البصير: 8 أولويات مهمة تنتظر السلطة التنفيذية الموحدة الجديدة لتنفيذها

ليبيا – طالب الأكاديمي الليبي عثمان البصير السلطة التنفيذية الموحّدة الجديدة بأن تكون على قدر المسؤولية التي تم اختيارها من أجل تحملها والنهوض بواقع البلاد.

مطالبة البصير جاءت في مقال حمل عنوان “أولويات الحكومة الانتقالية: وجهة نظر” قدم فيه 8 من الأولويات المهمة التي تنتظر المجلس الرئاسي الثلاثي الجديد والحكومة الجديدة لتنفيذها، وفيما يلي تنشر لكم صحيفة المرصد نص هذا المقال بالكامل:

أولويات الحكومة الانتقالية: وجهة نظر

بقلم الأكاديمي الليبي عثمان البصير

في البداية أدعو الله العلي القدير أن يوفق الحكومة الجديدة بمجلسيها الرئاسي والوزاري والمؤسسات المكملة لهما لما فيه خير البلاد والعباد. التحديات عظام والآمال كبيرة، وتحمل مثل هذه المسؤولية في هذا الوقت عبء ثقيل بكل ما تعنيه الكلمة. أعانهم الله.

أنا كالكثيرين غيري، استبشرت خيرًا بقيام لجنة الحوار باختيار قيادة جديدة لإدارة الدولة. فكلنا نعلم أن الوضع الراهن غير قابل للاستدامة بوجود حكومتين، وضرورة تكوين إدارة جديدة توحد المؤسسات وبالتالي الجهود. إدارة لا ترهقها تطاحنات الماضي وخصوماته. وعادة ما نقرن آمالنا بالأشخاص في مثل هذه المهام ونعطي جانب الأشخاص أهمية كبرى، ولكن بالمقابل نحن نعلم أننا لم نختر هذه الحكومة، وأننا لم نختر حتى من اختارها، ولا ندري المعايير التي على أساسها تم اختيار من اختار هذه الحكومة. وأنا لا أقول في الأشخاص الذين تم اختيارهم لهذه المهمة إلا الخير، ويبقى المحك العملي في هذه الأشهر القليلة القادمة هو الفيصل، وبالتالي ما تبقى لنا إلا محاولة الإسهام بكل ما لدينا من جهد لدعم هذه الإدارة الجديدة، أفرادًا ومنظمات، كلًا حسب إمكانياته، وإخضاع هذه الحكومة للرقابة البناءة، لكي يكتب لها أكبر قدر من النجاح.

ما يهمنا الآن هو أولويات هذه الحكومة الجديدة وسياساتها وبرنامج وميثاق عملها في التعامل مع القضايا المهمة. كذلك مدى واقعيتها وحرفيتها في تحديد أولوياتها بما يتوافق مع المهمة الموكلة لها لتحقيق الأهداف التي من أجلها تم اختيارها من قبل لجنة الحوار، كذلك تصرف الحكومة بنضج في تفهم محدودية الإمكانيات المتاحة لها، وأهمها الوقت، والتحديات التي تواجهها، بعيدًا عن الوعود البراقة؛ فعندما أسمع تصريحات تصدر عن أي حكومة عن مشاريع كبرى ونهضة تنموية ومشاريع بنى تحتية في هذا الوقت ينتابني شعور من القلق والخوف من الفشل، فالمعروف أن الإدارة الجيدة تعد القليل وتنتج الأكثر. ومن هنا تأتي أهمية أن تضع الحكومة برنامجًا علميًا لتنفيذ مهامها المحددة، برنامجًا يعترف ويحترم محدودية الإمكانيات والزمن الممنوح لها، برنامجًا يعتمد الموضوعية الرقمية في تحديد الأهداف والإمكانيات، ووضع الأدوات المطلوبة لقياس ما تم إنجازه، وما تأخر إنجازه بشفافية. وأنا أؤكد بأن مثل هذا الأسلوب لإنجاز المهام تزداد أهميته كلما كان الوقت المحدد للإنجاز قصيرًا، ليس هناك فرصة للخطأ. وأنا أكتب هنا لحرصي أن تلقى هذه الحكومة النجاح المنشود لها لكي يتسنى لنا الانتقال إلى المرحلة القادمة، مرحلة الاستقرار السياسي والبناء والتنمية المستدامة؛ وإلا، لا سمح الله، لضاعت الشهور ونحن نراوح في نفس المكان، نعيش الأحلام ونصرف الأموال والمواطن والوطن ما زالا يئنان تحت سوء الحال وضيق العيش. ومن الأهمية بمكان إبرام اتفاق بين رأسي السلطة في تحديد مهامهما ووضع إطار تعاون بين مجلسيهما. فالرؤوس كثيرة والمهام متداخلة. فليبيا الآن يديرها أربعة مجالس. وأنا أرى أن التناغم المطلوب للنجاح سيشكل تحديًا كبيرًا، ويحتاج إلى مجهود أكبر وتواصل مستمر بين المجلسين. وهنا بيت القصيد الذي دفعني إلى الكتابة.

