ليبيا – لم تحمل الإشتباكات الجارية في طرابلس ومحيطها كما يقال عن الحروب المآسي فقط ، بل حملت أيضاً مفاجآت وتناقضات غريبة لعل أبرزها تصدر مطلوبين للنائب العام ولوزارة الداخلية مشهد القتال للدفاع عن ما يقولون بأنها أهداف ” ثورة فبراير ” لإقامة الدولة المدنية وما إلى ذلك من الأهداف النبيلة والمعاني السامية التي يمتطونها ويقتاتون عليها منذ ثمان سنوات .
هم شخوص يطرح ظهورهم في هذه المعارك علامات إستفهام عن قرابة 15 مليار دولار أنفقتها حكومة الوفاق لوحدها على وزارتي الداخلية والدفاع طيلة ثلاثة سنوات لتفاجئ أنصارها قبل معارضيها في نهاية المطاف بتصدر المهربين والمطلوبين للعدالة المحلية والدولية لما يسميها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج في قرارته بالقوات المسلحة وقد نصب نفسه قائداً عليها بالمخالفة للإتفاق السياسي الذي ينص وبوضوح على أن المجلس مجتمعاً هو صاحب هذه الصفة ، كما يعكس ظهورهم إستهتاراً واضحاً ليس بالعدالة فقط بل بقائدهم وحكومتهم نفسها ، يقول معارضون.
البداية كانت اليوم عندما ظهر المطلوب لمكتب النائب العام والمدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي وفرنسا على خلفية تهم تتعلق بالاتجار بالبشر وهو عبدالرحمن الميلادي المشهور بـ”البيدجا” صباح الاثنين مع مسلحين من سرايا الفاروق وبقايا غرفة عمليات ثوار ليبيا بقيادة المطلوب الآخر شعبان هدية المكني بـ”أبو عبيدة الزاوي” وهم يقاتلون في صف قوات الرئاسي بالقرب من مطار طرابلس العالمي .
الميلادي وهو فار من صبراتة ظهر في صورة تداولتها صفحات داعمة لمسلحي المجلس الرئاسي مع مجموعة مسلحة أمام مدرعة للمجلس العسكري الزاوية قرب مطار طرابلس متحدياً والجهات العسكرية التابع لها وبشكل واضح قرارات مجلس الأمن الدولي وأوامر القبض والإحضار الصادرة عن النائب العام الليبي .
هذا وقد أصدر مجلس الامن الدولي يوم 7 يونيو 2018 قراراً بشأن فرض عقوبات على 4 ليبيين و2 من دولة ارثريا متورطين في الاتجار بالبشر ونقل المهاجرين غير الشرعيين من افريقيا الى اوروبا والولايات المتحدة عبر ليبيا.
القرار الذي اطلعت عليه وترجمته صحيفة المرصد حينها كشف على اسماء هؤلاء المهربين الليبيين وهم رفيقه المقرب جداً أحمد الدباشي الملقب بـ”العمو” من مدينة صبراتة والذي كان مسؤولاً عن اكبر مركز لايواء المهاجرين غرب ليبيا بتكليف من حكومة الوفاق قبل أن تقيله بعد العمليات العسكرية التى دارت في المدينة بقيادة غرفة عمليات محاربة داعش في صبراتة ضد مسلحي العمو.
كما تضمن القرار اسم المهرب مصعب بوقرين والذي كان مسرح عملياته لتهريب البشر بين صبراتة والزاوية والقره بوللي وهو يقف وراء أسوأ حادث غرق للمهاجرين مسجل لدى الامم المتحدة والذي راح ضحيته اكثر من 200 مهاجر .
وفرضت الامم المتحدة في قرارها ايضاً عقوبات على محمد كشلاف المشهور بـ”القصب” وهو آمر لسرية النصر المسؤولة عن تأمين مصفاة الزاوية وهو متورط ايضاً في العديد من عمليات تهريب الوقود الى تونس وايطاليا .
وفي حينها قالت صحيفة ” الإندبندنت ” بأن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بحكومة الوفاق في مناطق صبراتة والزاوية هم ذاتهم المهربون وهم ذاتهم من يبتز المهاجرين وهم أيضاً مهربو الوقود ، لكن وزارة الخارجية دائماً ما تنفي هذه الإتهامات حتى أكدها لاحقاً مجلس الأمن الدولي .
وجاء آخر الليبيين في قائمة العقوبات الاممية عبدالرحمن الميلادي الملقب بـ”البيدجا” الذي يعمل كأحد قادة حرس السواحل الليبي التابع لحكومة الوفاق في مدينة الزاوية .
كما شار إلى أن العقوبات في القرار الاممي تشمل تجميد أصول المذكورين اعلاه وحظر سفر والملاحقة القانونية وتأتي عقب شهرين من عقوبات مماثلة فرضتها الخزانة الامريكية على عدة متورطين فى تهريب الوقود منهم المعتقل لدى قوة الردع فهمي بن خليفة وآخرين منهم مواطنين من مالطا .
