مقال رأي بقلم كامل المرعاش : ” باشا آغا بين الطربوش التركي والقلنسوة الافريجية ! “

مقال رأي بقلم د.كامل المرعاش

أدى وزير داخلية فائز السراج زيارة إلى باريس امتدت حتى الآن لثلاثة أيام حاول خلالها خلع الطربوش التركي العثماني الذي وضعه على رأسه منذ وقت ليس بالبعيد، ووضع القلنسوة الافريجية، عل ذلك يوصله لتحقيق رغبته الجامحة لكرسي رئيس حكومة في بلد مزقته معاول الهدم، والتي كان هو أحدها.

ورغم تضارب الرواية التاريخية حول منشأ وولادة الطربوش التركي العثماني ، فانه تحول الى رمز لحكم السلاطين العثمانيين، وجسده السلطان العثماني محمود الثاني، في القرن الثامن عشر وجعله بفرمان سلطاني جزءً من اللباس الرسمي لموظفي وباشوات ورجال الدولة التركية، وفرضه على كافة مستعمرات الإمبراطورية العثمانية، وربطه بالباشوية العثمانية في هضبة الاناضول . وهكذا أصبح الطربوش العثماني رمز الاستبداد التركي الذي حاق بالعرب طوال قرون باسم الدين الإسلامي وخلفاء بني الاناضول.

 

اما القلنسوة الافريجية، (بونيه فيريجان) بالفرنسية، فهي قبعة مخروطية الشكل، مسحوبة للخلف من يسار الرأس ، وحسب إحدى الروايات التاريخية، فهي تعود إلى العصور القديمة لعديد من الشعوب في أوروبا الشرقية والأناضول، وأخذت اسمها من فريجيا في تركيا.

وقد أعطيت هذه القلنسوة  أسماء عدة منها “قبعة الحرية أو التمرد” خصوصا الذي رافق الثورة الفرنسية عام 1789 ، وقد جسد دستورالجمهورية الخامسة عام 1958 هذه القلنسوة كرمز للدولة الفرنسية في شخصية “ماريان” الفتاة الجميلة التي ترتدي هذا الرمز الجمهوري، وتعلق صورتها في كل بلديات فرنسا الـ 35 357 اسوة بالعلم الفرنسي ثلاثي الألوان ولوحة النشيد الفرنسي “ لامارسييز “.

 زائر باريس الطموح، كان مؤيدا أعمى لديناصور الاناضول أردوغان، منذ ان غرد الديناصور بأن له بقايا من صغاراً في بلاد العرب التي احتلها اجداده السلاطين، ومن واجبه حمايتهم، وأرسل طيور “البيرقدار” لتكمل عمل “طيور الابابيل” التي وصفها وسوقها لنا شيوخ الضلال والفتن من تنظيم الاخوان العفن عام 2011.

الميليشياوي فتحي باشاآغا، مهندس حرب “فجر ليبيا”، والمتهم بمذابح  القرار 7 وغرغور وومقابر جنات وغيرها” كان قد أفشل دعوة فرنسية لزعماء مصراتة عام 2018، وأطلق تصريحات نارية ضد فرنسا واتهمها بدعم الجيش الوطني الليبي، ثم قام بعد تفويضه وإلباسه بدلة الوزير المفوض من قبل السراج، بوقف ما سماه  ” التعامل بين الوزارة والجانب الفرنسي في إطار الاتفاقياتالأمنية الثنائية ، بسبب موقف الحكومة الفرنسية الداعم للمجرم حفترالمتمرد على الشرعية ! “.

ولان الطموح والجموح كما الجنون يكبران مع صاحبهما مع بزوغ شمس كل يوم، وبعد أن تنعم الباشا آغا بطعم السلطة والكرسي والخدم والحشم وهيلمان أرتال الحرس بالسيارات الفاخرة، وطقوس فجور السلاطين التي رسخها في مزرعته “وزارة الداخلية ” تغير كل شيء وأصبح ” ثائر فبراير المغوار” العدو اللدود لتحركات فرنسا، يستجدي زيارة فرنسا نفسها، مشترطًا استقباله بقصر الإيليزيه في استصراخ لما تبقي لديه من العنفوان الثوري الميليشياوي.

