المجبري: نظرة العالم تغيرت تجاه السراج عقب إنكشاف دعاويه المزيفة بالدفاع عن مدنية الدولة

ليبيا – كشف عضو المجلس الرئاسي فتحي المجبري عن وجود علاقة تربط رئيس المجلس فائز السراج بالميليشيات والجماعات الإرهابية المتواجدة بالعاصمة طرابلس.

المجبري أكد في حوار مع صحيفة “الوطن” المصرية اليوم الخميس أن رغبة السراج في البقاء بالسلطة هي التي جعلته يفقد البوصلة بالكامل ويرتمي في أحضان الإسلاميين وخسران مساندة كل الأعضاء الذين لهم خط أو تيار وطني.

وأشار عضو المجلس الرئاسي إلى أن السراج ذهب إلى قطر وتركيا ليحصل منهما على تطمينات بالمساندة ولذلك نكث ما تعهّد به في أبوظبي.

وأوضح المجبري أن تغير وجهة نظر العالم تجاه السراج تأتي بعد إنكشاف الدعاوى المزيفة بأنه مدافع عن مدنية الدولة وغيرها بظهور عناصر إرهابية ومطلوبة من داعش والقاعدة وغيرهما تقاتل فى صفوف حكومة الوفاق واستخدام المال العام الليبي لترضيتهم،منوّهاً إلى أن نشاط داعش الذى ترافق مع عمليات الجيش أعطى صورة واضحة للجميع بأنه لا يمكن الدفاع عن المعسكر الذى فيه السراج ولا يمثل أي مصلحة لا إقليمية ولا وطنية ولا دولية فى ليبيا.

إلى نص الحوار:

س/ أنت ممن يرون أن فايز السراج استأجر مرتزقة لقتال الجيش الليبى فى عملية «طرابلس»، ما أدلتك على ذلك؟

ج/  الأدلة واضحة ومتوافرة لدى الجميع، فى الأيام الماضية استطاع الجيش الوطنى الليبى إسقاط طائرة من الطائرات التى انطلقت من قاعدة مصراتة،واتضح فى الاستجواب الأول أن قائد هذه الطائرة شخص برتغالي استُدعى خصيصاً لذلك، ولاحقاً ظهرت مجموعة وثائق توضح حجم المنافع التى كان يحصل عليها، وهناك شخصيات من جنسيات أخرى كانت تقوم بطلعات جوية أو أعمال مساندة لهذه الطلعات.

س/ هل هذا يرتبط بمسألة القبض على تركيين يقاتلان إلى جانب الميليشيات؟

ج/ تجرية الجيش الوطني الليبي فى مكافحة الإرهاب أثبتت باستمرار أن المعركة ضد الإرهاب فى ليبيا هى جزء من المعركة ضد الإرهاب فى العالم، والمقاتلون الأجانب شكلوا مكوناً أساسياً لتنظيمات مثل داعش والقاعدة وغيرهما وبالتالى غير مستغرب أن يكون هناك أتراك يقاتلون فى ليبيا وفى فترة معينة كان هناك أشخاص من سوريا وتونس والسودان والصومال جاءوا إلى ليبيا في إطار محاربة الجيش الوطني الليبي، والقتال إلى جانب المنظمات الإرهابية.

س/ على ذكر المقاتلين الأجانب، فى الفترة الماضية كان الحشد الأكبر لهم فى سوريا، لكنهم هُزموا، هل انعكس ذلك على الوضع فى ليبيا؟

ج/ أعتقد أن استخدام ليبيا كقاعدة توزيع أو انطلاق للعمليات الإرهابية ليس جديداً، حتى فى نهايات عام 2011 و2012 وغيرها، كانت قد استخدمت بنغازى وأيضاً طرابلس فى عمليات نقل المقاتلين من ليبيا إلى تركيا ومنها إلى سوريا والعراق، وبالنظر إلى حجم سيطرتهم على ليبيا فى ذلك الوقت كانت تستخدم أي القاعدة فى عملية التدريب والأسلحة والحصول على أموال، لاحقاً بعد عملية الكرامة وبداية عمليات الجيش الوطني وبناء الجيش الوطني الليبي لمكافحة الإرهاب حرموا من هذه الميزة، وهى استخدام ليبيا كقاعدة خلفية للعمليات الإرهابية، وأصبحوا الآن يقاتلون من أجل المحافظة على ما تبقى لهم فى ليبيا، فقد اندحروا بالطبع فى بنغازى وفى درنة وفى الجنوب الليبي، ولم يتبق لهم إلا عشرات الكيلومترات فى طرابلس وما حولها وفى مصراتة.

