مقال رأي بقلم الكاتب كامل المرعاش
قالت العرب قديما لمن يفشل في مسعاه بعد ان يبدل كل جهده، ويعطي كل ما عنده ويرجع خائبا بـانه عاد بــــــ “خفي حُنين “. وكثيرًا ما نسمع هذا المثل الأعرابي يتردد على ألسنة الكثيرين حين يقولون “رجع بخُفيّ حُنين” والحقيقة أن هذه العبارة التي تدل على الإخفاق والفشل هي قصة واقعية حصلت في زمن من الأزمان في بلاد الرافدين التي اتحفتنا بكثير من القصص والحكايات الطريفة التي أضحت امثالا تتداولها السن الناس في كل زمان. ويبدو ان اهل العراق، لديهم شغف بالأحذية، فقد رووا لنا ايضا حكاية “حذاء الطنبوري”، التاجر الغني البخيل، وصار المثل مضربا للبخلوالتقتير. الخف او الحذاء تحول أيضا الى سلاح مقاومة حينضرب الصحفي الشجاع، منتظر الزيدي بزوج حذائه العراقي، الرئيس الأمريكي جورج بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد في 14 ديسمبر 2008، تعبيرا عن مقاومته وحرقته من غزو الامريكان، واحتلالهم لبلاده.
وحكاية “خفي حُنين” و “حذاء الطنبوري” يمكن اسقاطها على الحالة الليبية، وحصرا على رحلة شاقة ومضنية ومكلفة الى بلاد العام سام، ولعب فيها سحر الدولار ووكالات تلميع الوجوه والقفا الدور الأهم، من قبيل وكالات“بلومبيرغ” و “المونيتور“ و “ميركوري للشؤون العامة“، وكان ابطالها هذه المرة، احمقان بدرجة وزير في حكومة السراج الغير شرعية، الاول للداخلية والثاني للخارجية، الأول ميليشياوي بدرجة وزير مكلف بمفاتيح السجون والمعتقلات، وشؤون بيع العجلات، والثاني وزير عجوز مخضرم مكلف بسرقة ودائع السفارات ورعاية كل انواع فساد ما وراء البحار والمحيطات.
ذهبا الاثنان الى واشنطن، للمشاركة في أعمال المؤتمر الوزاري للدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد «داعش» الذي تنظمه واشنطن، ودعت اليه لدعمها في الحرب على الحركات الإسلامية التي تصنفها في خانة الإرهاب. تم تشكيل التحالف الدولي ضد داعش في سبتمبر 2014، ويتكون من 81 دولة، تعهدوا بمواجهة تنظيم داعش على مختلف الجبهات وتفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته العالمية العابرة للحدود. ويلتزم التحالف بتدمير البنى التحتية الاقتصادية والمالية لتنظيم داعش، ومنع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار واستعادة الخدمات الأساسية العامة في المناطق المحررة من داعش، ومجابهة الدعاية الإعلامية للتنظيم.
وحضرت وفود، وغابت أخرى ، ومثل وزير خارجية كل دولة عضو في التحالف بلاده في الاجتماع، الا الحالة الليبية، فقد حضر شخصان كل منهما بدرجة وزير، مما أربك مراسم وزارة مايك بومبيو، التي تعودت على انفصام الحالة الليبية، وانفصالها عن الواقع، فقد كان عنوان هذه الحالة ان يكون وزير الداخلية، هو من يتقدم الصف، ويتبعه خلافا للأعراف والنواميس الدبلوماسية وزير الخارجية العجوز، بحذائه “الطنبوري”!!!
ولحضور وزيران من ليبيا قصة، فالهدف ليس حضور المؤتمر لمحاربة تنظيم داعش، وانما الهدف هو استغلال الحدث، وخوض جولة علاقات عامة، وإعطاء وعود ومحاولة واهمة لشراء مواقف، سياسية في بلاد العم سام، حتى تحصل حكومة الميليشيات على بضع أسطر، في بيان هزيل، يمكن ان يرفع معنويات زعماء ميليشيات حكومة الفساد والفوضى الذين يمارسون على هذين الوزيرين الضغوط، ويطالبونهمابنصر دبلوماسي وان كان وهميا، والا فان مصيرهم التعنيف والطرد من وزارتهم الفاشلة.
