بقلم محمود المصراتي : تركيا الغارقة في الوحل !

مقال رأي

أردوغان المهووس بالإمامة وعودة الخلافة، يتيه في سرابه السرمدي ويغرق في أزماته، فما بين الحليف الأمريكي النسر الذي يتّخذ من قاعدة أنجرليك الجوية مستقرًا له ولرؤوسه النووية، والدب الروسي الذي روّضه بالقوة وبات شوكة في خاصرته في طرطوس وعلى مساحات واسعة في جواره السوري.

أردوغان اعتقد أنّ الاقتصاد الهشّ المبني على الاقتراض الدولي والاستثمار سيعيد له أمجاد الإمبراطورية، وأن الإخوان المجرمين سيتوّجونه على عرش الخلافة بعد أن دعم مشاريع إسقاط الدول والأنظمة في المنطقة، ودعم الإرهاب الإسلامي في هجرات متعددة بين الدول ليوسّع نفوذه، ونشر قوات الجيش التركي وقواعده في الإقليم لتحمي الإرهاب والميليشيات لا لتحاربه.

المهووس اعتقد أنه إمبراطور هذا الزمان، لتوقظه مفزوعًا تغريدة من ترامب أدت لتهاوي الليرة في دقائق، عنترياته الإعلامية هي الركح المسرحي الوحيد الذي ينطلق منها للاستجداء في السراديب، ليفضحه الرجل الأبيض الأمريكي ترامب أمام الملأ واصفًا إياه بالممثل المسرحي البارع .

قيصر روسيا فهم اللعبة فخنقه عندما أعاد المستثمرين الروس لبلاده عقب إسقاط الطائرة الروسية في سوريا حتى أقفلت المصانع جنوب تركيا، ليولول أردوغان في العلن ويستعرض، ولأن القيصر يستمد قوته من زعامة روحية للأرثوذكس المسيحيين، فلم يرض عنه إلا باعتذار علني، وبعدها خنقه بالسيل التركي “خط الغاز ستريم تركيا” وبموجبه ستصبح تركيا رهن بنان القيصر بدين عام سيتجاوز ال100 مليار دولار خلال عقد من الزمان .

ولم يكتفِ الدب بذلك بل باعه منظومة S400 ليدخله في صراع مع حليفه الأمريكي، الذي إن نفذ وعيده بالعقوبات الاقتصادية فإنه لا شيء إلا الغرق والانهيار.

اليوم يعيش الاقتصاد التركي أسوأ أوضاعه على الإطلاق، فالمقاطعة العربية أرهقته، الليرة تواصل السقوط أمام العملات الأجنبية و الصراعات في كل مكان جعلته على شفا انهيار مدوٍّ، وأرقام البطالة في تزايد مستمر، وأردوغان يخرّب للأمام بمزيد من الغوص في المعارك، التي يعتقد أنها ستنجيه من سقوطه المحقّق من أعلى هرم وهمه لواد سحيق .

هنا في ليبيا التي رأى فيها غنيمة وإرثَ أجداده، كانت الفخ الكبير الذي زرعه في طريقه حلفاؤه، وبعد فوات الأوان فهم أن هذه الأرض الطيبة، وإن أنبتت عشبًا يابسًا، فإن بها باسقات شامخات وجوارح باسلة تأكل كل خشاش الأرض، وتقتلع الحشائش لتنبت زهورًا وفُلًّا ووردًا وياسمين.

أردوغان الذي يخسر في سوريا لن ينتصر في ليبيا وإن تهيأ للاهاثين خلفه والمخدوعين بأنفسهم أنهم ينتصرون. إن ليبيا أرض طيبة تقبل السلام وتزرع السلام، لكن فيها رمال متحرّكة تبتلع الخونة والعملاء والقتلة والمجرمين ولن تستتني أردوغان منهم .

ليبيا هي الدرس القاسي لأردوغان، فهي أرض التفاهمات الدولية والدجاجة التي ستبيض ذهبًا عندما تستقر، والواهم اعتقد أنه سيأتيها ليعالج بها أزماته ويحتل أراضي النفط والغاز ويصبح إمبراطورها المتوّج، ولينقذ نفسه من شعب شائع سينتفض عليه قريبًا.

أردوغان يستوعب جيدًا أن بيانات السفارة الأمريكية في تركيا وأذربيجان وتحذير رعاياها من التحرك أو التوجه لتركيا هو جرس إنذار مبكّر لكارثة محقّقة قادمة في الطريق، ويعرف تمامًا أنه استثني نهائيًا من صفقة القرن، وأن أتباعه من الإخوان والقتلة والمجرمين قد اتُّخذ قرار دولي بسحقهم دفعةً واحدةً، وتجريدهم من سلطتهم وميليشياتهم في كل ربوع الأرض وليبيا ليست استثناء، وهو يعلم أنه ليس بالإمكان أكثر مما كان.

26 أكتوبر 2020

مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن المرصد انما تعبر عن آراء كتابها
Shares