الرئاسة التركية: تركيا وحكومة السراج لا تريدان أن يستخدم حفتر سرت والجفرة كقاعدة لعملياته العسكرية

ليبيا – قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن بلاده تدعم حكومة الوفاق بموجب اتفاق التعاون العسكري المبرم بين أنقرة وطرابلس في ديسمبر الماضي، جاء ذلك في تصريحات أدلى بها المسؤول التركي خلال مقابلة أجراها معه نائب مدير عام وكالة الأنباء التركية (الأناضول).

قالن أشار إلى أن تركيا وقعت اتفاقية تعاون عسكري وأمني مع حكومة الوفاق بناء على طلب الأخيرة وذلك عقب اندلاع ما وصفها الاشتباكات، معتبراً أن التدخل التركي في ليبيا غيّر مجريات الأحداث والاشتباكات فيها وحقق توازنا في الصراع أقر به الجميع فقاً لتعبيره.

وأضاف: “لولا الرؤية الصحيحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التدخل لازدادت الاشتباكات في ليبيا، ومات أناس كثيرون وربما كان انقسام ذلك البلد أمر محتّم، حالياً يوجد طرفان في ليبيا وتركيا تبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق تقدم في المسار السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة وحكومة فائز السراج لها حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد هجمات حفتر وتعاوننا مع حكومة السراج يستمر في هذا الإطار”.

ولفت إلى أن تركيا تؤكد مراراً أن حل الأزمة القائمة في ليبيا لن يكون عسكرياً وإنما سياسياً، مبيناً أن من أولويات تركيا تحقيق تقدم في المسار السياسي استناداً إلى مبادئ مؤتمر برلين.

وتابع مزاعمه قائلاً :”إلى أن حكومة السراج تبنت مواقف إيجابية حيال المسار السياس، فيما يواصل حفتر منذ اتفاقية أبو ظبي في أبريل 2019 يعني نحو عام ونصف العام انتهاك كافة الاتفاقات وإعلانات وقف إطلاق النار ومحادثات السلام لحل الأزمة الليبية، من الطبيعي ألّا تثق حكومة السراج بوعود حفتر لأنه حتى اليوم لم يلتزم بأي وعود أطلقها وتحرك بشكل ينافي المبادئ التي حددتها الأمم المتحدة، حفتر قدم إلى مؤتمر برلين ولكنه لم يوقع على أي شيء ملزم”.

في سياق متصل شدد قالن على أن تركيا ستواصل دعم الوفاق للمضي قدماً بالعملية السياسية في إطار مبادئ الأمم المتحدة والمبادئ المنصوص عليها في مؤتمر برلين، مضيفاً ” في مؤتمر برلين كانت هناك دعوة لوقف إطلاق النار وحكومة السرج لم تعارض هذه الدعوة لكنها اشترطت انسحاب كافة الأطراف إلى حدود اتفاقية الصخيرات (الموقع) عام 2015 وبموجب تلك الاتفاقية ينبغي انسحاب مليشيا حفتر من سرت والجفرة”.

وذكر قالن أن “حكومة السراج لا تريد أن يستخدم حفتر هاتين المدينتين كقاعدة للقيام بعملياته العسكرية، لأنهم واجهوا خيانات مثل هذه كثيراً سابقاً فكل دعوة أطلقها حفتر لوقف إطلاق نار أو حل سياسي كانت بمثابة تحضير أرضية مناسبة لاعتداء جديد، لذا فإن حكومة السراج محقة في عدم الثقة بحفتر”.

وقال “هناك جانب مهم للغاية يجهله الكثيرون وهو أن حصار حفتر لموارد النفط والغاز في ليبيا آخر 6 أشهر ألحق أضراراً بالبلاد تُقدّر بـ5 مليارات دولار يعني خسائر ليبيا شهرياً تقارب مليار أو مليار ونصف المليار دولار”.

وأضاف :” كما تعلمون كنت قد ذهبت قبل 3 أسابيع إلى طرابلس رفقة وزيري الخارجية (مولود تشاووش أوغلو) والخزانة والمالية (براءت ألبيرق) ورئيس جهاز الاستخبارات (هاكان فيدان) وأبلغنا وقتها وزير الطاقة الليبي بأن خسائر ليبيا منذ عام 2011 تجاوز 250 مليار دولار”.