اذن ذهاب الاثنان ليس بدعوة أمريكية خاصة لهما وانما ضمن تحالف يجمع 81 دولة تقوده الولايات المتحدة، على عكس ما روجت لها قنوات الفشل والكذب والافلاس التي تمولها قطر وتبث سمومها من اسطنبول ، وكان المؤتمر مخصصا لمحاربة الإرهاب وداعش، فهل حقا هذين الوزيرين يمثلان حكومة تحارب الإرهاب وتنظيم داعش؟
وهل فعلاً ما قاله “عجوز الفساد“ الخارجي “سيالة” في كلمته امام المؤتمر صحيحا عندما قال أن الحكومة «تعكف على الانتهاء قريبا من إعداد استراتيجية وطنية تنتهج نهجا شاملا في مكافحة الإرهاب».
وأضاف “وعلى صعيد التعاون الإقليمي تم توقيع اتفاقية مع دول الجوار وهي تشاد والنيجر والسودان لتسيير دوريات مشتركة لمراقبة الحدود الجنوبية لليبيا“. فهل حققت تم تسيير دوريات مشتركة بين حكومة ميليشيات السراج، والسودان وتشاد والنيجر، لحماية حدود ليبيا الجنوبية.!!!
وهل يصح ان يكذب عجوز بدرجة وزير ويمثل دولة محترمة بهذا الشكل الفاضح.!!!
كلام يثير الشفقة والغثيان أطلقه لسان عجوزخرف ومتلون طحنته سنوات طويلة من الرياء والنفاق وافقدته القدرة على التمييز في كل شيء، الا رعاية الفساد وسرقة الودائع وارسالها الى الجزر المعزولة في المحيطات الهادئة من صخب ميليشيات الاعتمادات. فقد نسي وذاكرته شلت على ان يبلغ المجتمعين، بان وزارته ومؤسسات سيادية اخري فيالعاصمة طرابلس، كانت وما زالت هدفا سهلا للإرهاب الذي يرتع في احيائها ومواخيرها، فقد ضرب المفوضية العليا للانتخابات في 2 مايو 2018، ثم المؤسسة الوطنية للنفط في 10 سبتمبر 2018، ثم اخيرا وليس باخر تفجير وزارة الخارجية في 25 ديسمبر 2018. كيف يمكن ان نقتنع نحن الليبيين، بان حكومة السراج تحارب الإرهاب، وهي تعتمد على عناصر الإرهاب وقادتهم في حربها على الليبيين.
كيف نقتنع بكلام هؤلاء الوزراء، والى هذه اللحظة لم يفتح تحقيق واحد في هذه الاعتداءات الإرهابية، فكيف يمكننا انتظار الحصول على نتائج. كيف نصدق الوزير الميليشياوي“غزال طوابي قوز التيك” بانه يحارب الإرهاب، ويخشى على ليبيا من سرطان الإرهاب، وهو من يغذيه بضخ مزيد من الأموال، لتكويناته اللعينة واستقدام عتاة الإرهاب القادمين من بلاد السلطان اردوغان.