الكل يعلم أن الوضع قد آل إلى درجة حرجة من التأزم، وعلى الكثير من الأصعدة. فالوطن بالإضافة لما يعانيه من تدهور في وضعه الاقتصادي والأمني والسلم الاجتماعي والانقسام السياسي والجهوي، وانعدام الاستقرار السياسي ومن ثم الإداري، بات الوطن الآن مهددًا بجائحة كورونا والتي ما زالت أغنى دول العالم وأكثرها تقدمًا تعاني من ويلاتها وأضرارها إلى درجة أن وصل اقتصاد بعضها إلى مستوى مرعب من التدني يقارب درجة الشلل. هذا الوضع المتأزم من وجهة نظري، بالرغم من أنه وضع مر لا يتمناه أحد، يشكل فرصًا جيدة للإنجاز إذا ما تحلت الحكومة بالموضوعية والحرفية والمصداقية في التعاملمع الضروري في هذه المعضلات. وهنا أنصح بأن تبتعد الحكومة في برنامجها عن الأجندات البراقة والتي تحتاج إلى الوقت الطويل والإمكانيات الكبيرة والظروف المواتية لإنجازها. يجب من وجهة نظري التركيز على عدد محدود من الملفات وأهداف منطقية ومتواضعة وعدم السماح لغير هذه الملفات من القضايا بالتشويش على عمل الحكومة في معالجة هذه الملفات؛ فالمسألة يجب ألّا تتجاوز كعنوان لهذه المرحلة السيادة السلم السلام الاستقرار، ولا مجال للجديد طويل المدى، ولتعتبر هذه الحكومة بمن قبلها من الحكومات، لا تبتغوا النجاح في غيرها كما فعل الذين من قبلكم وضاعت منهم البوصلة فأوصلونا إلى ما نحن فيه الآن.

هذه الملفات هي، وأنا أرتبها تسلسلًا ولكن أرى أن علاجها لا بد أن يكون متوازيًا، فالوقت ليس في صالحنا، والقصد من الكتابة الآن هو التأكيد على أهمية بل ضرورة هذه الملفات وأهمية الإستراتيجية المتبعة لعلاجها.

1 – العمل على إخراج كل القوى الأجنبية من على تراب الوطن، مرتزقة وغيرها، وفي أسرع وقت ممكن، مستفيدة الحكومة من الزخم الذي بدأ يظهر على المستوى الدولي والذي ينادي بضرورة أن تلتزم الدول المعنية بإخراج قواتها من ليبيا. استمرار وجود هذه القوات يزعزع السيادة الوطنية بل وينسفها ويعزز فرص الاقتتال ويرسخ واقع الانقسام، كذلك العمل على توحيد المؤسسة العسكرية؛ فهي حامي حمى الوطن وعامل مهم لاستقراره وأمنه، فلن تأمن حدودنا ولن يتأكد استقرارنا واستقلالنا وجيشنا مقسم. كذلك العمل ليل نهار من أجل أن يتحقق استحقاق انتخابات السلطة القادمة وفي موعدها في 24 ديسمبر 2021 ودعم الهيئة العليا للانتخابات؛ لكي تنجح في إدارة هذا الاستحقاق المصيري.

