعا وتتطلب توفر الإجماع).

 

  • احتوى الاتفاق على استجابة لطلبات وترضية لبعض الأطراف التي عارضت المسودة الرابعة التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى من غالبية اعضاء الحوار. وخير مثال على ذلك ما تضمنه الاتفاق من اقصاء فيما يتعلق بالمادة 4 من الأحكام الاضافية للاتفاق السياسي، ما ورد في الديباجة من إشادة بالثوار بإسم الشعب الليبي ” سيظل الشعب الليبي مدينا لثواره للدور الذي لعبوه في تحرير البلاد من عقود من حكم الفرد” وهو تفرقة بين “الثوار” وبين عموم الشعب المدين “لهم”، والغريب أنه في ذات الفقرة تعترف بأن الثوار هم المسلحين بالقول ” لقد آن الأوان للمضي قدما نحو مرحلة جديدة من انتقال ليبيا، تتيح للثوار فرصة ليكونوا جزءا من جيش حديث ومهني”. إضافة إلى إطلاق أوصاف لا تليق بفتح صفحة جديدة وعقد اتفاق وئام مثل وصف الحقبة السابقة وهي حقبة تاريخية “حقبة سوداء” ووصف حقبة أخرى “بالمباركة”.

 

 

  • تدخل الاتفاق السياسي دون داع في أمور من صلب اختصاص وعمل الهيئة التأسيسية وأهمها الشريعة في التشريع وهو شأن لا علاقة له بإتفاق سياسي يتعلق بنظام الحكم، كما أنها مسألة منصوص عليها في الإعلان الدستوري، وهذا النص يختلف عنه ويتماشى مع مطالب جهة معينة هي دار الإفتاء. إضافة إلى ذلك أنها مسألة من اختصاص هيئة منتخبة (هيئة صياغة مشروع الدستور) لم تدعى أو تشارك في جولات حوار الصخيرات. لذا فإن غياب الهيئة التأسيسية عن الاتفاق أدى في النهاية إلى تعطيل كامل للجزء المتعلق بها في الاتفاق (العملية الدستورية) لاستمرارها في عملها بمعزل عن الاتفاق السياسي وتقديم مشروعي دستورها إلى مجلس النواب في ( 2016 ثم 2017)، ومن تم سقط هذا الجزء بالكامل في الاتفاق، وظلت معضلة مشروع الدستور قائمة وخاضعة لنظام آخر هو الإعلان الدستوري وليس الاتفاق السياسي.

 

  • اعتماد الاتفاق بالأساس على التوافق والتعاون والتنسيق ما بين مؤسساته دون خلق آلية فاعلة لذلك تسهل العمل فيما بينها و تعتمد على الشفافية و الرقابة الشعبية وتبادل المعلومات والتنسيق، مما جعل الأمر بيد الأطراف وبهذا إنجر المجلس الرئاسي  ذاته المستحدث بدلا من أن يكون عنصر اتحاد وتجميع في حلبة الصراع وأصبح طرفا وجزءً منه.

 

 

  1. أسباب تتعلق بعدم تنفيذ بقية فصول الاتفاق السياسي كالتدابير الأمنية ( بما فيها المؤسسات الأمنية ووضع خطة لتسريح وإعادة ادماج الجماعات المسلحة)، وتدابير بناء الثقة، والعمل التنفيذي ذاته على كل الأراضي الليبية واستمرار حكومة موازية، واستمرار الانقسام المؤسساتي، والأهم غياب روح التنسيق والعمل المشترك بين مؤسسات الاتفاق السياسي.

 

  1. في رأي أخر يعزز ما ذهبنا اليه، أشار تقرير الملتقى الوطني الليبي (2018) إلى أنه رغم تعدد المبادرات “الليبية والدولية الهادفة إلى حل الأزمة السياسية ووضع حد للتدهور الاقتصادي والإجتماعي، فقد باءت كلها بالفشل أو تعرضت للإفشال رغم ما انطوت عليه من رغبة صادقة في إيجاد حل توافقي ودائم” وأوعزت ذلك إلى غياب الشعب الليبي، “وإن هذه المساعي السياسية لإيجاد الحل المأمول ما فتأت تركز جهودها على النخب السياسية بهدف إيجاد آليات اقتسام السلطة وإعادة ترتيب صيغتها بالشكل الذي يجمع ما تشتت وما تفرق”.

 

لذلك جاءت خطة السيد سلامة إفتراضا لمعالجة هذه الأخطاء البنيوية في الاتفاق السياسي، فلو عدنا إلى خطته التي تكونت من ثلاث مراحل- سبق وأن حللناها وقيمناها في مقال سابق- لتبين لنا أنها محاولة لتجاوز هذه الأخطاء ومن أهمها:

– تبني نهج الشمولية والمشاركة التي اتسمت بها الخطة بالنص في الخطة على:

“مؤتمر وطني تحت رعاية الأمين العام يهدف إلى فتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم، واولئك الذين همشوا انفسهم وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية والذين تمثيلهم ضعيف أو غير ممثلين على الإطلاق. يجمع أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وغيرهم كثير ممن تمثيلهم ضعيف أو غير ممثلين على الإطلاق في هاتين الهيئتين”.

–  معالجة تركيبة السلطة التنفيذية بتقليصها وفك المجلس الرئاسي عن الحكومة. لكن مشكلة خطة سلامة هذه اعتمادها في مرحلتيها الأولى والثانية على كل من مجلسي النواب والدولة دون أن تحاول الدفع نحو تأهيلهما لها وادخال اصلاحات لازمة عليهما، وذلك بعودة المقاطعين وتغيير المقر المؤقت، والدفع نحو اجراء انتخابات داخلية بالنسبة للأول، وضبط العضوية والكشف عن صحتها وفقا لما نص عليه الاتفاق السياسي من تشكيل المجلس واعادة مجموعة 94 إليه ليعيد التوازن إلى تركيبته.