هل لنا ان نُذكر “غزال طوابي قوز التيك”، باشاغا بما قاله في المؤتمر الصحفي يوم الهجوم امام خارجية “عجوز الفساد” عندما ضربها غول الإرهاب، قال يومهاوبلغة ركيكة “في الحقيقة علينا أن نقول إنه لا بديل عن الأجهزة الأمنية النظامية المحترفة التي تمتلك عناصرها مقومات التأهيل والتدريب والخبرة الأمنية اللازمة، وبسبب الظروف التي مرت بالبلاد خلال السنوات الماضية حصلت حالة فراغ أمني كبير نجم عنه ظهور مجموعات مسلحة تقوم بواجبات أمنية وهذه التشكيلات وبعد طول المدة منها من انتهى تلقائياً ومنها من تطور واكتسب عتادًا وعدة ولا زالوا موجودين على أرض الواقع هذه التشكيلات تنقسم إلى قسمين النوع الأول: يستعمل شعار وزارة الداخلية دون الالتزام بالخضوع والامتثال لقواعد القانون ومعايير الانضباط والمهنية ويقوم هذا النوع باستعمال ما لديه من قوة لإرهاب الدولة والمسؤولين والمواطنين لممارسة السطوة والنفوذ وفي بعض الأحيان تنفيذ أجندات بعض المسؤولين والسياسيين الفاسدين.“ طبعا نعرف انه قال هذا الكلام في سياق محاولاته في السيطرة على طرابلس، وابعاد بعض ميليشياتها المسيطرة، وهو امر انقلب عليه بزاوية 180 درجة عندما بدأت عملية تحرير طرابلس في 04 ابريل من سطوة ميليشيات الإرهاب والصعاليك واللصوص، فانضم لهم وصار واحدا منهم.
هل يصدق الامريكيون والعالم الاخر هراءه حول محاربة الإرهاب؟
هل يصدق الليبيون انه ذهب الى أمريكا لإظهار انه يحارب الإرهاب؟
كيف يمكن تصور ذلك عندما يشاهد العالم تدفق عناصر داعش من ادلب السورية بالمئات، ويدخلون عن طريق مطار مصراته، ثم يأخذون الطريق الى طرابلس، مرورا بــــــ “قوز التيك”، ليحاربوا جيش ليبيا الوطني في معركة الفتح المبين، في تبات مطار طرابلس والخلة واسبيعة و وادى الربيعوصولا الى صلاح الدين.
هل يعرف الليبيون ان رحلة “غزال طوابي قوز التيك” و “عجوز الفساد” قد كلفت خزائن دولتهم المغتصبة مئات الملايين من الدولارات، دفعت عدا ونقدا لوكالات تلميع الوجوه والخلفيات، في سبيل ان يحصلا على صور يتيمة مع موظفات السترات الحمراء ومسؤولي الصف الثاني والثالث لوزارة الخارجية الامريكية. فهل حققت رحلة العلاقات العامة شيئا يستحق الذكر؟
جاء في البيان المشترك حول إطلاق ما سمي بحوار امريكي/ليبي حول محاربة الإرهاب، ثلاث جمليتيمة، أوضحت فيها الخارجية الامريكية، بالنص “ان وفد حكومة الوفاق أعرب عن قلقه البالغ بشأن الوضع الأمني وتأثيره على السكان المدنيين“، وهو لا يعني بالضرورة، “من النص”راي الخارجية الامريكية. ثم جاء في البيان، ان الولايات المتحدةدعت “الجيش الليبي“ إلى إنهاء هجومه على طرابلس، معتبرة أن ذلك سيؤدي إلى تسهيل المزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر، وتعزيز سلطة الدولة الشرعية، ومعالجة القضايا الكامنة وراء الصراع، وهذا يمكن ان يفسر بطرق مختلفة، فإنهاء الهجوم لا يعنى وقفه في لغة البيانات الرسمية، والتي تنتقى فيها الكلمات والحروف بعناية فائقة. وأشار البيان ايضا الى مسالة النزاع على الشرعية، ومعالجة القضايا الكامنة وراء الصراع، وهذا لا يشكل موقفا واضحا للولايات المتحدة. والفقرة الثالثة تتعلق بصراع النفوذ مع روسيا في العالم، والذي تحاول الولايات المتحدة مواجهته ضمن سياستها التقليدية الدائمة سواء في ليبيا او غيرها من دول العالم الأخرى.
