السراج يطالب بتنفيذه ..ماذا لو طبقنا إتفاق الصخيرات كاملاً دون نقصان ؟

ليبيا – مجدداً ، يُطالب فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي ، أو ماتبقى من مجلس ، العالم بضرورة التأكيد على تنفيذ و ” شرعية إتفاق الصخيرات ” ومؤسساته كمرجعية أساسية لأي حوار أو اتفاق وكانت آخر مطالباته هذه في البيان الأخير الصادر عنه بالخصوص يوم 29 سبتمبر المنصرم رداً على بيان وزراء خارجية دول مجلس الأمن الخمسة + مصر والإمارات والإتحاد الأوروبي والأفريقي بل وحتى تركيا .

وجاء بيان الرئاسي حينها بعد يومين فقط من كلمة ألقاها السراج أمام الأمم المتحدة في نيويورك دعا خلالها أيضاً إلى التأكيد على ضرورة إستمرار العمل بالإتفاق السياسي الذي يجمع الكثير من خصوم ” مشروع الصخيرات ” بأنه لم يعد صالحاً لأي شيئ سوى أن يكون وثيقة تضاف لأرشيف وثائق الدولة الليبية على أرفف مركز التوثيق والمعلومات  . 

وفي الحالتين ، سواءً فيما يتعلق ببيان رد الرئاسي على إجتماع نيويورك الوزاري أو في الكلمة التي ألقاها السراج هناك في نيويورك ذاتها دون حضور الإجتماع الوزاري الرفيع ، بدا بأن الحديث عن ضرورة إستمرار إتفاق الصخيرات حديثاً موّجها للخارج لتثبيت السلطة في طرابلس بشرعية دولية أكثر من توجيهه للداخل رغم أن الصخيرات نفسه نص في مقدمته ، الصفحة رقم 2 ، على أنه قد تمت صياغته بأيدي قادة وممثلي ليبيا أي أنه مملوك لليبيين وحدهم وليس للخارج ، وهو الذي لم تثبت صحته حتى الآن  . 

توقيع الإتفاق السياسي – ديسمبر 2015 – المغرب – الصخيرات

وفي المحصل ، لا يمكن تحميل الرئاسي وأطراف الوفاق فقط المسؤولية عن تعثر تنفيذ إتفاق الصخيرات ، لكن في المقابل لا يمكن إستثنائهم والداعمين الدوليين ” السابقين ” من مسؤولية خرقه والتعامل معه بإنتقائية وإزدواجية معايير تسببت في تفاقم الأزمات بدل معالجتها ومن ذلك مثلاً فشل أو بالأحرى إفشال كل الجهود المبذولة سنة 2016 لتعديل الإتفاق دسترته وتقنينه وتغيير الحكومة وتقليصها ونزع الأفخاخ المزروعة بداخله كما جاء في حديث ضمن تسجيل مسرب لمحمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء أثناء صياغة الإتفاق نفسه سنة 2015 مما نزع ثقة العديدين من هذه الوثيقة ” المفخخة ”   .

https://www.youtube.com/watch?v=d_IFh7uoogo&feature=youtu.be

أما في هذا التقرير ستسعترض المرصد باقتضاب أهم أربعة محطات أو ملفات خنق بها الصخيرات نفسه إن صح التعبير ألا وهي ( الشرعية الدستورية والقانونية وآلياتها ، الملف الأمني ، العسكري، والمالي ) مما جعله محل جدل وخلاف لا إتفاق وعدم محل إجماع محلي ومؤخراً على الصعيد الدولي أيضاً وهي الحقيقة التي لازالت أقطاب الإتفاق نفسه غير قادرة على إستيعابها من خلال إستمرار مطالبتها للعالم بأن تكون مكانتها كما كانت قبل الرابع من أبريل 2019 بما في ذلك تغييبهم عن إجتماع برلين المزمع عقده في قادم الأسابيع.

مشكلة الشرعية والمشروعية

وعلى كل حال ، وبغض النظر عن الجدلية المعروفة التي واجهت الإتفاق السياسي على صعيد مجلس النواب الذي شرعن الإتفاق دون شرعنة الحكومة بعدم منحها الثقة المطلوبة وهو شرط يقتضيه الإتفاق نفسه وفقاً للمادة رقم 3 منه التي نصت على التالي :

المادة 3 من الإتفاق السياسي

وإن سلمنا جدلاً بأنه صاحب الشرعية غير المنقوصة ، يقود حديث السراج وبيانات بقايا مجلسه الرئاسي وشتات المؤتمر العام السابق المنعقد بمخالفة الإتفاق وهم يؤكدان على أنهم اصحاب الشرعية ، إلى تساؤل مهم ألا وهو ” ماذا لو طبقنا الإتفاق السياسي ؟ “  ومن هنا جاء عنوان هذا المقال . 

