المُنقلِبين على ديمقراطية الليبين يهنئان تونس على ديمقراطتيها .. فقدان ذاكرة أم استفزاز ؟

ليبيا – أجرى رئيس مجلس الدولة الإستشاري القيادي بجماعة الإخوان الليبية خالد المشري مكالمة هاتفية الثلاثاء، مع رئيس الجمهورية التونسية المُنتخب حديثاً قيس سعيد الأمر الذي أثار حول إعلانه عن هذا الإتصال ردود فعلة ساخرة في مجملها بحديثه عن الديمقراطية وهو المنتخب المتشبث بكرسيه منذ سنة 2012 مسجلاً وبقايا مؤتمره الوطني المنتهية ولايته رقماً قياسياً على قائمة أطول البرلمانات بقاءً في السلطة في حوض المتوسط  .

وهنأ المشري الرئيس التونسي على كسبه ثقة الشعب التونسي وانتخابه وفوزه في الاستحقاق الرئاسي، وأشاد بتمسك الشعب التونسي بالمسار الديمقراطي الذي كان المشري نفسه أول المنقلبين عليه في ليبيا من خلال دعمه وتأييده المطلق لعملية فجر ليبيا منذ اليوم الأول حتى قبل صدور حكم المحكمة العليا الذي تحصل عليها تحت ظلال السيوف بموجب طعن تقدم به حينها رفقة صديقه السابق عبدالرؤوف المناعي  .

كما أعرب المشري وفقاً لايجاز صحفي صادر من مجلس الدولة عن تمنيه بخروج ليبيا سريعا من هذه الأزمة وسلوك ذات المسار الذي سلكه التونسيون، وتطلعه لتنمية وتطوير التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين.

من جهته عبّر رئيس الجمهورية التونسية المنتخب عن سروره بالمكالمة ، مؤكدا على أهمية تحقيق تواصل مباشر ومستمر مستقبلاً للعمل المشترك على ما يخدم مصلحة البلدين الشقيقين ، بحسب نص ذات الإيجاز.

زميله يهنئ تونس على ديمقراطيتها !

وفي ذات السياق ، توجه عضو مجلس النواب المنقلب رفقة المشري على صناديق الإنتخابات سنة 2014 والمنقطع عن مجلسه منذ ذلك الوقت ، عبدالرؤوف المناعي هو الآخر بتهنئة حارة من أعماق القلب إلى شباب تونس وأهلها بانتخاب الرئيس سعيد .

وكتب قائلاً عبر صفحته الشخصية : ” هنيئاً للشعب التونسي بانتصار الثورة وإعادة مسار الثورة إلى سكة التغيير والتصحيح، لقد قال شباب تونس كلمته لصالح الوطن، لصالح النزاهة، ولصالح فلسطين فقد أجاب عندما أراد الخصوم إحراجه حول التطبيع مع الكيان الصهيوني، قال لا مكان للتطبيع مع الكيان ونحن في حالة حرب معه ” .

وأضاف المناعي : ” أقول إن نتائج الانتخابات في تونس بينت إن أيديولوجيا الوطن أضحت تتشكل في الوطن العربي والعالم الإسلامي بعيدا عن الأيديولوجيات المستوردة سواء كانت شرقية أو غربية. إن مرحلة سياسية جديدة بدأت تصنع تعتمد على السيادة الوطنية الحقيقية. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون “.

مابين المشري الديمقراطي المنقلب

في الثالث من أبريل الماضي ألقى المشري كلمة باسم مجلسه الإستشاري في ندوة الملتقى الوطني التي أقيمت يومها بفندق الودان في طرابلس برعاية المجلس أفرد فيها مساحة عن الملتقى الجامع ” الذي يتباكى عليه اليوم ويتهم حفتر بإجهاضه بعد إقتراب البلاد من الحل ” معبراً عن مخاوفه منه ومن مخرجاته ومن ما أسماه الغموض المحيط به حاكماً عليه بالموت قبل حتى إنعقاده ومؤكداً بأن مصيره سيكون الفشل كسابقه من ملتقيات    .

وقال المجلس حينها عبر مكتبه الإعلامي بأن الندوة تهدف لمحاولة صياغة رؤية متقاربة للملتقى الجامع الذي يعتبر حدثاً هاماً في مسار القضية الليبية بهدف إنهاء الانقسام السياسي وذلك وفق بيان صحافي صدر عنه بالخصوص.