س/ وهل هذا سبب قتال هذه المجموعات المتطرفة فى طرابلس باستماتة؟

– بالتأكيد، وكما أقول دائماً النظر إلى المعركة فى ليبيا ضد الإرهاب لا يمكن فهمها بدون النظر إلى المعركة مع الإرهاب فى كامل منطقتنا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمنطقة العربية، مشروع قوى الإرهاب والتطرف الإسلامى ربما وصل ذروته فى عامي 2012 و2013، ثم بدأ بعد ذلك يتراجع، وأولى نقاط التحول فى الصراع مع الإرهاب حدثت فى مصر، بعملية التصحيح التى قادها الرئيس عبدالفتاح السيسى وأنهت وجودهم بشكل رسمى فى مصر، وبعد ذلك بدأت العمليات فى ليبيا، والآن هم محاصرون فى جزء بسيط جداً، ومشروعهم فى السودان وسوريا يندحر. قوى الإرهاب والتطرف تشهد اليوم آخر أيامها فى المنطقة بالكامل وليس فقط فى ليبيا، لذلك نرى أنهم يستميتون لأن معركة إخراجهم من طرابلس ومن مصراتة هي معركة استخراجهم من شمال أفريقيا بالكامل، وهم يعرفون أن هذه ضربة قاصمة لهم ولمشروعهم، ولذلك طبيعي جداً أنهم يستميتون فى القتال عن طرابلس، لكن لا أعتقد أنه لا مصير آخر لهم غير الهزيمة.

س/ السراج تحصن بالميليشيات كما تقولون وبمجموعات الإرهاب والإسلام السياسى، ألم يكن ذلك واضحاً بالنسبة لك عندما تم تشكيل المجلس الرئاسى؟

ج/ المجلس الرئاسي عندما شُكل أريد منه أن يكون محصلة لمجموعة القوى السياسية المختلفة الموجودة فى ليبيا فى لحظتها، وجاء بعد مفاوضات ومشاورات الصخيرات، انتماء فايز السراج لدى الجماعات الإرهابية وتحالفه مع قوى الإسلام السياسي لم يكن بداية عمل المجلس، بالعكس السنة الأولى من عمل المجلس كان الأداء متوازناً إلى حد بعيد، وكان لدينا مشاركة فعالة فى صناعة القرارات والتوجيهات فى المجلس الرئاسى.

س/ إذاً ما الذى تغير لديه؟

ج/  لاحقاً بدأ السراج الانحراف بممارسة السلطة، انحرف بها من أجل تحقيق مصالح ومنافع مادية فى معظمها للمجموعة المحيطة به، ولكن ظل أيضاً محافظاً على توازنه فيما يتعلق بالعلاقات مع الأطراف الإسلاموية أو الإسلام السياسى بشكل عام، ولكن رغبته فى البقاء فى السلطة وتكريس وجوده فى السلطة وتعظيم المنافع هى التى جعلته يفقد البوصلة بالكامل ويرتمى فى أحضان الإسلاميين وخسر مساندة كل الأعضاء الذين لهم خط أو تيار وطنى، رغبته فى السلطة وحبه للسلطة هذا هو الخلل الأساسى الذى جعلنا ندخل فى خصومة ضد ما يقوم به أو مقاومة له، بدأ ينحرف بهدف حكومة الوفاق، أصبح بقاؤه فى السلطة المثل المهيمن عليه بدرجة أساسية، فى حين أن هدف حكومة الوفاق كان إنهاء المرحلة الانتقالية وتمهد إلى انتخابات تؤدى إلى استقرار البلاد، وانحرافه هذا استمر إلى أن وقع بالكامل فى أيدى الجماعات المتطرفة وأصبح متحالفاً معها.