أما المطلوب الآخر الذي ظهر اليوم أيضاً على شاشة ليبيا لكل الأحرار يتفوه بألفاظ نابية على الهواء في مراسلة ميدانية من طرابلس فيما بدا وكأنه تحت تأثير المخدرات ، فهو علي شلادي الملقب بـ ” الباروجي ” وهو أحد خريجي سجون الدولة من الفارين سنة 2011 عندما تم إعتقاله سنة 2009 بتهمة تهريب السلع التموينية إلى تونس وحُكم عليها بالسجن لمدة ثلاثة سنوات لم تنتهي محكوميتها .
https://youtu.be/SxKDWHT5n7g
وظهر شلادي في التسجيل وهو يتوعد قوات الجيش وقياداتها بالوصول إلى الرجمة في وقت كان قد أعلن فيه جهاز المباحث – فرع الغربية التابع لوزارة الداخلية قبل أسابيع بأن هذا الشخص مطلوب القبض عليه وبعلم وزارة الداخلية في طرابلس التي يقاتل تحت رايتها الآن وذلك لإتهامه بتهريب الزيوت والوقود ومشتقاته من خلال إرتباطه الوثيق بالمطلوب الدولي عبدالرحمن الميلادي الملقب بالبيدجا والمطلوب الآخر المكنى ” القصب ” وهما من المجموعة المسيطرة على مصفاة الزاوية .
غني عن التعريف وخاصة بعد إنتشار صورته الشهيرة خلال مشاركته في إشتباكات طرابلس شهر سبتمبر الماضي ضد اللواء السابع ، وهو المطلوب المفتش عنه للمباحث والمبلغ ضده لمكتب النائب العام فراس السلوقي الملقب بـ ” الوحشيى ” وقد ظهر أيضاً في ذات الصورة رفقة الميلادي .
ويتهم السلوقي بإرتكاب ثمان جرائم قتل في مدينة الزاوية كان آخرها قبل عدة أسابيع عندما أقدم على قتل شخص يتهم بتصفية بشقيقه المسمى فادي شهر أكتوبر الماضي عقب الإفراج عنه من سجن قوة الردع الخاصة لإتهامه بالإنتساب لتنظيم محظور قبل أن تنتهي قضيته بوساطة إجتماعية .
كما يتهم المجلس الإجتماعي ورشفانة فراس السلوقي بحرق عشرات المنازل في المنطقة خلال حرب فجر ليبيا ما بين 2014 و 2015 وسيطرة مجموعته على معسكر 27 وتوعده حينها بنقل المعركة من الساحل إلى مدينة الزنتان وقد تقدم المجلس بدعوى قضائية ضده إلى السلطات في طرابلس لكن المجموعات المسلحة المتحالفة معه هناك تحول دون تنفيذ أوامر القبض عليه .
وإرتبط السلوقي في مرحلة من المراحل بعلاقة وثيقة مع المليشيا المسماة ” غرفة عمليات ثوار ليبيا ” بقيادة المطلوب للنائب العام شعبان هدية المكنى ” أبوعبيدة الزاوي ، وقد كان بمثابة سائقه الخاص بعد مقتل سائق الأخير صهيب الرماح في حادثة تحطم طائرة قبالة سواحل الماية سنة 2016 ، ومن كل ما سبق يتضح بأن عصابة تهريب وجريمة منظمة عابرة للحدود تنال الشرعية والغطاء من حكومة الوفاق فيما لا تستطيع الحكومة إنفاذ قرارات القبض الصادرة بحق هذه العصابة من قبل أجهزتها الضبطية والقضائية !.
وكان صديقاً مقرباً من شخص لقي حتفه في إشتباك بين المجموعات المسلحة في الزاوية يدعى إسلام جموم ظهر في لقطات سنة 2015 وهو يحمل راية تنظيم داعش في صبراتة .
هو القائد الميداني لـ” ثوار مسلاتة ” ويعد من أبرز داعمي ما يسمى ” مجلس شورى ثوار بنغازي ” في تلك المنطقة ولكن الأهم هو أن البحري مفتش عنه من قبل قوة مكافحة الجريمة في مصراتة بتهمة التعاون مع تنظيم القاعدة في المنطقة الغربية وإمداده وتوفير ملاذات لعناصره وفقاً لما ورد في إعترافات موقوفين من مجالس الشورى ، حتى أنه شارك أمس في القتال ولكن من ناحية منطقة وادي الربيع لتخوفه من إلقاء القبض عليه في حال دخل إلى طرابلس .