وقال المشري بأن من حق الشعب الليبي أن يقول كلمته حول الدستور الذي صاغته الهيئة التأسيسية إما بالقبول أو الرفض متجاهلاً الفترة الزمنية الطويلة التي قد يستغرقها الإستفتاء وتعرض قانونه الصادر عن النواب للطعون القضائية من قبل أطراف محسوبة أصلاً على الإسلام السياسي الذي ينتمي له.

وأضاف قائلاً بأن أحد المعضلات التي تنظر الملتقى الجامع هو الموقف من الدستور وإزالة العقبات أمام الاستفتاء معرباً عن رفضه الضمني للإنتخابات الرئاسية عبر تمسكه بإجراء الإنتخابات البرلمانية فقط وهو الموقف ذاته الذي تتبناه غالبية قيادات جماعة الإخوان المسلمين التي يقول بأنه ” إستقال ” منها مطلع العام الجاري دون أن يكشف عن مصير بيعته للجماعةوها هو اليوم يهنئ تونس بإنتخاب رئيسها ، لا لشيئ إلا لكون الرياح ربما قد جائت للتونسيين بما تشتهيه رياح النهضة الحليفة وشيخها  ” الورع ” الوريث لولاية التنظيم الدولي في المنطقة بعدما زجت مصر بقيادة التنظيم التاريخية في غياهب السجون   .

https://youtu.be/RcmC_yNcq30

وقال المشري يومها  : ” نؤكد رفضنا التام القاطع لأي محاولة إستيلاء على السلطة بالقوة ، أما توحيد المؤسسات لن يكون إلا بإرجاع السلطات لمصدرها وهو الشعب ، إن إجراء إنتخابات برلمانية بالوقت الحالي على الأقل وتهيئة الظروف لها من السبل الممكن أن تؤدي إلى حلول ” ، رافضاً بذلك حق الليبيين في الإنتخابات الرئاسية بالمطلق في تناقض يكشف عن حالة الإزدواجية التي تحكم هذا التنظيم وذراعه المحلية متمثلة في العدالة والبناء المهزوم في كل المحافل بما فيها الرئاسية دون شك .

ومن الملاحظ بأن حديث المشري هذا جاء متناقضاً مع حديثه في ذات الكلمة عن ضرورة إنهاء المراحل الإنتقالية في وقت يطالب فيه بإنتخابات برلمانية فقط !  وكذلك مع رسالته الموجهة في مارس الماضي لرئيس مجلس النواب للإجتماع بين المجلسين لبحث سبل الوصول إلى الرئاسية والبرلمانية ، فما الذي تغير ؟!

هل هو رد ؟ 

إيعتبر محللون هذا الموقف من المشري وقتها رداً على المطالبات المتصاعدة بالإنتخابات الرئاسية والبرلمانية دفعة واحدة عبر القرار رقم 5 لسنة 2014 الصادر عن مجلس النواب والإعلان الدستوري على أن يستمد الرئيس صلاحياته ( إضغط للتعرف عليها ) وفقالتعديل الدستوري المعروف باسم مقررات ” لجنة فبراير ” سميت نسبة لشهر فبراير 2014 الذي تشكلت فيه ” وأقره المؤتمر العام وصوت عليه أعضائه بالموافقة بغالبية 124 صوت بما فيهم المشري نفسه يوم 11 مارس 2014 .

القرار 5 لسنة 2014

لكن المشري الديمقراطي اليوم المولع بديمقراطية تونس والمتباكي على عسكرة ليبيا زعماً، قد نسي أنه وبعد أشهر قليلة من القرار المشار له ومن إنتخاب مجلس النواب في يونيو 2014 وبعد رقصه على معزوفات قنابل فجر ليبيا منذ يومها الأول وهي ترمي الأسطول الجوي الليبي حمماً في مطار طرابلس  ، قد توجه في أكتوبر من نفس العام للمحكمة العليا للطعن في التعديل الذي صوت عليه في المؤتمر العام بالموافقة ، وتقدم بطعنه الشهير رفقة النائب المنقطع عبدالرؤوف المناعي عقب إستتباب الأمر للمؤتمر مجدداً بعد عملية فجر ليبيا وسيطرتها على طرابلس وولادة حكومة الإنقاذ الأولى الموازية برئاسة عمر الحاسي وماتلاها من إنقسام رأسي وأفقي في كل مؤسسات الدولة .