 

لكن المرحلتين الأولى والثانية لم تنجحا، ومن هنا قام السيد سلامة بتعديل خطته واختيار طريق جديد يعتمد على ما يلي:

 

  1. اعتماد مسار جديد وادخاله في الخطة وهو ما سمي بالمسار التشاوري، حيث قام السيد سلامة باختيار مركز الحوار الإنساني في سويسرا في فبراير 2018 بتنظيم مسار تشاوري يسمح بمشاركة أوسع طيف ممكن من الليبيين في تحديد أهداف الملتقى الوطني وضبط استراتيجيته والمساهمة الفعالة في تحديد التوجهات المستقبلية الكبرى لبلادهم. والذي قدم تقريره في نوفمبر 2018.

 

  1. الإعلان عن عقد المؤتمر الوطني الجامع في مدينة غدامس ما بين 14-16 أبريل الجاري

 

 

كيف تعامل مجلس الأمن في الملف الليبي خلال هذه الفترة (2017- 2019) ؟

القرار رقم 2376 (2017) الصادر بجلسة 14/ سبتمبر 2017:

  • الترحيب بتعيين د. سلامة ممثلا خاصا جديدا للأمين العام للأمم المتحدة.

 

  • التشديد على أهمية “الدور المركزي” للأمم المتحدة بغية تيسير التوصل إلى حل سياسي “بقيادة ليبية” للتحديات التي تواجهها ليبيا.

 

 

  • دعم حكومة الوفاق الوطني بإعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة لليبيا، وباعتبار رئيس الوزراء “فايز السراج” هو رئيس المجلس الرئاسي.

 

  • تأكيد دعم للتنفيذ الكامل للاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات والذي ينص على تشكيل حكومة وفاق وطني مؤلفة من المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء، وتدعمها مؤسسات الدولة الأخرى، بما فيها مجلس النواب ومجلس الدولة.

 

 

  • يرحب بإعتماد مجلس النواب،من حيث المبدأ، الاتفاق السياسي في 25 يناير 2016.

 

  • يؤيد نداء الأمين العام بتجميع مختلف المبادرات تحت قيادة الأمم المتحدة.

 

 

  • الإشارة إلى استراتيجية وخطة عمل شاملتين لمشاركة منظومة الأمم المتحدة في ليبيا لتيسير حوار سياسي بقيادة ليبية من أجل بناء الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية في ليبيا.

 

  • أن تعمل جميع الأطراف في ليبيا بصورة بناءة مع الأمم المتحدة، وأن تمتنع عن أي أعمال من شأنها أن تقوض الحوار السياسي الذي تتوسط فيه الأمم المتحدة، وإذ يكرر مجلس الأمن على أنه لا يمكن ان يكون هناك حل عسكري.

 

 

  • الترحيب بقيام المجلس الرئاسي باستحداث الحرس الرئاسي .

 

  • يقرر تمديد ولاية البعثة حتى 15. 9. 2018، بوصفها بعثة سياسية متكاملة وبما يتفق تماما مع مبادئ إمساك ليبيا بمقاليد الأمور على الصعيد الوطني، ممارسة الوساطة وبذل المساعي الحميدة لتقديم الدعم في مجالات عدة من بينها: عملية سياسية شاملة للجميع في إطار الاتفاق السياسي الليبي/ مواصلة تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي / المراحل اللاحقة من العملية الانتقالية الليبية.

 

 

  • يقر بأن البعثة كفلت منذ 2016 وجودا مستمرا لها في ليبيا من أجل دعم المجلس الرئاسي واللجنة الأمنية المؤقتة.

 

  • الإشارة إلى المناطق المحررة من قبضة داعش.
الملاحظات:

رغم أن هذا القرار كرر ما سبق وأن تضمنته قرارات سابقة، إلا أن ما يسترعي الانتباه النقاط التالية:

 

 

  1. يلاحظ الدور المتنامي للمجلس الرئاسي والإشارة بالإسم لرئيس المجلس، في غياب بقية المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي، وهو ما يدل على أن التركيز بات على المجلس الرئاسي ودعم رئيسه تحديدا ( الغريب أنه مجلس قرارته بالإجماع) وهو أمر تكرر ايضا في فقرة أخرى بربط تنفيذ الاتفاق السياسي بتشكيل الحكومة وإن بقية المؤسسات هي لدعمها.

 

  1. التأكيد على أن حكومة الوفاق هي الحكومة الشرعية الوحيدة في البلاد. وهنا يتجسد البون بين المسارين الوطني والدولي، ففي حين تحظى حكومة الوفاق الوطني بإعتراف وتأييد كامل على المستوى الدولي ، فهي تفتقد إلى الاساس الدستوري الذي يؤهلها كي تكون “سلطة تنفيدية” وطنية مما يجعلها حكومة واقع   على الصعيد الوطني وحكومة تستمد شرعيتها من إرادة دولية . وهنا أحد أهم مكامن الخلل في العلاقة بين المسارين الوطني والدولي. وهي مسألة إن استمرت لن تزيد الوضع إلا تعقيدا وتفاقما.

