نيترات الأمونيوم .. وقود الجحيم الذي أنقذت اليونان مصراتة منه ومن مصير مشابه لبيروت

ليبيا – في مطلع يناير 2018 إشتعلت وسائل الاعلام اليونانية مبدية إهتماماً بالغاً بسلامة شحنة متفجرات مهولة مضبوطة على متن سفينة تركية كانت متجهة لمدينة مصراتة وتم انزالها فى أحد المواني جنوب أثينا . 

يومها قال وزير الشؤون البحرية والسياسة الداخلية اليوناني ” باناجيوتيس كورومبليس ” ان الشحنة تم تخزينها بأمان فى ميناء هيراكليون وذلك بالتنسيق مع وزارة الدفاع التي قال انها تولت مهمة تأمينها ثم نقلها إلى ثكنات عسكرية وذلك فى تعليق منه على المخاوف التي أثيرت فى الصحافة اليونانية تجاه سلامة المنطقة ، بعكس ماحدث يوم أمس من كارثة مدمرة في بيروت .

كان حجم المتفجرات وهو 410 طن أي مايعادل 410 ألف كيلوغرام أن أي خطأ فى تخزين هذه الشحنات التي كانت معبأة فى 29 حاوية ، سيحول جزيرة كريت السياحية الى صحراء جرداء وفق التقديرات اليونانية ، وكان من ضمن الشحنة أيضًا بمايعادل هذه الكمية مئات الأطنان من نيترات الأمونيوم التي كانت سببًا في خراب بيروت العظيم يوم أمس .

موقع ” سيجما لايف ” القبرصي وفى تقرير ترجمته المرصد اطلق على السفينة حينها لقب “القنبلة العائمة” التي قال أن قبرص سمحت لها بالرسو فى ميناء لارناكا للتزود بالوقود ولسبب انساني وهو تعرض احد افراد طاقمها لازمة قلبية وذلك قبل ان تغادر ويتم ضبطها فى اليونان .

صورة نشرتها حركة ” لارنكا رايتس ” تبين رسو السفينة فى ميناء لارنكا بالقرب من خزانات غاز رئيسة للتزود بالوقود قبل مواصلة مسيرها حتى ضبطها قبالة اليونان

واستنكرت حركة ” لارنكا رايتس ” سماح سلطات قبرص لهذه السفينة بدخول ميناء لارنكا من الاساس معتبرة ذلك تلاعباً من قبل سلطات البلد كان من الممكن أن يسبب فى مأساة لاسيما مع رسوها على بعد أقل من كيلومتر واحد من مجمع تخزين رئيسي للنفط والغاز فى الميناء .

ماذا لو إنفجرت شحنة القنبلة العائمة ؟

410 طن اي مايعادل 410 ألف كيلوجرام من المتفجرات تعد مما لاشك فيه كمية مهولة سيسبب انفجارها كارثة محققة ، خاصة مع وجود نترات الامونيوم من ضمن الشحنة حيث تستخدم النترات بخلطها مع المسحوق المتفجر ” الديناميت او TNT ” لزيادة قوة الانفجار .

وهو ماقامت به الولايات المتحدة عند تصنيعها لما يعرف بـ ” أم القنابل ” وهي أكبر قنابل الجيش الامريكي غير النووية التي استخدمتها فى ابريل 2017 ضد انفاق وكهوف داعش فى افغانستان ، مخلفة عشرات القتلى منهم رغم اختبائهم فى انفاق جبلية متشعبة تحت الارض فيما تحول الجبل المستهدف الى كومة حجارة  !

مقطع لقصف أم القنابل وأثرها على الهدف :

وقالت ماريا ثيودور المتحدثة باسم حركة لارنكا رايتس : “ميناء لارنكا يقع في وسط المدينة المليئة بمنشآت النفط والغاز الخطيرة جدا ولأسباب إنسانية تقول السلطات انها سمحت بدخول السفينة ، لماذا لم يرسلوا طائرة هليكوبتر لالتقاط الشخص المريض منها ، هذه قنبلة عائمة ! “ , كانت هذه المتحدثة القبرصية كما لو أنها استدركت عن بلادها ذلك الخطر الذي وضع بيروت في خانة العواصم المنكوبة .

 

ماذا كان سيحدث لو انفجرت الشحنة في ليبيا ؟ 

وبالعودة الى حجم كمية الشحنة وهو 410 طن من المتفجرات وعند مقارنته ومحاولة رصد ماسيخلفه من دمار ، سيتبين بأن هذا الحجم هو أقل بقليل من حجم أضخم تفجير غير نووي قامت به الولايات المتحدة سنة 1965 بهدف محاكاة آثار تفجير نووي على سفنها الحربية وذلك بعد اتفاقية 1963 التي حدت من انتاج هذا السلاح عقب اندلاع سباق التسلح بينها وبين غريمها التقليدي روسيا ( الاتحاد السوفييتي ) .

