الولايات المتحدة – تمكّن فريق دولي من الباحثين ولأول مرة، من تصنيع نوعين مختلفين من الألماس في درجة حرارة الغرفة وفي وقت وجيز.
وسيفتح هذا الإنجاز الطريق إلى تصنيع أكثر المواد صلابة على الأرض على نطاق أوسع دون الحاجة إلى تسخين يصل إلى آلاف الدرجات المئوية كما تتطلبه التقنيات المعتمدة حتى الآن.
بين الغرافيت والألماس
من المعروف أن الألماس يتشكل طبيعيا في أعماق الأرض من ذرات الكربون على مدى مليارات السنين. وتتطلب هذه العملية بيئات ذات ضغط مرتفع بشكل استثنائي ودرجات حرارة تتجاوز ألف درجة مئوية. لكن ذرات الكربون في الطبيعة يمكنها أن تترابط فيما بينها بعدة طرق لتشكيل مواد مختلفة بما في ذلك الغرافيت الأسود الناعم والألماس الصلب الشفاف.
كما توجد أشكال من الترابط الكربوني التي تشكل مواد شبيهة بالغرافيت كالغرافين على سبيل المثال، وأخرى تؤدي إلى تشكيل مواد ماسية كمادة “لونسداليت” (Lonsdaleite) الشبيهة بالألماس العادي مع اختلاف بسيط، هو أن ترتيب الذرات في الهيكل البلوري العادي يكون مكعبا بينما يكون في اللونسداليت سداسيا.
يتم اليوم تصنيع الألماس العادي واللونسداليت، الذي تصل صلابته إلى 58% من صلابة الألماس العادي، باستخدام عملية تحاكي الظروف الطبيعية داخل قشرة الأرض، مع إضافة محفزات معدنية لتسريع عملية النمو، أو عن طريق عملية الغاز الكيميائي التي تستخدم جسيمات الألماس الدقيقة كـ “بذرة” لزراعة ألماس أكبر. وتتطلب كلتا العمليتين درجات حرارة عالية جدا وضغطا مرتفعا ووقتا طويلا للحصول على المنتج المطلوب.
غير أن العلماء لاحظوا كذلك، وجود طرق طبيعية مختلفة لتشكل الألماس، بما في ذلك أثناء الاصطدام العنيف للأحجار النيزكية على الأرض، وكذلك في عمليات أخرى مثل تصادم الكويكبات عالية السرعة في نظامنا الشمسي. وهي طرق تلعب فيها قوى الانزلاق (المعروفة أيضا باسم قوى “القص”) دورا مهما في تحفيز تكوين هذه المادة شديدة الصلابة.
في درجة حرارة الغرفة
في الدراسة الجديدة المنشورة في دورية “سمول” (Small)، تمكن فريق من الباحثين من جامعة “آر أم آي تي” الأسترالية (RMIT University) والجامعة الوطنية الأسترالية (Australian National University)، بالتعاون مع جامعة سيدني (University of Sydney) ومختبر أوك ريدج الوطني (Oak Ridge National Laboratory) في الولايات المتحدة، من تصنيع الألماس واللونسداليت بطريقة جديدة لا تتطلب سوى بضع دقائق وفي درجة حرارة الغرفة.
وبحسب بيان نشر على موقع جامعة “آر إم آي تي” حول نتائج الدراسة، قام الباحثون بتعريض شريحة صغيرة من الكربون الشبيه بالغرافيت لقوى قص شديدة وضغوط عالية فاقت 80 غيغا باسكال (ما يعادل وضع 640 فيلا على كعب حذاء دقيق)، لتحفيز تشكل الألماس. وعلى عكس التجارب السابقة في هذا المجال، لم يتم في التجربة الجديدة تطبيق أي تسخين إضافي على عينة الكربون أثناء الضغط.
وأظهرت الصور عالية الدقة التي التقطها الباحثون بواسطة المجهر الإلكتروني المتقدم، تشكل الألماس العادي واللونسداليت في العينة الناتجة. وبدا الألماس في الصور كـ “نهر” رقيق سمكه أصغر بحوالي 200 مرة من شعرة الإنسان، محاطا بـ “بحر” من لونسداليت، وفقا للبيان.
يقول الباحثون إن القدرة على صنع الألماس في درجة حرارة الغرفة، في غضون دقائق، تفتح العديد من إمكانيات التصنيع، حيث يمكن على وجه التحديد، جعل اللونسداليت أكثر صلابة من الألماس العادي.
وبهذه الطريقة فإن هذه التقنية الجديدة تمثل خبرا سارا للصناعات التي تتطلب مواد شديدة الصلابة، مثل الصناعات التي تستخدم الألماس لتغليف أدوات الثقب وشفراته لإطالة عمر خدمتها.