 

 

  1. في هذا القرار هناك تراجع لاتفاق الصخيرات واعتراف ضمني بقصوره والحاجة لحوار وخطة عمل جديدة بغية الوصول إلى حل سياسي. حيث تمت الإشارة لدعم عملية سياسية شاملة “في إطار الاتفاق السياسي” وتعزيز حوار سياسي شامل في “إطار الاتفاق السياسي”، وهو ما يعني تحول الاتفاق السياسي إلى اتفاق اطار لمزيد من الحوار والتسوية السياسية. ضف إلى ذلك، الإشارة إلى استراتيجية وخطة عمل شاملتين (اعتقد أن المقصود خطة السيد سلامة) لمشاركة منظومة الأمم المتحدة في ليبيا لتيسير حوار سياسي بقيادة ليبية، وهو ما يعني اعترافا بأن اتفاق الصخيرات قاصرا وبحاجة إلى مزيد من الحوار بناء على استراتيجية وخطة جديدة.

 

  1. كما وأن الإشارة إلى اختصاص البعثة للدعم في المراحل اللاحقة من العملية الانتقالية الليبية، ما هو إلا إقرار بأن هناك مراحل أخرى للعملية الانتقالية وأن الاتفاق السياسي ليس نهاية لها كما كان الهدف الأساسي من ورائه. وهو ما ينبئ عن فشل الاتفاق السياسي في مبتغاه وأنه ما تزال هناك مراحل انتقالية لاحقة.

 

 

  1. من الواضح تزايد المبادرات الدولية في هذه الفترة مما استدعى التذكير في القرار على الدور “المركزي” للأمم المتحدة و“تجميع مختلف المبادرات تحت قيادة الأمم المتحدة”.
  2. النص صراحة على استبعاد “الحل العسكري” في ليبيا.

 

القرار رقم 2362 (2017) بجلسة 29 يونيه 2017:

  • التأكيد على دعم حكومة الوفاق الوطني باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة لليبيا والتي مقرها طرابلس.
  • يرحب بالمساعي التي بذلت في الأونة الأخيرة من أجل تعزيز الحوار بين الليبيين بدعم من جيران ليبيا والمنظمات الإقليمية، وإذ يشير إلى أهمية العملية التي يقودها الليبيون وتيسرها الأمم المتحدة من أجل النهوض بالحوار السياسي الشامل للجميع.
الملاحظات:

1.من خلال هذا القرار يظهر مدى الانفصال عن الواقع الوطني على حساب التمسك بأدبيات نصوص قرارات مجلس الأمن. تكرار “الحكومة الشرعية” في “طرابلس”، وشرعيتها مستمدة من سند دولي دون سند دستوري وطني، وإلا ما كان هناك من حاجة “للحوار” ولخطة السيد سلامه بالأساس.

 

  1. الدعم الكامل لحكومة الوفاق الوطني دون الإشارة لغيرها.
  2. الاشارة لعملية يقودها الليبين وتيسرها الأمم المتحدة والحقيقة غير ذلك. لم يعد الليبيون يقودون أية عمليات أو مبادرات والصحيح أنهم يشاركون فيها.

بيان من رئيس مجلس الأمن الدولي بتاريخ 10 أكتوبر 2017

  • يؤيد مجلس الأمن خطة عمل الأمم المتحدة لاستئناف عملية سياسية شاملة يكون زمامها في يد الليبيين وتتولى الأمم المتحدة تيسيرها وقيادتها استنادا إلى خطة السيد سلامة.

 

  • دعم عملية انتقال بقيادة ليبية تفضي إلى إقامة حكم مستقر وموحد وتمثيلي وفعال في إطار الاتفاق السياسي الليبي.

 

 

  • الترحيب بالبدء في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة سلامة، بإجتماع كل من مجلسي النواب والدولة برعاية الممثل الخاص للأمين العام بدءا من 26. 9. 2017.

 

  • يتطلع المجلس لمواصلة التنفيذ المتتابع لخطة سلامة تمهيدا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال عام.

 

 

  • إن الاتفاق السياسي هو الإطار الوحيد الصالح لإنهاء الأزمة السياسية الليبية، وأن تنفيذه لا يزال أساسيا لإجراء الانتخابات وإتمام عملية الانتقال السياسي. ويشجع الأطراف الليبية على العمل لتعديل الاتفاق السياسي الليبي.

 

  • نص البيان على أن الاتفاق السياسي (الصخيرات) سيسري طوال الفترة الانتقالية.
  • إنه لا حل عسكري للأزمة الليبية.
  • التشديد على أن تكون المبادرات المقدمة من جيران ليبيا والشركاء الدوليون موحدة تحت قيادة الأمم المتحدة. واعطاء أولوية لوساطة الأمم المتحدة
ملاحظات:
  1. حوت لغة هذا البيان تفاؤلاً وثقة بخطة السيد سلامة خاصة مع بدء اجتماعات وفدي مجلس النواب والدولة، وأيضا النص على أن انتخابات برلمانية ورئاسية ستجرى خلال عام.
  2. وضع مجلس الأمن في بيانه لبنات مرحلة انتقالية جديدة في ليبيا تحت سيطرة المسار الدولي على النحو التالي:
  • إن الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات) هو الإطار الوحيد الصالح لإنهاء الأزمة السياسة، وإن خطة سلامة هي تعديل له.
  • إن مراحل خطة سلامة هي مراحل متتابعة.
  • إن هذا الاتفاق السياسي وخطة سلامة المعدلة له سيسري طوال الفترة الانتقالية.
  1. ورد في هذا البيان إسم رئيس المجلس الرئاسي ثلاث مرات.
  2. إزدياد وتيرة المبادرات الأجنبية للملف الليبي، وتمسك الأمم المتحدة بضرورة وحدتها وأن تكون تحت قيادتها.

