سيف الإسلام: بلادنا أُغتصبت وأُذلت والشعب الليبي مثل البحر بالنسبة لنا

ليبيا – نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الجمعة مقالًا مطولًا تحت عنوان “ابن القذافي ما زال حيًا ويريد أن يستعيد ليبيا” أعده الصحفي الأمريكي ” روبرت إف وورث “مابين مانقله عن سيف الإسلام وبين آرائه الشخصية .

الصحفي وورث روى خلال مقاله الصحفي تفاصيل لقائه بسيف الإسلام والذي قضى عامين ونصف يرتّب لهذه المقابلة  وخلال هذه الفترة قال انه تحدث معه عدة مرات عبر الهاتف.

وأردف: “كنا في شهر رمضان، وكادت شوارع العاصمة تخلو من الناس والسيارات. لم نمرّ على أي من نقاط التفتيش التي توقعتُ المرور بها ونحن نغادر المدينة باتجاه الجنوب الغربي نحو الجبل، وبعد ساعتين تقريبًا، صعدنا ببطء وسط قمم بنية داكنة حتى وصلنا إلى هضبة الزنتان وعلى أطراف إحدى القرى، أوقف سالم السيارة وطلب مني أنا والمصوّر الذي يرافقني، جهاد نجا، الانتظار”.

وأكمل حديثه:” لم يمض وقتٌ طويل حتى توقفت خلفنا سيارةٌ بيضاء من طراز تويوتا لاند كروزر، وخرج منها رجل يرتدي ثوبًا ناصع البياض، طَلب منا أن نترك هواتفنا في سيارة سالم، كانت سيارة لاند كروزر مصفّحة ذات أبواب ثقيلة جدًّا حتى إنها حجبت جميع الأصوات من الخارج، عرّف السائق نفسه بأنه محمد، ثم قاد السيارة دون أن ينبس بكلمة لمدة عشرين دقيقة تقريبًا،إلى أن دخل مجمّعًا سكنيًّا محاطًا بالبوابات وأوقف السيارة أمام فيلّا ، فتح محمد الباب الأمامي، ودلفتُ عبر مدخلٍ خافت الإضاءة وتقدّم نحوي رجل ومدّ يده قائلًا: “مرحبا!”.

وواصل: “لم يكن لديّ شكٌ في أنه سيف الإسلام، مع أن ملامحه بدت أكبر سنًّا وكست وجهه لحيةٌ طويلةٌ غزاها الشيب، كان إبهامُ يده اليمنى وسبّابتها مبتورين – نتيجة إصابته بشظية في إحدى الغارات الجوية عام 2011 كان يرتدي عباءة سوداء، ووشاحًا ملفوفًا بشكلٍ مهندمٍ حول رأسه.

وقال الصحفي وورث: “مرت فترةٌ من الصمت المشوب بالارتباك قبل أن أسأله إن كان ما يزال سجينًا :” فأجاب سيف الإسلام : أنه رجلٌ حرٌّ وإنه يرتّب لعودته إلى الساحة السياسية، موضحًا أن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قد تحرّروا من وهْم الثورة وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم، وقال: هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي”.

وأشار وورث إلى أن سيف الإسلام رغم تحفّظه بشأن الحديث عن احتمالية ترشّحه للرئاسة، فقد قال : “لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها، ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة، إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا، نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا – نحن نضيء نصف إيطاليا ونعاني نحن من انقطاع الكهرباء، ما يحدث تخطّى حدود الفشل، إنه مهزلة”.

وعبر سيف الإسلام عن شعوره بالخوف على ليبيا في الأيام الأولى بعد عودته، قائلًا: “حذّرتُ الجميع أسرعوا الخطى في مشاريع الإسكان وفي الإصلاحات الاقتصادية، لأنكم لا تعرفون ما الذي سيحدث في المستقبل لإجهاض أي مؤامرة ضد ليبيا جئتُ إلى بنغازي وقلت: “علينا أن نُسرع الخطى، غير أن عناصر عدّة داخل الحكومة كانت تعمل جاهدةً ضدي”.

ورأى سيف الإسلام أن إدارة الرئيس باراك أوباما، وليس معمر القذافي، هي من يتحمل مسؤولية الدمار الذي حلّ بليبيا، وعن من وصفهم الصحفي بـ”المتمردين” الذين أصروا على رفض أي هدنة قبل تنحي القذافي قال: “كان العالم بأسره يقف معهم وإن وسائل الإعلام العربية شيطنت نظام القذافي إلى درجة جعلت من المستحيل إقامة حوار بين الجانبين”.

وأضاف: ” عقدوا العزم على تدمير الدولة وأن أي مجتمع قبلي مثل ليبيا يضيع بدون دولة، ما حدث في ليبيا لم يكن ثورة. يمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم، لكنها لم تكن ثورة”.

ووصف سيف الإسلام ربيع وصيف 2011 بمسلسل من الأزمات السريالية في البداية، لافتًا إلى أنه كان  تلقى اتصالات هاتفية من زعماء أجانب كانوا يعتبرونه على الأرجح وسيطًا بينهم وبين أبيه، وأحد المتصلين المعتادين كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال عنه: “في البداية كان في صفّنا ضد التدخل الغربي، ثم بدأ يقنعني بمغادرة البلاد”، مضيفًا: “أردوغان وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تُحاك منذ زمن بعيد”.

