طي قضية فساد.. هل تستقيم إعادة الإعمار في سوريا؟

سوريا – تواجه الحكومة السورية في مرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب، تحديات وتساؤلات عدة حول محاربة الفساد الذي استشرى أكثر خلال سنوات الحرب رغم وجود أجهزة الرقابة في كل إدارة.

تتعدد الجهات الرقابية في سوريا، ولا تخلو مؤسسة من وجود مديرية للرقابة الداخلية، إضافة إلى الجهة الرقابية الأعلى المتمثلة بالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وهي المختصة بمتابعة أي حالة خرق للقانون في الجهات الحكومية المختلفة، ولهذا بقيت على الدوام تحظى بنوع من الاستقلالية.

وسواء في الرقابة الداخلية أو الرقابة المركزية، فقد تم التحقيق في قضايا عدة خلال السنوات الماضية، وساهمت بعض تلك التحقيقات في استعادة أموال عامة، إلا أن حالات أخرى كانت تواجه عقبات من نوع آخر، بدت تتركز فيما تم تداوله مؤخراً عن أن ثمة حالات يحدث فيها العكس: إذ يُعاقب المفتش أحياناً، وتُطوى القضية التي كان يحقق فيها، ليصير هو القضية.

ثمة حالتان تم تداول الحديث عنهما مؤخراً، إحداهما تتعلق بموظفة مراقبة داخلية في فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية في طرطوس، والأخرى تتعلق بمفتشة في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

النقاط المشتركة في الحالتين هو أن المفتشة ذاتها تصبح هي القضية، وليس الوقائع التي حققت فيها، بعد مضايقات تصل حد النقل إلى مؤسسة تتبع وزارة أخرى.

تقول موظفة المراقبة الداخلية إن كثيرا من القضايا التي حققت فيها لم تجد طريقها إلى التنفيذ، (بدليل أنها لم تبلغ بنتيجة تنفيذ الحكم)، وخاصة في السنوات الأخيرة من عملها، إذ كانت التقارير تبقى حبيسة الأدراج، ما دفعها إلى طلب إنهاء تكليفها من مهمة الرقابة الداخلية، وهو ما تمت الاستجابة له.

بدأت تنشر بعض الوثائق على صفحتها الشخصية، ومعظمها لا يحمل طابع السرية، (كبعض كشوف فواتير الجولات الوزارية، وتُقدر بمئات الآلاف التي أنفقت من المال العام في يوم واحد، سواء على الإقامة أو على طاولة غداء)، عندها ازدادت الضغوط التي وصلت إلى نقلها خارج المؤسسة (إلى مجبل للزفت) بقرار تقول إنه مخالف للقانون، وهي النقطة التي لم تقدم مؤسسة الطرق ما يؤكد عدم صحتها، أي ما يؤكد أن قرار النقل كان قانونياً فعلا.

بطريقة مشابهة وجدت المفتشة نفسها تواجه قراراً مذيلاً بتوقيع رئيس مجلس الوزراء يقضي بنقلها من “الرقابة والتفتيش” إلى وزارة التربية.

ويستند قرار رئاسة الوزارء إلى ما أقره المجلس الأعلى للهيئة في 6 من الشهر الماضي، الذي ذكر أنها  “غير ملائمه للعمل التفتيشي” دون أن يذكر أسباب ذلك، وما الذي يجعلها غير مؤهلة لعمل قضت فيه أكثر من 15 عاما!

هكذا صارت المفتشتان في موقع من يدافع عن نفسه أمام قرار نقل يجدان أنه نوع من العقوبة، بدل أن تتابعا التحقيق أو أن تجد تحقيقاتهما طريقها القانوني المفترض.

ولأن معظم تفاصيل القضية صارت أمام القضاء، نذكر هنا تلك النقاط التي ليست موضوعا لأي دعوى قضائية:

يجب على أي جهة أن تُعلم المفتش أو المراقب الداخلي بالنتيجة التي وصل إليها القضاء المختص حول القضية التي حقق بها، (سواء لجهة تأييد ما جاء فيها أم نفيه)، وهو ما لم يحدث بالنسبة للمراقبة وسام، التي ذكرت أنها تقدمت بطلب الإعفاء بعد شعورها بعدم الجدوى، من عمل تقوم به ويوضع في الأدراج، ورغم أن مدير فرع المؤسسة محمد يوسف، يقول إنه تمت معالجة جميع القضايا التي حققت فيها المراقبة، وهو أيضاً ما قاله المدير الإداري والقانوني في المؤسسة العامة للمراصلات الطرقية، جعفر عباس، إلا أن الوثيقة التي أطلعنا عليها (وتخص إحدى أهم القضايا المثارة في التحقيقات) كانت مؤرخة في 2018، أي بعد طلب الإعفاء بنحو سنة، وبعد التقرير الرقابي بنحو 3 أعوام.

أما بالنسبة للبعثة التفتيشية التي كلفت بها فقد أكد مصدر لـ RT أنه تم إلغاؤها، وبالتالي وقف التحقيقات في قضية تهريب “يفوت بسببها أموال طائلة على خزينة الدولة” حسب ما يرد في وثيقة تشكيل بعثة التحقيق.

وكان إلغاء البعثة من أصلها، إجراء جاء بعد أن صدر قرار بطي اسم الموضفة المعنية منها.

والآن؟ كل التفاصيل الأخرى ينظر فيها القضاء. هكذا يكون الرد على أي سؤال، لهذا لم ندخل في تلك التفاصيل.

لكن تجدر الإشارة إلى تلك الحالة الغريبة، فيما يخص “قضية” موظفة الرقابة والتفتيش، إذ صارت القضية بين ممثلي ثلاث جهات يحمل كل منهم لقب “قاض”: النقض، والتفتيش، والمفتشة، ويبدو أن المحاكمة تقف في منطقة يصف فيها أن تتحرك، إذ مازالت إحدى أعلى جهات القضاء في سوريا: محكمة النقض، تنتظر أن ترسل لها “الرقابة والتفتيش” ملف المفتشة، كي تمضي قدماً في التحقيق، وهو ما لم يحدث، وحتى الآن لا يبدو أن “النقض” قادرة على إلزامها بذلك، بسبب الحصانة.

هكذا يصبح وضع المفتشة معلقاً، بينما القضية التي أوصلتها إلى هذه الحالة، والتي تقدر بالمليارات، فقد طويت بقرار لم يحتج إلى أي إجراء: لا محاكمة، ولا قضاء، ولا حصانة.

والمفتشة الآن لا تطالب إلا بعدم عرقلة إجراءات التقاضي.

المصدر : RT

Shares