تقرير بريطاني: رسامة ليبية شابة تعيد تجسيد التاريخ من خلال لوحاتها الفنية

ليبيا- سلط تقرير ميداني نشرته مجلة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية الضوء على تجربة الرسامة الشابة شفاء سالم من مدينة بنغازي لتجسيد تاريخ ليبيا عبر لوحاتها.

التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد نقل عن سالم تساؤلات عدة تدور في مخيلتها مفادها ما الذي يعنيه أن يكون الإنسان منتمي إلى بلد مثل ليبيا والكيفية التي يتم من خلالها إعادة بناء الشعور بالانتماء للوطن وشعبه انطلاقا من أعمق جذور الثقافة الليبية مع الحفاظ على التنوع.

وتابع التقرير إن هذه الأسئلة التي تصارع سالم للإجابة عنها في عرضها الفردي الأول”أنا ليبيا” الذي أقيم قبل أسابيع قليلة في مركز براح للفنون والثقافة في مدينة بنغازي على أن يتم إقامته بداية ديسمبر المقبل في مدينة طرابلس القديمة في العاصمة.

ونقل التقرير عن سالم قولها:”نحن نعيش في ثقافة تقوم على المرئيات ومع ذلك فإن التاريخ القديم لليبيا كان في الغالب شفهيا وليس قائما على الصور لذلك نواجه صعوبة في تصور ذلك ولدينا صور موجودة بالكهوف الليبية ولكن معظمها يأتي من ثقافات أخرى وفي ذات الوقت طورت لغة مكتوبة متماسكة مثل المصريين.

وأضافت سالم قائلة:”وكبديل عن ذلك لدينا كتب لعلماء آثار يأتون للبحث عن ليبيا من دول أجنبية من خلال اللوحات الكبيرة ويقوم الفنان بسد هذه الفجوة من خلال إعادة تخيل التاريخ الليبي وعملي هو إعادة بناء على أساس مصادر موثوقة من الكتب والمقالات الأكاديمية وأبحاث علماء الآثار”.

وبالنظر للتاريخ الحديث لليبيا والسيناريو الحالي تم فقدان عديد الفروق الثقافية الدقيقة وتعرض التاريخ للتحريف وهذا العمل مهم للغاية لأن الثقافة على وشك الانهيار من قبل قوى معارضة وفي هذا السيناريو فإن اهتمام جيل الشباب بالتنقيب عن الهوية الليبية هو مفتاح لعملية إعادة الإعمار وكذلك لتحمل الظروف الحالية.

وولدت سالم في العام 1996 في مدينة بنغازي وتخرجت لتوها في يوليو الماضي من قسم الهندسة المعمارية وتتمتع بروح طيبة وودية وتنبثق منها الشراسة والقوة وهي خصائص تظهر أيضا في لوحاتها حيث تلتقي القضايا الاجتماعية والسياسية بالنسوية والتاريخ.

وبينت سالم بالقول:”لطالما كنت شغوفة بالفن وفي البداية كنت أنسخ الصور وأعلم نفسي كيفية التعامل مع العمل الواقعي حتى جاء العام 2018 وبدأت في صنع فني الأصلي” فيما أوضح التقرير إنها وبالرغم من عدم ترعرعها في منزل فني إلا أنها ارتبطت من خلال الفن بابنة عم فنانة تعيش في العاصمة طرابلس.

وأضاف التقرير أن سالم وابنة عمها بدأت حوارا بين مدينتين ليبيتين منفصلتين تماما على المستوى الثقافي لتشجيع بعضهما البعض على التحسن مؤكدا إن اللوحات المصنوعة من القماش المعروضة في في معرض “أنا ليبيا” جزء من مجموعة أكبر من الأعمال تسمى “مشروع الهوية”.

وأكد التقرير إن هذه المجموعة ميزت انتقالها من نوع أكثر حميمية من اللوحات إلى مواضيع تاريخية أكبر لتبين قائلة:”لكنني أقول إنه حتى رسالتي تشير إلى أن الصور الذاتية لها أساس اجتماعي وسياسي وإنها تظهر كيف يتأثر الفرد شخصيا بالوضع في البلاد”.

وأشار التقرير إلى أن واحدة من أهم اللوحات التي قام “مشروع الهوية” بعرضها هي “رقصة الحرب كاسكا” الليبية التقليدية المأخوذة من شعب “تيميهو” التي ظهر أول تصوير لها على جدران المعابد المصرية بالدير البحري منذ 5 آلاف عام وفيها تم تصوير الجنود الليبيين وهم يرقصون “كسكا”.

وأضاف التقرير إن اللوحة أظهرت الجنود وهم يقاتلون بالعصي من أجل الماء إذ تظهر لوحة سالم الواقعية وجهين من الحرب منقسمان بشكل حاد بخط أحمر فمن ناحية انخرط الرجال في محاربة القسوة والإرهاب ومن ناحية أخرى تعرضت النساء للألم والخسارة نتيجة الحرب.

