يُطلق مُلاّك الإبل ومربيها الكثير من الأسماء عليها، كل بحسب أصلها وجنسها وعمرها وحالتها ولونها وصفاتها.
في المقابل ، يُطلق الخبراء أسماء عديدة على الإبل، فثمة أسماء تطلق على الإناث وأخرى على الذكور، وثمة أسماء تشمل الإناث والذكور معاً، ويصل عدد الاسماء حسب الرواة القُدامى في كتب أنساب الإبل إلى أكثر من مائة إسم .
تعج مهرجانات “الإبل والهجن“بأنواع كثيرة من سلالات الإبل التي يتباهى بها ملاكها ويشرحون صفاتها ومناقبها وعللها.
الـ “زومال“ أحد أسماء الإبل، في بوادي غرب ليبيا، وهو بعير“هجين” سواء كان ذكراً أم أنثي، تُعرفه حكاوي التراث البدوي الليبي، على أنه البعير الذي يحمل الفرش والزاد والماء والغذاء في قوافل الإبل التي تعبر الصحاري والوديان، ويركبه الرعاة، ويتميز بأن سنامه صغير وبنيته القوية تتركز في عضلات الظهر الأمامية والخلفية لحمل الاثقال، وهو سهل القيادة والتوجيه وعادة لا يعقل، ولا يُعتمد عليه في نقل جيناته الى نياق القافلة، لأنه ناقص الفحولة، إلا في حالة غياب فحول الإبل.
وكذلك ُيطلق عليه أسماء أخري في بوادي العرب وصحاريها الشاسعة مثل “الباصور” و” الراحلة” و”الركايب” و”الزمول” و”الحيران” ، في الحقيقة هناك تسميات كثيرة تتفق في وصف حالة وإستعمال البعير الهجين.
المؤرخ العربي ” التونسي” العلامة الفذ، إبن خلدون، قال في مقدمته الإجتماعية { أكل العرب الإبل فأخذوا منها الغيرة والغلظة ، وأكل الأتراك الخيول فأخذوا منها التهور والشراسة والعنف، وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدياثة، وأكل الزنوج القرود فأخذوا منها حب القفز والنط والطرب والتمثيل } .
وقال إبن القيم { ونحن في زماننا هذا، أكثرنا من أكل لحوم الطيور والدواجن، فأكثرنا البقبقة والصياح، فأخذنا من الدجاج المذلة وطأطأة الرأس والسلبية وعدم التطلع للتحليق في أعالي السماء والثرثرة والصياح } وأزيد على قوله ، عن شرب اكواب “المكياطة” قبل القائها على قارعة الطريق، مساهمة منّا في إنجاح قمم الأرض والسماء ، وتبقي البيئة والمحيط تحكُم تصرفاتنا وأفعالنا، وتعكس واقعنا التعيس، ولا أستثني أحداً.
زومال ليبيا الراهنة، السراج، حط رحالة وبَرك في نيويورك، ليبعر لنا حكمه وقدراته الفذة في إخراج ليبيا من مستنقعها الدامي وحربها الضروس، غير أنه في سبيل الوصول إلى عاصمة البرجين التوأمين لم يعبر الصحاري على قدميه، فقد حملته سفينة السماء بمحركات نفاثة صنعها الكفار في أدبيات فكر الاخوان والدواعش، وتخلص هذه المرة من أحمال الزاد والمتاع الثقيلة على ظهره، ولكن بقي ظهره يركبه كل أنواع الرعاة .
الـ زومال، السراج، تنطبق عليه صفات بعير الحمل والاثقال الهجين، من حيث سهولة التوجيه والترويض، مما حرمه من دور فحولة نقل الجينات، وجنّبه “عُقُل” الفحول التي تُعقل للحد من مغالاة غيرتها على القطيع.
أرغد وأزبد أمام حشد العالم، كذب وزيف، تزلف وتلون، هاج وماج، ولم ينسي أفاعيل السلاح النووي وأخطاره في مسرحية بائسة تحدث فيه بإسم بلدٍ مساحته ألف وسبعمائة وخمسون كيلومتراً لا يحكم فيه باسم شرعية ” الفرقاطة “ إلا على بضع مئات أمتار منها، وتعداده سكانه ستة ملايين لم يعرفونه من قبل ولم ينتخبونه ويتهكمون عليه ويصفونه بـ “السطل”.