وأشار قالن إلى أن “هناك ثروة كبيرة تذهب سداً في ليبيا يجب أن تكون لليبيين”، مبيناً أن “بلداً مثل ليبيا عدد سكانه قليل يتراوح ما بين 6 إلى 7 ملايين نسمة ويمتلك ثروات طبيعية عديدة من الغاز الطبيعي إلى النفط ومن السواحل إلى المناجم، يمكن أن يعيش ضمن شروط اقتصادية أفضل”.

في السياق نفسه لفت متحدث الرئاسة التركية إلى أن غاية وتطلعات وأهداف تركيا تتمثل في إنهاء ما وصفها بـ”الصراعات” بأقرب وقت ودخول ليبيا مرحلة جديدة، وردا على تساؤلات بعض الجهات الداخلية حول سبب تواجد تركيا في ليبيا قال: “في عصر أصبح فيه مفهوم الأمن عالمياً، لا يمكنكم رسم أمنكم القومي عبر حدودك الوطنية فقط فأمن تركيا هو بنفس الوقت أمن العراق وإيران وجميع جيرانها ومرتبطة بالتطورات في المتوسط بشكل مباشر”.

وأردف قائلاً “ليبيا جارة لنا في المتوسط والذين يريدون حبس تركيا داخل حدودها هم الذين يسألون عن سبب تواجد تركيا في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين، تركيا موجودة في منطقة جغرافية ممتدة من البلقان إلى آسيا الوسطى ومن الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا وحتى القوقاز وأن أي أزمة أو توتر أو صراع أو حرب في تلك المناطق تؤثر على أمن تركيا بشكل مباشر”.

وأضاف: “كيف يؤثر؟ عبر الإرهاب والهجرة، ومجالات أخرى، وما يحدث في ليبيا حاليا يؤثر بشكل مباشر على أمن البحر المتوسط و(حلف شمال الأطلسي) الناتو”، تركيا لديها علاقات تاريخية متجذرة مع ليبيا، العلاقات الاقتصادية بين البلدين كانت قوية جداً في عهد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وأن الشركات التركية أنجزت نسبة كبيرة من البنية التحتية في ذلك البلد”.

وبيّن أن “السراج دعا مؤخراً الشركات التركية لاستئناف أنشطتها في ليبيا وأعرب عن رغبته في التعاون مع تركيا في مجالات مختلفة مثل الطاقة والنفط والغاز الطبيعي وإنتاج الطاقة الكهربائية والمقاولات والبنية التحتية”.

كما أكد أن وجهة نظر تركيا بهذا الخصوص تتمثل في ضمان أمن المنطقة في إطار العلاقات القائمة على مبدأ الربح المتبادل وبذلك ضمان أمن تركيا.

وفي سياق متصل طرح سؤال آخر على المسؤول التركي جاء فيه” تحدثتم عن أمن الناتو، ورغم ذلك هناك فرنسا العضوة بالحلف تدعم الجهة غير المشروعة في ليبيا وكذلك مصر وروسيا التي رغم تعاونها مع تركيا بخصوص الأزمة السورية، تقدم كذلك نفس الدعمات، واليونان التي تسعى لتأسيس علاقة هناك، فهل هناك دعوة تركية توجهها لتلك الدول، وما هي دعوتكم من خلال المباحثات في طرابلس لتعزيز العلاقات الثنائية؟”

ورداً على هذا السؤال قال قالن “بالتأكيد يتعين على جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي، أن تولي أهمية لتأسيس علاقات مع الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وحتى وقت قريب كانت هناك بعض هذه الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية غير متحمسة لإقامة علاقات مع حكومة السراج، لكن بفضل تدخل تركيا ودعمها لحكومة الوفاق بدأت الموازين تتغير”.

