من أوباري حتى إسطنبول .. هل استنتجت روما أخيرًا دوافع هجوم حقل الفيل ؟

ليبيا – في السابع والعشرين من نوفمبر المنصرم شنت قوات تابعة لحكومة الوفاق هجومًا مباغتًا على حرس المنشآت النفطية التابع للقيادة العامة في حقل الفيل الواقع قرب أوباري ، وقد سيطرت عليه لوقت وجيز ، قبل أن يتم إجبارها على الإنسحاب منه بالقوة .

لم يسفر الهجوم هذه المرة إلا على أضرار طفيفة في الحقل جرى تداركها في اليوم التالي ، لكن اللافت كان تزامن ذلك الهجوم مع نفس اليوم الذي كان فيه رئيس الرئاسي فائز السراج في إسطنبول لتوقيع إتفاقية بحرية مع الجانب التركي.

وفقًا لدبلوماسيين ، يتداول في الأوساط السياسية والدبلوماسية والنفطية في روما خيط يربط بين هجوم قوات الوفاق على حقل الفيل دون سواه وتزامنه بالتحديد مع التوقيع بين السراج وأردوغان في أسطنبول  .

يتسائل هؤلاء عن سر عدم تبني الرئاسي للهجوم وكأنه كان ينتظر تثبيته لفرض أمر واقع ما على روما رغم إعلان تلفزيونه الرسمي في طرابلس مسؤولية قواتهم عنه في ساعات الإنتصار الأولى التي لم تدم طويلًا ، يتساؤلون أيضًا عن سبب تجاهله مقتل ( حسن موسى )  قائد الهجوم الذي يعد أحد أهم رجالات الوفاق على الإطلاق في الجنوب الليبي حتى أن قبيلة القتيل نفسه في حيرة من أمرهم وقد قُتل موسى ولم ينل حتى بيان تعزية أو تأبين  ! .

بالعودة إلى روما ، تبدأ بداية هذا الخيط عند شركة  ” إيني ” التي تعمل في حقل الفيل وينتهي مع ذات الشركة التي تحصلت على إمتيازات ضخمة في مناطق تنازع عليها تركيا في حوض غاز شرق المتوسط ويمر عبر سؤال هام ، وهو سبب وتوقيت إختيار محاولة السيطرة على حقل الفيل وعدم التوجه مثلًا للسيطرة على حقل الشرارة الذي يتمتع بأهمية أكبر منه بأضعاف كونه يُصدر تقريبًا ربع إنتاج البلاد يومياً بمعدل 370 ألف برميل وتشغله شركة ريبسول الإسبانية بينما يصدر الفيل 70 ألفًا فقط عبر إيني الإيطالية يضاف لها كميات جيدة من الغاز تمر عبر مليتة من العصب الحيوي نحو شواطئ إيطاليا   .

وهي التي تشغل حقل الفيل ، لقد اشترت شركة ” إيني “ قبل توقيع إتفاقية السراج وأردوغان بأيام قليلة 70 ٪؜ من حق امتياز شركة أديسون للغاز في القطاع رقم 12 بمنطقة شرق حابي البحرية بالبحر المتوسط شمالي القاهرة .

قبلها تحصلت ” إيني الإيطالية “  على حقل ظُهر المصري الذي يحوى احتياطات تُقدر بثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز .

وتتقاسم ثلاث شركات كبرى أغلب مناطق الاستثمار الحالية ، وهي “إيني”  التي تعمل في مصر وقبرص وتعود لها سفينة الإستكشاف التي اعترضتها البحرية التركية بالقوة قبل فترة قرب قبرص في حادثة كادت أن تتطور إلى ماهو أسوأ بين روما وأنقرة .

في المقابل تعمل شركة  “توتال” الفرنسية  في حوض قبرص وهذا ما يجيب على سر التشنج الفرنسي التركي الأخير وإن كان الناتو ستاره إلا أن الغاز شعاره ، فيما تعمل شركة  “نوبل إنيرجي” الأميركية في ” إسرائيل ”  وقبرص مع عدة شركات أخرى وتراقب بعين الريبة مايجري هناك وتدعو إلى ضبط النفس والعمل ضمن القانون الدولي . 

تلعب هذه الشركات دورا رئيسيا في مخططات الاستثمار والتصدير وقد تفضل شركة “إيني” باعتبارها إيطالية خط الغاز ( اليوناني ـ الإيطالي ) على الخط التركي ، فيما تقوم تركيا بعمليات التنقيب لوحدها ولاتشترك فيها مع شركة أجنبية .

كل هذا وأكثر يسلط الضوء على سبب جزء من الغضب الأوروبي الإيطالي اليوناني تجاه إتفاق ( السراج – أردوغان ) فالأمر جلل بالنسبة ومتعلق بشركات طاقة عالمية في حجم ( إيني وتوتال ونوبل ) لها القدرة على تغيير سياسات وقلب طاولات على رأس أنظمة ودول .

طيلة أسبوعين مضت يتهامس الطليان في الأروقة وعبر بعض الصحف عن ” طعنة في الظهر “  وجهها لهم السراج ، يقولون أنه حاول ” لي ذراع روما ” بالهجوم على حقل الفيل والسيطرة عليه ووضع شركة ” إيني ” تحت قبضته قبل ساعات من توقيع المذكرة مع أردوغان حتى يكسب ضدهم ورقة تمنع إيطاليا من أي ردة فعل تجاه التوقيع في إسطنبول الذي سيضيق على ” إيني ” في شرق المتوسط ، لا يجزمون بدور معين لأنقرة في الهجوم بقدر مايتحدثون عن محاولة ” إبتزاز بشكل ما قام بها الرئاسي لإسكاتهم  ”  ، لكن إستعادة الجيش للحقل حال دون تحقيق ذلك ، وفقًا لدبلوماسيين إيطاليين تحدثت معهم المرصد طيلة أسبوع مضى  .

يوم أمس لم يعد الهمس همسًا فلقد أعلنها وزير الخارجية الإيطالي ” لويدجي دي مايو ” صريحة من بروكسيل ، قال الوزير  : ” إتفاق السراج وأردوغان غير شرعي إطلاقًا ، يهدد المصالح ، ويقوض الإستقرار بين دول حوض البحر المتوسطض بأكمله  ” .

تصريح حاد هو الأول من نوعه يصدر من رئيس الدبلوماسية الإيطالية تجاه الحلفاء في الرئاسي ، وبينما توارى سفير روما عن الأنظار في طرابلس وقيل أنه غادر بغير رضًا إلى بلاده للتشاور ، يقول آخرين أن وزير الخارجية الإيطالي قد نطق يوم أمس بلسان ” إيني العملاقة ” ليحدد بذلك موقع بلاده من هذه التطورات التي بدأت من حريق حقل الفيل مرورًا بحقول غاز شرق المتوسط عبر إسطنبول التي تنافس الجميع على الكنز المدفون في أقاصي شرق المتوسط  .

المرصد – خاص

Shares