تحدث “الزمول” لمدة ثلاثة وعشرون دقيقة عبّر فيها عن لسان حال زعماء الميليشيات وأمراء الحرب ممن تسربت إليهم جينات أكَلَةُ الأحصنة، وألسنة التقية والمجون والتدليس من زمر الاخوان المفلسين وحلفاء الإرهاب، وصف جيش بلاده وقائده بـ ” مجرم الحرب ” أكثر من عشرة مرات وتمادى في البلادة والبلاهة وقلة الأدب بالمدح والردح لزعماء الميليشيات ولصوص الإعتمادات ورؤوس الإرهاب بغية الحصول على رضاهم ومباركة “مفتي القتل والدمار “ .
تكلم في كل شيء، إلا عن جراح ليبيا وكوارثها، تحدث بشخصية زعيم من فئة “زومال” الإبل الذي “برطع” لأول مرة في حياته محاولاً أن يكون “فحلاً “، رغماً عن تلك الأحمال على ظهره وأولائك الرعاة الذين يركبونه بُكرة وأصيلاً.
كنا نتوقع منه وهو “زومال” التحدث بأدب تفرضه حكمة “لكل مقام مقال” وأن يجنح للسلم والمهادنة والحكمة حتى يمكن مساعدته في التخلص من أحمال وأثقال الرعاة الذين يركبونه من العجم والفرنج وإخوان الشياطين وميلشيات وأمراء الحرب ولصوص ونطائح ما أكل السبع.
ولكن حديثه كان دخاناً أسوداً، متعجرفاً، بذيئاً ومبتذلاً، عبّر عن حال “زومال” متمرد من غرائب الإبل !!
تحدث بحرقة عن خوفه من حكم العسكر وتعلقه بالدولة المدنية، صراخ عقيم لم يتوقف عن لَوكه في تسويق مُخادع للدولة المدنية في كل جولاته وصولاته حول عواصم العالم التي باتت تسأم وتأسف على مستوى خطابه الهابط وبلاهته الصادمة.
دعونا الآن نشرح بعض من كلمته، وأقتبس من كلامه قوله { ولا أُبالغ إذا قلت بأن أمن ليبيا وإستقرارها ومدنيتها أمر أساسي ليس لليبيا وحدها، بل لإستقرار المنطقة والعالم } ونتساءل هل يبشرنا بدولة مدنية أساسها وأعمدتها ميليشيات مصراتة ومجلسها العسكري ؟ وميليشيات النواصي وعرّابها القابع في إسطنبول محصناً بملايين شركة “أجنحة الإرهاب” ؟ وميليشيات ملك تهريب الغاز وجلب مرتزقة ما وراء الصحراء ؟
هل يريد أن يُقنعنا لنصدق مخاوفه وتكهنه من عودة حكم العسكر بأن صلاح بادي، حارق المطارات وزعيم حفر التبات، هو أحد أعمدة دولته المدنية!!!؟؟
هل يريد إقناعنا بذلك والباشا آغا، وزيره للداخلية مازالت تلاحقه أرواح الرجال والنساء الذين قتلوا بدم بارد في غرغور على يد أحد أبناء عمومته وهو منظر الدولة المدنية المنشودة وسفيرها الدائم في بلاد أرطغول وهضاب الأناضول !!!؟
هل يريد إقناع دهمائنا وشارعنا المفتوح على كل رياح الفتنة والشر بتناول طعم “سُم ديمقراطية الإخوان” ورموزه من صوان وكعوان وزعكوك والمشري “برخيص الأثمان” وسليل الأتراك العرادي الذي دعا زومال ليبيا أن يبرك ومباشرة بعد رحلته في نيويورك في أرض زومال الأتراك أردوغان “هجين الروم والسلاجقة” ويعقد معه حلف وميثاق الشر لقتل أخيار جنود شعبه بطيران المسيار “البيروقدار“.