بيان من رئيس مجلس الأمن بتاريخ 14. 12. 2017:

  • التأكيد على أن الاتفاق السياسي (الصخيرات) هو الإطار الوحيد الصالح لإنهاء الأزمة السياسية الليبية، وأن تنفيذه لايزال أساسيا لإجراء الانتخابات وإتمام عملية الإنتقال السياسي. ويشدد المجلس على استمرار سريان الاتفاق طوال الفترة الانتقالية في ليبيا ويرفض المواعيد النهائية غير الصحيحة التي ليس من شأنها سوى تقويض العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.
  • يؤيد مجلس الأمن تسلسل خطة العمل.
  • ينوه مجلس الأمن بالدور الهام الذي يضطلع به رئيس المجلس الرئاسي اسميا فضلا عن القادة الليبيين الآخرين (دون أسماء) في تعزيز المصالحة الوطنية.
  • تشجيع مجلس النواب بقوة على وضع قانون انتخابي جديد وإقراره، ويشجع على وضع اللمسات الأخيرة على الدستور الليبي الجديد.
  • تأكيد المجلس على أن الليبيين ينبغي لهم أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم دون تدخل أجنبي.
  • يؤكد مجلس الأمن أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في البلاد.
الملاحظات:
  1. يلاحظ في لغة البيان التمسك بالاتفاق السياسي بأنه سيسري “طوال الفترة الانتقالية في ليبيا”، في حين أن هناك خطة جديدة تنفذ من خلال البعثة الأممية والتي عدلت من الاتفاق بشكل جذري، ناهيك عن أن هناك احتمال من أن تحل محله. وهذا اليقين في الحقيقة مدعاة للشك بالأساس.
  2. إن القول بأن الاتفاق السياسي سيغطي الفترة الانتقالية كلها، هو قول غير دقيق خاصة وأنه على ما يبدو من خلال قرارا مجلس الأمن أن هناك ” مراحل لاحقة للفترة الانتقالية”، ولا يتصور في ظل المعطيات المتسارعة على الأرض و حجم التدخلات الدولية أن يستمر العمل بهذا الاتفاق حتى بالإجبار والفرض.

بيان رئيس مجلس الأمن بتاريخ 6 يونيه 2018:

  • يؤكد مجلس الأمن على تأييده ودعمه الكامل لخظة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ودعوته جميع الليبيين للعمل معا بروح التوفيق في العملية السياسية الشاملة للجميع التي يقودها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة.
  • إن الحالة السياسية والأمنية في ليبيا لا يمكن أن تستمر، ويشير إلى نداء الليبيين المدوي لتنظيم انتحابات ذات مصداقية وشاملة للجميع وسلمية من أجل ليبيا موحدة ومستقرة.
  • تحدث البيان بإسهاب عن الانتخابات وضرورة توافر الظروف المناسبة لها وتهيئتها. ووضع التشريعات اللازمة، وحث الليبيين على العمل بصورة بناءة لضمان توافر المتطلبات التقنية والتشريعية والسياسية والأمنية. ودعا إلى تحسين المناخ للانتخابات الوطنية بكل الوسائل الممكنة.
  • الترحيب بنجاح المرحلة الأولى من عملية المؤتمر الوطني التي أطلقها الممثل الخاص للأمين العام بتنظيم 42 اجتماعا في 27 من المدن والبلديات في ليبيا.
  • الترحيب بالمؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس في 29 مايو 2018، ونص البيان بالأسماء لكل من: رئيس المجلس الرئاسي، رئيس مجلس النواب، رئيس المجلس الأعلى للدولة، قائد الجيش الليبي.
  • يقر مجلس الأمن بالدور الرئيسي الذي يضطلع به الممثل الخاص للأمين العام في التشاور مع الأطراف الليبية من أجل وضع الأساس الدستوري للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية اللازمة.
الملاحظات:
  1. أهمية هذا القرار أنه ولأول مرة ينص على أسماء أخرى إضافة لإسم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ( أربعة اسماء). الأمر الذي يعني أن التطورات على الأرض قد فرضت نفسها على الحل السياسي (موضوع الجيش) وهو اعتراف بوجود طرف آخر لم تتضمنه قرارات مجلس الأمن السابقة.
  2. الاشارة لقيادة السيد سلامة للعملية السياسية الشاملة، وفي ذات الفقرة اشار إلى أهمية الدور الذي تضطلع به الأمم المتحدة لتيسير حل سياسي يقوده الليبيون للتحديات التي تواجه ليبيا.
  3. من خلال هذا البيان يتبين أن المعضلة الأساسية هي الدستورية، وأنها ماتزال دون حل، وأن الهدف هو الوصول إلى انتخابات عن طريق الخطة التي تضعها البعثة لليبيا في اطار كل من الاتفاق السياسي وخطة العمل بالتشاور مع الليبيين.
  4. مؤشرات هذا البيان تأجيل الانتخابات حتى تتوافر شروطها وأنها لن تحدث إلا بتوافر المناخ والظروف المهيئة لذلك لتكون ذات مصداقية.

قرار مجلس الأمن رقم 2434 (2018) بجلسة  13 سبتمبر 2018.

