بقلم عيسى عبدالقيوم : تحت الرماد .. من هم أتراك ليبيا؟!

مقال رأي بقلم / عيسى عبدالقيوم

شيء ما يتحرك تحت الرماد ويربط مباشرة بين التدخل التركي العسكري وشخصيات حزبية ومليشيات منخرطة فى النزاع الليبي !! .

هذا على الأقل ما أكده الصحفي التركي المتخصص فى قضايا الشرق الاوسط “فهيم تاشتكين” ضمن تقرير بعنوان “الليبيون الأتراك : هل تستخدمهم تركيا كحصان طروادة ؟!”.. ونشرته صحيفة “إلمونيتور” التركية.

الكاتب التركي فهمي تاكشتين : هل الأتراك الليبيون هم حصان طروادة في أنقرة؟

وفيه أكد “فهيم” أن تركيا تدخلت بقوة لإسقاط نظام العقيد القذافي.. وتدخلت بقوة أيضا ضد الجنرال حفتر  ورجّح أن الوازع العرقي هذا قد أتخذته بلاده ذريعة لتحقيق مصالحها سواء الإقتصادية او الإسلاموية التوسعية الى درجة إعتبارها لما يجري فى دولة عربية بعيدة عنها ،فلا تحدها حدودياً ولا تشاطئها بحرياً، إمتداداً لأمنها القومي الذي يفترض أنه “طوراني”!!بل دفعها لتجاوز الخطوط الحمراء والشروع فى بناء قاعدة عسكرية ثابتة داخل القاعدة الجوية بمدينة مصراتة .
وربما رشح هذا السؤال مبكراً دون أن يَلفت إليه الإنتباه عندما أثاره فى الأشهر الاولى لثورة فبراير الدكتور علي الصلابي أثناء لقاء أجرته معه قناة (ليبيا تي في) عام 2011 ، ففيه أكد الصلابي مقابلته للرئيس التركي طيب رجب أردوغان ودعوته له بالتدخل العسكري المباشر إنطلاقاً من فكرة وجود ليبيين من أصول تركية فى مدينة مصراتة المحاصرة يومها !!.

ومن جانبه حاول الكاتب الجزائري مدني قصري فى تقرير نشره موقع “حفريات” البحث عن مبررات حماسة اردوغان للتدخل التركي عبر استخدامه لمن وصفهم ايضا بـ”اتراك ليبيا ” فطرح فرضيته متساءلاً “هل تدخل تركيا جاء كعقاب للجيش الليبي على دعمه – سابقاً- لقضية الأكراد في الأناضول؟!

مقال الكاتب الجزائري مدني قصري حول أتراك ليبيا

من هذه الزاوية المُقلقة أطلت الكثير من التساؤلات والألغاز التى يقود تتبعها الى وجود “نعرة عرقية” تغذي ملفاً مسكوتاً عنه فى قضية دولية أصبحت اقرب الى الكرة الملتهبة !! .

وهي تساؤلات مشروعة يحتاج الشارع الليبي للتعرف على إجاباتها كونها المتضرر الأول من هذه اللعبة الخطرة ،  وهذا فى تقديري من أهم مهام ووظائف الصحافة الاستقصائية تجاه مواطنيها .

وبشكل عام يمكن اعتبار كل التساؤلات المقترحة فى هذا الملف متفرعة عن السؤال “الأم” وهو : من هم أتراك ليبيا؟!

السؤال الذي تلحقه بالضرورة حزمة من علامات الإستفهام من مثل :
– من هم الذين أسسوا جمعية “كوارغلية ليبيا” عام 2015؟!.

– ومن هو رئيسها الذي صرّح لصحيفة المونيتور “أن عدد الكراغلة في ليبيا يصل إلى نحو مليون وأربعمائة ألف نسمة، يتركزون بشكل خاص في مصراتة، حيث يمثلون ثلاثة أرباع سكان المدينة”؟!.

صفحة جمعية كورغلية ليبيا

– وهل مصادفة أن يفتتحوا حسابهم على فيسبوك بإسم “ليبيا : كرغلية -أتراك -عثمانية” بالتزامن مع إنطلاق عملية الكرامة عام 2014؟!.