مقطع لتجربة تفجير 500 طن من المتفجرات الامريكية فى هاوي :

حيث استخدمت الولايات المتحدة فى تجربة هاواي 500 طن من المتفجرات وضعتها على حافة الساحل وقامت بتفجيرها وقد تسبب الانفجار أولاً بهزة أرضية قدرت بـ 2.7 درجات على مقياس رختر أما انفجار بيروت فقد قيست هزته بـ 3.8 درجات على المقياس ذاته  .

تسببت القنبلة الأمريكية فى حفر حفرة فاق قطرها دائرتها 3 كم مايعادل تقريبًا المساحة التي خلفها تفجير بيروت يضاف لها تدمير عدد من السفن التي كانت ترسو فى البحر على بعد يتراوح من 1.5 كيلومتر الى 4 كيلومتر وهو هدف التجربة ، مايشكل كارثة لانظير لها عن حدوثه فى مدينة آهلة كما حدث أمس في لبنان .

وعلى الرغم من كون هذه التجربة الامريكية لم تكن تجربة نووية بل محاكاة لتفجير رأس نووي صغير ، الا ان حجم سحابة التفجير او مايعرف بالفطر المتفجر فى التجارب النووية قد بلغ ارتفاعها الى الاعلى حوالي 700 متر من اللهب أي أقل بـ 128 متراً من إرتفاع برج خليفة فى إمارة دبي والذي يعد أطول بناء فى العالم بطول يبلغ 828 متراً ، وهو ماحدث يوم أمس أيضًا في بيروت ! .

إقرار باتجاه السفينة الى ليبيا

رغم النفي الخجول من السفارة التركية فى طرابلس التي أكدت متابعة أنقرة للموضوع وإشارتها بأن الشحنة كانت تتجه لأثيوبيا وليس الى ليبيا علماً بأن أثيوبيا لاتطل على أي بحر وليس لها أي ميناء ، ومع تشكيك وزارة خارجية الوفاق فى ما أعلنت عنه أثينا من ملابسات ، إلا أن ماكشفت عنه إدارة ميناء مصراتة ممثلة فى منطقتها الحرة ، خالف كل هذا وعزز الرواية اليونانية المبنية على اساس اعترافات الطاقم الذي مثل  امام الادعاء اليوناني للتحقيق .

بيان المنطقة الحرة مصراتة بتاريخ 13 يناير 2018

حيث كشفت المنطقة الحرة مصراتة بصفتها الجهة التي تتولى إدارة ميناء المدينة تلقيها طلباً من ” سفينة المتفجرات ” التركية للرسو في ميناء مصراتة وذلك بموجب اشعار رسمي قالت ان إدارة الميناء تسلمته ويحمل التاريخ المتوقع لوصولها.

وقالت المنطقة الحرة مصراتة  في بيان تلقت المرصد نسخة منه، إن هذا اجراء معمول به ولا يرتب أي التزامات على الميناء بصفته جهة الوصول اما بلدي المدينة وتجمع نوابها الذي كان بالمناسبة يضم فتحي باشاآغا قبل أن يقفز للحقيبة الوزارية بالصدفة  فقد أكد فى بيان له اصدره حينها على ذات المعلومة مطالباً بفتح تحقيق وكشف ملابسات الواقعة وتحديد الجرم فيها .

بيان بلدية مصراتة الصادر بتاريخ 13 يناير 2018
تساؤلات ومخاوف !

بيان المنطقة الحرة مصراتة فنّد بشكل كامل الرواية التركية الرسمية ممثلة فى سفارتها وفتح باب التكهنات على مصراعيه عن الهدف من إرسال كل هذه الشحنة المدمرة  الى ليبيا التي لو انفجرت في مصراتة أو أي مكان آخر تخزن به لكانت النتيجة بيروت 2 .

فمن هو المرسل ؟ ومن المستلم ولماذا ؟ ومن الذي تكفل بسداد قيمة الشحنة ؟ وهل للجهات الرسمية فى ليبيا أي دور؟ وهل للاحداث التي شهدتها مصراتة حينها بما فيها اغتيال عميدها فى ملابسات غامضة بعد خروجه من المطار قادماً من تركيا أي علاقة ؟

بل وهل تحمل الشحنة أي بصمات لملايين الدولارات المهربة للخارج بموجب الاعتمادات الممنوحة من مصرف ليبيا المركزي فى طرابلس والتي قدّرها ديوان المحاسبة لسنة 2016 وحدها بحوالي نصف مليار دولار أمريكي والاهم من هذا وذاك هل وجدت شحنات اخرى مشابهة طريقها الى ليبيا بعيداً عن أعين لجنة عقوبات الامم المتحدة ومجلس الامن وحلف الناتو الذي يراقب مياه ليبيا وتركيا عضو به  !؟

كل هذا كان يشكل علامات استفهام عن الدور التركي فى ليبيا منذ ذلك الوقت وماقبلها فهو المنحاز منذ اليوم الأول من الازمات الليبية الى تيار الاسلام السياسي بأجنحته السياسية والعسكرية والاعلامية وتغذية الارهاب فى المنطقة .