https://youtu.be/4h-XHZ0Pi-s

فهل تناسى المشري ومن خلفه حزبه وتنظيمهم مثلاً إنعقاده مجدداً مع المؤتمر العام يوم 24 أغسطس 2014 – أي حتى قبل حكم المحكمة – دون أي قاعدة دستورية سوى تلبية لدعوة مسلحي فجر ليبيا بالإنعقاد لحماية ” ثورة فبراير ” كما جاء في بيان الإنعقاد على لسان الناطق السابق ، الدبلوماسي حالياً ، عمر حميدان ، بينما النيران لازالت تلتهب في مطار طرابلس العالمي معلنة إنطلاق أسود مرحلة في تاريخ ليبيا والليبيين ؟ وهل نسى دعمه وتصويته ومشاركته بعدها في تشكيل أول حكومة إنقسامية مليشياوية إسلاموية موازية لم يعترف بها العالم برئاسة عمر الحاسي ثم خليفة الغويل في إنقسام أفقي ورأسي لازالت البلاد تعاني تبعاته حتى اللحظة  ؟

المشري كان في قمة السعادة لحظة التصويت على التعديل الدستوري ودسترة مقررات لجنة فبراير يوم 11 مارس 2014 لإنتخاب مجلس النواب ، لقد صوت بالموافقة ثم إنقلب وتوجه للطعن لدى المحكمة العليا وحدث ماحدث ، لقد عادوا للسلطة بعملية فجر ليبيا بينما خرجنا نحن كتيار مدني وسلمناها للبرلمان الذي إقتسمها مجدداً مع المؤتمر للأسف  . 

عزالدين العوامي

نائب أول رئيس المؤتمر العام السابق

كان من اللافت أن المناعي ذاته قد إتهم في مطلع أبريل الماضي نفسه ومن خلال شاشة التناصح كل داعمي إتفاق الصخيرات في مجلس الدولة بالإنقلاب على المؤتمر ووصفهم بـ ” خونة دماء الشهداء “ الأمر الذي فسره متابعون بأن رفيقه السابق في الطعن ، عضو المؤتمر السابق ، رئيس مجلس الدولة الحالي خالد المشري هو المعني بحديثه لكن الأخير لم يعلق !

الصحيفة الرسمية لوزارة العدل : المحكمة الدستورية حلّت مجلس النواب بناءً على طعن المشري والمناعي – 20 نوفمبو 2014 – أرشيفية
كان الصادم لنا بأن المشري عضو المؤتمر السابق – رئيس مجلس الدولة حالياً – من بين 124 عضو صوتوا معنا بـ نعم على هذا التعديل الدستوري لدسترة مقررات لجنة فبراير وتسليم الأمنة لليبيين بصندوق الإنتخابات لنتفاجئ به بعد ظهور نتائج إنتخابات مجلس النواب وهزيمة الإسلاميين فيها بتأييده لعملية فجر ليبيا للإنقلاب على المجلس الجديد بالسلاح ثم تقدمه رفقة المناعي بطعن للمحكمة فى التعديل الذي كان هو قد صوت عليه وبالفعل تحصلوا على حكم منها فى نوفمبر 2014 وفسروه على أنه حل للبرلمان وبطلان للتعديل لكنه ليس كذلك !

الشريف الوافي محمد

عضو المؤتمر العام المستقيل ، عضو لجنة الحوار سابقاً

 

ولم تكن ضرورة المطالبة بالإنتخابات ليبية فقط ، فقد ترجم المبعوث الأممي غسان سلامة هذه الرغبة بلغة الأرقام عندما كشف مؤخراً عن دعمه لرغبة 83% من الليبيين  في إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقاً لإستطلاعات رأي قال بأن البعثة أجرتها وكذلك عدد من السفارات والمنظمات العاملة في ليبيا وكانت النتيجة ذاتها.

أول مقترح علني

يؤكد سلامة في لقاء عبر الجزيرة القطرية أواخر مارس الماضي تلقيه عدة مقترحات من الليبيين الذين يقابلهم ويتواصل يومياً معهم بشأن الملتقى الوطني الجامع دون أن يكشف أو أصحاب هذه المقترحات على أي منها ، سوى أن مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة كان أحد هذه الجهات وقد بادر المجمع من جهته لنشر مقترحه عبر وسائل الإعلام متضمناً ثمان إقتراحات لعل أهمها إلزام كل الحاضرين في الملتقى الجامع بتعهد خطي يقضي بإحترام نتائج الإنتخابات مهما كانت نتيجتها تلافياً لتكرار ماحدث مع عملية فجر ليبيا  .

