تقرير سويدي يكشف تفاصيل مقتل ضابط رفيع بالاستخبارات التركية في ليبيا الشهر الماضي

ليبيا – كشف تقرير صحفي سويدي ألغاز تكتم السلطات التركية عن مقتل ضابط رفيع في الاستخبارات التركية في ليبيا الشهر الماضي بعد أن أثارت جنازته التي تمت سراً جدلا واسعا في تركيا وصلت حد توقيف الشرطة التركية لمدير الأخبار في موقع “أودا تي في” للتحقيق معه بسبب تقرير تحدث عن تشييع جثمان الضابط المقتول في طرابلس.

صحيفة أحوال التركية أشارت إلى أن موقع “نورديك مونيتور” السويدي كشف في تقرير نشره أمس الخميس أن ضابط الاستخبارات التركية المتقاعد منذ أقل من عام العقيد أوكان ألتيناي تم استدعاؤه للخدمة بشكل مفاجئ ثم أرسل إلى ليبيا التي رجح أنه أرسل إليها في عملية مدبرة للتخلص منه.

العقيد التركي أوكان ألتيناي

وقالت مصادر للموقع إن الهدف من إرسال العقيد المتقاعد إلى ليبيا هو التخلص منه كونه شاهدا رئيسيا على اطلاع واسع بصلات حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإرهابيين والجماعات المتطرفة.

ونقل الموقع عن 3 مصادر مقربة من الاستخبارات العسكرية (لم يحدد هويتها) قولهم إن “جهاز الاستخبارات التركي “إم آي تي” كان يدبر لاغتيال ألتيناي الذي قُتل في قصف على ميناء طرابلس حيث تعمد الجهاز إرساله إلى ليبيا للإيقاع به.

كما أشار إلى أن السلطات التركية تكتمت بشدة عن مقتل العقيد السابق بالجيش التركي الذي أرسل إلى ليبيا للإشراف على نقل شحنات الأسلحة لحكومة فائز السراج إلى أن فضحت تقارير إعلامية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عملية دفنه سرا.

وأضاف التقرير :”قتل ألتيناي مع اثنين من الجنود الأتراك في الهجوم الذي شنه الجيش الوطني الليبي يوم 18 فبراير الماضي على سفينة تركية محملة بالسلاح في ميناء طرابلس البحري وبعد ذلك الهجوم تحدثت مصادر تركية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل العقيد والجنود الأتراك في ليبيا إلا أن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين نفى ذلك إلى حين أن اعترف أردوغان بنفسه ولأول مرة بأن الجنود الأتراك يقاتلون في ليبيا برفقة عناصر من جيش النظام السوري ضد قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر”.

وفي خطوة مخالفة لسياسة الإنكار التي اتفق المسؤولون الأتراك على انتهاجها،قال أردوغان يوم 23 فبراير من مدينة إزمير “قتل عدد من جنودنا ودعوني أوضح أننا قضينا على نحو 100 من قوات حفتر مقابل عدد من قتلانا”،وأثارت تصريحاته انتقادات واسعة في تركيا حيث اتهم من قبل المعارضة بعدم احترام الجنود مطالبين بكشف العدد الحقيقي للجنود الأتراك الذين أرسلوا إلى ليبيا.

وقبل اعتراف أردوغان نشر رئيس تحرير صحيفة يني شاغ باتوهان شولاك تغريدات على تويتر قال فيها أن “العقيد أوكان ألتيناي قتل خلال هجوم شنته قوات الجيش الليبي على ميناء طرابلس إلى جانب 3 جنود أتراك”. وأضاف أنه تم إرسال جثمانه إلى مسقط رأسه حيث دفن من دون مراسم وسط تعتيم إعلامي.

وعقب تغريدات شولاك نشرت صحيفة يني شاغ خبراً حول مقتل الضابط في ليبيا إلا أنها سارعت بحذفه من الموقع الإلكتروني لاحقا، وهو ما زاد الشكوك حول إصرار السلطات على كتم الأصوات التي تريد كشف ملف العقيد السابق.