  • دعوة الليبين للعمل بروح التوافق في إطار العملية السياسية الشاملة للجميع التي يتولى الممثل الخاص للأمين العام قيادتها. ويشدد على الدور المركزي للأمم المتحدة في تيسير إيجاد تسوية سياسية يقودها ويتمسك بمقاليدها الليبيون .
  • الإشارة إلى دعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة رئيس المجلس الرئاسي وبالإسم .
  • الدعم الكامل للاتفاق السياسي الليبي بتشكيل حكومة وفاق وطني تدعمها مؤسسات الدولة الأخرى بما فيها مجلس النواب ومجلس الدولة.
  • إن الاتفاق السياسي الليبي يظل الإطار الوحيد الصالح لإنهاء الأزمة السياسية الليبية.
  • الترحيب بإنعقاد الملتقى الوطني في جلسات حوارية في جميع انحاء البلاد.
  • إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا في أقرب وقت ممكن، شرط أن تكون الظروف الأمنية والتقنية والتشريعية والسياسية اللازمة مهيأة.
  • الإقرار بالدور الرئيسي الذي يضطلع به الممثل الخاص للأمين العام في التشاور مع الأطراف الليبية من أجل وضع الأساس الدستوري للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية اللازمة.
  • أنه لا إمكانية لحل عسكري في ليبيا.
  • تمديد ولاية عمل البعثة حتى 15 سبتمبر 2019، بوصفها بعثة سياسية متكاملة، وبما يتفق تماما مع مبادئ الإمساك بمقاليد الأمور على الصعيد الوطني، وبذل المساعي الحميدة لدعم عدة مسائل من بينها:
  • عملية سياسية وحوار أمني واقتصادي شاملان للجميع في إطار الاتفاق السياسي الليبي وخطة عمل الأمم المتحدة.
  • مواصلة تنفيذ الاتفاق السياسي.
  • المراحل اللاحقة من العملية الإنتقالية الليبية، بما في ذلك العملية الدستورية وتنظيم الانتخابات.
الملاحظات:
  1. كرر القرار النص على أن الممثل الخاص للأمين العام يتولى قيادة العملية السياسية الشاملة. إلا أنه في ذات الفقرة أشار إلى ” تسوية سياسية يقودها ويمسك بمقاليدها الليبيون”. وكأنه يقول الحقيقة وهي أن القيادة للعملية السياسية هي للأمم المتحدة، ويكرر “مجاملة” دورا لليبيين لم يعد يوصف بـ”الملكية” ولكن بـ”الإمساك بمقاليد الأمور” على الصعيد الوطني.
  2. من البين أن الفجوة الدستورية التي حدثت في ليبيا منذ 2014 والتي لم ينجح اتفاق الصخيرات في ردمها وحتى صدور هذا القرار ما تزال قائمة. وهي لب العملية السياسية وتحريك عملية التحول الديمقراطي في ليبيا بـ “وضع الأساس الدستوري للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية اللازمة”، وانها ما تزال دون خطة واضحة.
  3. كما وأنه من اللافت في هذا القرار تراجع مجلس الأمن المتفائل السابق في اجراء الانتخابات خلال عام 2018، إلى ضرورة توافر “الظروف الأمنية والتقنية والتشريعية والسياسية اللازمة” كشرط للتهيئة للانتخابات.
  4. التعديل في دور البعثة الأممية وتوسعه ليشمل عملية سياسية وحوار أمني واقتصادي شاملان، وأن يكون هذا في إطار الاتفاق السياسي وخطة سلامة معا.

قرار مجلس الأمن رقم 2441 (2018) بجلسة 5. 11. 2018 (أحداث الهلال النفطي).

يتعلق هذا القرار بالأساس بمسائل نفطية واقتصادية ومالية وحظر توريد الأسلحة و تمديد ولاية فريق الخبراء.

 

ثانيا: تحليل دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (من الوساطة إلى القيادة):

بإستقراء قرارت مجلس الأمن وبياناته منذ 2011 حتى 2018، يتبين أن مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة من مهمة الوساطة بين نظام آفل وبين الأمم المتحدة لإيجاد حل للأزمة الليبية التي اندلعت أنذاك ثم توسع مهامه في إطار بعثة للدعم في ليبيا بناء على طلب المكتب التنفيذي في 2011 في مجالات محددة، إلى دور القيادة في رسم خارطة طرق لمراحل انتقالية لم تسعف البلاد سياسيا وفاقمت من وضعها دستوريا.

ويمكن إيجاز الملاحظات العامة لهذه الفترة بما يلي:

  1. إن ليبيا خاضت مسارا وطنيا صرفا في مرحلة انتقالية امتدت من 2011- 2014، صدر فيها دستور مؤقت، وجرت فيها ثلاث انتخابات عامة، وانتخابات بلدية، وصدرت فيها ثلاث قوانين للانتخابات، وتشريعات أخرى مهمة ولازمة للتحول الديمقراطي، كما نشطت فيها الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا وساهمت في هذه المرحلة. ومن المهم أيضا الإشارة إلى تشكيل الأحزاب السياسية وبروز مجتمع مدني نشط، ساهم بشكل فعال في هذه المرحلة سواء بالتظاهر السلمي أو بتقديم المقترحات والمشروعات، أو بنشر الوعي العام والنهوض به إضافة إلى حراك إعلامي مؤثر.

ولحداثة التجربة كان لزاما الوقوع في بعض الأخطاء، لكن العيب الأكبر الذي ما يزال قائما ويشتد بأسا ومآلا هو وجود التشكيلات المسلحة خارح تحكم مؤسسات الدولة والتي تغولت على مؤسسات الدولة بل وخضع البعض منها لها وإلى املاءاتها وشروطها ومطالبها بما في ذلك هيئات منتخبة واتصال بعض الأعضاء المنتخبين بهذه الجماعات المسلحة.