في سياق متصل ، أعلنت عدة جهات مجتمعية وسياسية وخدمية في مارس الماضي – أي قبل الحرب – دعمها لمقترحات ”  مجمع ليبيا ” المتضمنة إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية عاجلة وإيجاد قاعدة دستورية لها بشكل عاجل لإنهاء الأزمة الحالية والعبور بالبلاد نحو مرحلة أخرى ، وكان من بين أبرز هذه الجهات ، المجلس الإجتماعي الأعلى لقبائل الطوارق برئاسة الزعيم التارقي المعروف ” مولاي قديدي ” محذرة من إستمرار تبعات الإنسداد السياسي .

كما أعلنت كل من بلديات أوجلة وجالو ومزدة ومفوضية المجتمع المدني بن وليد تأييدها للمقترح ، يضاف لها مجموعة “ أبناء ليبيا ” التي تضم عدداً من الشخصيات السياسية المستقلة والدبلوماسيين الليبيين ومجموعة ” الحراك الوطني من أجل ليبيا  ” الذي يضم عدداً من شيوخ القبائل أبرزهم الشيخ محمد البرغوثي من قبائل ورفلة والشيخ فرج بوحسن من العبيدات والشيخ عثمان بخاطرة من القطعان والشيخ إبراهيم بوبكر من المقارحة تضاف لهم بعض الحركات الشبابية النشطة كان آخرها بيان صادر عن ” حراك غضب فزان ”  .

رئاسة الحراك مع سلامة – أرشيفية
رفض قديم جديد

من غير المنصف القول بأن المشري هو الرافض الوحيد في المجلس الإستشاري للإنتخابات الرئاسية المباشرة ، ذات الموقف كان ولا زال يتخذه سلفه عبدالرحمن السويحلي صاحب مقولة ”  ليبيا غير جاهزة لإنتخابات رئيس ” إضافة لنائبه السابق محمد امعزب القيادي في حزب الجبهة الوطنية للإنقاذ المقربة من الإخوان كما هو الحال أيضاً مع قلة في مجلس النواب فيما تتمسك جل الحركات الشبابية والقبائل والمجالس الإجتماعية شرقاً وغرباً وجنوباً بعكس وجهة نظر الرافضين في حين قال سلامة في إحاطته لمجلس الامن يوم 8 نوفبمر 2018 بأن مجلس المشري والنواب يعتبرون الإنتخابات خطراً داهماً يجب مواجهته بأي ثمن ، وها هم اليوم يستفزون مشاعر الليبيين بتهنئة تونس على عرسها الإنتخابي الذي جعلوه مأتماً في بلادهم   .

https://youtu.be/ovetcWmQhYk

ويعد هذا الموقف بغير جديد ، لأن المتابع الجيد للأحداث يتذكر بأن تيار الإسلام السياسي في المؤتمر العام وتصدرته حينها كتلة الوفاء للشهداء المتشددة المقربة من المفتي وبقايا الجماعة المقاتلة وحلفائها السابقين من كتلة العدالة والبناء قد رفضوا قطعاً دسترة المادة 40 من تعديل لجنة فبراير والمتعلقة بإنتخاب رئيس للدولة مباشرة من الشعب مع الأخذ في الإعتبار بأن عضو الرئاسي الحالي محمد عماري زايد كان رئيساً لتلك الكتلة وهو اليوم أيضاً يهنئ تونس على عرسها الكبير ! .

أخيراً ، في نهاية سنة 2013 وعندما تنامت رغبة المؤتمر العام الجامحة في البقاء بالسلطة تزايد السخط الشعبي الذي تُرجم على شكل حراك شبابي شعبي سلمي سمُي بـ ” لا للتمديد ” طالب برحيل المؤتمر وبالإنتخابات ، وتحت الضغط والعصيان المدني والتصادم مع الشارع وإستقالات أعضائه ، وكحل وسط ، وافق المؤتمر على الإنتخابات وفق تعديل دستوري أقره وطعن فيه لاحقاً خالد المشري بنفسه عندما كان عضواً بالمؤتمر كما أشرنا أعلاه، وقد ترك ذلك التعديل مسألة كيفية تنصيب رئيس للدولة لكي يحددها مجلس النواب الذي قرر بدوره أن يُنتخب مباشرة بالتصويت الشعبي وفق القرار 5 لسنة 2014 وبصلاحيات مقررات ” لجنة فبراير ” المشار لها أعلاه أيضاً لكن إنقلاب فجر ليبيا وداعموه ومنهم كثر في الوفاق الحالي قد حول كل هذه الأماني إلى كابوس مظلم  .

