اليسير: يجب جمع السلاح وفك التشكيلات المسلحة وتأهيل الأجهزة الأمنية العسكرية

ليبيا – قال رئيس لجنة الأمن القومي في المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته عبد المنعم اليسير إن ما يحدث حاليًا هو وليد ما جرى فترة المؤتمر الوطني العام؛ فكل محطة يمر بها المشهد الليبي لا يتم خلالها القيام بما يجب من إجراءات سليمة، بالتالي تولد أمور أسوأ من قبلها؛ لذلك الواقع الليبي ليس بجديد.

اليسير أشار خلال مداخلة عبر برنامج “بانوراما” الذي يذاع على قناة “ليبيا الحدث” أمس السبت وتابعته صحيفة المرصد إلى أن ليبيا يجري فيها ما حدث في عدة دول مرت بنزاعات مسلحة، أو ثورات تم فيها انهيار الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، وانهيار السيطرة على سيادة الدولة.

ولفت إلى ضرورة اتباع ما يدرس في الكليات العسكرية والعلوم السياسية، وهو ما يسمى بإعادة الاستقرار لما بعد الصراع المسلح أو انهيار الدولة واتباع عدة خطوات قبل التوجه للانتخابات، من ضمنها المصالحة الوطنية الشاملة التي ليست مجرد مصالحة عامة، بل مصالحة تهدف إلى إعادة التسوية ما بين المواطنين والكتل السياسية المتواجدة؛ لكي تمارس السياسة من منبثق الديمقراطية وليست من ديمقراطية البندقية والدبابة.

وشدد على ضرورة جمع السلاح وفك التشكيلات المسلحة وإعادة دمجها وتأهيل الأجهزة الأمنية العسكرية، فهذه هي الخطوات التي تقام فيها في أي دولة، مشيرًا إلى أن ما كان يجب أن يحدث نهاية 2011 هو القيام بهذه الخطوات أولًا، بالمصالحة الوطنية الشاملة وبجمع السلاح وفك التشكيلات المسلحة وليس العكس.

كما أردف: “الحكومة التي أتت كمجلس انتقالي في ذلك الوقت بدلًا من أن يقوم بهذه الخطوات، قام بخطوات عكسية بالكامل وعكس ما هو مفروض أن يحدث؛ فبدلً منا أن يتم جمع السلاح تم نشر السلاح أكثر وإنشاء تشكيلات مسلحة أخرى، وعندما جاء المؤتمر الوطني العام بانتخابات لم يكن أعضاء المؤتمر الوطني متساويين في تلك القاعة”.

وبشأن تعامل لجنة الأمن القومي مع المليشيات قال: “إن اللجان كانت متكونة من عدة أعضاء البعض منهم يعتبرون أنفسهم من القادة الميدانيين الذين كانوا قادة كتائب في الحرب، والبعض الآخر يعتبرون أنفسهم من المدن الثائرة المسلحة، فقد كان هناك فارق كبير ما بين لجنة الأمن القومي ولجنة الدفاع، رغم أنهم مختلطين في جميع التوجهات السياسية”.

وأفاد أن لجنة الدفاع كان لها توجه خاص؛ حيث كانت تدفع بقوة بعدم إرجاع القوات المسلحة، وكانت تعارض بالكامل أي رجوع للقوات المسلحة؛ لأن فيها عناصر وأعضاء يعتبرون القوة المسلحة هي قوات جيش القذافي وكانوا معادين لها، على حد قوله.

وتابع: “في شهر 7/2011 اجتمع مجموعة من النشطاء السياسيين أغلبهم ينتمون لتيار الإخوان المسلمين في تونس، وقاموا بالترتيب مع أعضاء آخرين لا ينتمون للإخوان قاموا بالترتيبات الآتية، قالوا: إنه لكي لا يكون هناك ثورة مضادة ولا يستطيع النظام العودة لا بد من وضع ترتيبات أمنية، وهي اللجنة العليا لتقوم بمهام الشرطة والتشكيلات المسلحة لم تسمّ دروعًا في ذلك الوقت، وهي تشكيلات الثوار التي تحتل جميع المعسكرات بالكامل في المنطقة الغربية، وألّا يسمح للجيش بالرجوع وهذا ما حدث في تونس وتم تمريره”.