وقد دلت التجربة الليبية في التحول الديمقراطي، أن العمل الديمقراطي (خاصة الخديج) لا يمكن أن يتطور تحت فوهات الأسلحة. فعملية التحول الديمقراطي هي مجموعة ارهاصات ومجهودات مضنية تستلزم وقتا طويلا وتحتاج إلى تطوير أدواتها، ناهيك عن بطئها وبطء نتائجها لكنها حتما هي الطريق الصحيح نحو الإزدهار، بينما الطريق المسلح سريع التحرك والنتائج لكن مآله الفشل والخيبة والإفلاس. وهما طريقان لا يلتقيان ولا يتعايشان. فوسائل الديمقراطية سلمية بطبيعتها في حين أن وسائل المجموعات الخارجة عن القانون هي العنف. وعليه كان لابد من أن يتغلب أحد المسارين على الآخر، ولا صوت يعلو على قعقعة السلاح. فكانت الحرب الأهلية الثانية في ليبيا 2014.

  1. منذ عام 2014، تقهقهر المسار الديمقراطي الوطني، مما أثر في السلطة الجديدة المنتخبة فولدت ضعيفة ولم تتمكن من خوض غمار التجربة وسرعان ما اصابها العجز والوهن. وهنا كان تدخل مجلس الأمن وصدور قرارات تنادي بالحوار والتوصل إلى اتفاق ما بين الأطراف. منذ ذاك التاريخ بات من الواضح أن مسارا جديدا قد تبلور، وأًوكل للمبعوث الخاص أنذاك (ليون) أن يديره. ورغم أن قرارات مجلس الأمن تردد دون هوادة على “مبادئ الملكية الوطنية” و” القيادة الليبية” و”السيطرة الوطنية على مقاليد الأمور”، و”مبدأي السيطرة الوطنية على مقاليـد الأمـور والمـسؤولية الوطنيـة”، و”التقيد التام بمبادئ الملكية الوطنية لزمام الأمور”، و”إمساك ليبيا بناصية الأمور على الصعيد الوطني”، إلا أن المتتبع لهذه القرارات منذ 2014 والإيذان بفتح باب حوار الصخيرات يتضح بروز هام لدور بعثة الأمم المتحدة واتساع رقعة مهامها شيئا فشيئا حتى بات النص في قرارات 2017 على قيادة المبعوث الخاص للأمين العام لعملية سياسية شاملة.
  2. وبضعف السلطة التشريعية وانزوائها في غير مقرها الرسمي المقرر لها، ومقاطعة عدد من الأعضاء لها، وصدور حكم المحكمة العليا (2014) المشار اليه أعلاه، ثم ابرام اتفاق الصخيرات وتقليص مهامها ومشاركتها من قبل هيئة أخرى في اختصاصها التشريعي، وتأسيس مجلس رئاسي (غير منتخب) مدعوم بقوة وبالكامل من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، واصطفاف بعض أعضاء مجلس النواب واستمالتهم إليه، وضعف أداء أعضاء مجلس النواب ومراوغته في التعامل مع الاتفاق السياسي، واحتكار رئاسته وعدم تجديدها، وانتهاء ولايته دون وضع خارطة لمرحلة انتقالية جديدة وما بدى عليه من وهن وعجز، أدى إلى إفشال التحول الديمقراطي الليبي. فلا تحول ديمقراطي بأدوات معينة وغير منتخبة، ورمي ثقل المجتمع الدولي خلف مجلس رئاسي غير منتخب لا يمكن أن يكون مسارا ديمقراطيا حتى وأن عجت قرارات مجلس الأمن بألفاظ بالديمقراطية وأدبياتها.
  3. ولعل نهج حوار الصخيرات بداية من “اختيار” و”دعوة” أطراف الحوار فيه من قبل البعثة، وعدم مشاركة الأطراف الليبية في لجنته الفنية لصياغة المسودات، وفي غياب محاضر الإجتماعات للتاريخ وللبحاث وللأجيال القادمة خير دليل على غياب “الملكية الوطنية” فيه.

يلاحظ أيضا من خلال قرارات مجلس الأمن ودور البعثة الأممية في ليبيا أنه في عام 2011-2012 وجود “ملكية وطنية” حقيقية لمسار التحول الديمقراطي في ليبيا، بالإشارة إلى الإعلان الدستوري “الخارطة الدستورية”، وقانون الانتخاب والترحيب بالعملية الانتخابية وادارتها ونتائجها. لكنها وبعد اتفاق الصخيرات تحولت قرارات مجلس الأمن إلى اتفاق الصخيرات دون غيره، وحصرت دور البعثة على العمل في حدود هذا الاتفاق وتنفيذه، في اهمال واضح للمسار الوطني بما في ذلك الإعلان الدستوري الذي هو منشأ التحول الديمقراطي في ليبيا.  والغريب في الأمر أنه رغم الدور المتنامي للبعثة الأممي إلا أنه تنام رأسي وليس أفقي، فقد انحصر في اتفاق الصخيرات وبالكاد في رقعة جغرافية محددة (رغم أهميتها) وبات يدور في مدار حكومة الوفاق ومجلس رئاستها اللذان باتا الشغل الشاغل لقرارات مجلس الأمن، في سياسة واضحة للمحاباة والتفرقة بين مؤسسات الاتفاق لدرجة التواتر في النص على عبارة ” الدعم الكامل للاتفاق السياسي الليبي بتشكيل حكومة وفاق وطني تدعمها مؤسسات الدولة الأخرى بما فيها مجلس النواب ومجلس الدولة”، لتصبح حكومة الوفاق هي الاساس والبقية لخدمتها بما في ذلك البعثة الأممية. كل هذا بما يتنافي وروح الاتفاق السياسي القائم على التوافق والتنسيق والتعاون والعمل المشترك. وليس أدل على ذلك من تردد اسم رئيس المجلس بشكل متواتر منذ 2017 وتمييزه في مجلس من ستة أعضاء يستلزم الإجماع في قراراته بما يخالف روح الاتفاق السياسي ونصوصه.