 

دوافع الرفض

يرى مراقبون بأن دوافع رفض تيار الإسلام السياسي تتصدره  جماعة الإخوان المسلمين لمبدأ إنتخاب رئيس مباشر من الشعب معلومة وغير خفية البتة ولا تحتاج عناء البحث أو التقصي لتأكدهم أكثر من غيرهم بتدني شعبيتهم في المجتمع الليبي وبالتالي إستحالة إنتخاب المجتمع لرئيس منهم ، لذى يفضلون إستمرار”  النظام البرلماني المبني على المحاصصة والتوافقات والتحالفات الهشة وقد أثبت هذا النظام فشله في ليبيا على مدار سنوات ثمان ” .

في المقابل كشف أعضاء من ” حراك لا للتمديد ”  لـ المرصد عن تعرضهم لحملات تشويه وتحريض مستمرة منذ سنة 2013 إلى اليوم جزاء قطعهم الطريق أمام فكرة إستئثار الإسلاميين بالمشهد السياسي عبر تمديد المؤتمر أو فكرة إنتخاب رئيس للدولة من داخل السلطة التشريعية في ذلك الوقت وما تلاه .

ومن بين هؤلاء الأعضاء الناشطة إنتصار محمد التي إستدلت في حديثها مع صحيفة المرصد على ما تعتبره وزملائها تشويهاً  وتحريضاً مستمر ضدهم بحديث عضو المؤتمر السابق عن حزب العدالة والبناء محمود عبدالعزيز  عندما تطرق لهم في مارس الماضي بالقدح والذم وإتهمهم بإفقار أعضاء المؤتمر والإنقلاب عليهم بدعم خارجي وكذلك بحديث المفتي الصادق الغرياني الذي إعتبرهم في إحدى إطلالته عبر قناته التناصح بأنهم سبب البلاء في البلاد كما إستدلت بحديث القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عبدالرزاق العرادي العضو المؤسس في ذات الحزب الذي وصفهم في يوليو الماضي من خلال مقال نشره عبر شبكة الرائد الإعلامية التي كان يديرها بـ ” الحراك المشبوه المدعوم والمتخابر مع الخارج للإنقلاب على الشرعية لصالح الثورة المضادة وتكرار السيناريو  الإنقلابي المصري ” ، لا لشيئ إلا لمطالبتهم بإنتخابات رئاسية وإعادة الأمانة إلى الشعب الليبي.

مظاهرة لحراك لا للتمديد ترفض خارطة طريق المؤتمر التي كان يسعى من خلالها للتمديد لنفسه – أرشيفية 2014

ويرى هؤلاء المراقبون أيضاً في مقالات وأبحاث عدة نُشرت لهم بأن أقصى طموح الإسلام السياسي هو الإتيان برئيس للدولة بإختياره عن طريق ” صفقة ” تجري داخل أي برلمان قادم لايبدو أنه سيولد قريباً بالإشتراك معهم كما هو الحال في ليبيا عند إختيار رؤساء الحكومات المتعاقبة منذ 2011 أو كما في لبنان الذي لطالما ظل لفترات طويلة بدون رئيس يعصف به الفراغ الدستوري لعدم توافق البرلمانيين على شخصية تعتلي كرسي الرئاسة بقصر بعبدا في ظل نظام برلماني يوصف بالفاشل مبني على التحالفات الطائفية والمذهبية بشكل يشبه تحالفات ساسة ليبيا الأيدولجية والجهوية مع فارق التشبيه  .