وأردف “وباتت الدول تخاطب حكومة السراج، وتركيا لا ترغب في أن تكون ليبيا مسرحا للحروب وصراعات المليشيات والجنود المرتزقة القادمين من الخارج وإذا ما كانت الأزمة ستحل بشكل سياسي يجب أن تنحى هذه الحلول العسكرية جانبًا”.

وأضاف” لكن حينما تنظرون إلى ما فعلته الأطراف الدولية في سوريا، لو جدتم أن نفس المشهد بدأ يظهر في ليبيا رويدًا رويدًا وكما تعلمون الحرب في سوريا دخلت عامها الـ11 وباتت هي الحرب الأكثر دموية خلال التاريخ الحديث”.

وتابع”ومن ثم فإن الخلافات يمكن أن تحل في ليبيا إذا ما تم الاعتراف بحق الشعب الليبي في السلام، والأمن والاستقرار وتم التوجه لمسار سياسي يقوم على حفظ الموارد الطبيعية الليبية وتحقيق وحدتها السياسية وسيادة أراضيها”.

قالن استطرد حديثه: “نسمع أقاويل حول نية بعض الجهات تقسيم ليبيا إلى عدة أجزاء، كالأقاويل التي تم تداولها حول تقسيم العراق وسوريا ولبنان، لكن تركيا لا يمكنها ان تسمح بذلك، لكن إذا ما تم المضي في مقاربات مثل تقسيم ليبيا بين الأطراف فإن هذا من شأنه أن يسفر عن نتائج مدمرة لأقصى درجة”.

في السياق ذاته شدد قالن على ضرورة إيجاد حل للأزمة الليبية يضمن وحدة أراضيها ووحدتها السياسية، مبيناً أن العشائر الليبية قادرة على العيش بسلام وأمان مع بعضها البعض.

وأشار إلى أن الانقسامات الحاصلة في ليبيا ليست انقسامات عرقية أو عشائرية أو دينية أو جغرافية بل هي انقسامات سياسية تفرضها بعض الجهات الدولية لتحقيق مصالحها، مضيفاً “إن كانت الدول ستُقسّم على أساس المذهب والدين والعرق واللغة، فإن القارة الأوروبية يجب أن تُقسّم إلى مئات الدويلات، والولايات المتحدة إلى العشرات، لكن لا نشاهد نوايا في تقسيم تلك البلدان، وعندما يتعلق الأمر بالدول الإسلامية يطرحون مسألة الفصل الديني والعرقي والمذهبي”.

ونوّه أنه “من الطبيعي أن تتخذ حكومة الوفاق التدابير اللازمة للدفاع عن نفسها، الاعتداء الذي حصل قرب قاعدة الوطية قبل عدة أيام من قِبل حفتر يظهر للعيان من يريد استمرار الاشتباكات ومن يرغب في إحلال الاستقرار بالبلاد”.

وتابع” فهذا الهجوم وقع قبل أيام بالقرب من مطار الوطية، قيل أن الانقلابي حفتر هو من قام به، وقيل أيضًا أن مصدره هذه الدولة أو تلك، أنا لن أدخل في هذه الأمور، لكن الهجوم أوضح بشكل جلي من يريد السلام ومن يريد الاشتباكات”.

وأضاف” فالطرف الذي دعا للذهاب إلى مباحثات 5 + 5 تحت رعاية الأمم المتحدة (في إشارة لحفتر)، وطالب بوقف إطلاق النار، وهو الذي قام بقصف طرابلس بهذا الشكل الذي يتعارض مع القانون الدولي، وهم بكل هذه التصرفات يكشفون عن نوياهم الحقيقية”.

كما استطرد” وتوضح كذلك صحة موقف حكومة السراج وأنه لا يمكن لها أن تثق في الطرف الآخر بأي حال من الأحوال، وبالتالي عليها أن تتخذ التدابير اللازمة لحماية نفسها، ولا شك في أن دعمنا لتلك الحكومة سيتواصل، كما سنواصل مساعينا الدبلوماسة من أجل إحراز تقدم في المساعي الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة”.

ورأى أن أردوغان يبذل جهود دبلوماسية مكثفة في هذا الصدد ويتباحث الأمر مع الفاعلين الدوليين المعنيين بالقضية ولهذا السبب شارك في مؤتمر برلين حول القضية الليبية.