ورأى سيف الإسلام أن حرب 2011 قد انبثقت عن التقاء توترات داخلية كانت تعتمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية من بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وتابع : “كانت عدّة أمور تحدث في آن واحد زوبعة عارمة”.

وقال سيف الإسلام إنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شُقّت وسط الصحراء أسفل منزل في بلدة الزنتان لم يكن بالغرفة أي نوافذ، ولم يكن يميّز الليل عن النهار أغلب الوقت. كان وحيدًا تمامًا، وأدرك أنه قد يموت في أي لحظة، فازداد إيمانًا.

وأشار الكاتب أنه وذات يوم في مطلع عام 2014، تلقى زيارةً غيرت مجرى حياة سيف الإسلام اندفع رجلان من كتيبة الزنتان إلى غرفته الصغيرة. بدا عليهما الغضب والانزعاج وأرادا التحدث وشارك هذان الرجلان في حركة التمرد ضد القذافي، لكن وحدة الثوار لم يعد لها مكان الآن كان لأحدهما ابن أصيب بطلقة في رأسه أثناء تبادل إطلاق النار مع ميليشيا منافسة من مصراتة ، أعرب الرجلان عن شعورهما بالحسرة، ولم يكن هذا الشعور نابعًا من خسارتهما الشخصية فحسب. وقفا محنيّي الظهر داخل الغرفة – التي كانت تتسع بالكاد لثلاثتهم – وأخذا يسبّان الثورة ويقولان إنها كانت غلطة وإن سيف الإسلام وأباه كانا محقّين.

وقال سيف إنه ظل يستمع إليهما وهو يشعر بأن شيئًا ما يتغيّر وصَدَق حدسُه إذ كانت ليبيا على مشارف مرحلة انتقالية حاسمة وبحلول منتصف العام التالي، عندما زار الرجلان سيف الإسلام في غرفته – كانت البلاد في طريقها نحو حرب أهلية.

وقال: إن ليبيا أنفقت على مدار العقد الأخير مليارات الدولارات دون بناء مشروع واحد، ودون وضع حجر بناء واحد. لافتًا إلى أن تلك الأموال ذهبت إلى المتربحين الذين يمولون ويدعمون الميليشيات الصغيرة حتى يضمنوا استمرارية هذه اللعبة.

وتحدث سيف الإسلام خلال اللقاء مرارًا وتكرارًا عن غياب مفهوم الدولة في ليبيا منذ عام 2011، قائلًا: “لم تكن الحكومات المختلفة التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين سوى مجموعة من المسلّحين يرتدون البدلات”.
وأضاف: “ليس من مصلحتهم أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذا فهم يخشون الانتخابات. إنهم يعارضون فكرة وجود رئيس ودولة وحكومة ذات شرعية مستمدة من الشعب”.

وفيما يتعلق بثورات الربيع العربي فقال سيف الإسلام : “ الحمقى دمّروا بلدانهم”.

واستطرد قائلًا إنه لا يحمل أي انتقادات لعهد والده ، مشيرًا إلى أن بعض السياسات الاشتراكية في الثمانينات ربما تكون قد خرجت عن مسارها، لكن والده أدرك ذلك وصحّح الوضع.

ووجه الكاتب وورث سؤالًا عن “الكتاب الأخضر”: ألم يكن ذلك جنونًا؟ فأجاب سيف الإسلام:”لم يكن جنونًا. تناول الكتاب أمورًا أصبح الجميع يعرفونها اليوم”، مضيفًا أن مختلف الأفكار التي اكتسبت رواجًا في الغرب – مثل الاستفتاءات العامة، وخطط تملّك الموظفين للأسهم، ومخاطر الملاكمة والمصارعة – تشكل اصول ماجاء في “الكتاب الأخضر”.

وأشار سيف الاسلام إلى أن أكثر اللحظات فخرًا في مسيرته السياسية قبل عام 2011 كانت وساطته في 2009 لإطلاق سراح ضابط المخابرات الليبية عبد الباسط علي المقرحي، وهو المُدان الوحيد في قضية تفجيرات لوكربي. وبسؤاله عن السبب، قال إنه وعد المقرحي بإعادته إلى البلاد وإنه لم يعرف الحقيقة الكاملة عن التفجيرات، وأن تلك الحقيقة طُمست بفعل المزاعم المتعارضة والثغرات في جمع الأدلة حيث توصّل إلى تسوية بقيمة مليارات الدولارات مع أسر الضحايا، مشيرًا مرارًا وتكرارًا إلى أن ليبيا اتُهمت زورًا في هذه القضية، رغم ذلك.

ووجه الكاتب سؤالًا لسيف الإسلام، إن كان قد وجد غرابةً في الاحتماء بمنازل مؤيدي القذافي بعد فراره من طرابلس عام 2011. فهؤلاء الناس كانوا لا يرونه إلا نادرًا، وفجأةً أتاهم لاجئًا. هل غيرتْ هذه التجربة نظرته؟ فأجاب: “نحن نشبه السمك والشعب الليبي يشبه البحر. من دونهم نموت. هنا نحصل على الدعم. هنا نختبئ. هنا نقاتل. نحن نحصل على الدعم من هذا المكان. الشعب الليبي هو البحرُ لنا”.

المرصد – متابعات
Shares