تقرير دولي: المجتمع الدولي لا يستطيع فرض المصالحة الوطنية على الليبيين

ليبيا- سلط تقرير تحليلي نشره موقع “انك ستك” الدولي الضوء على مستقبل ليبيا بعد مرور عقد من الزمن على بداية الصراع فيها على خلفية أحداث العام 2011.

التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد أكد أن الليبيين هم المعنيين أولًا وأخيرًا بتحقيق السلام المستدام في بلادهم، وإن تولى المجتمع الدولي تقديم الأفكار الإبداعية لتحقيق ذلك، مبينًا أن الوصول إلى المصالحة الوطنية وبناء خارطة طريق لتحقيق ذلك واجب ليبي بحت.

وتطرق التقرير إلى ليبيا في عهد العقيد الراحل القذافي التي لم تظهر خلالها الاختلافات القائمة حاليًا بين الجماعات والمناطق، مقدمًا جملة من التساؤلات المهمة حول ما يجب على الليبيين فعله في الفترة القادمة للبناء على ما تحقق من سلام مؤخرًا برعاية من قبل المجتمع الدولي.

وأضاف التقرير أن التساؤل الأول بشأن استخدام العدالة الانتقالية بدعم دولي مع التركيز على الفصل في الماضي، من خلال إجراءات مثل لجان الحقيقة، فيما كان ثاني التساؤلات حول العمل على تحقيق هدف البيئة المستقرة، حيث يكون هناك تركيز أقل على المساءلة أو قول الحقيقة والمزيد على الرحمة والمضي قدمًا.

وأشار التقرير إلى أن الأهداف المرجو تحقيقها من خلال الأسلوبين محل التساؤل ليست متعارضة، لكنها تطرح أسئلة حول الخطوات المطلوبة والترتيب والرؤية النهائية لمتابعة العدالة الانتقالية والاستقرار، فهما مترابطتان في وقت ما زال فيه أهل ليبيا متشائمين؛ لأن المجتمع الدولي يتجاهل الحقائق التاريخية للصراع في بلادهم.

وأضاف التقرير أن قرار التعايش أو التفكير في المصالحة الوطنية أو كليهما يجب أن يتخذه الليبيون، في وقت تأخر فيه التعامل مع أي قضايا تتعلق بالعدالة الانتقالية والمصالحة لإخفاء الأسباب الجذرية للنزاع، متناولًا في ذات الوقت حوارًا جرى خلال برنامج “منصات الشباب” الإذاعي المدعوم من الولايات المتحدة.

وبحسب البرنامج لا يرغب المجتمع بإكراهه على استخدام مصطلح المصالحة الوطنية، فهو يرضى بالمشاركة في أنشطة بناء الثقة، كما حصل في تجربة تمت بين شباب من الطوارق والتبو ممن تقبلوا الاتفاق على الحد من العنف والامتناع عن توجيه التوتر المستمر، لكنهم تملصوا من قبول المصطلح.

وأضاف البرنامج أن مصطلح المصالحة الوطنية يعارضه الشباب؛ لأنه يضيف ضغطًا يجعلهم غير مرتاحين، إذ يتوقع منهم تقديم تنازلات والتزامات قد لا يكونوا مستعدين لها، على الرغم من انفتاحهم للتعامل مع الطرف الآخر، ما يعني أن الليبيين وحدهم يتعين عليهم أن يقرروا كيفية متابعة تنفيذ المصطلح.

وأوضح التقرير أن أهل ليبيا معنيون بشكل المصالحة الوطنية وإن كانت ضعيفة أو قوية، فالأولى تقوم على التعايش والاحترام والقيم المشتركة مع القليل من الثقة أو انعدامها، فيما يتم بناء الثانية على أساس استعادة الكرامة وعكس الأسباب الهيكلية من التهميش والتمييز وإعادة الضحايا إلى مكانتهم كأصحاب حقوق ومواطنين.

وتحدث التقرير عن احتمالية خوض الليبيين في انتقال سياسي هش للغاية بضغط من الأطراف الدولية لتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية وأهدافها شاقة في أفضل الظروف، فالوضع الحالي والتاريخ يضيفان طبقات من التعقيد إلى تحقيق عدم تكرار الجرائم وقول الحقيقة ومحاسبة الجناة وتقديم تعويضات للضحايا وإصلاح الحكومة.

وأضاف التقرير أن الوقت قد لا يكون مناسبًا لتذكر التاريخ المؤلم والحكم عليه، فتجاهله أو إساءة فهمه لا ينفي كونه يؤثر على ديناميكيات الصراع الكامن المنتقل من جيل إلى جيل، مبينًا أن النماذج القبلية والتقليدية لحل النزاعات تسعى عمومًا إلى الوصول إلى مصالحة ضعيفة لا تتعامل مباشرة مع مظالم تاريخية.