هل أصبح جزءً من أعمدة دولته المدنية تشكيل فريق حديقة الحيوان من “البقرة والحصان والزيقرا والرتيلة والتاجوري وغنيوة والعمو والصندوق وتل جعودة والجضران وبلعم وشوشان الزاوية وأبوذرعان وقدور وكارة “شيخ الاسلاف والارداف” واشطيبة وفرسان البربر وحتى بلعوم “قرجوتة“ زعنفة خرشوف الحوت، الذي تربي في الازقة الضيقة للمدينة العتيقة تريبولوس، وتلوث بدماء بني جبل صهيون الذين مروا من هناك!!؟
ألم يسأل الزومال نفسه يوماً عن من هدم المؤسسات وإستباح الوزارات، ومن فجر المقرات والمفوضيات ومن فتح باب شراع فساد الإعتمادات على مصراعيه ؟ ومن قتل الأبرياء في غرغور ودرع الكويفية والقره بوللي وسجن الرويمي وبراك الشاطئ والقرار “رقم سبعة” لذبح بني الوليد وورشفانة ؟
كيف يمكن بميزان العقل والعدل والإنصاف، إستثناء كل هؤلاء من وصف مُجرمي الحرب والسلم!!؟
كيف لنا نحن الليبيين أن نصدق مشاعر صدق يمكن أن تصدر عن زومال فاقد للفحولة والرجولة يركبه ويقوده الرويبضة والقوادون والقتلة والسفلة وتجار الدين وصعاليك الفوضى ؟! .
لقد أهدر الـ زومال وقته ومال الليبيين وهو يبرك في نيويورك وقد شرب الأنخاب في مواخير معاهد وجماعات حلب المال المستباح من أموال الشعب الليبي المنكوب الذي لا يحصل حتى على مرتباته من المصارف التي تسيطر عليها ميليشيات السراج المدنية.
أهدر السراج وقته وأموال الليبيين في إجتماعات ما سُمي بمنتدي كونكورديا الدولي CONCORDIA، وابكو APCO وميركوري MERCURY وهي جماعات ضغط ومصلحة تعمل في الولايات المتحدة لصالح كل من يدفع لها أكثر لأجل تلميع صورته وإظهار رؤيته السياسية من أجل التأثير على الرأي العام والحكومة الامريكية.
ولسخرية القدر ، لم يكن عرّاب الـ زومال في هذا الاستعراض المسرحي الهزيل سوي نجل محمد يوسف المقريف، صاحب القرار رقم 7 سيء الصيت والسمعة، وهنا نسأل السراج كم دفع من أموال الشعب المسكين، لجماعات الجشعنة ؟ وكم تقاضي إبن المتقريف من عمولة!!؟؟
ونسأل أيضاً من كتب لـ الزومال مقالاته في بعض الصحف الأمريكية برسم إعلان مسبق الدفع، وكم دفع من أموال لهذه الصحف وما الفائدة المرجوة التي ستعود على أحياء العدم وأزقة الفقر والبؤس والبطالة المنتشرة في كل مدن وقري بلادنا وأريافها!!؟
وهل يعلم الليبيون أن دولة الزومال السراج المدنية تحتل المرتبة 15 عالمياً من حيث عدد سفاراتها حول العالم ويبلغ عددها 105 سفارة ؟ وبأن ما تبقي من مجلسه الرئاسي وبرلمانه المنشق وأجهزة حكومته الرقابية ومراكز قوى الميليشيات وحاشيته المقربة لا هم لها سوى التدخل لإرسال الذيول والأصدقاء والأقارب للعمل في أوكار هذه السفارات وغرف تقديم الخدمات وتقاضي أعلى المرتبات التي تُدفع بالدولار وهي التي يبلغ الحد الأدنى للمرتبات فيها ما يعادل مرتب مئة موظف داخل ليبيا بل وبأنها أفضل وسيلة للإبتزاز السياسي ؟ .
قال الـ زومال أيضا وأقتبس من قوله { فقوات حكومة الوفاق الوطني هي من حارب وهزم تنظيم الدولة الإرهابي داعش وحرر مدينة سرت من عناصره، في إطار التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية، وما زلنا نواصل معاً مطاردة فلول الإرهاب أينما وجد، والمعركة مستمرة حتى القضاء على الإرهابيين، وإقتلاع الارهاب من جذوره } .