يومها إستنكرت حركة شباب من مصراتة في بيان لها تلقت المرصد نسخة منه المحاولة التركية الاخيرة بإرسال شحنة متفجرات لليبيا، محملةً إياها مسؤولية محاولة زعزعة الأمن والإستقرار في ليبيا برفقة شركائها المحليين والدولية .

وطالبت الحركة كل من مدير مديرية أمن مصراتة بإعلان الأذرع السياسية الطويلة التي تحمي الإرهاب في مصراتة ، والنائب العام بكشف الحقيقة وتحميل المسؤولية الواضحة لمن كان سبباً في تعطيل المنظومات الأمنية في ليبيا ، وفقاً لنص البيان.

وضع إقليمي ملتهب 

لم تأتي هذه الواقعة بطبيعة الحال حينها فى وضع إقليمي مريح ، بل على العكس تماماً ، فلقد كانت بعد أيام قليلة من جولة إقليمية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان شملت دول جوار ليبيا وهي تونس وتشاد وحليفه النظام السوداني السابق وهي جولة لم يخرج منها خاوي الوفاض، وكان للرجل ما أراد، وربما أكثر، بعد أن أنهى الزيارة وفي جعبته جملة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى جزيرة سواكن الاستراتيجية على البحر الأحمر التي منح الرئيس السوداني السابق أنقرة حق إدارتها وجعلها قاعدة متقدمة للبحرية التركية ، وهو مالم يرق للاعبين إقليميين يمثلون رأس حربة فى مناهضة مشروع تركيا وحلفائها المحليين والاقليميين وعلى رأسهم مصر التي بدرت منها إشارات أولية على أنها من بين المستهدفين مباشرة عبر ليبيا من النظامين السوداني والتركي بل والاثيوبي الذي قالت سفارة انقرة فى طرابلس ان المتفجرات كانت متجهة له ! ، إلا أن سقوط نظام البشير قد كسر ضلعًا من أضلع التآمر في المنطقة .

أيضاً ، ماقد يؤكد فرضية استخدام ليبيا لضرب خصوم آخرين كساحة صراع ، هو التسريب الابرز الذي انفردت به صحيفة المرصد الليبية قبل ساعات من اعلان نبأ ضبط الباخرة لاجتماع سوداني رفيع تزعمه الرئيس عمر حسن البشير وقيادة نظامه حول موقفهم من الوضع الاقليمي وريادة بلاده فى الحلف ( القطري – التركي – الايراني ) المضاد لحلف ” مكافحة الارهاب ” الذي تتصدره مصر والامارات والسعودية والبحرين والجيش الليبي فى ليبيا وفقاً لما جاء فى مستندات التسريب وهي عبارة عن محضر إجتماع سري جدًا عقد فى يوليو 2017 الماضي بالخرطوم .  

ويبقى السؤال الابرز الذي لايزال بدون إجابة وهو الغرض من إرسال كمية 410 طن من المتفجرات ونيترات الأمونيوم الى ليبيا من تركيا وعن ما اذا كان الهدف منها داخل ليبيا فقط او يتعدى ذلك الى دول الاقليم ،  فى عملية زاد من دائرة حجم الريبة تجاهها الغطاء الذي عززت به وهو بوليصات شحن الى سلطنة عُمان وجيبوتي فيما لم يطالب أحد فى الدولتين بالشحنة بعد مضي قرابة 5 أيام من ضبطها ، مايعني أن وجهتها لم تكن بالاساس الا ليبيا بدليل ان السفينة وبعد ابحارها من مينائي مارسين واسكندرونة التركيين لم تبحر جنوباً باتجاه قناة السويس وهو الطريق المفترض لوجهتها الورقية بل أبحرت فى اتجاه غرب المتوسط فى طريق يقود فى نهاية المطاف الى ليبيا والا ماكانت قد ابحرت من الاساس قبالة اليونان حيث تم ضبطها ، يقول مراقبون .

اليوم أصبحت أوراق اللعب التركية في ليبيا والمنطقة أكثر وضوحًا من ذلك الوقت الذي سجلت فيه الحادثة ولم يعد خافيًا أو بحاجة لفقهاء تفسير لكن الأمر الوحيد المثبت هو أن اليونان قد أنقذت مصراتة وليبيا من كارثة محتملة كانت قد تكون محققة بالنظر لظروف الإهمال وسوء الإستخدام والتخزين وانعدام الدولة الذي أدى في نهاية المطاف لتشويه وجه بيروت الجميلة.

المرصد – خاص

موقع ضبط السفينة – انفوجرافيك المرصد

 

Shares