وأوضح التقرير أن الاتفاقات الناجمة عن هذه النماذج تجعل التغاضي عن الأسباب الجذرية للصراع أمرًا سهلً،ا في حين أثبتت النزاعات التي نشأت في ليبيا بعد العام 2011 أنه وعلى الرغم من مرور السنين فإن العديد من الصراعات العالقة، حتى التاريخية منها سوف تنفجر يومًا ما.

وأضاف التقرير أن المجتمع الدولي لم يكن واضحًا بشأن الهدف النهائي من العدالة الانتقالية وكيفية تحقيق المصالحة الوطنية، وهذا الأمر جعل الليبيين يميلون بالضرورة للعودة إلى العنف لتحقيق أهدافهم، ما يجعل هذا المجتمع مطالبًا بالمساعدة في تسهيل تحقيق توازن بين العدالة الانتقالية والمساءلة وعملية السلام الهشة.

وبين التقرير أن هذا التوازن يتم من خلال عقد حوارات على مستوى القاعدة للتعاون في حل المشكلات المحلية؛ لأن هذا من شأنه توضيح الكيفية التي يمكن للناس من خلالها العمل معًا للتغلب على العقبات وإرساء الأساس لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع، ما يجعل كل ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح.

وأضاف التقرير أن القيام بهذه الخطوة من الأعلى إلى الأسفل مهمة لكنها ليست كافية، فمن الممكن أن تكون الحوارات التعاونية من أسفل إلى أعلى لحل المشكلات وسيلة مهمة لبناء الثقة على المدى الطويل، فيما يستطيع المجتمع الدولي استضافة حوار وطني لمناقشة الهوية وقضايا حاسمة حيوية لتحقيق مصالحة قوية.

وأشار التقرير إلى أن هذا من شأنه تحديد مشكلات محتملة متعلقة بالعدالة الانتقالية والحلول للتغلب عليها، فيما سيحتاج المجتمع الدولي إلى مناقشة لأهدافه الحقيقية في ليبيا بين مختلف أصحاب المصلحة، وبشكل أكثر تحديدًا كيفية تحقيق التوازن بين أهداف العدالة الانتقالية والاستقرار السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي.

وأوضح التقرير أنه من دون الفهم الواضح للتفاعل بين أهداف العدالة الانتقالية والاستقرار السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي، والمفاضلات المرتبطة بالخيارات المختلفة سيظهر خطر حقيقي لتقويض الأهداف المتعلقة بكليهما، ليبقى الأمر في النهاية بيد أهل ليبيا وليس بيد القوى المتدخلة لتحقيق مصالحها.

وأضاف التقرير أنه يتعين على المجتمع الدولي عدم التخلي عن مسؤولياته تجاه ليبيا ومن بينها ملاحقة المجرمين دوليًا، فهذا الأمر سيشجع الدولة الليبية على التصرف بالمثل بشأن عديد القضايا الشائكة والمعلقة في قلب العدالة الانتقالية، فضلًا عن العمل بتواضع لدعم الليبيين لتوضيح رؤية توازن الاستقرار مع مصالحة قوية.

وبين التقرير أن هذا يتم من خلال توضيح أدوار الجهات الفاعلة وتنسيق الخطوات لتحقيق هذه الرؤية؛ لأن غياب هذا من شأنه إبقاء الدولة الليبية في حال من الضعف وستتحقق مصالحة ضعيفة أو عودة إلى الصراع العنيف، منبهًا إلى مساعٍ غير صحيحة للمجتمع الدولي منذ سنوات للدفع بالليبيين إلى الاستقرار والسلام.

وأضاف التقرير أن المساعي تمثلت بتشجيع الليبيين على التغاضي عن قضايا صعبة من شأنها أن تعقد المصالحة الكثيفة على المدى الطويل، مع توفير سيل من المصطلحات والمفاهيم الجديدة التي تم استيرادها إلى المجتمع الليبي، إلى جانب سياسات غالبًا ما تكون صعبة على مؤسسات الدولة مفرغة من فهمها وتنفيذها.

واختتم التقرير بالإشارة إلى وجوب محاسبة القوى الأجنبية لأي متسبب بضرر لحق بليبيا كجزء من تقييمها لقيمة عملية العدالة الانتقالية أو عدم وجودها، فيما ستؤول المصالحة الوطنية في النهاية إلى تفاوض الليبيين فيما بينهم بدعم من أعضاء ذوي نوايا حسنة في المجتمع الدولي، وليس عبر عملية مفروضة.

ترجمة المرصد – خاص

Shares