س/ ماذا عن خريطة القوى المناوئة للجيش الليبى فى طرابلس؟

ج/ الوضع معقد قليلاً فى العاصمة، هناك تشكيلات مسلحة وما نسميه بشكل عام ميليشيات ذات أيديولوجية إسلامية، بل إنصافاً لهم وللتاريخ فى سنة 2017 هناك فصائل أخرجوا التشكيلات المتطرفة فى طرابلس والجماعة المقاتلة وحصروا نفوذها تقريباً فى منطقة تاجوراء، وكان لهم أكثر من واقعة تواجهوا معها، الخلل لديهم هو أن  فايز السراج استخدمهم فى البقاء فى السلطة ووجدوا أنفسهم فى نهاية الأمر فى سلة واحدة مع القوى المتطرفة والإرهابية، وأنا أتوقع أن منهم من ستكون لديهم صحوة وأن ينتبهوا إلى أن من قاموا بإخراجهم بقوة السلاح وخسروا فى ذلك الدماء الذكية عادوا الآن إلى طرابلس بفعل سياسات فايز السراج، أتوقع منهم أن ينتبهوا إلى ذلك وأن يعلوا المسألة الوطنية لديهم وأن يختاروا أن يقفوا فى الصف الصحيح، وأتمنى من القيادة العامة أن يكون عندها قدر من الحكمة والموضوعية فى التعامل مع هؤلاء، وألا يكون هذا على حساب مسألة الانضباط فى المؤسسة العسكرية، ولكن من خلال التعاطى مع المشكلات التى لديهم أو أى تركات نشأت عن فترة نشاطهم فى طرابلس، ولكن مهم جداً أن يتم احتواؤهم وضمهم إلى الصف الصحيح والصف الوطنى.

س/ لكن البعض يرى أن الجيش الليبى وتحرك المشير خليفة حفتر إلى طرابلس انقلاب على المسار السياسى، ما ردك على ذلك؟

ج/  لا، هذا تفسير غير صحيح، ومن يقول به إما غير مطلع على الأحداث أو أنه مغرض، ما حدث وهذا أشهد عليه تاريخياً، أن القيادة العامة للجيش الليبى كانت إلى حد بعيد منفتحة معنا فى أكثر من مناسبة وعلى مدى السنوات الماضية، وأظهرت حسن النية ورغبتها فى إيجاد حل لمشكلة مكافحة الإرهاب ومشكلة فوضى السلاح فى ليبيا من خلال التعاطى معنا، وكما ذكرت فى أكثر من مناسبة، فإن ذروة هذا كان فى استقبالى أنا شخصياً فى القيادة العامة مع مجموعة من وزراء حكومة الوفاق منذ نحو عام ونصف من الآن، ورغم سيطرة الجيش على كل حقول النفط والموانئ الأساسية، إلا أنه ظل يسمح باستخدامها من قبل حكومة الوفاق، وذروة ذلك أيضاً التفاهمات التى تم التوصل إليها فى أبوظبى وغيرها من التفاهمات، والتراجع حصل من قبل فايز السراج وليس من قبل المشير حفتر.

س/ ما الذى حدث فى تفاهمات الإمارات؟

ج/ أنا لم أكن طرفاً فيها، ولكن نعرف أنها تضمنت مسألة دخول الجيش بطريقة سلمية إلى طرابلس وإنهاء فوضى السلاح والميليشيات الموجودة فى العاصمة، وأيضاً الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تجهز البيئة لإجراء انتخابات تنهى مسألة تعدد الشرعيات فى ليبيا، ولكن السراج تراجع عن تلك التفاهمات.

س/ لماذا تراجع؟ هل لا يملك قراراً؟

ج/ تراجع مدفوعاً، كما قلت لك إنه بعد عام من ممارسته السلطة انحرف بها وأصبحت عنده رغبة لتكريس وجوده أو بقائه، بغضّ النظر عما يُلحقه ذلك من أضرار بالبلاد، فرغبته فى البقاء فى السلطة جعلته يذهب إلى قطر وتركيا ويحصل منهما على تطمينات بالمساندة، ولذلك نكث ما تعهّد به فى «أبوظبى»، ولاحظنا أن العالم كله تقريباً أعطاه نفس الإجابة، أى العودة إلى اتفاقات أبوظبى.