 في مارس 2020 تكسر حلم الإستقبال ،  عندما وصل ” السيد الوزير” حسب وصف أحد اتباع الباشا آغا بسفارة السراج في باريس، بالرغم من تمهيده برشوة صفقة شراء المروحيات من الايرباص، لصالح راحة الوزير خلال تنقلاته في البر الليبي حفاظا على أمن وسلامة المواطنين الليبيين من انياب الجريمة التي تفتك بهم كل يوم.

لكن الرد الدبلوماسي الفرنسي على طلبه، كان ثلجيًا من قمة ” الجبل الأبيض” في سلسلة الألب الفرنسية، ممزوجا بنكهة فيروس كوفيد 19، بأنه يتعذر استقباله خوفا من عدوى الكورونا التي يمكن ان ترافقه وفشلت المحاولة.

إلا أن الهيجان السياسي الذي يعصف بالبلاد الليبية، قرب المسافات التي كانت تبعد اللقاء، وتحولت الى زيارة دولة في 18 نوفمبر 2020 واسقطت ما تبقي من هيبة حكومة السراج ، و في باريس قد أُستقبل الميليشياوىالوزير، بالسجاد الاحمر متقمصا ثلاثة بدل بعنق واحد هي الداخلية والدفاع والخارجية.

فالفرنسيون المنسيون مؤخرًا في ملف الكواليسالخلفية الليبية بعد أن طردهم تحالف ” ترامب / اردوغان ” يريدون العودة وبأي ثمن، حتى من خلال اذكاء الصراع بين الباشا آغا وبين رئيسه السراج، في بازار المناصب والمكاسب الذي نصب في “سوق ڤمرت” التونسية المفعم برائحة رشاوي الترهيب والترغيب.

وبنفس أسلوب السوق والصفقة، بدا الوزير باشا آغا، بتوقيع مذكرات حسن نوايا في باريس لشراء نظم وبرمجيات شخصية وامنية بيومترية لتوثيق كل تحركات بشر ليبيا، والإطمئنان عليهم، من لحظة إستيقاظهم حتى غمس أصابعهم بالحبر الأزرق ووضع أصواتهم في صناديق الاقتراع التي سوف تجمعها وتأمنها جحافل ميليشيات داخلية الوزير.

ويبدو أن سر اهتمام الباشا آغا بشراء هذه المنظومات الجديدة، هو فقدانه السيطرة على المنظومة الحالية المشغلة منذ 2010 مع شركة المانية، وكلفت ميزانية ليبيا ملايين اليوروات، وتبدأ خدمتها من الرقم الوطني إلى اصدار جوازات السفر البيومترية، ومنظومة الجنسية الليبية، وتحتضن حتى قوائم الناخبين الليبيين لعام 2012.

والسؤال لماذا سيتم الغاء هذه المنظومة الألمانية وهدر الأموال التي صرفت عليها منذ ذلك التاريخ ؟ سؤال من بين أسئلة كثيرة يطرحها الليبيين ، ولماذا تم إيقاف اصدار الجوازات الليبية الجديدة ؟ ومن اتخذ قرار وقفها منذ 6 أشهر؟

الصفقة وقعت مع مجموعة ايديميا الفرنسية، بمئات ملايين اليوروات، والامل منها ان تفتح الأبواب التي كانت موصدة في وجه الوزير ،  وبفضلها استقبل في “بلاس بوفو” من قبل وزير الداخلية قصير القامة “جيرالد درمانان” وبحث معه مواضيع الإرهاب وخشية فرنسا من تسلل الإرهاب، وصداع الجنوب الليبي المنفلت.