2 – ملف كورونا والذي يحتاج إلى وضع خطة شرسة وفق أسس علمية لمكافحة هذه الجائحة. وهنا يجب التركيز على الجانب التوعوي والوقائي من ناحية السلوك الاجتماعي وتوفير متطلبات الحماية والتطعيم ضد هذا الفيروس، ووضع برنامج زمني لتوفير هذا التطعيم لكل مواطن. ووضع الترتيبات الصارمة للحد من انتشار هذه الجائحة. كذلك النظر في تقديم الدعم المالي لمن تأثر نشاطه الاقتصادي سلبًا نتيجة هذه الجائحة.

3 – التخفيف من معاناة المواطن بتوفير السيولة المالية واحترام حق المواطن في الحصول على مرتبه كما هو متعارف عليه حسب القوانين واللوائح، وأن تتعامل الحكومة مع هذا الجانب كالتزام قانوني وأخلاقي تجاه المواطن. وأنا استغرب باشمئزاز أن تجد الحكومات المال لتمويل المشاريع وشراء السلاح والتنقل جوًا حول العالم، وفي نفس الوقت تنكر أو لنقل تعجز في أن تسدد معاش عامل أو موظف قام بواجبه الوظيفي، وتتعامل الحكومة مع هذا المعاش وكأنه صدقة تجزيه متى تشاء. فهل من المعقول أن تنقص عندنا السيولة إلى درجة أن نساءنا وبناتنا وشيوخنا ينامون ليلًا في طوابير المصارف؟ وفي المقابل تتباهى الحكومة باستيراد الخردة لتقيم بها العروض. كم صرفت الحكومات على احتفالات تعني لها السعادة والبذخ والاستعراض والمواطن يعيش الفقر محروم من معاشه – حقه الذي يعرف بالكم والزمن (ولهذا سمي معاش وليس ادخارًا)؟ فأي حكومة ترفع شعارات وأجندات التنمية والبناء والناس في طوابير الليل أمام المصارف وهي عاجزة عن التعامل مع هذا الواقع المشين، حكومة لا تستحي. وكذلك حكومة تجد الأموال لبناء المقار الفخمة وتستورد الأثاث الفخم ونساؤها ورجالها ينامون في طوابير المصارف حكومة لا تستحي وغير مسؤولة.

نصيحتي للحكومة الجديدة هي أن تتعامل مع هذا الملف كأولوية قصوى وفرصة لإثبات قدراتها ومصداقيتها. وأنا أوردتها في التسلسل بعد كورونا، لأن كورونا مسألة حياة أو موت، وقد تعني انهيار اقتصادنا الوطني إذا أخفقنا في التعامل معها بنجاح. وأوردتها بعد ملف الوجود الأجنبي والمرتزقة لما أعرف أن هذا الملف يشكل بالنسبة لي ولكل ليبي جانبًا حساسًا وخطيرًا سياديًا ومعنويًا وأمنيًا ووحدة تراب.

4 – ملف المصالحة الوطنية. وهذا الملف من وجهة نظري يشكل القاعدة الأساس للاستقرار وبدونه لن يتحقق الاستقرار المنشود ولا التنمية المنشودة ولا الأمن المنشود ولا الأمان المنشود؛ فالليبيون على متن قارب واحد، عروقهم وأوراقهم متشابكة، إذا غرقوا، غرقوا جميعًا، وإن نجوا نجوا جميعًا. المصالحة الوطنية ضرورة حتمية وبدونها لا مستقبل لليبيا، بدونها تبقى ليبيا دولة تخاف من نفسها، يتداول أهلها الإقصاء بينهم على دورات وعلى مر السنين إلا أن تنقسم ليبيا وتتلاشى. المصالحة الوطنية لا بد أن تبنى على قاعدة متينة، أساسها الاعتراف بحقوق الآخرين في العيش الكريم في وطنهم أينما شاءوا، لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات كغيرهم من أبناء وطنهم بغض النظر عن انتماءاتهم. كذلك نسيان الماضي والعفو كاستثمار في المستقبل الآمن، كقاعدة أو فلسفة عامة. بالتأكيد هناك جوانب ومعالجات اجتماعية واقتصادية وحقوقية لا نستطيع نكرانها. لكنها تبقى كآليات للوصول إلى هذه الغاية وبالإمكان الاستفادة من تجارب غيرنا من الدول التي استطاعت إنجاز مثل هذا المشروع بنجاح، مثل الجزائر، وجنوب إفريقيا، ورواندا. وهنا أنوه بالدور المهم للإعلام والمساجد والمنظمات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني فهم جنود هذا الملف.