  1. كما يلاحظ من خلال قرارات مجلس الأمن موضوع هذه الدراسة، قلق الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا بشكل خاص من خروج الملف الليبي من حوزتها واختطافه من خلال مبادرات لدول ذات علاقة بالشأن الليبي. لذا ما انفكت الأمم المتحدة تناشد “جيران ليبيا والشركاء الدوليين” على أن تكون المبادرات المقدمة منهم “موحدة تحت قيادة الأمم المتحدة”، “واعطاء أولوية لوساطة الأمم المتحدة “. وتشير إلى ” تأكيد المجلس على أن الليبيين ينبغي لهم أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم دون تدخل أجنبي” بل وتوبخ بعض المبادرات بالقول أن مجلس الأمن “يرفض المواعيد النهائية غير الصحيحة التي ليس من شأنها سوى تقويض العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة”، في إشارة منه للمبادرة الفرنسية. كل هذا مع حرصها على الإشارة في قرارات مجلس الأمن على أن الأمم المتحدة تضطلع “بدور مركزي”.
  2. إن الاتفاق السياسي في انسلاخه عن المسار الوطني ورمي ثقل مجلس الأمن والمجتمع الدولي وراء هيئة غير منتخبة من تشكيل الاتفاق ذاته، والتباين في تعامله مع بقية المؤسسات، أدى إلى تعميق الانقسام، بل الغريب أن يتحول المجلس الرئاسي ذاته إلى مجلس منقسم وغير فعال، ليكون تعامل مجلس الأمن في اختزاله في شخص رئيسه بنفس النسق في اختزال مؤسسات الاتفاق في حكومة الوفاق الوطني. وبدلا من إدخال إصلاحات حقيقية على المؤسسات الأخرى تمكن من تنفيذ الاتفاق كالضغط بإتجاه عودة المقاطعين إلى مجلس النواب وتغيير مقره وإجراء انتخابات على رئاسته، أو تعديل تركيب مجلس الدولة وفقا للاتفاق السياسي وليس كما حدث اثناء تشكيله، أو العمل على تفعيل آليات العمل ما بين المجالس الثلاث المثقلة بالأعضاء المشلولة جميعها عن العمل، فإن مجلس الأمن وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا فضلا أقصر الطرق بإختزال هذه المجالس في رؤوسائها. وكأن تنفيذ الاتفاقيات المعقدة كالإتفاق السياسي في ظروف صعبة وعوامل تدخل خارجية ووجود عمليات إرهابية في البلاد ونزاعات داخلية مسلحة ومختنقات اقتصادية وهجرة غير شرعية يفترض أن يكون بين ليلة وضحاها. إن الخبرة الدولية ومحكها لا يكون في رسم خرائط الاتفاق وإنما في تطبيقها وجعلها قابلة للحياة وإلا فإن المهنية والشفافية ومبادئ الحوكمة تستدعي الإعلان عن فشلها، وتحمل المسؤولية إزائها.
  3. أنه بعد ثلاث سنوات من الاتفاق السياسي، تبين أنه لم يوحد المؤسسات التنفيذية ولم يمنع من وقوع نزاعات مسلحة ولم يحقق مصالحة وطنية لا على صعيد مؤسساته ولا على الصعيد المحلي. كما تبين أنه لم يلق إحتراما لا من مؤسسات الاتفاق التي ناقضته، ولا من المجتمع الدولي ذاته بتقديم المبادرات الأجنبية التي تجاوزته، ولا من مجلس الأمن ذاته الذي بهدف فرضه قام بتطويع نصوصه لأهداف سياسية وحسب التطورات المتوالية على أرض الواقع.
  4. لم يلتفت مجلس الأمن ولا البعثة الأممية لما ترتب على تغليب المسار الدولي دون التوازي مع المسار الوطني من إشكاليات أمام القضاء الليبي. فالاتفاقات التي لا تضمها تشريعات لا تكون جزءا من المنظومة التشريعية الوطنية. لذا أصدر القضاء الليبي أحكاما بإلغاء وبطلان قرارات صدرت عن السلطة التنفيذية وتأزم العمل التنفيذي الداخلي على مستوى الإدارات السيادية والوسطى وغيرها مما انعكس على حياة المواطن سلبا وعلى دواليب العمل في الدولة.
  5. إن قرارات مجلس الأمن مهما كثرت وتعاظمت فإنها بحاجة لحاضنة وطنية تتمثل في قاعدة دستورية و رزمة من التشريعات التي تعطيها حياة وتجعلها قابلة للتنفيذ. أما الإستمرار في تجاهل المسار الوطني وكل ذلك الزخم في عملية التحول الديمقراطي الذي عرفته ليبيا من 2011-2014 وإهماله وإضعافه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفشل.

ثالثا التوصيات:

أولا/ الخشية هو أن يتحول المؤتمر الوطني الجامع إلى مؤتمر صخيرات جديد. وأن يقدم خطة لمرحلة انتقالية جديدة قادمة دون امكانية تنفيذها. إنه ومهما استفرد المجتمع الدولي بالمسار الليبي اليوم، ومهما تنامى واستحوذ على خارطته، فإن نموه لن يكون إلا رأسيا، ولن يحقق مبتغاه إلا بأدوات وطنية. وبدون ربط المسارين ( الوطني والدولي) معا لكي يكون للخطة الدولية بعدا افقيا هو “التنفيذ” وليس رأسيا فحسب وهو ” رسم الخطة”، فإن عمل البعثة وخطط مجلس الأمن لن ينجحا في ليبيا.

