اكتشاف دور الجين “المضخة” المدهش في تكوين الدماغ المبكر

الولايات المتحدة – من خلال دراسة أربعة مرضى يعانون من اضطراب “كثرة التلافيف” (polymicrogyria)، اكتشف الباحثون الدور المدهش لجين “المضخة” في التكوين المبكر للدماغ. في مجلة “PNAS”.

وفي اضطراب “كثرة التلافيف” (polymicrogyria)، تحتوي قشرة الدماغ على العديد من الطيات الصغيرة غير المنتظمة (gyria) وعدم تنظيم طبقاتها.

ويعاني العديد من الأطفال المتأثرين من تأخر شديد في النمو، وإعاقات ذهنية، وصرع، ويحتاج الكثير منهم إلى استخدام كرسي متحرك.

ويمكن أن تسبب الطفرات في العديد من الجينات المختلفة حالة “الانضغاط المفرط للدماغ”.

وقام الدكتور ريتشارد سميث، من قسم علم الوراثة وعلم الجينوم في مستشفى الأطفال في بوسطن (الولايات المتحدة)، الذي درس أربعة مرضى يعانون من “كثرة التلافيف” polymicrogyria، بتحديد الطفرات في الجين المسمى ATP1A3، والتحقيق في دوره في تطور الدماغ.

ويقول سميث: “يعد ATP1A3 أمرا بالغ الأهمية للعديد من العمليات البيولوجية للخلايا. إنه أحد أهم الجينات الموجودة في أدمغتنا”.

الكهرباء الحيوية وتطور الدماغ

ويقوم ATP1A3 بترميز البروتين الذي يشكل جزءا من المضخة الخلوية. إنه ينقل أيونات الصوديوم والبوتاسيوم عبر غشاء الخلية، ما يسمح لخلايانا بالحفاظ على تركيزات مختلفة من الأيونات المشحونة على كلا الجانبين، على غرار البطارية.

ويمكّن هذا الاختلاف التيارات الكهربائية من التدفق إلى داخل الخلايا أو خارجها، ما يؤدي إلى تحرك إمكانات العمل في الخلايا العصبية ووظائف الخلية الأساسية الأخرى.

ويقول سميث، عالم الفسيولوجيا الكهربية عن طريق التدريب: “بالنسبة لي، كان أمرا مقنعا جدا أن أفهم كيف تساهم بروتينات الضخ، وتدفق الأيونات، في الآليات الأساسية في نمو الدماغ. حصلنا على الكثير من الرؤى البيولوجية العظيمة من خلال دراسة هؤلاء المرضى الأربعة”.

وللإجابة عن سؤال متى وأين يتم تشغيل ATP1A3 في الدماغ النامي النموذجي؟، عمل سميث مع كبير الباحثين كريستوفر والش، وزملاؤهم، وحصلوا على الأنسجة البشرية المتبرع بها من العديد من بنوك الأنسجة بالمستشفيات ومن NIH NeuroBiobank.

وقام الباحثون بتحليل عينات مرتين في بداية نمو الدماغ: في حوالي 20 أسبوعا من الحمل، عندما تبدأ قشرة الجنين، في البداية، في الانثناء، وعند الرضع بعد الولادة بفترة وجيزة.

وباستخدام تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية (DropSeq) بالتعاون مع مارتا فلورا، في كلية الطب بجامعة هارفارد، بحثوا عن التعبير (تشغيل) لـ ATP1A3 في حوالي 125 ألف خلية عصبية فردية من 11 منطقة من قشرة ما قبل الولادة.

كما قاموا بتجميع نحو 52 ألف خلية عصبية من الرضع، وأخذوا عينات من أربع مناطق من القشرة.

وبشكل عام، كانت مستويات التعبير ATP1A3 هي الأعلى في قشرة الفص الجبهي في كلتا النقطتين الزمنيتين، والأعلى في الخلايا العصبية الأكثر نشاطا وتكرارا في القشرة.

وفي قشرة الجنين، كان تعبير ATP1A3 مرتفعا بشكل خاص في اللوحة الفرعية، وهي طبقة تختفي لاحقا أثناء التطور.

ويُعتقد أن النشاط الكهربائي في اللوح الفرعي هو مركز للإشارة إلى تكوين المشابك الدافعة، وهجرة الخلايا العصبية، وعمليات نمو الدماغ الأخرى.

ويقول سميث: “عند الرضع، وجدنا زيادة في التعبير عن الجين في العصبونات الداخلية، وهي مثبطة. نعتقد أن طفرات ATP1A3 قد تعطل توازن الإثارة والتثبيط في الدماغ، ما قد يساهم في الصرع في حالات أخرى مرتبطة بـ ATP1A3”.

ويؤكد العمل، المنشور في PNAS، كيف يمكن للبحوث في الأمراض النادرة أن تسفر عن رؤى أساسية في علم الأحياء، في هذه الحالة، كيف يطور الدماغ معالمه ونمطه التنظيمي. ويوفر خريطة للدراسات المستقبلية حول كيفية تسبب الطفرات في ATP1A3 في تكوين الدماغ بشكل غير طبيعي.

وقد تفيد النتائج أيضا في فهم العلماء للاضطرابات المعروفة الأخرى المرتبطة بـ ATP1A3. في حين أن المرضى الذين يعانون من “كثرة التلافيف” لديهم طفرات شديدة تسبب فقدان وظيفة الجين، فإن الطفرات الأكثر اعتدالا تسبب طيفا من الأمراض العصبية التي تظهر لاحقا بما في ذلك شلل نصفي متناوب في الطفولة، والذي يسبب نوبات شلل مؤقت؛ اضطراب الحركة المعروف باسم باركنسون بخلل التوتر العضلي السريع؛ والفصام الذي يصيب الأطفال. وقد تكون هذه الاضطرابات التي تظهر لاحقا أكثر قابلية للتدخل العلاجي.

وتابع سميث: “تعد كثرة التلافيف في أقصى درجات الخطورة، لكننا نعتقد أن الاضطرابات المرتبطة بـ ATP1A3 في وسط هذا الطيف يمكن أن يكون لها جذور مسببة للأمراض ويسهل علاجها قبل أن تصبح أكثر حدة”.

ويضيف أنه إذا أصبح تسلسل الحمض النووي لحديثي الولادة أمرا شائعا، فقد يوفر فرصة لعلاج الاضطرابات المرتبطة بـ ATP1A3 قبل ظهورها سريريا.

المصدر: ميديكال إكسبريس

Shares