–  وما دلالة استخدام عبارة “اتراك ليبيا” فى إحتفالات حزب “العدالة والتنمية” التركي؟!.

– ومن فتح صفحة على موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا يوم 5 يونيو 2019 بإسم “اتراك ليبيا”؟!.

صفحة على موقع ويكيبيديا باسم اتراك ليبيا تأسست فجأة يوم 5 يونيو الماضي

تساؤلات كثيرة أطرحها كصحفي ليبي ، بعد أن سبقتنا للأسف صحيفة “إلمونيتور” التركية يوم 26 أغسطس 2019  والتى سبقها موقع “حفريات” من خلال تقريره الذي نشر فى 18 اغسطس 2019 والذي حاول عبره الإجابة على الظاهرة التى باتت تقلق المنطقة وتشعرها بالخطر من تنامي ظاهرة الاقليات المسلحة !!.

من المهم أن يعرف الشارع الليبي بشكل محدد وصريح “من هم أتراك ليبيا” ؟!.. أو بشكل أدق من هي المجموعة التى تعبث بوحدة ليبيا ونسيجها الوطني تحت هذا الإسم؟!.

فمن المؤكد أنهم لا يمثلون كل من هو من أصل تركي ، فليبيا بلد أمتزجت فيه أعراق وقوميات ذابت فى بوتقة دولة وطنية ذات سيادة وولاء وثقافة لها خصوصيتها ، فمن هذه الزاوية سيكون التعميم والتشكيك فى حد ذاته جريمة لا يقدم عليها عاقل ولا يقبلها منطق البحث .

ولكن بما أن مسمى “اتراك ليبيا” قد ظهر واصبح حقيقة تتداولها وسائل الاعلام وكواليس السياسة ، وله جمعية وإعلام وتلميحات اردوغانية ودعم مالي وعسكري قائم على منطق عرقي لذا شكّل قلقاً لدى الجميع حول طبيعة الصراع المكتوم تحت الرماد .

فلازال من غير المقبول – رسمياً وشعبياً – وجود أي كيان قائم على ولاء “عرقي” خارج حدود الدولة القطُرية الوطنية الليبية .

وبشكل مبدئي يصلح للانطلاق فى مشوار التنكيش وراء هذا الملف الشائك يمكن القول بأن “اتراك ليبيا” ليسوا تياراً او قبيلةً كبيرة كما صورها البعض ، بل هم فئة لديها أطماع فى السلطة والثروة لم تمانع من استخدام هذا الوشيجة لمضاعفة حظوظها فى السيطرة على مقاليد الحكم  وربما خطرها سيكون أكبر لو نجحت .

وتنطلق هذه “الفئة” فى تصوري من سببين :

الأول : النفخ فى ورقة العصبية لما لها من قدرة على حشد المزيد من الأتباع كوقود للمليشيات .

والثاني : تأكيد العلاقة الإستراتيجة مع تركيا كدولة داعمة عبر ربطها بالبعد العرقي وصِلة الدم.

وبشكل عام وجدنا أن سهام الإتهام الأولى – التى تحتاج الى مزيد من البحث والتقصي – تتجه نحو قيادات سياسية من حزبي الإتحاد من أجل الوطن (عبدالرحمن السويحلي) والعدالة والبناء (محمد صوان) ومليشيات من درع الوسطى .

وسُجل أخيراً إنزلاق فايز السراج نحو هذا التحالف ربما بالنظر الى أصوله التركية وبدافع رغبته النهمة فى التشبث بالسلطة ، وهي الرغبة التى قاده البعض بواسطتها الى ديوان الباب العالي فى اسطنبول!! .

وبشكل مجمل أعي بأن هذا الملف من الملفات الصعبة المعقدة التى يجلب فتحها وجع الرأس ولكنني وجدت أنه من المخجل أن تفتحه الصحافة العربية والتركية وتجبن الصحافة الليبية عن الإقتراب منه!!.

Shares