لذا فإننا نقترح ما يلي:

  1. عدم التركيز على الشق السياسي دون أن تواكبه عوامل أخرى تتداخل في صلبه وأخص بالذكر: العامل الأمني واحتكار مؤسسات الدولة للسلاح والتعامل مع التشكيلات الأمنية/ المصالحة الوطنية وبناء الثقة/ العامل الاقتصادي والمالي/ مكافحة الفساد. إن خطأ الاتفاق السياسي عند تنفيذه هو التركيز على السلطة التنفيذية ودعمها دون غيرها.
  2. إجراء اصلاحات حقيقية على السلطات التي سيؤكد عليها المؤتمر الوطني الجامع وخلق آليات ممكنة وواضحة للتنسيق والعمل فيما بينها. فأيا كانت أهمية الوثيقة التي ستصدر فإنها لن تكون ذات قيمة إذا كانت أدوات تنفيذها ضعيفة أو غير ديمقراطية أو يشوبها الفساد. فصلاح الوثيقة في صلاح أدوات تنفيذها.
  3. حصر اختصاصات المجالس التي ستدير العملية الانتقالية المقبلة من حيث الإختصاص والعدد. ذلك أن مهمتها ستكون التمهيد لانتخابات مقبلة وإصدار التشريعات اللازمة لذلك وإدارة الدولة بالحفاظ على وحدتها وتماسكها دون انهيار. ولما كانت المجالس جميعها قد تجاوزت مدة ولايتها فإنه يجب أن يغل يدها عن تجاوز هذه المهمة المحددة لها، وأن تتحول السلطة التنفيذية إلى حكومة تسيير أعمال ويمنع عليها الدخول في أية اتفاقيات دولية أو تكبيل البلاد بأية التزامات وضبط اختصاصها بشكل محكم لحين انتخاب رئيس للبلاد.
  4. النص على تخفيض مرتبات أعضاء المجالس جميعها والغاء العلاوات والمكافآت والمزايا خاصة لمحدودية الصلاحيات.
  5. وضع آلية للمحاسبة ومكافحة الفساد، واعتماد مبدأ الشفافية والمراقبة الشعبية وحق الحصول على المعلومة، واستخدام أدوات الاتصال الحديثة والتكنولوجيا لهذا الغرض.

ثانيا/ إن المؤتمر الوطني الجامع اليوم يشكل تحديا لليبيين على أنفسهم واستعادة مسارهم الوطني وتنظيم صفوفهم أمام المجتمع الدولي الذي هو ذاته يتخبط ما بين خطط الأمم المتحدة والمبادرات الأجنبية المتفرقة، كما أنه في ذات الوقت يشكل تحديا للأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا والتي بسبب فشل الاتفاق السياسي ضعف دورها، مما أدى إلى ظهور محاولات لتجاوزها من عدة عواصم أجنبية الأمر الذي أضعف دورها وشتت جهدها وأنهكها. لذا فإن عليها وهي تستعيد دورها من خلال المؤتمر الوطني الجامع أن تقوي علاقتها بالليبيين وأن لا تركز فقط على شركائها من المجتمع الدولي، وأن تصطف أحيانا مع الليبيين في مواجهة التدخلات الدولية وليس العكس.

رابعا/ من المهم والمؤتمر الوطني الجامع بصدد إعداد وثيقة جديدة لمرحلة/ مراحل إنتقالية مقبلة أن يتم وضع الاتفاق السياسي (الصخيرات) في حجمه الحقيقي دون الإكتفاء بترديد أنه “الإطار الوحيد الصالح لإنهاء الأزمة السياسية”، وما هو بوحيد ولا بصالح. فكثرة الوثائق تزعزع مسارات التوافق وتُضعفها. وعلى المؤتمر الوطني الجامع أن يضع  الاتفاق السياسي في مكانته الحقيقية وأن يفكر حتى في استبداله – إن استدعى الأمر- بوثيقة أخرى تأخذ منه ما يصلح لها. إن العمل القانوني المهني يستتبع الحرص على عدم كثرة الوثائق التي ستحكم الفترات الانتقالية المقبلة وتجميعها في وثيقة واحدة، خاصة إذا كان هناك إتجاه لقولبتها في تشريع وطني لاحقا.

 إن ما يخشاه الليبيون اليوم هو الدخول في نفق المراحل الانتقالية بتدوير ذات  النصوص والتفصيل “للحالة الليبية” وعدم الخضوع للقواعد العامة في أنظمة الحكم، و تدوير ذات الأشخاص بمباركة دولية رغم ضعف أدائهم وأدواتهم وخبراتهم. إن التعويل اليوم يجب أن يكون على إحكام النصوص بما يجعلها قابلة للتطبيق وتحديد الصلاحيات والإختصاصات وخلق الآليات اللازمة للعمل وتنفيذ الاتفاق، بعيدا عن الترضية واقتسام السلطة.  إن المراحل الانتقالية عادة ما تكون هشة و تحتاج لعمل مضن ومضاعف ومتواصل وإن إخفاقاتها وخذلان المواطن وافقاره تكون ذات عواقب وخيمة خاصة وأن التدخلات الأجنبية قد تمكنت من هذا الجسد الوهن، لذا يجب عدم التوسع في الأحلام على الورق بل في ضبط العبارات وتوفير الضمانات لتطبيق أحكامها وجعلها قابلة للحياة وطوق نجاة للوطن.

وفق الله الجميع

عزة كامل المقهور

الثالث من أبريل 2019

 

 

 

 

Shares