وفي 4 مارس ألقت الشرطة التركية القبض على باريش ترك أوغلو، مدير الأخبار في موقع “أودا تي في”، بسبب تقرير عن تحدث عن تشييع جنازة أوكان ألتيناي في مقاطعة مانيسا الغربية، وقال إنها جرت بصمت دون مشاركة مسؤولين رفيعي المستوى.

وقالت المصادر المقربة من الاستخبارات العسكرية لموقع “نورديك مونيتور” إن ألتيناي كان على خلافات كبيرة مع فصيل رئيسي داخل وكالة الاستخبارات التركية يعمل مع الجماعات المتشددة في سوريا، وأبلغ قيادة الأركان العامة بشأن أنشطته السرية واعتراضاته عليها”.

وأضافت أن ألتيناي عمل لسنوات في مديرية الاستخبارات بهيئة الأركان العامة وحضر اجتماعات سرية للمعارضة السورية المسلحة والجماعات المتطرفة مع المسؤولين الأتراك. وكانت هيئة الأركان هي من كلفته بحضور هذه الاجتماعات في أنقرة وإسطنبول لمراقبة وتسجيل ما يجري، لعدم ارتياحها لصلات جهاز الاستخبارات الوطنية التركية الوثيقة بالجماعات الجهادية وعلى رأسها تنظيم القاعدة الإرهابي.

وكشف أحد المصادر للموقع السويدي أن العقيد السابق الذي قتل في ليبيا كان يعرف كثيرا من الأسرار ويمكنه أن يفضح أمر حكومة أردوغان في النهاية.

وذكر مصدر آخر أن ألتيناي اصطدم مرارا مع كمال إسكنتان الجندي السابق (55 عاما)، الذي أصبح الآن رئيسا لقسم العمليات الخاصة في جهاز الاستخبارات التركي وهو مقرب من أردوغان ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان وكلاهما استغل رئيس قسم العمليات الخاصة وفريقه الفاسد لإدارة عمليات سرية لتسليح مجموعات “القاعدة” في سوريا.

أما المصدر الثالث فتحدث عن أن ألتيناي أخبره أن “هؤلاء الرجال خونة حقا للبلاد، فهم لا يتصرفون، كأنهم من الاستخبارات التركية، بل هم عصابة جريمة منظمة تساعد العناصر المتطرفة في سوريا”، مشيرا إلى أنه كان عائدا لتوه ألتيناي)من حضور اجتماعات بين مسؤولي جهاز الاستخبارات الوطنية والجماعات المتطرفة عندما قال ذلك”.

وأفاد المصدر بأن الاجتماع السري الذي عقد مع ممثلي تنظيم داعش كان من أجل التفاوض على شروط الوصول إلى ضريح سليمان شاه جد عثمان الأول،مؤسس الدولة العثمانية حيث لم يتمكن الجيش التركي ولشهور عام 2014 من تغيير جنوده الذين كانوا يحرسون الضريح كالمعتاد كل شهرين أو 3 أو إرسال إمدادات لوجستية لهم، وذلك بعد أن حاصر عناصر داعش القبر الذي يقع في الأراضي السورية على بعد 30 كيلومترا من الحدود التركية.

وذكرت مصادر عسكرية تركية أن العقيد ألتيناي رجل عسكري ناجح تعلم اللغة العربية في سوريا وعمل لاحقا في الأردن كنائب للملحق العسكري بين عامي 2010 و2012 وبعد عودته إلى تركيا عمل في مكتب الشرق الأوسط بهيئة الأركان العامة لمدة 3 سنوات، ثم تقاعد من الجيش عام 2015.

ووفقا لشهادات اثنين من المصادر التي تحدثت للموقع السويدي فإن ألتيناي نقل إلى موقع في جهاز الاستخبارات الوطنية بناء على نصيحة هيئة الأركان العامة حتى يتمكن الجيش التركي من الاستمرار في مراقبة عملياتها. وعندما تورط عدوه اللدود إسكنتان في دعم الجماعات الإرهابية في ليبيا بأمر من حكومة أردوغان، كُلف ألتيناي أيضا بالعمل في طرابلس.