ومن هذه الدراسات التي يمكن إسقاطها لتقوية هذا الرأي على سبيل المثال التقرير السنوي الأخير الصادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( USAID ) وهو مركز أمريكي حكومي أسسه الرئيس السابق جون كينيدي تبلغ ميزانيته السنوية 27 مليون دولار وجاء في هذه الدراسة بناءً على مسح ميداني أجرته في ليبيا بأن نسبة الشعبية أو الثقة المطلقة لمجلس الدولة بين المواطنين تبلغ 1% فقط بينما أبدى 10% منهم قدراً أقل فيما كانت بقية آراء بقية المُستطلعين بعدم الثقة أو عدم القبول النهائي وهو رأي يمكن البناء عليه عندما يؤخذ في الحسبان بأن الصورة النمطية لهذا المجلس في الذهن الليبي تصنفه كرمز سياسي لجماعة الإخوان المسلمين وبالتالي فأن نسبة تأييد الجماعة ومن يدور في فلكها بالمجتمع الليبي قد لا تتجاوز 11% على أقصى تقدير .

وما قد يثبت صدق وصحة هذا القول أيضاً هو التمسك المستمر  لهؤلاء بالإنتخابات البرلمانية فقط ذلك لقدرتهم على ” دس ” مرشحين بزعم أنهم مستقلين كما حدث في إنتخابات المؤتمر عند ترشيحهم لمحمود عبدالعزيز ونزار كعوان وغيرهم من الذين تبين لاحقاً بأنهم من الإخوان المسلمين وكان للأخير قوله الشهير ” الإخوان تاج على رأسي ” في وقت تزعم فيه كتلة العدالة والبناء بالمؤتمر رغم ترشحه عن دائرة حي الأندلس بصفة مستقل الأمر الذي أغضب ناخبيه وأعتبروه تحايلاً عليهم .

https://youtu.be/hLTN3KiHS4Q

ومن هنا وإذ لم تتضح معالم المشهد والصورة الكاملة وفشل إنعقاد الملتقى الجامع الذي كانت تخطط له البعثة في غدامس وقد وصفه المشري نفسه بالغامض وحكم عليه مسبقاً بالفشل ويتهم اليوم حفتر بإفشاله ،  يبقى مصير الإنتخابات في ليبيا مجهولاً ذلك لأن المبعوث سلامة قد أعلن في آخر حوار له قبل الحرب بأن المجتمعين الذين يبدوا انه لازال يتمسك بهم وفق نفس الفكرة – أي المؤتمر الجامع – هم من سيقرر موعد الإنتخابات وطريقتها وقاعدتها الدستورية ملمحاً إلى أن الإستفتاء على الدستور يواجه مشكلات كبيرة وإعتراضات وطعون قضائية ما يتطلب ضرورة البحث عن قاعدة أخرى تُجرى العملية الإنتخابية وفقاً لها .

وبالعودة إلى مسح مؤسسة ( USIAD ) فقد جاء فيه أيضاً بأن 79% من الليبيين يرغبون في إنتخاب رئيس سواء عبر الدستور أو من خلال إنتخاب رئيس مؤقت – أي وفق القانون رقم5  – وقد إختار 55% من أصل 79% الخيار الأخير ، وبشكل عام كانت مانسبته 76% من الليبيين يرغبون في الإنتخابات بأي شكل كان لضروريتها المُلحّة فيما أكد 63% من المستطلعين بأنهم سينتخبون من سيعيد الإستقرار بينما سيصوت 56% لمن هو ضد الفساد بما يترجم بالطبيعة رغبة ليبية واسعة في إنهاء حالتي الفوضى والفساد .

وعلى كل الأحوال إن إستمرار رفض الإنتخابات بشكل عام يعني إنسداداً سياسياً أكبر لا تُحمد عواقبه قد يتحول وفقاً لسلامة نفسه لصدام مسلح وهذا ما كانت المرصد قد حذرت منه للأسف يوم 3 أبريل أي قبل إندلاع الحرب بيوم واحد وحتى قبل ذلك التاريخ وتحقق لاحقاً بالفعل .

أما اليوم فأن من يقبل الإنتخابات من حيث المبدأ وللتسويق الإعلامي ويسعى لحرمان الليبيين من حقهم في إختيار رئيسهم أسوة بكل دول العالم و ” يستعبط بتهنئة التونسيين ” بشكل مستفز فاقداً للذاكرة المُوثقة بالصوت والصورة فسيكون بلا شك أمام مواجهة جديدة مع الشارع الذي تؤكد كل المؤشرات بأن درجة غليانه قد قاربت درجة الإشتعال مجدداً ، وهو أمر ينبغي على كل المجالس والحكومات – إن تبقى لها وقت –  أخذه في الحسبان وخاصة مجلس الدولة وهو أقدمهم تمترساً على الكراسي وقوائم المرتبات منذ سنة 2012 .

المرصد – خاص 

Shares