وأردف: “من اجتمع في تونس وأسس لذلك هم جماعة حكومة عبد الله الكيب، وقاموا بتنفيذ المشروع حيث كانت وجهة نظرهم أن ليبيا لن يكون لها جيش؛ لأن أحد الوزراء الذي كان له دور في تشكيل حكومة الكيب وكان له دور كبير جدًا في هذه الاجتماعات في تونس قال لي شخصيًا وجهة نظره في 2013، وقال: إن السبب أن يعارضون الجيش لأنه انقلابي وإننا لن نتوقع أن يكون لدينا أي اصطدام عسكري مع أي جهة، لذلك المجتمع الدولي مستعد لحمايتها، كان هناك إصرار كبير، إذا تكلمت عن الجيش والشرطة في ذلك الوقت في المؤتمر الوطني وكأنك تكلمت عن الثوار، رغم أن الثوار المسلحين الذين حاربوا في 2011 لم يزد عددهم عن 30 ألفًا، لكن عندما أتت الحكومة بمباركة المجلس الانتقالي قامت بدفع مبالغ كبيرة مكافآت للثوار، وهذه المبالغ ذهبت لأعداد كبيرة جدًا وإلى أن وصل عدد اللجنة الأمنية العليا فقط 250 ألفًا”.

اليسير استطرد قائلًا: “كتيبة الجضران وصلنا عليها ملف شكوى من كتيبة أخرى كانت تتصارع معها على السيطرة على الحقول النفطية، ملف كبير جدًا في أسماء من منتسبين لهذه الكتيبة والمليشيا التي كان يقودها الجضران، التي تسيطر على المنشآت النفطية، وعندما تصفحتها وجدت فيها أعداد وأسماء المنتسبين مزورة، كل شخص شكل قائمة وهمية اعتمدها من المجلس الانتقالي، وفيها مليشيا وجاء للحكومة ودفع الأموال، كان هناك شيء ممنهج أن تزيد عدد هذه المليشيات وتتسلح وتمنع رجوع القوات المسلحة، وعندما جاء المؤتمر الوطني كان الموضوع منتهيًا، فقد سيطرت المليشيات وكان الموقف صعب”.

وبيّن أن مسألة الديمقراطية لا تمارس عندما يكون لدى شخص سلاح والآخر يتم عزله عنه، مشيرًا إلى أنه لتحقيق ديمقراطية في ليبيا لا بد من الرجوع للنقطة المفصلية وهي أن يتساوى الجميع.

وأعرب عن أسفه إزاء المجتمع الدولي الذي يسعى لتقويض قدرات القوات المسلحة الليبية على فرض السيطرة الأمنية في ليبيا، مبينًا أن المجتمع الدولي خلق واقعًا جديدًا أليمًا، ووضع فيه القوات المسلحة في المنطقة الشرقية، وترك سيطرة المليشيات في المنطقة الغربية، بالتالي أصبح خيار الحرب موجودًا. حتى لو قرر الليبيين أن يحبوا بعضهم لن يكون القرار بيدهم.

ورأى أن المجتمع الدولي أدخل ليبيا الآن في حالة جديدة، مبينًا أن أكثر الأمور التآمرية التي مرت على ليبيا هي التي قام بها الليبيين، لافتًا إلى أن المجتمع الدولي عبارة عن موظفين يقومون بمهمة كلفوا بها.

كما أوضح أن ليبيا ليست تحت البند السابع لتفرض الأمم المتحدة ما تريده عليها، فما تبقى من البند السابع هو حظر السلاح ومنع سفر عائلة القذافي بحسب قوله، مضيفًا: “الضغط غير مستمر بل يأتي في موجات سياسية، عندما تكون هناك مصالح معينة مهددة أمريكية وغيرها يأتي الضغط عن طريق القنوات، ولما تتغير الأمور يذهب الانتباه، عدم الاستمرارية والانتظام والازدواجيات في السياسات هي تؤدي للسياسات الفوضوية الدولية التي يقوم بها المجتمع الدولي في صراعات الدول مع بعضها، هذه الدول تسيطر على المجتمع الدولي وتتصارع فيما بينها”.

وأوضح أن هناك دولتين متصارعتين في العالم هما روسيا وأمريكا؛ حيث ترغب الأولى بأن يكون لها موقع في شمال افريقيا، أما تركيا المتواجدة الآن في حلف الناتو تقع في صراع مع أمريكا وتحاول أن تغير خارطة نفوذ المنطقة، بالتالي روسيا وتركيا يتعاونون في لعبة سياسية ضد أمريكا، وهذه المتغيرات تضع ليبيا كلعبة في يد هذه الجهات الدولية المتصارعة فيما بينها.

وأشار إلى أن لجنة 5+5 لم يتم تضمينها في أي قرار من مجلس الأمن؛ لأن التضمين يأتي كحزمة كاملة، وقرارات اللجنة مع الاتفاق السياسي الذي لم يكتمل مع تشكيل الحكومة واعتمادها، وحتى اليوم، لو تم الاعتماد من مجلس الأمن هناك خطوات تنفيذية تحتاج لإرادة وقوة على الأرض لتنفيذها، وأهمها لكي يكتمل الاتفاق هو خروج القوات الأجنبية والمرتزقة وتفكيك المليشيات المسلحة وجمع سلاحها ورجوع النازحين وتمكين الحكومة.