فهل ناقش الوزير باشاآغا مع وزير الداخلية الفرنسي مسألة ارجاع الليبيين التي تشغل بال فرنسا، من الذين رفضت طلبات لجوئهم بسبب الاشتباه في انهم ليسوا ليبيين وربما ينتمون لتنظيمات إرهابية تسللوا إلى فرنسا من خلال جواز السفر الليبي البيومتري الجديد المزور   الذي لم يتمكن الليبيين الاصليون المهجرين من الحصول عليه ؟

 ويا ترى من قام بعملية التزوير؟ والى متى يدفع الليبيين التعساء فاتورة تورط الاخرين في الإرهاب ؟ من فتح باب التزوير ؟ من جلب الإرهابيين من كل بقاع الأرض الى ارضهم وسلبهم حقوقهم الأساسية التي تبدأ من الحق السيادي في حيازة جواز سفر الى حق الحماية الدولية من بطش الميليشيات والاوغاد ؟.

وهل تدخل مسألة التزوير في هواجس الوزير، لإلغاء المنظومة الألمانية واستبدالها بأخرى فرنسية ؟ أم للموضوع مآرب اخري تدخل في عداد الصفقات والمصالح الشخصية في السيطرة والتحكم؟؟ أجوبة لن تجدها في تصريحات الوزير وتغريداته الملغية الكثيرة ! .

اذًا  لماذا يهلل الباشا آغا  بهذه الزيارة ونتائجها ؟ وهل  تحققت بالفعل مصالح ليبيا فيها؟

من الواضح انها محاولة شخصية منه للحصول على دعم فرنسي لتحقيق حلمه الجامح في الوصول إلى منصب الرجل الأقوى غرب ليبيا، في صراعه المميت مع رؤوس ميليشياوية أخرى مثله تنازعه مطامع السيطرة خصوصا على طرابلس العاصمة، حيث مكامن السلطة والمال.

الوزير المفوض باشا آغا والذي تحدي رئيسه السراج عندما أقاله من كرسيه ، فعاد له برتل مدجج بسلاح ميليشياته في 300 عربة عسكرية ويزيد ، يطمح بدعم فرنسا له في صراعة على زعامة الغرب الليبي والحصول على رداء الشرعية الوطنية والدولية، وتحقيق حلمه المستحيل في رئاسة الحكومة وبصلاحيات واسعة !.  

وبالمقارنة، فأن ما يصنف في خانة التمنيات والاحلام للوزير باشا آغا، حققته فرنسا من هذه الزيارة، سواء على المستوي الاقتصادي “صفقة مجموعة ايديميا ” بالمليارات من اليورو، وعلى المستوي السياسي، تمكين الفرنسيين من العودة للتأثير في الملف الليبي، مسددين سهمًا قويا الى رئيس الرئاسي في ليبيا فائز السراج، الذي تجرأ مرتين عن عدم تلبية دعوته للمجيء الى باريس اذعانا لأوامر تركية.

ومادام الامر متعلقا بتركيا التي باتت سيفا مسلطا على رقاب الليبيين في شمال غرب ليبيا، فان موقف سلطانها اردوغان، أصبح عنصرا حاسما في صراع دينصورات “ستيفاني وليامز” للسيطرة على صندوق طرابلس للنفوذ والمال.

ويبدو أن قرون الاستشعار لدي ال باشا آغا اشارت عليه بغضب كبير من اردوغان لتأديبه على الانفتاح وزيارة مصر، فسارع الى طلب مساعدة الفرنسيين الذين يعارضون بشدة أي نفود تركي في ليبيا.

وكل ذلك يتوقف طبعًا على زيارة السلطان الأعظم اردوغان، التي يترقبها ديناصورات الفساد في طرابلس، ليختار من بينهم، من يقود المرحلة التي تتحقق فيها مصالح تركيا، بالقيراط وليس أقل .

 لكن الذي يبقي غامضا حتى الآن هو الى أي مدى مستعد الوزير باشاغا لنزع “الطربوش التركي” ووضع “القلنسوة الافريجية  على رأسه ونسيان ” الشنة الليبية ” والتي بفقدانها فقد البوصلة الوطنية.

مقال رأي بقلم / د.كامل المرعاش

باريس، 20 نوفمبر 2020

Shares