والمصالحة لن تنجح طالما تشبثنا بأحداث تاريخية أصبحت عندنا أهم من الوطن وباتت أساسًا لتقسيم مجتمعنا إلى دويلات وفئات. يجب أن تذوب هذه الأحداث كلها في ليبيا ولا نبقي منها إلا الجوانب الإيجابية وما تعلمناه منها، ونترك جوانبها السلبية المقيتة. وليكن مذهبنا في رأب الصدع ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه لأبنائه وأنصاره، عندما كان يحتضر: “ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فناله”. فكلاهما قد ينتهي به المقام إلى نفس النتيجة. فالكثير فعل ما فعل، وقال ما قال لقناعة ربما كانت خاطئة ولكنها بنية صالحة، ونحن لا ننسى الزخم الإعلامي الذي لم يتوانَ لحظة عن زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وتزوير الواقع وتصويره بطريقة أدت إلى ما نحن عليه من فرقة وتصدع. والكل يعلم إن ملف المصالحة مطلب شعبي ويحتاج إلى برنامج شامل، ولكن هناك خطوات مهمة بإمكان الحكومة القيام بها لخلق حراك جاد في هذا الملف. مثلًا، أن تقوم الحكومة بإصدار أوامر إلى جميع السفارات والبعثات الليبية بالخارج بأن تتعامل مع كل الليبيين دون تمييز، وأن تقوم بحصر أعدادهم وتقديم التقارير عن مشاكلهم وظروفهم ووضع برامج عمل لمعالجة مشاكلهم دون النظر إلى انتماءاتهم القبلية أو الجهوية أو السياسية. وأي سفارة أو بعثة ليبية تتقاعس في هذا الجانب يتم إحداث تغيير فيها دون تردد، إذا أرادت الحكومة أن تبني أساسًا للثقة في هذا الملف. كذلك عودة المهجرين إلى مدنهم وديارهم وتهذيب الخطاب الإعلامي وتحفيزه في أن يضطلع بدور إيجابي في هذا الملف.

5 – وضع البرامج الواقعية الآنية لمعالجة تدني الأداء الخدمي للحكومة في أهم المجالات مثل الصحة، والتعليم، والمواصلات، والكهرباء، والإدارة الخدمية. أقول آنية لكي تأتي أكلها اليوم لأن الوضع جدًا حرج، والوقت محدود. وأي معالجة تقوم بها الحكومة في التقليل من المركزية وإعطاء الحكومات المحلية فرصًا أكبر وأكثر ليكون لها دور في معالجة الكثير من القضايا الخدمية سيساهم في النجاح، ويكون دور الحكومة رقابيًا بالدرجة الأولى. المركزية مآلها إلى الاندثار إذا أردنا أن نبني وطنًا يسوده العدل والمساواة، وإذا أردنا أن نحقق تنمية شاملة وسريعة. التقنية الحديثة تقدم الكثير من الحلول لتحقيق توجه اللامركزية.