س/ فى حالة التفاوض على من يمكن إذاً التعويل فى اتخاذ القرار فى ظل تراجع «السراج» دائماً عن وعوده؟

ج/ ليبيا لا تزال رهينة باتفاق الصخيرات، والسلطة الرسمية فيها والمعترف بها دولياً هى سلطة المجلس الرئاسى، للأسف طبعاً الممارسة جعلتها مختزلة فى شخص فايز السراج، وكان ينبغى أن تكون سلطة لكل الأطياف فى المجلس الرئاسى المكونة لها وقت توقيع الاتفاق. ولذلك أى اتفاق يتم التعاطى معه من خلال الواجهة الرسمية الموجودة، ولو أن فايز السراج اختار مصلحة الوطن فوق مصلحته الضيقة لكان بالإمكان إما أن ينفذ الاتفاق، أو أن يخرج من طرابلس ويقول إنه غير قادر على تنفيذ الاتفاق، ويترك الجماعات التى تعرقله بدون غطاء رسمى أو شرعى، هذه جماعات تستغل وتستخدم الصفة الرسمية التى تعطيها لها حكومة الوفاق وهذا خلل كبير جداً، هى جماعات إرهابية، وكثير منها مصنَّف على أنه إرهابى، ولكن موجودة تحت راية المجلس الرئاسى. كان ينبغى على السراج»إما أن يكون قادراً على الوفاء بالتزاماته، أو أن يخرج ويترك هذه الجماعات دون غطاء شرعى، وبالتالى كان يمكن للجيش والعالم أيضاً أن يتعاطى معها بطريقة مختلفة.

س/ ما تقييمك لسير العملية العسكرية فى طرابلس؟

ج/ أنا لست عسكرياً، ولكن أقول دائماً إن ما نشهده اليوم هو اللحظات الأخيرة لوجود التيارات المتطرفة والإرهابية، ليس فقط فى ليبيا وإنما فى المنطقة بأكملها، والذى يتتبع الأحداث سيلحظ أنه فى 2014 كانت هذه الجماعات تسيطر على عموم ليبيا بالكامل ما عدا بقعة صغيرة منعزلة فى شرق ليبيا، واليوم الجيش الوطنى والقوى الوطنية فى ليبيا تسيطر على كامل ليبيا، وهذه الجماعات موجودة فى بقعة منعزلة ومحاصرة فى ليبيا، هذا اتجاه واضح لكل شخص. من الصعب إعطاء تقدير زمنى للعملية، لكن ما أراه اتجاه عام، وهو أن هذه الجماعات فى طريقها للاندحار فى ليبيا.

س/ هل يمكن أن يتوقف الجيش الوطنى الليبى عن استكمال عملية «طرابلس» أو أن يكون هناك تفاوض؟

ج/  لا أعتقد أن هناك من يريد الحرب بغرض الحرب، إذ يمكن تحقيق الأهداف بدون إزهاق الأرواح ودون المخاطرة، وكما قلت لك الجيش الليبى فى السابق أعطى مجالاً واسعاً للعملية السياسية ولكن عندما أُغلقت الأبواب لم يكن أمامه إلا التعاطى بالجانب العسكرى، إذا أمكن تحقيق الأهداف بإخراج الجماعات الإرهابية مرة واحدة وإلى الأبد من طرابلس بطريقة فيها قدر من التفاوض أو العملية السياسية فلم لا، ولكن الأهداف واحدة والطرق قد تكون مختلفة.

س/ هناك تغيرات كثيرة طرأت على المواقف الأوروبية بين أمريكا وإيطاليا من عملية طرابلس، كيف نفهم هذه التغيرات؟

ج/ هناك عنصران مهمان، الأول: ربما أن الجيش اتضح أن لديه حاضنة فى المنطقة الغربية مثل غريان وترهونة وهى تجمعات سكانية كبيرة جداً فى غرب ليبيا، اتضح أنها مرحبة بالجيش الليبى، بل هى حاضنة اجتماعية شعبية حقيقية له، والجيش ضمن هذه النقطة أظهر قدرة على التنظيم وإدارة العمليات بخط جاد جداً يبدأ من شرق ليبيا إلى غربها، هذا بدد كل الشكوك التى كانت موجودة حول قدرة الجيش الليبى.