لو طبقنا الإتفاق السياسي 

لعل أهم مواد من الإتفاق السياسي تتعلق بموضوع هذا المقال وعنوانه ، هي المواد 2 و 5 و 8 والفقرات المتفرعة منها ، ودون إسهاب فيها فقد نصّت هذه المواد على قول واحد فصل ، وهو أن آلية إتخاذ القرار داخل المجلس الرئاسي جماعية لا جدال فيها أي أنها تتطلب حضور الواردة أسمائهم في الملحق رقم 1 من الإتفاق لكي يكون أي قراراً شرعياً وماعادا ذلك فهي باطلة بطلان التيمم بحضور الماء وقد نصت على التالي    :

1فائز السراج / رئيس المجلس

2 احمد معيتيق / نائب

3 عبدالسلام كجمان / نائب

4 فتحي المجبري / نائب / مقاطع

5 علي القطراني / نائب / مستقيل

6 موسى الكوني / نائب / مستقيل

إضافة لكل من :

7 عمر الأسود / وزير دولة / مقاطع

8 محمد عماري زايد / وزير دولة

9 أحمد حمزة / وزير دولة 

وبالتالي فأن عدد عضويات المجلس الرئاسي التي لا يتحقق شرط الإجماع لإتخاذ القرار إلا بوجودها هي 9 أشخاص ، لم يتبقى منهم على صعيد الأعضاء الأساسيين إلا ثلاثة وهم السراج ومعيتيق وكجمان ، في مقابل إستقالة ومقاطعة ثلاثة آخرين ألا وهم الكوني والمجبري والقطراني يضاف لهم وزير الدولة عمر الأسود الذي أكد مبكراً في بيان له بتاريخ 19 ديسمبر بعد إندلاع أزمة الشرعية التوافقية إن صح وصفها ، بطلان كل قرارات الرئاسي متهماً ” الوزراء المفوضين ” بإرتكاب جريمة إنتحال الشخصية والصفة ( إضغط للإطلاع على البيان  ).  

وإذ أن الرئاسي لم يقم باستبدال الأعضاء المنقطعين أو المستقيلين وفقاً لما نصت عليه الفقرة رقم 1 من المادة رقم 5  وكانت كالتالي : 

الفقرة 1 المادة 5 من الإتفاق السياسي

فإن كل ما إتخذه من قرارات منذ اللحظة الأولى لإستقالة أول عضو من الأعضاء تُعد هي والعدم سواء ، وهذا ما إستندت على جزء منه أيضاً أحكام محاكم القضاء الليبي في طرابلس وسبها وبنغازي والبيضاء التي أبطلت وأوقفت تنفيذ قرارات أصدرها ” الرئاسي المنقوص ” أي لإنتفاء شرط الإجماع المنصوص عليه في الإتفاق السياسي لإتخاذ القرار إضافة لعدم نيل ثقة المُشرع ، لذا ووفقاً لأهم مبدأ من مبادئ الدولة المدنية ألا وهو إحترام القضاء فأنه ومن البديهي تُعتبر المطالبة بتنفيذ الإتفاق السياسي بحذافيره كما يطالب جمع الوفاق بما فيهم السراج والمشري ، إبطالاً لكافة ماصدر عنهم أصلاً من قرارات وتعيينات سواءً على المستوى المدني أو العسكري   .

ومن هذه الأحكام مثلاً لا حصراً ؛

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بدعة الوزراء المفوضون

بكل وضوح وجلاء نص الإتفاق السياسي في صريح مواده على ضرورة نيل وزراء حكومة الوفاق الثقة من مجلس النواب ، ولمّا تعذر هذا الشرط ، إخترع المجلس الرئاسي ورئيسه ما أجمع فقهاء القانون على أنها بدعة جديدة لا مثيل لها سواءً في أبهى ديمقراطيات العالم بدوله المدنية ، أو حتى عند أشنع ديكتاتوريته ، ألا وهي بدعة تفويض الوزراء بمهامهم دون الرجوع إلى مجلس النواب وفقاً لما حدده الإتفاق السياسي الذي ماكان ليكون لهم وجود كوزراء لولا وجوده ووجود نصوصه التي تم تجاورزها بحجة دواعي المصلحة العامة .