جولات وصولات العلاقات العامة وتلميع الوجوه والخلفيات لم تقتصر على واشنطن، باريس أيضا كان لها نصيبها وحصتها، فقد استقبلت منذ أيام، الطفل المعجزة، احمد معيتيق، خبير قيادة النقل الثقيل بدرجة ثالثة، وخبير المطاعم والفنادق، قبل ان تحوله قبيلة وعنجهية فبراير الى رئيس حكومة لساعات، ثم نائبا مميزا لــ “زومال” ليبيا السراج. قبل ان يأتي، الطفل المعجزة الى باريس، اشترط في هذه الزيارة المؤجلة عدة مرات، ان يستقبل من قبل رئيس الوزراء او وزير الخارجية على اقل مستوى، وعندما تأخر الرد البارد الفرنسي لأسابيع، اضطر الطفل المعجزة، للرضى بما حضر له، اجتماع بدون مراسم في مكتب رئيس قسم أوروبا فرانسوا ديلاتر ومبعوث إيمانويل ماكرون الى ليبيا فريدريك ديزاجنو. خلال الاجتماع عبر الطفل المعجزة عن مهاراته في حل الازمة الليبية، من خلال إعادة جملة واحدة لأكثر من عشرة مرات تتحدث عن اقصاء الجيش الوطني الليبي، واحلال ميليشيات حكومة السراج محله، والاحتفاظ بالعاصمة طرابلسبوزارتها ومصارفها واموالها ومؤسساتها العامة، وعودة الجيش الوطني الى باقي الأراضي الليبية الواسعة الأخرى، التي لا تقع ضمن دائرة مصالحه. كلام واجهه المسؤولين الفرنسيين بإطلاق الابتسامات اللئيمة والمصطنعة للمجاملة والسخرية من تفاهة الطرح والمعالجة، وبعد ملل الاطالة، رد عليه مبعوث الرئيس ماكرون، بجملة واحدة اختصر فيه الحديث مذكرا الطفل المعجزة، بأن السيد/ السراج/ جلس بجانب السيد/ حفتر/ هنا في باريس واتفقا. وهو ما أربك الطفل المعجزة، وجعله يتصبب عرقا، من شدة وطأة الموقف. لكن شدة الحرج، لم تمنع الطفل المعجزة من جولة تسوق باريسية باهضه الثمن قادته الى محلات “غاليري لا فايت” و ” لوي فيثون” لشراء الهدايا الفاخرة، علها تلطف من لهيب معارك التبات، التيلم يزرها الطفل المعجزة ابدا، حتى من باب مجاملة الشباب المغرر بهم.
وهنا يمكننا الاستنتاج، ان هذه الجولات والصولاتلشخوص حكومة السراج الوهمية، لم تحقق شيئا يذكر، رغم ما صرف عليها من أموال وارزاق الليبيين المغيبين. وهنا نستحضر المثل العربي عادوا بــــــ “خفي حُنين “، وربما حصلا علىزوج من “حذاء بومبيو” القديم، في وقت تتسرب فيه المعلومات من المكتب البيضاوي عن قرب مغادرة بومبيوللخارجية الامريكية. وعندها سيتمتع “غزال طوابي قوز التيك” على الأقل برائحة الحذاء النفاذة، وان يستمر عجوز خارجية الفساد في الاحتفاظ بحذائه “الطنبوري” الذي لم يغيره منذ ان كان موظفا مطيعا للقذافي في مكتب الاتصال الخارجي الليبي، وموظفي الخارجية الليبية يعرفون تماما مدى انطباق حالة البخل و“حذاء الطنبوري”، على عجوز الفساد.
لكن يبقى الغائب في هذا الاستحضار، هل من شجاع ليبي مثل منتظر الزيدي العراقي، ليرمي هؤلاء الصعاليك بدرجة وزراء، بزوج “شباشب قومه” قديمة، صنع في ليبيا من بقايا إطارات السيارات، كان يلبسه الليبيين لحماية اقدامهم في زمن العوز والفاقة، الذي عاد شبحه لهم ويعيشونه بكل تفاصيله منذ 2011.
مقال رأي بقلم د. كامل المرعاش
باريس 19 نوفمبر 2019
تلفت صحيفة المرصد إلى أن الآراء في مقالات الرأي لاتعبر بالضرورة عن الصحيفة انما تمثل فقط وجهة نظر اصحابها