النقطة الثانية المهمة فى تغير وجهة نظر العالم هى انكشاف الدعاوى المزيفة لفايز السراج فى أنه مدافع عن مدنية الدولة وغيرها بظهور عناصر إرهابية ومطلوبة من «داعش» و«القاعدة» وغيرهما تقاتل فى صفوف حكومة الوفاق، واستخدام المال العام الليبى لترضيتهم، نشاط «داعش» الذى ترافق مع عمليات الجيش، هذا أعطى صورة واضحة للجميع بأنه لا يمكن الدفاع عن المعسكر الذى فيه فايز السراج ولا يمثل أى مصلحة لا إقليمية ولا وطنية ولا دولية فى ليبيا. يضاف إلى ذلك عملية التراجع عملياً من قبَل العالم، العالم وصل إلى نوع من التفاهمات ومن تراجع عنها هو  فايز السراج وليس القيادة العامة للجيش الليبى.

س/ ماذا عن إيران فى المشهد الليبى، هل هى موجودة؟

ج/ لدينا أدلة واضحة أن إيران تدعم بعض الأطراف، وسمعنا عن شحنات أسلحة وغيرها، وهذا يعطى انطباعاً عن البعد الإقليمى للمعركة فى «طرابلس». كل القوى التى لا تريد الخير للمنطقة مصطفة فى جانب، والقوى التى تريد للمشروعات الوطنية أن تتقدم، مشروعات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب تقف فى الجانب الآخر، وبالتالى كان من المتوقع أن إيران وغير إيران تتدخل فيما يمكن أن نسميه معركة الرمق الأخير للجماعات الإرهابية.

س/ ماذا عن رغبات قطر فى السيطرة على ثروات ليبيا؟

ج/ قد لا يكون هذا مستبعداً، لكن ليبيا مهمة جغرافياً كموقع، والفراغ فى ليبيا سبب حالة من عدم الأمن فى شمال أفريقيا بالكامل، والصراع حول ليبيا متعلق بالموقع الجغرافى السياسى لليبيا قبل ما تحتويه ليبيا من موارد سواء النفط أو الغاز.

س/ هل فشل غسان سلامة فى مهمته؟

ج/ أعتقد أنه إلى حد بعيد كان الليبيون يأملون خيراً من توليه هذا الملف بحكم أنه رجل عربى ويستطيع التواصل بلغة أهل البلد، ورجل قدم من بلد مثل لبنان عانى من حرب أهلية وانقسامات، وبالتالى الطبيعى هو رجل ثقافة وسياسة أيضاً، وبالتالى كل هذا قُدر فى لحظتها على أنه مزايا له وعناصر يمكن أن تعزز نجاح مهمته فى ليبيا. وللأسف السيد غسان سلامة لم يستطع أن يحقق الكثير، صحيح أنه ليس لديه قوة خارقة، ولكن هناك محطات كثيرة أعتقد أنه كان بإمكانه أن يكون لديه أداء أفضل فيها، أعتقد أن النقطة التى ألحقت كثيراً من الضرر بجهود غسان سلامة أنه راهن على فايز السراج وليس على المجلس الرئاسى، وحذرته ومجموعة كبيرة من الساسة الغربيين من أن محاولتهم تدعيم سلطة فايز السراج باتجاه الانفراد بالقرار سيُترجَم بطريقة خاطئة، وسيزيد من عناده، وهذا ما حدث بالفعل، واستغل «السراج» الاعتراف الدولى بسلطته، واعتقد أن العالم غير مستعد إلا للتعاطى معه، ولذلك انغمس ودخل فى التحالفات، إلى أن اكتشف أن العالم نفض يده من حوله.