وإذ سلمنا جدلاً بأن المصلحة العامة ودواعيها تقتضي تفويض وزراء بمهام دون ثقة مجلس النواب للمرة الأولى ، فأنه لا يمكن التغاضي للمرة الثانية عن شرط آخر نص عليه الإتفاق السياسي في المادة رقم 6 ألا وهو آلية إستبدال هؤلاء الوزراء في حالة إستقالة أو إقالة أحدهم ،وقد نصت المادة المذكورة على أن أول شرط لتعيين وزير جديد مكان وزير آخر هو التوافق بين كامل أعضاء الرئاسي وهذا الشرط لم يتوفر في كل الوزراء الذين تم إستبدالهم مثل فتحي باشاآغا للداخلية وفرج بومطاري للمالية و احميد بن عمر للصحة وذلك لغياب المجبري والكوني والقطراني عند إتخاذ هذه القرارات التي يعتبر وجودهم شرطاً لصحتها .

المادة 6 من الإتفاق السياسي

كما أن المادة ذاتها نصت على أن الوزير المستبدل يجب أن يتحصل على ثقة مجلس النواب خلال 10 أيام من إستقالة أو إعفاء سلفه ،ولمّا لم تتحقق كل هذه الشروط فقد أصدرت مختلف المحاكم الليبية أحكامها في قرارات الرئاسي المختلفة معتبرة إياها هي والعدم لسواء أما لعيب إغتصاب السلطة والصفة و إنعدامها ، أو لمخالفتها الإتفاق السياسي نفسه .

 

القائد الأعلى .. بين الوهم والإتفاق

منذ سنوات ، دأب رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج على إستخدام صفة القائد الاعلى لنفسه منفرداً ، وبموجب هذه الصفة أصدر مئات القرارات بشأن إقالة أو تعيين أو ترقية عسكريين ، صرف ميزانيات لجهات عسكرية ، أعلان حرب وسلم ونفير ، تشكيل مناطق عسكرية وتسمية أمراء لها وهو القرار الذي أبطلته أصلاً المحكمة بموجب طعن تقدم به عضو الرئاسي نفسه فتحي المجبري معتبراً أن كل ما يصدر تحت هذا المسمى مجرد أوهام  .

الفقرة أ / 2 من المادة 8 بالاتفاق السياسي

وقد يسأل سائل عن سبب إصدار المحكمة لحكمها أو حتى عن دوافع المجبري في تقديم طعنه – إختلفنا أو إتفقنا مع شخصه –  لكن الإجابة عن هذا السؤال بسيطة جداً وتكمن في الفقرة أ/2 من المادة 8 بالإتفاق السياسي وقد نصت وبوضوح على أن القائد الأعلى ليس شخصاً سواء كان السراج أو أحد نوابه ، بل أن القائد الأعلى هو المجلس الرئاسي مجتمعاً ( باستثناء زايد والاسود وحمزة )  على أن يعمل بصلاحيات يحددها كل من مجلسي النواب والدولة ومجلس الأمن القومي وفقاً لما جاء في المادة 10 من الإتفاق على أن يعتمد مجلس النواب في النهاية كل ما أتفق عليه بالخصوص بين الأطراف المذكورة  .

المادة 10 من الإتفاق السياسي

ولمّا كان السراج قد إنتزع هذه الصفة لنفسه ، وبعدم التوافق بين مجلسي النواب والدولة حول صلاحيات القائد الاعلى مع عدم تشكيل مجلس الدفاع والامن القومي أصلاً ، بات كل ما يصدر عن الأول باسم القائد الأعلى من قرارات ووفقاً للإتفاق السياسي نفسه مجرد قرارات من منتحل للصفة تعد هي والعدم سواء وهو ما إستندت عليه أحكام المحاكم المشار لها أعلاه .

الميزانية والقانون المالي للدولة الليبية

تتعلق الميزانية ومواردها وأوجه صرفها وإنفاقها والرقابة عليها بمشكلة أساسية أجمع عليها الخبراء في ليبيا ألا وهي قضية عدالة توزيع الثروات وحسن إستغلالها وصرفها ، ومن هذا المنطلق ولأن الأمر يتعلق بمسألة سيادية هي المال وكيفية تشريعه ، فقد حدد الإتفاق السياسي هذه المسألة وفصّل فيها حيث نصت المادة 9 على إختصاص مجلس الوزراء في إعداد مشروع الميزانية العامة فقط وفقاً لشروط ومعايير محددة على أن يكون إعتمادها بقانون يصدر من مجلس النواب وفقاً للمادة 13 من الإتفاق السياسي وهو الأمر الذي لم يتم على الإطلاق .