وهنا يجب أن أشير إلى ملف التعليم الذي يعاني التردي نتيجة انعدام الاستقرار وجاءات كورونا لتجعل واقعه أكثر سوء وأكثر صعوبة. وكل يوم يضيع من أبنائنا وبناتنا بعيدًا عن التحصيل العلمي خسارة كبيرة من الصعب تعويضها ونتائجها وخيمة. وعليه، من الضروري أن تبحث الحكومة عن حلول خارج الصندوق لتوفير المادة العلمية من خلال أساليب حديثة مستغلة أدوات مثل التعليم عن بعد باستخدام شبكة الإنترنت وإن كنت أعلم سوء حالها والإذاعات المرئية وتسخير هذه الإذاعات في بث المواد الدراسية. وربما نظرنا إلى أن تقوم كل مدرسة بدورها باستخدام ما لديها من إمكانيات رقمية متواضعة للقيام بدورها التعليمي وإعطاء الدروس المساحة المطلوبة لإبداع الحلول وتقديم الدعم لها. أنا أعلم أن هناك بعض الدول المتقدمة يقوم المدرسون فيها باستخدام هواتفهم لتسجيل الدروس ووضعها في السحاب الرقمي. وهذا جدًا ممكن في ليبيا لما أراه من انتشار لتطبيقات التواصل الاجتماعي واليوتيوب. وإن تعذر توفر المادة العلمية بصورة رقمية فلنتبنَّ منهج إحدى الدول العربية ممن لها نجاح في هذا الجانب حتى لفترة مؤقتة، إلى أن يتسنى لنا خلق برنامج وطني لعلاج هذا التحدي.

6 – كذلك ملف الفساد، وقد سمعت بعض المترشحين يركز على أهمية معاقبة المذنبين، وأنا أرى أن هذا الطرح يضع العربة أمام الحصان. علاج ملف الفساد من وجهة نظري يبدأ بوضع الأسس لمنع حدوثه أولًا، والكثير من دول العالم خاضت التجربة وتوصلت إلى حلول بالإمكان الاستفادة منها. منها مثلًا استغلال المؤسسات الاستشارية في إدارة منح العطاءات والرقابة على إنجازها مستقلة عن الإدارة ووضع الحوافز والموانع والعقوبات في الاتفاقيات مع هذه المؤسسات لتأكيد حسن سلوكها بالتأكيد، الفساد سلوك ما زالت تعاني منه حتى الدول المتقدمة بدرجات أقل بكثير من الفساد الفاحش الذي نعاني منه في ليبيا. وهنا يأتي دور القضاء والعقاب ليكمل عمل الإجراءات الوقائية للتقليل من انتشار الفساد ونشر ثقافة أن الفساد سلوك مشين يعاقب عليه القانون.

7 – المعالجة السريعة لقضية متضرري الحرب وتقديم الدعم لهم لترميم منازلهم وإصلاح مصادر عيشهم كالمتاجر والمزارع والورش. هذه الشريحة تعاني مما يعاني منه غيرهم من الليبيين من سوء العيش، أضف إلى ذلك خراب المسكن وتعطل نشاطهم الاقتصادي الذي هو مصدر رزقهم. ملف جرحى الحرب ملف كلفنا الكثير الكثير وجلب لجرحانا القليل، وهنا يجب التركيز على علاجهم وخلق حلول مستدامة تحترم حقوق هؤلاء الجرحى وأسرهم ليعيشوا هم وأسرهم حياة كريمة، لا فرق بينهم وبغض النظر عن انتماءاتهم. ملف ضحايا الحرب ملف مهم ويجب على الحكومة التعامل معه كالتزام أخلاقي نحو أسر هؤلاء الضحايا قبل أن يكون التزامًا قانونيًا، بغض النظر عن انتماءاتهم.

