آلاف الهياكل العظمية البشرية “تكشف” الحرب التطورية بين الإنسان والمرض!

أستراليا – كشفت دراسة أجريت على عشرات الآلاف من الهياكل العظمية القديمة كيف يتطور جسم الإنسان لمحاربة الأمراض، وكيف تتطور الأمراض أيضا لتصبح أقل فتكا بمرور الوقت.

ويمكن لاستنتاجاتها أن تعلم الخبراء المزيد حول كيفية التكيف مع الأمراض في المستقبل.

ويقول الباحثون الذين يقفون وراء الدراسة الجديدة، إنها تُظهر كيف تتحور الجراثيم لتتكاثر وتضمن البقاء على قيد الحياة عبر أكبر عدد ممكن من العوائل البشرية – لكن هذا السلوك أيضا يقلل من شدة المرض بمرور الوقت. وفي النهاية، تصل الكائنات الحية الدقيقة الضارة أو مسببات الأمراض إلى نوع من الهدنة مع جسم الإنسان.

وجرى تحليل أمراض الجذام والسل وداء اللولبيات (مجموعة من الأمراض بما في ذلك الزهري)، في البحث. ويمكنها جميعا ترك علامات على العظام والأسنان تشير إلى الإصابة، وبفضل الرفات البشري والسجلات الطبية المتاحة، يمكن تتبعها حتى 200 جيل.

ويقول عالم الأنثروبولوجيا ماسيج هينبيرغ، من جامعة فليندرز في أستراليا: “يُظهر كل من هذه الأمراض الثلاثة انخفاضا في معدل الانتشار الناتج عن التكيف المشترك الذي يعود بالنفع المتبادل على المرض والمضيف البشري. وفي الخمسة آلاف سنة الماضية، قبل ظهور الطب الحديث، أصبحت العلامات الهيكلية لمرض السل أقل شيوعا، وانخفضت المظاهر الهيكلية للجذام في أوروبا بعد نهاية العصور الوسطى، بينما انخفضت العلامات الهيكلية للداء اللولبي في أمريكا الشمالية، خاصة في السنوات قبل الاتصال بالغزاة الأوروبيين”.

ونظر الباحثون في 3 دراسات سابقة للأمراض الثلاثة، شملت 69379 هيكلا عظميا في المجموع. وعبر الدراسات التي تمت دراستها، اختلفت أعمار هذه الهياكل العظمية من 7250 قبل الميلاد حتى يومنا هذا.

ولم تكن كل هذه الهياكل العظمية من أشخاص مصابين بالسل أو داء اللولبيات أو الجذام، ولم تظهر جميع الهياكل العظمية للأشخاص الذين أصيبوا بهذه الأمراض علامات جسدية على العظام. وفي حين أن هذا يعني أن الدراسة الجديدة ليست تحليلا تلويا وبائيا صارما، إلا أن هذا يعني أن حجم العينة كان كبيرا بما يكفي للفريق لإجراء بعض التكهنات المفيدة.

ولا تقتل أي من الأمراض الثلاثة مضيفها البشري على الفور، ما يساعد الكائنات الممرضة على العيش والانتشار. ولكن الانخفاض المهم إحصائيا في انتشار مرض السل أو داء اللولبيات أو الجذام بمرور الوقت، يشير إلى أن البشر أصبحوا أكثر مناعة أو تحملا أو أن المرض أصبح أقل ضررا.

ويقول عالم الأنثروبولوجيا تيجان لوكاس، من جامعة فليندرز: “من منظور تطوري، من المنطقي أن يتسبب العامل الممرض في ضرر أقل للمضيف الذي يعتمد عليه في بقائه على قيد الحياة، لذا يبدو أن المستويات العالية من انتقال العدوى هي سمة تطورية مؤقتة تقل بمرور الوقت عندما ننظر إلى الجذام والسل والزهري”.

وفي حين أن هناك بعض المحاذير التي يجب ذكرها – مثل الطرق المختلفة التي أبلغت بها الدراسات الثلاث عن نتائجها، والحاجة إلى النظر في العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على انتشار المرض إلى جانب تلك التي تم تناولها هنا – إنها نظرة عامة مثيرة للاهتمام على تقدم الأمراض بمرور الوقت.

ولم يكن فيروس كورونا معنا إلا لفترة قصيرة، لكننا رأينا بالفعل تحوّر الفيروسات وتغيرها من أجل ضمان بقائها والوصول إلى المزيد من المضيفين البشر. وحتى مع سيطرة اللقاحات على انتشار الفيروس، سيتعين على الخبراء مراقبة كيفية تطوره في المستقبل عن كثب.

ويعد البحث الجديد جزء من المجال المتنامي لعلم الأمراض القديمة، ودراسة الأمراض البشرية القديمة من خلال الأدلة مثل الهياكل العظمية، والبقايا المحنطة، والوثائق والأدب القديم والفن.

ويقول لوكاس: “أصبح علم الأمراض القديمة نظاما شائعا بشكل متزايد يسمح بدراسة الأمراض التي تظهر على الأنسجة الصلبة في المجموعات السكانية السابقة، ونظرا للحفاظ على العلامات المرضية على الهياكل العظمية، فمن الممكن تتبع عملية التطور المشترك للأمراض المعدية الرئيسية الثلاثة في وقت سابق، حيث تم العثور على العينات”.

ونشر البحث في PLOS One.

المصدر: ساينس ألرت

Shares