كلام لا يخلو من غزل العزول والجفاء، الذي أقفل في وجهه أبواب المكتب البيضاوي وبيّن لنا حجم الكذب، فكيف يمكن تصور هزيمة داعش وهو مازال يضرب في قلب العاصمة طرابلس ؟ فهل نسي الـ زومال أن ثلاث تفجيرات إرهابية نالت من مقار المفوضية العليا للانتخابات ووزارة الخارجية و المؤسسة الوطنية للنفط تنسف وتكذب ما إدعاه وكان ذلك بعد سنوات من إعلانه القضاء على داعش في سرت ! .
وهل يعتبر أن الحرب على الإرهاب من قبل أبطال الجيش الوطني الليبي وقيادته الشجاعة وإقتلاعه من جذوره في بنغازي وأجدابيا ودرنة والهلال النفطي كانت نزهة وليست حرباً على الإرهاب!!؟
تهجم الـ زومال على بعض الدول الفاعلة في الملف الليبي وذكرها بالإسم في سابقة غير دبلوماسية ما كان يجب أن ينقاد لها تحت تأثير سُم الاخوان الشياطين وحربهم المفتوحة مع مصر ودولة الامارات العربية المتحدة.
لقد زج بإسم ليبيا في صراع الإخوان و أردوغان مع دول عربية شقيقة ترتبط معنا في الحدود والعهود، هي زلة شيطانية، ستجعله شخصاً غير مرغوب فيه لدي قيادات هذه الدول وفي عواصمها وهذا ما سُيعقد أكثر الجلوس الى الحل السياسي لنكبة ليبيا المتواصلة.
تشبت الـ زومال في حديثه بشرعيته المزعومة وأقتبس من قوله { وفي هذا الإطار نُعبر عن ترحيبنا بقرار مجلس الأمن الصادر في 13 سبتمبر الجاري، الخاص بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والذي أكد الاستمرار في الاتفاق السياسي، ووقف التعامل مع الأجسام الموازية، واستكمال العملية الدستورية وتنظيم الإنتخابات } .
ونتساءل عن أي شرعية يتحدث بعد أن تآكلت هذه الأخيرة وأصبحت دون معني ؟ فحتى الدول الداعمة لإتفاق الصخيرات بدأت تتراجع عنه، فيما بدا أن هذا الإتفاق أصبح شيءً من الماضي الذي مازال السراج وسربه يغردون في أوهامه !.
ما أفرزه وضع ما بعد 4 أبريل، ومحاصرة جيش الفاتحين لفلول الحشد المليشياوي في عاصمة الليبيين طرابلس المكون من تحالف ميليشيات المصالح والاعتمادات والاخوان والإرهاب، سيكون على أجندات حل الازمة الليبية.
لقد جاءه الرد على تآكل شرعيته وكان أوله في قمة الدول السبع الكبار في بياريتس الفرنسية، في شهر يوليو الماضي، ولمن يقرأ بين السطور في بيان القمة الختامي المقتضب سيكتشف أُفول شرعية السراج ووصفه فيه بأنه أحد الأطراف المتنازعة، على غير العادة التي كان يُؤَكد فيها على شرعية حكومته.
ثم تأكد ذلك في نتائج الإجتماع الوزاري بشأن ليبيا الذي إنعقد الخميس 26 سبتمبر 2019 بحضور وزراء وممثلو الصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والممثل السامي للاتحاد الأوروبي، وقد إستثنياه من الحضور.
إنها رسالة مباشرة بأن زومال ليبيا السراج لم يعد صالحاً لتمثيل ليبيا رسمياً، لقد طالب البيان الختامي بإستئناف العملية السياسية بأطر جديدة أفرزها في رأيي ما بعد الرابع من أبريل 2019 نحو إطار سياسي جديد يتجاوز إتفاق الصخيرات وتداعياته المدمرة علي ليبيا، ويستند علي مبادئ إتفاقات باريس1 و 2 وباليرمو وأبو ظبي بهدف تمهيد الطريق لعقد إجتماع برلين المرتقب، والذي ستكون على أجندته لا ريب مصير زومال ليبيا!.
بقلم د. كامل المرعاش
باريس، 29. 09. 2019