س/ إذاً بوضوح، هل يجب أن يترك غسان سلامة الملف الليبى؟

ج/ إلى حد كبير من سوف يحدد مصير ليبيا فى نهاية الأمر هم الليبيون أنفسهم ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً مسانداً فى ذلك. بالتأكيد لو كانت هناك شخصية أكثر كفاءة وفاعلية وأكثر قدرة على فهم ورؤية ما يحدث فى ليبيا بشكل دقيق ربما سوف يساعد ذلك فى حل المشكلة فى ليبيا. لا أعتقد أن «سلامة» لا يزال لديه الكثير ليقدمه فيما تبقى له من فترة. مهمته انتهت، ولكن دعنا لا نعطى الكثير من الأمل أن مجرد تغيير السيد غسان سلامة سيحل المشكلة فى ليبيا، لأن المشكلة متعلقة بمتغيرات أعمق من ذلك.

س/ قيل إن المصرف المركزى استُغل لدعم الميليشيات، ما حقيقة ذلك؟

ج/ يجب ألا نضخم دور المصرف المركزى، المصرف عبارة عن مصرف للدولة، وهو يصرف الأموال بناء على الأوامر التى تأتى له من وزارة المالية، والتى تمثل السلطة. المصرف المركزى لا يستطيع أن يوقف صرف الأموال. السؤال الأهم والكبير هو من أصدر هذه الأوامر؟ وبالتالى المسئولية موضوعة بشكل كامل على صاحب القرار السياسى وهو فايز السراج، صرف 2 مليار ونصف المليار دينار فى الفترة الأخيرة، وجزء كبير منها انتهى إلى أيدى جماعات إرهابية.

س/ برأيك.. ما مدى تأثر مصر بالتدخل المباشر من قبَل قطر وتركيا فى ليبيا؟

ج/ العلاقة بين ليبيا ومصر أعمق من علاقة ليبيا بأى طرف آخر إقليمياً أو دولياً، والمساندة المصرية لليبيين موجودة على كل المستويات، والعلاقات بينهما تمتد لمئات السنين فى التاريخ، عندما كان الليبيون يخوضون معركة استقلالهم الوطنى فى الحرب العالمية الثانية كانت مصر هى البلد الذى أُنشئ فيه الجيش الليبى فى منتصف الأربعينات ودخل مع قوات الحلفاء إلى ليبيا وطرد الإيطاليين منها. لحظة دفاع الليبيين ضد المستعمر، ولحظة قيام الليبيين بخوض معركة استقلالهم كانت مصر هى العمق الاستراتيجى لليبيا. يضاف إلى ذلك أنه عندما سيطرت قوى الإرهاب والتطرف على ليبيا بالكامل فى 2012 وبداية 2013، لولا التحول الذى حدث فى مصر لما أمكن لليبيين أن يقاوموا قوى الإرهاب والتطرف، والآن يقفون على مشارف الحرب النهائية مع الإرهاب وعلى مشارف العاصمة.

س/ تقصد محاولة استهداف الأمن القومى المصرى؟

ج/ الحدود الغربية لمصر تاريخياً لا أعرف أبداً أنها كانت مصدراً للتهديد بالنسبة لمصر، دائماً كانت مصدراً للمساندة، التهديدات كانت تأتى لمصر دوماً من حدودها الشرقية الصراع العربى الإسرائيلى وغيره، لم تكن الحدود الغربية لمصر على مدى التاريخ مصدر قلق للأمن لقومى المصرى، بل أزعم أنه كان هنا توحد أو حالة ارتباط كامل بين الأمن الوطنى الليبى والأمن الوطنى المصرى. المرة الوحيدة التى تحولت فيها هذه الحدود إلى مصدر قلق بمصر هى عندما سيطرت جماعات الإرهاب على ليبيا، والآن ما يحدث فى ليبيا وما يحدث فى مصر وجهان لنفس المعركة ضد قوى الإرهاب والتطرف.

س/ ماذا بعد عملية طرابلس؟

ج/ ليبيا بلد نامٍ ويحتاج إلى بناء الدولة وإعادة بناء الشخصية الوطنية الليبية، وكل هذه التحديات مؤجلة إلى أن يتم إنهاء المعركة مع قوى الإرهاب، وإنهاء فوضى السلاح، واستعادة الدولة، وبمجرد انتهاء معركة «طرابلس» سيفتح باب كبير للمشاركة السياسية وإعادة التوازن بين القطاعات والأقاليم المختلفة.

 

Shares