خلال سنة 2014 أعلن البحري ورفاقه عن تأسيس ” مجلس شورى ثوار مسلاتة ” لكن محاولتهم بائت بالفشل لعدم وجود قاعدة شعبية حاضنة بالمدينة رغم مشاركتهم في صفوف عملية ” فجر ليبيا ” ، يوم السبت إلتحق البحري بمعسكر ” رحبة الدروع ” في تاجوراء الذي يشغله المطلوب الآخر بشير خلف الله المكنى ” البقرة ” ويوم أمس لقي حتفه خلال المواجهة بمنطقة الربيع عن عمر ناهز 46 عاماً .
هو الفار من مدينة بنغازي مسعود العقوري الملقب بـ ” مسعود مزارع ” المطلوب للقضاء العسكري في المدينة لإتهامه في قضايا تتعلق بتنفيذ إغتيالات طالت بحسب محاضر الإستدلال 8 عسكريين جميعهم من القوات الخاصة الصاعقة والمظلات وذلك قبل إنطلاق عملية الكرامة.
و كان العقوري من العناصر الفاعلة في كتيبة ” شهداء ليبيا الحرة ” المنحلة بقيادة وسام بن حميد الذي بايع تنظيم داعش على القتال وفقاً لما أكده القيادي بجماعة الإخوان المسلمين الليبية عبدالرزاق العرادي عقب إعلان مقتل بن حميد وفرار المعني إلى تركيا وإنقطاع أخباره قبل أن يظهر يوم أمس في بث مباشر من خلال صفحته الشخصية على فيسبوك مؤكداً إلتحاقه بجبهة القتال مع قوة حماية طرابلس في خلة الفرجان كما نشر صورة له وهو يمتشق سلاحه .
ويتهم القضاء العسكري العقوري أيضاً في عده قضايا قتل وكذلك في قضية إختطاف العقيد ” عوض العبيدي ” التابع لجهاز المخابرات الليبية من منطقة القوارشة في بنغازي سنة 2013 كما ورد إسمه في قضية إغتيال ضابط منظومة الرقم الوطني حاتم العريبي بالعام 2014 ،وإغتيال مدير مصرف التجاري الوطني عمر حسين التكبالي في العام الذي سبقه .
ومن جهته دعا زوبية ” الثوار ” إلى محاصرة السراج برغباتهم بدل أن يفرض عليهم تعليماته وكشف بأن بعض المعارضين للوفاق باتوا الآن يأخذون التعليمات من السراج في إطار ما يشبه خدعة للحصول على الإعتراف والغطاء الدولي حتى لا يتم إعتبارهم كإرهابيين .
https://youtu.be/XxNlBbdv1Zs
وفي الأثناء بدا وكأن جل القيادات الإسلامية المتشددة الرافضة للمجلس الرئاسي بما في ذلك المسؤول الشرعي للجماعة الليبية المقاتلة سامي الساعدي قد إستغلت الموقف وباتت عناصرها تتسلل مجدداً إلى طرابلس بعد أن طُردت منها ما بين 2016 -2017 بينما غادر جل القيادات إلى إسطنبول ومن بين هؤلاء القيادي المتطرف طارق درمان آمر كتيبة الإحسان المطرودة من غابة النصر وسجن الهضبة وقد سُجلت مشاركته أيضاً يوم أمس في تاجوراء من محور البقرة .
https://youtu.be/_lFeIBxMidE
ويقول الساعدي وزوبية ومحمود عبدالعزيز ونوري أبوسهمين والصادق الغرياني وغيرهم بأن لاوقت للخلافات مع الرئاسي بدعوى توحيد الصفوف حتى بلغ بـ أبوسهمين الإعتراف من خلال شاشة التناصح بالسراج كقائد أعلى للجيش الليبي وهي الصفة التي لطالما كان يصفه بإنتحالها فيما ذهب المرشح لرئاسة الوزراء عبدالباسط قطيط المحسوب على الغرياني ومجلس شورى ثوار بنغازي بصراحته إلى أبعد من ذلك من خلال دعوته لـ ” طرد مليشيات طرابلس ” من المعركة وأن يتصدرها من أسماهم ” الثوار الحقيقيين ” ألا وهم خصوم ” الثوار غير الحقيقيين ” حتى قبل أسابيع قليلة .
وفي الأثناء وبعد إعلان السراج النفير ولضعف رئاسة الاركان لديه ، يبدوا بأن باب طرابلس قد فُتح لكل من هب ودب وهو ما دفع بالأمريكيين للمغادرة مخافة الفوضى وتسلل جماعات إرهابية قد تستهدفهم ، فهل سيبقى مثلاً سجن الردع في مأمن وهو الذي يضم حوالي 1000 إرهابي بات قداتهم يقتربون منهم مجدداً والأهم هل سيجد السراج مخرجاً لنفسه بعد كل هذا أم سيكتشف بأنه قام بتكبيل نفسه و ” قواته المقربة ” بسلاسل خصومه الإسلاميين المتشددين أعداء الأمس أصدقاء اليوم ؟! .
المرصد – خاص