“قانون حماية وإدارة أموال الغائب” في الشمال السوري .. هل هو اعتداء على الملكية الخاصة؟

سوريا – تتوالى الانتقادات للقانون الذي أصدرته “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا منذ أيام باسم قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب”، وسط غياب لأي موقف حكومي سوري.

بعض المحامين المقيمين داخل المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا اكتفوا بإبداء التحفظات على القانون، دون رغبة بالحديث، ووصف بعضهم القانون بأنه “نوع من الاستيلاء على أملاك المغتربين”، بينما رأى آخرون أن من المبالغة استخدام هذا الوصف، إلا أنهم أشاروا إلى أن القانون يشكل “اعتداء على حرية التصرف بالأملاك الخاصة” التي تكفلها كل الدساتير.

حماية وإدارة أم استثمار؟

وينص القانون على تشكيل لجنة لحماية أملاك الغائب، ويشمل كل من غادر سوريا مدة سنة أو أكثر “بقصد الإقامة الدائمة”، ويعرف القانون الغائب بأنه “كل من يحمل الجنسية السورية أو ما في حكمها ويقيم إقامة دائمة خارج حدود سوريا، ولا يقيم أحد من أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا.
وتقوم اللجنة بإدارة (استثمار) أملاكه طيلة فترة غيابه، ويفقد الغائب حقه في ريع أملاكه “دون المساس بأصل الحق”.

ويخص القانون السريان والآشوريين والأرمن بمعاملة خاصة إذ تقوم لجنة ممثلة عنهم بإدارة أملاكهم.

المحامي فاضل قرموتي يقول لـ RT إن القانون يتعارض مع العقد الاجتماعي الذي أصدرته الإدارة الذاتية نفسها، فالملكية الخاصة مصانة في ذلك العقد ولا يجوز التعدي أو الاستيلاء عليها، أو التعرض للمالك في كيفية إدارتها واستثمارها.

ويشير قرموتي إلى أنه من المبالغة وصف القانون بأنه استيلاء على الأملاك، إلا أنه يحد من حرية التصرف، لا يوجد ما يبيح للدولة أن تشارك أحدا في استثمار أمواله، ولا يجوز “استملاك الأملاك الخاصة للصالح العام إلا بقانون، وبتعويض عادل للمالك”، ويقول إن وضع اليد على أملاك المغترب بقصد الحماية والاستثمار وغيرها، وحرمانه من ريعها أيضا في حال تخلفه أو تخلف ذويه عن الحضور خلال سنة هو “تعد صارخ على حق مصان في كافة الشرائع الدينية، والاجتماعية، والوضعية”.

ويضيف قرموتي إن “القانون يلغي حقا طبيعيا للمواطن، وهو الحق بتوكيل الغير في إدارة واستثمار أمواله”، ويقول “إن كانت الغاية من القانون حماية أملاك المواطنين المغتربين فإن القانون المدني السوري يمكن اعتماده، باعتبار أن الإدارة الذاتية تخص جزءا من الجغرافية السورية”، ويصف ذلك القانون بأنه غير سياسي “ويتضمن عدة وسائل قانونية لحماية الأملاك الخاصة والعامة”
ويقول قرموتي إن القانون وما يتفرع عنه من تشكيل لجنة وقيمين على إدارة الأملاك “هو طعن بصدقية القضاء وهيئة العدالة، وقدرتها على صيانة حقوق الناس، وإحقاق الحقوق، وتطبيق العدالة، وهذه سابقة لم تحدث في أكثر الدول تخلفا”.

وحول أبعاد القانون، يقول قرموتي إنه وبعد جيل أو جيلين يمكن أن يؤدي تطبيق القانون، ولو بشكل غير مباشر، إلى إحداث نوع من التغيير الديموغرافي حتى وإن كان غير مقصود، “فأبناء المغتربين إذا لم يجدوا بيتا في بلدهم يعودون إليه ولو زيارة، فمن المحتمل أن تنقطع زياراتهم إلى البلاد”.
ويضيف أن الجانب الآخر في أبعاده وهو الاقتصادي فإنه ليس صحيحا ما يقوله بعض المنتمين للإدراة الذاتية من أنهم يحاولون الحد من ارتفاع أسعار العقارات، “فأي مغترب لن يسعى إلى الاستثمار في بلده بعد تطبيق هذا القانون، إذ تنعدم الثقة، وسيشتري في بلد آخر”.

ويشير قرموتي إلى أن المشكلة في القانون هو أنه يحدد مهلة للمغترب، علما أن الوسائل المتاحة للمغتربين في هذا القانون للحضور، وتقديم الاعتراضات أمام اللجنة المعنية هي وسائل تعجيزية، وشبه مستحيلة في ظل ظروف الإقامة في دول الاغتراب، والإجراءات المطبقة في ظل انتشار وباء كورونا، وبالتالي فإن قرموتي يرى أن “تطبيق هذا القانون هو وسيلة لحمل المغتربين على بيع أملاكهم في الوطن، وفي حال العجز عن الحضور سيكون القانون وسيلة لمصادرة الأملاك، وليس ادارة، ولا استثمار، كما هو وارد في طيات القانون”

ردود أخرى
بعض المحامين المقيمين داخل المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا اكتفوا بإبداء التحفظات على القانون دون رغبة بالحديث، بينما قال أحد محامي الرقة لـ RT إن القانون يهدف إلى الاستيلاء على أملاك بعض من تركوا البلاد ولا يقدرون على العودة، وذلك عن طريق استثمار تلك الأملاك، وتساءل إن كان تعبير “الغائب” يقصد به المقيم خارج سوريا، وهل يعد المقيم داخل سيطرة الدولة السورية وخارج حدود سيطرة الإدارة الذاتية، غائبا؟.

الكاتب السوري الكردي مسعود عكو أشار أيضا إلى العقد الاجتماعي الذي أقرته الإدارة الذاتية والذي يؤكد على أن “حق الملكية الخاصة مصانة بشكل لا يتعارض مع المصلحة العامة وينظم بقانون”، ويقول في صفحته الشخصية في فيسبوك إن “قانون أملاك الغائب مخالف أساسا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولمواد العقد الاجتماعي”.

ويتساءل: “كيف يمكن إصدار قانون مخالف للقانون الأساسي العام للإدارة؟ خاصة أن بقاء الأملاك على الواضع الراهن لا يتعارض مع المصلحة العامة”.

المصدر: RT

Shares