وتساءل قائلًا: “لننظر لخروج القوات الأجنبية بما فيها تركيا وروسيا من ليبيا والمرتزقة، هل بإمكان المجتمع الدولي أن يتخذ قرارًا من مجلس الأمن أن يفرض على هذه الدول واحدة منها عضو في الناتو والأخرى دولة معادية أن تخرج من ليبيا؟ لا أعتقد أن هذا سيحدث، لا ننسى أن المليشيات في المنطقة الغربية البعض منها منظمة والآن أعطاها الشرعية والأموال، كالردع جهاز كبير وبدعم وقوة كبيرة، وجهاز الاستقرار كذلك بدلًا من أن يتم التفكيك يتم تقويتها بشكل رهيب، لا ننسى أن هناك مدنًا مسلحة تعتبر ميليشياتها صمام الأمان لها؛ لأن لديها ثأرًا من مدن أخرى ولن تستطيع أن تأمن على أنفسها في غياب ميليشياتها، هل المجتمع الدولي مستعد أن يأتي ويقدم العطاء مع أغلبية الشعب الليبي؟ أغلبية الشعب الليبي ليست مليشيات، يعتبر ضحية ومحتجزين من قبل هذه المليشيات”.

أما بشأن الخيارات التي لدى المجلس الرئاسي الجديد والحكومة للوصول للانتخابات أكد ضرورة عدم إعادة أخطاء المجلس الرئاسي السابق الذي لم يكن لديه فكرة عن الواقع الموجود في طرابلس، ولم يعرف كيف يتعامل معه، مشيرًا إلى أن المجلس تواجد بتونس إلا أن جاءتهم مجموعة من المجموعات تريد أن تستفيد من وجودهم في طرابلس، وأقنعتهم الدخول لها للعمل هناك، قبل أن يتم الانتهاء من الترتيبات الأمنية.

وتابع: “لو كان المجلس الرئاسي في ذلك الوقت له الإرادة والفهم للواقع، الإرادة أن ينجح برفض الدخول لطرابلس رغم كل الإغراءات، الآن أهم شيء بالنسبة لهذه الجماعات أن تصل لأهدافها كالاعتمادات والتعيينات؛ لذلك هم مستعدون أن يتغاضوا عن وجود المليشيات والترتيبات الأمنية و5+5 وخروج القوات المسلحة الأجنبية والمرتزقة؛ لأن أهدافهم هي الوصول لحصتهم من الغنيمة، لو كان هناك بالفعل إرادة من المجلس الرئاسي الجديد والحكومة الجديدة أن يتخذوا موقفًا قويًا مع المجتمع الدولي ومع الأطراف الليبية كلها، لرفضوا بالكامل تنفيذ هذه الاتفاقيات من غير أن تكون متكاملة، أولها تبدأ بـ 5+5 بأن يوجهوا رسالة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته بالكامل على تدمير الدولة الليبية ومؤسساتها”.

وقال: “على الدبيبة والمنفي وزملائهما أن يتخذوا موقفًا قويًا مع الجميع، ويجلسوا في أي مدينة لا تخضع لسيطرة أي مليشيات، ويوجهوا رسالة للمجتمع الدولي أن يباشروا بأي عمل إلا أن يقف المجتمع الدولي تحت مسؤولياته. ما حدث الآن هو تقاسم للغنيمة، لكن مع هذا الواقع الأليم نقول: لماذا لا نحاول أن نفعل شيئًا إيجابيًا ونوجه رسالة للجميع أن يقفوا تحت مسؤولياتهم، فالحل أن نلتزم جميعًا بموقف واحد بسيط، وهو تمكين الدولة الليبية وإعادة سيادتها وهيبتها، معنى ذلك أننا في مرحلة انتقالية نريد الوصول لانتخابات لكي نخرج من حالة الفوضى التي ليست في مصلحة المدن المسلحة التي سمت نفسها المنتصرة”.

واختتم حديثه: “هل نستطيع إدارة انتخابات نزيهة من غير مصالحة وطنية حقيقية؟ وسحب سلاح المليشيات من غير الوصول لمصالحة وطنية شاملة ودائمة؟ برنامج كامل ترعاه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؛ لكننا لم نطلب كليبيين أن نتصالح، ولم نعترف أن المصالحة الوطنية ليست موضوعًا فضفاضًا يأتي في قاعات اجتماعات وخيم، بل ترتكز على جمع السلاح فلا يوجد عفو عام دون عدالة انتقالية”.

 

Shares