ورداً على سؤال حول موقف فرنسا وباقي الدول الأوروبية من مجريات الأحداث في ليبيا، قال: “ألمانيا تتبنى موقف بنّاء فمؤتمر برلين كانت خطوة جيدة فالألمان أدركوا جيدا بأن حفتر هو من يعكر صفو محادثات السلام، مؤتمر برلين كان خطوة جيدة ونرى أنه سيكون من المفيد استمرار العلمية السياسية بخصوص الأزمة الليبية في إطار المبادئ التي خرج بها هذا المؤتمر، لكن كما تعلمون حفتر هو الطرف الذي دأب على إفساد الأمور”.

وتابع “الرئيس أردوغان أبلغ ميركل بوجوب عدم الثقة بحفتر، لأنه هرب من محادثات موسكو وفعل ما يشبه ذلك في مؤتمر برلين، وأعتقد أن الألمان باتوا على قناعة بأن حفتر هو من لا يريد الحل السياسي، إن توقيع تركيا اتفاقية تحديد مناطق الصلاحية البحرية مع ليبيا خطوة تاريخية باعتبارها الأولى لتركيا مع جيرانها في البحر المتوسط”.

قالن أوضح أن القانون البحري الدولي يوصي الأطراف بحل القضايا المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة فيما بينها عبر اتفاقيات، لافتاً إلى أنه في حال وجود خلافات بشأن تلك القضايا يمكن نقلها إلى المحاكم لكن بشكل عام يفضل حل تلك الخلافات من خلال اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية أو متعددة الأطراف.

واستطرد أن تركيا دائماً ما وجهت دعوة إلى اليونان ومصر وليبيا وبقية جيرانها في شرق المتوسط للعمل من أجل اتفاق تحديد مناطق الصلاحية البحرية، إلا أن الاتفاقية مع ليبيا كانت الأولى في هذا الاتجاه، مشدداً أن الاتفاقية لا تعني طرفاً ثالثاً بشكل مباشر ولا تنتهك حقوق بقية الأطراف.

وأضاف: “اليونان لديها بعض الاعتراضات على الاتفاقية، وتقول بأن الخط البحري (وفق الاتفاق التركي الليبي) يمر من الجرف القاري لها، لكن ادعاءات اليونان موضع جدل، إذ لا يوجد في القانون الدولي أو القانون البحري الدولي أي قواعد واضحة وقطعية في هذا الشأن، لكن كما أسلفت يمكن حل القضية عبر مفاوضات ثنائية أو ثلاثية”.

وأعرب عن ترحيب بلاده باتفاق حدود الجرف القاري بين إيطاليا واليونان رغم أن الاتفاق لا يعنيها بشكل مباشر، موضحاً أن الاتفاق التركي الليبي شبيه بذلك المبرم بين إيطاليا واليونان.

وبيّن أنه: “عبر هذا الاتفاق وثقنا أن ليبيا جارتنا في المتوسط، والاتفاق سيعزز العلاقات بين تركيا وليبيا على أساس رابح رابح، وسيتم تدشين أعمال البحث والتنقيب في المنطقة عندما تنضج الظروف السياسية، وحين يتم العثور على أي ثروة سيتم تقاسم إيراداتها بشكل مشترك بين تركيا وليبيا”.

وزعم إن تركيا ترغب في أن تكون منطقة شرق المتوسط ​​بأكملها بحيرة سلام والمبادرات التي تقصي تركيا مثل مشروع “إيست ميد” مآلها الفشل وفق ما يعبر عنه الخبراء أيضاً بحسب قوله، مشددًا على عدم إمكانية وضع خرائط للطاقة أو تحقيق الاستقرار السياسي في منطقة شرق المتوسط عبر تجاهل تركيا التي تمتلك أطول ساحل في شرق المتوسط.

كما إعتبر في ختام حديثه أن فرنسا تستمر في وضع العراقيل وتواصل اتخاذ موقف سلبي، مشيراً إلى أن ذلك لن يدفع تركيا إلى تصعيد التوتر والتصادم معها.

 

Shares