المواد 9 و 13 من الإتفاق السياسي بشأن ضوابط الميزانية العامة وآلية وضعها

ومن المعروف والمتعارف عليه والمعمول به ، فأن الميزانية لا تصدر إلا بقانون وفقاً لقانون النظام المالي للدولة الليبية وتعديلاته وهو قانون معمول به منذ الخمسينيات وجرى تطويره لاحقاً في مراحل المملكة والجمهورية والجماهيرية و المؤتمر الوطني ما بعد سنة 2011  ، عوضاً عن ذلك دأب المجلس الرئاسي على إقرار ما يسميها ” الترتيبات المالية ” وهو مصطلح غير موجود في الإتفاق السياسي وقام بموجبه بإقرار ثلاث ميزانيات عامة للدولة بعشرات مليارات الدولارات مما جعله إجراء قابل للطعن لدى القضاء لصدوره إما بالمخالفة أو عن غير ذي صفة ، وهذه قضية أخرى .

الترتيبات الأمنية .. الملف الثقيل

لقد أجمع العديد من الخبراء وحتى الدبلوماسيون الأجانب على أن مشكلة ليبيا المستمرة من منظور عام على أنها مشكلة أمنية بالمقام الأول ، لذا كان فقد خاض الإتفاق السياسي في هذه المسألة من خلال باب كامل سمي ” الترتيبات الأمنية ” وإنقسم إلى شقين : ترتيبات أمنية مؤقتة وأخرى مستدامة ، وفقاً لما نصت عليه المادة 34 من الإتفاق وكانت كالتالي :

مادة الترتيبات الأمنية

ومما ورد في هذه المادة ، فأن أي متابع يتوصل إلى نتيجة بديهية ألا وهي أن أيً من هذه البنود الواردة لم يتحقق منها شيئ بل على العكس تماما ، فقد تغولت بعض هذه الجماعات المسلحة أكثر وأكثر حتى وصفها وزير داخلية الوفاق فتحي باشاآغا بنفسه وهو أحد صائغي وريقات الصخيرات بأنها تحولت إلى مافيات وعصابات تعرقل كل شيئ وتفرض نفسها ووجودها على الدولة وتسيطر على وزارة الداخلية ، كان تصريحه من الولايات المتحدة خلال زيارة قام بها قبل أسابيع من إندلاع الحرب في طرابلس وتصريح آخر لـ ” بي بي سي ” من طرابلس وثالث قبل أيام قليلة عبر شاشة ” ليبيا لكل الأحرار ”  .

 

أيضاً لا يمكن تجاهل حقيقة أن إجماع العديد من الناس على الإتفاق السياسي في أول أيام صياغته ، كان بسبب تشجعهم لماورد في الترتيبات الأمنية ولا سيما مسألة إخلاء المليشيات للمقار العامة والإنسحاب من المدن والأحياء ، وهو الأمر أيضاً الذي لم يتحقق ولازال السكان والمهاجرين غير الشرعيين وحتى المسؤولين يدفعون ضريبة الفشل في تنفيذه حتى الآن ، بينما يقول السراج أن الترتيبات الأمنية سارت بشكل جيد عقب حرب سبتمبر الماضي وهو الأمر الذي ينفيه باشاآغا جملة وتفصيلاً حتى قبل أيام .

المشكلة أمنية وليست سياسية

ومما سبق يتبيّن ودون مواربة صحة الجدل القائم على أن سبب المشكلة السياسية في ليبيا ما بعد إتفاق الصخيرات علاوة على المشكل الأمني الأساسي ، هو التعامل معه بإنتقائية من قبل المجلس الرئاسي الذي يطالب ويتمسك اليوم بإتفاق داسه بالأقدام رفقة مجلس الدولة العائد من مقابر المؤتمر الوطني العام وغرف الإخوان المسلمين بدل المرة عشرات المرات فجعلوه مجرد وثيقة يستمدون منها بعضاً من الشرعية الدولية كونها هي من خلقتهم و أوجدتهم في فنادق المغرب وتونس وجنيف وشرعنته بقرار من مجلس أمن وضع أعضائه الخمسة الإتفاق برمته وقرار شرعنتهم له ذي الرقم 2259/2019 خلف ظهورهم في البيان الأخير الصادر عنهم وغيره .

بطبيعة الحال يشعر الرئاسي وحلفائه بالغضب لتحول أحوالهم من حال إلى حال ، دون محاولة الإقتناع بأنهم يعيشون في أوج مراحل العزلة الدولية وبأن رواية ” الشرعية الوحيدة المُطلقة ” التي فرضهم بها المجتمع الدولي على الليبيين  قد إنتهت لغير رجعة وباتوا مع حلفائهم  طرفاً في النزاع كغيرهم من الأطراف ، إلى حد الآن على الأقل .

المرصد – خاص

Shares