وفي الساعات الأولى من صباح الأربعاء، استهدف هجوم جديد موقع البرجسية الذي يقع غربي مدينة البصرة (جنوبي العراق)، حيث سقط صاروخ قصير المدى قرب مقرات شركات نفط عالمية، وهي رويال داتش شل وإيني الإيطالية وإكسون موبيل الأميركية العملاقة.

وانطلق الصاروخ بينما كان موظفو إكسون يبدأون العودة إلى البصرة، بعد أن تم إجلاؤهم عقب مغادرة دبلوماسيين أميركيين، في شهر مايو الماضي، بسبب ما قالت عنه واشنطن إنه تهديدات من إيران، التي لها علاقات وثيقة مع ميليشيات الحشد الشعبي العراقية.

والأمر الذي يزيد من تأزم هذا المشهد المتكرر في العراق، الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن، هو أنه يأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.

هذا التصاعد أعقب ضغوط العقوبات المتزايدة التي فرضتها واشنطن على إيران في الشهور القليلة الماضية، بسبب برنامجها النووي والصاروخي.

ويتشابه هجوم صباح الأربعاء مع غيره من الضربات الصاروخية التي تنوعت بين صواريخ كاتيوشا وقذائف الهاون، واستهدفت قواعد لأفراد في الجيش الأميركي بالعراق ومحيط السفارة الأميركية.

بقايا ما تبقى من صاروخ البصرة.
بقايا ما تبقى من صاروخ البصرة.

ووصل مدى الصواريخ إلى كل من قاعدتي البلد في محافظة صلاح الدين، والتاجي شمالي العاصمة بغداد، وحي الجادرية بالقرب من المنطقة الخضراء، فضلا عن مجمع القصور الرئاسية في الموصل، حيث مقر مجموعة من المدربين الأميركيين.

“الحديقة الخلفية لإيران”

ويقول متابعون إن بصمات وكلاء إيران حاضرة بقوة في مسلسل الهجمات الذي طال العراق مؤخرا، الأمر الذي يعلق عليه رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة محمد رحيم بقوله: “إيران تهاجم علنا، ولها نفوذ كبير في العراق، لا يمكن لأحد إنكاره أو إخفاءه، والشعب العراقي مقتنع تماما أن بلده أصبح الحديقة الخلفية لإيران، بفعل مدى نفوذها وهيمنتها على العراق”.

وأضاف لموقع سكاي نيوز عربية “نحن في العراق نعرف الفصائل المسلحة التابعة لإيران والموالية لها”.

لكنه عاد ليقول إن إيران تطلق “مجرد تهديدات لا أكثر، ولم يتم استهداف أي قاعدة أميركية مباشرة، بل كان الاستهداف غير مباشر، ولم تصب الصواريخ أهدافها، بل تسقط في مكان قريب”.

وكان رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، قال، الثلاثاء، إن القوات الأجنبية والميليشيات المحلية العاملة داخل بلده محظور عليها مواجهة بعضها البعض، وأنها يجب أن تعمل تحت إشراف القوات المسلحة العراقية وسيطرتها.

ويبدو أن عبد المهدي كان يشير إلى أن الأرض العراقية لن تُستخدم كساحة للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.

ورغم انضواء عدد كبير من الميليشيات، المعروفة باسم الحشد الشعبي، تحت لواء الجيش في 2018، فإنها تعمل بشكل منفصل عن الجهاز الأمني العراقي، وتُتهم بولائها لإيران.

ويمتلك عدد كبير من قادة هذه الميليشيات أعمالا تجارية خاصة، ويبسطون سيطرتهم على أحياء بعينها، ويستغلون نفوذهم في تذليل أي عقبات قد تواجه شركاتهم.

ولم يقتصر نفوذ هذه الميليشيات عسكريا فقط، بل امتد أيضا إلى قبة البرلمان، حيث فاز عدد من قادتها بمقاعد نيابية، وكانت ميليشيا عصائب أهل الحق أكبر فصيل في الحشد الشعبي يحقق مكاسب، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

“مافيا الفساد”

وفي هذا الإطار يقول رحيم إن ما يحدث الآن من تركيز على استهداف المصالح الأميركية في العراق، وخصوصا في قطاع النفط والطاقة، يعد مؤشرا كبيرا على المتهم، وهو “مافيا الفساد”.

وتابع “مافيا الفساد سبق وأن هاجمت وتعرضت في الماضي للشركات النفطية سواء بالإعلام أو الابتزاز المباشر، من أجل تحقيق مصالح خاصة، ومن ثم كان التصعيد باستخدام الأسلحة”.

ويقول رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة إن عملية ابتزاز يرتكبها سياسيون وقادة ميليشيات، فالسياسيون لديهم أعمال تجارية ومقاولات، ويحاولون ابتزاز بعض الشركات من أجل الحصول على عقود، في مقابل ضمان الحماية لمقراتهم التي تتعرض لهجمات صاروخية.

ويدلل رحيم على وجهة نظره، قائلا: “سبق الهجوم الصاروخي الأخير في البصرة هجوم إعلامي وابتزاز، ومن ثم تهديد مباشر لشركات حكومية في قطاع النفط والغاز، ومن بعدها تشاء الصدفة أن يزور سياسيون شركات حكومية في البصرة، ويفتتحون مشاريع هناك .. في العراق الفساد يُغطى بالإرهاب والمقاومة”.

وأشار إلى أن سيناريو الهجمات “المجهولة” في العراق أفاد في السابق جهات معينة – لم يسميها – من الناحيتين السياسية والاقتصادية، مؤكدا أن معظم الهجمات التي طالت مؤسسات حكومية عامة كانت تقف خلفها مافيا الفساد.