8 – ملف البطالة. معدل البطالة عالٍ جدًا، إذ يقارب 20% مقارنة بجارتنا تونس التي تسجل معدل بطالة قدره 16.0% في سنة 2020، وسجلت مصر معدل بطالة قدره 11%. وضعنا في هذا الملف مخجل وخطير ويندى له الجبين، وعليه، على الإدارة الجديدة التعامل مع هذا الملف كأحد الأولويات بوضع البرامج المشجعة للشباب رجالًا ونساءً لتكوين أنشطة اقتصادية خاصة، وتقديم العون المالي لتمويل هذه الأنشطة. ووضع حوافز للقطاع الخاص والشركات الأجنبية لاستيعاب وتدريب العناصر الوطنية، وتفعيل منظومة لحصر الباحثين عن وظائف وتفعيلها في تسهيل التواصل بين جميع الأطراف المعنية بهذا الشأن، وتسهيل البحث عن الوظائف والوظيفة. كذلك وضع اللوائح القاضية بإعطاء العنصر الليبي الأولوية طالما توفرت لديه الكفاءة، وأن توفر الدولة برامج تدريبية تخصصية مجانًا لرفع الكفاءة ولتأهيل العنصر الوطني وتعزيز قدراته في الحصول على الوظيفة التي تتفق مع مؤهلاته. كذلك استغلال نشاطات القطاع العام في ترميم وإعادة تأهيل البنى التحتية في خلق فرص عمل للباحثين عن وظائف، وكذلك اعتمادها كفرص لشركات القطاع الخاص، شريطة أن تستوعب العناصر الوطنية صاحبة الكفاءة.

نحن نقر بأن هناك الكثير والكثير ينتظرنا للإنجاز، ولكني ركزت على ما أراه ضروريًا في هذه المرحلة الانتقالية باعتبار أن هذه الحكومة محدودة الزمن والمهام. هناك قضايا أخرى مهمة ومصيرية مثل تضخم الكادر الوظيفي الحكومي، كذلك السياسات العامة والمالية والنقدية والاقتصادية والتنموية والأمنية. يقتصر دور هذه الحكومة في هذه القضايا الآن على التقليل من المعاناة قدر الإمكان، وتسيير الأعمال بطريقة توفر القدر الكبير من الاستقرار والاستمرارية. هذه القضايا في مجملها تحتاج إلى نقلة نوعية ومشروع وطني شامل يبنى على أسس علمية. المرحلة القادمة ستؤسس بإذن الله لإدارة بتفويض من الشعب ومن خلالها ستخوض ليبيا ممعركة التطوير والإنماء.

ولتأكيد إمكانية النجاح في الملفات السالف ذكرها، أنصح بأن تشكل الحكومة فرق عمل وزارية لكل فريق أجندة واضحة يقودها رئيس الحكومة أو عضو من أعضاء المجلس الرئاسي أو أحد الوزراء. تعقيدات الإدارة الهرمية في مثل هذه الملفات وفي هذا الوقت الحرج والقصير ليست ذات جدوى. كما يجب إخضاع كل فريق للمتابعة وفق برنامج زمني قصير كما يجب معالجة التقصير وقتيًا. فمثلًا، مشروع المصالحة الوطنية تشكل له هيئة أو مجلس، يكون برئاسة رئيس الحكومة أو رئيس المجلس الرئاسي وعضوية من لهم مسؤولية مباشرة في جوانب هذا الملف، كالداخلية والخارجية والإعلام والحكم المحلي والاقتصاد، وألّا يعامل كملف متابعة عند مجلس الوزراء. الملفات الحرجة لا بد أن تعالج عن طريق فرق عمل مكلفة بإنجاز هذه الملفات وقادرة على سرعة اتخاذ القرار، يرأس هذه الفرق أعلى سلطة في الدولة. هكذا تدار الملفات الاستثنائية الحرجة، وكأنها ملفات طوارئ وطنية.

وأنا بطرحي هذا يعلم الله أنني ما أردت إلا الخير، وأن أساهم بالمشورة بما أعطاني الله من معرفة وخبرة متواضعة. وأنا واثق بأنني لم آتِ بجديد، وأن الكثير ربما يشاركني هذه النظرة. وكما نقول: “المتفرج أسطى”، وأن التحدي في التفاصيل. ولكن في بعض الأحيان ليس بوسعنا إلا العون والنصيحة والدعاء بأن يهيئ الله للإدارة الجديدة من أمرها رشدًا، وأن يوفقها لتحقق الأمل المنشود منها.

Shares