وبدأت تركيا بنشر قوات في ليبيا في يناير الماضي في محاولة لدعم حكومة الوفاق ومقرها العاصمة طرابلس كما أرسل أردوغان مئات المرتزقة من الفصائل السورية الذين تدعمهم أنقرة سرا للتصدي إلى العملية العسكرية التي ينفذها الجيش الوطني الليبي منذ سنة لاستعادة العاصمة طرابلس من الجماعات المتطرفة والإرهابيين.

ويثير التدخّل التركي العسكري في ليبيا حفيظة نسبة كبيرة من الشارع التركي الذي ينتقد أردوغان ويطالبه بسحب الجنود الأتراك من هناك وعدم تقديمهم قرابين من أجل تمرير سياساته في المنطقة بعد مقتل العشرات منهم خلال معارك الميليشيات في طرابلس.

وقال أحد المصادر لنورديك مونيتور “لا نعرف الظروف الدقيقة لمقتل العقيد ألتيناي، لكني أظن أنه قتل من أجل إسكاته في حال الكشف عن جرائم حكومة أردوغان وجهاز الاستخبارات الوطنية في المستقبل”.

وبحسب الصحيفة :”هذه ليست المرة الأولى التي يكشف فيها الموقع السويدي تورط النظام التركي في عمليات مشبوهة حيث سبق وأن نشر وثائق سرية عن علاقة تركيا بداعش وبالجماعات الإرهابية وتقديمها الدعم الكامل لهم في السنوات التي نشط فيها تنظيم الدولة الإسلامية بقوة في المنطقة، بالإضافة إلى تورط جهاز المخابرات الوطني التركي مع الجماعات الجهادية خدمة لأجندة أنقرة التوسعية سواء في سوريا أو في ليبيا وحتى في القرن الإفريقي”.

وأضافت :”وفي يناير الماضي،نشر الموقع السويدي وثائق سرية توضح مشاركة مجموعة بن علي الجهادية بقيادة الليبي المتشدد المقرّب من تنظيم القاعدة، عبدالعظيم علي موسى بن علي، في نقل المقاتلين الأجانب والأسلحة من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا، وهي عمليات مهدت الطريق أمام ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا فيما بعد”.

كما أشارت إلى أن روسيا قدمت تقريرا استخباراتيا إلى الأمم المتحدة في 10 فبراير 2016 يؤكّد ضلوع تركيا في دعم الجهاديين. بالإضافة إلى سرد العديد من الحوادث التي توضح كيفية تورط جهاز المخابرات الوطني التركي مع الجماعات الجهادية. وتولّى التقرير الروسي تفصيل أنشطة جهادي ليبي يدعى المهدي الحاراتي غير القانونية التي تمكن من تحقيقها بمساعدة جهاز المخابرات التركي.

وقال عبدالله بوزكورت مدير الموقع إن تقريرا صاغته الشرطة التركية بغرض التداول الداخلي يوضح وجود روابط وثيقة تجمع بين أعضاء جماعة بن علي الجهادية الليبية وأردوغان عندما كان رئيسا للوزراء.

وحسب التقرير الذي نشر في 20 يناير الماضي، تولّت مجموعة بن علي استقبال المقاتلين الأجانب القادمين من ليبيا، ونقلهم إلى مقاطعة هاتاي التركية الواقعة على الحدود مع سوريا، والاتصال بعائلاتهم إن لزم الأمر.

كما تضمن تقرير الشرطة وثائق سرية من جهاز المخابرات الوطني التركي، أين كشفت معلومات عن علاقات تنظيم القاعدة في ليبيا بتركيا، والتي ترجع إلى يوليو 2012.

أحوال التركية قالت:”مع انحسار نفوذ داعش في سوريا والعراق في السنوات الأخيرة انضم عدد من الجهاديين الذين فروا أو انشقوا عن التنظيم الإرهابي إلى الجماعات المسلحة التي تدعمها تركيا في شمال سوريا أو ما تسميها بـ”المعارضة” المسلحة.

وتابعت :”سيناريو مماثل للحرب في سوريا انتهج أردوغان منذ يناير الماضي نفس الأسلوب لإعادة رحلة المقاتلين والمتطرفين إيابا إلى ليبيا، لكن مقتل الضابط المتقاعد وعشرات الجنود في بالإضافة إلى غضب المرتزقة في طرابلس بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم ينذر بارتداد العملية على الرئيس التركي وحكومته”.

Shares