ومن اللوحات الجديدة التي قدمتها سالم في العرض “الفلوت الليبي” وجاءت فكرة العمل بعد قراءة مقال نشرته مجلة “كامبردج” للدراسات الليبية عن أقدم فلوت في العالم موجود في ليبيا واقترحت الدراسة أن الإغريق تبنوا الأداة وجعلوها خاصة بهم وقاموا ببناء أساطيرهم الخاصة حولها لكنها في الواقع نشأت في البلاد.

وفي اللوحة تعيد سالم ادعاء أمومة هذه الآلة الموسيقية لليبيين من خلال إعطاء الأرض الليبية شكل صائد الحوريات “القيرواني” تلك الشخصية الأسطورية ابنة ملك ونياض والقيرواني هو أيضا اسم الموقع الواقع عبر الجبل الأخضر في ليبيا حيث تم العثور على هذا الفلوت القديم.

ووفقا للأساطير الليبية تصارع ذات يوم قيرواني مع أسد هاجم القطعان ولذلك مثلت سالم الشخصية التي تعزف على الفلوت مع أسد يمشي بجانبها مبينة بالقول:”ليس من غير المألوف العثور على شخصيات محاربات في القصص الليبية والأكثر شهرة هم بالتأكيد الأمازون والرماة الأسطوريون الذين يمتطون الخيول”.

وبينما أصبحت الأسطورة مدمجة في الأساطير اليونانية فقد نشأت أيضا في ليبيا لوحة أخرى ملفتة للنظر في العرض تسمى “طقوس الجنازة في أكاكوس” تعتمد على كهف منذ نحو العام الـ4 آلاف قبل الميلاد ووجدت في جبال أكاكوس وتصور قاربا عليه بعض الأشخاص بما في ذلك واحدة مقلوبة رأسا على عقب.

ووجدت سالم رواية اللوحة بكتاب لعالم الآثار الإيطالي”فابريزيو موري” الذي اعتقد أن الشخصيات المقلوبة تمثل الموتى بنفس الرمزية التي استخدمها المصريون ما يبين إن لوحة الكهف تمثل طقوسا جنائزية من خلال ربطها مرة أخرى بالمراسم الجنائزية للمصريين ممن حملوا الموتى على متن قارب من الفجر حتى الغروب.

وفي ذات الموقع في أكاكوس وجد عالم الآثار أقدم مومياء في العالم كدليل على أن المصريين استمروا وقاموا بتكييف العديد من الطقوس الليبية لتأخذ سالم المشهد وتجعل منه في مشهد رسم كامل الجسد دراميا وشاعريا ما سمح للمشاهدين بالسفر حقا إلى ذلك الوقت في التاريخ.

ويتجه أحدث نتاج لسالم نحو أسلوب أكثر واقعية مدفوع بضرورة التواصل مع جميع أنواع المشاهدين وليس فقط النخب الفنية لتشير بالقول:”أريد أن أقدم هذا التاريخ لجميع الناس وليس فقط لمن يقدرون الفن لنقل شيء ما فيهم ولهذا السبب قررت استخدام أسلوب واقعي لأكون أكثر ودا وأتواصل مع جمهور أوسع.”

وأضافت سالم قائلة:”إن التقدم الذي لاحظته في سلسلة لوحاتي الأخيرة لا يتعلق بالواقعية المتزايدة لأشكالها بقدر ما يتعلق باستخدام اللون والضوء وأرى التحسن في لوحاتي وهذا شيء يتطور بشكل طبيعي من خلال الممارسة المستمرة” فيما حصل عرض سالم على اهتمام وصدى كبيرين.

وظهر ذلك من خلال عرض وسائل التواصل الاجتماعي ملاحظات وتعليقات حماسية وانعكاسات شيقة وعدد من الصور التي شاركها الزوار على منصات مختلفة ما يدل على التعطش لاكتشاف تاريخ الأجداد في ليبيا وتقدير عميق لعملها الفني.

وأضافت سالم بالقول وهي فرحة بصدق:”أعترف أن لدي توقعات كبيرة من نتيجة العرض لكن يجب أن أقول إن هذه تجاوزت المتوقع” فيما تم بذل الكثير من العمل في التحضير للمعرض في وقت كان مليئا بشكل خاص بها بينما كانت تنهي أطروحتها في الهندسة المعمارية.

واهتمت سالم أيضا بجميع الجوانب البيروقراطية والتنظيمية للعرض من تصميم الكتيبات إلى إضاءة المكان وبنفس العناية والاهتمام فهي الآن تعيد تصميم إعداد جديد لعرض طرابلس الذي من المقرر افتتاحه في المبنى التراثي بالمدينة القديمة في الثاني من ديسمبر المقبل.

ويتم التحضير لهذا العرض بالاستوديو الخاص بها وهي غرفة كبيرة بسطح بنايتها زينتها بأسلوب بسيط ومفعم بالحيوية فيما لا تزال تتصفح كتبها بحثا عن إلهام لسلسلة أعمال تالية فالفنانين مثلها يجيبون على سؤال “ما هو الليبي” من خلال ممارسة الرسم وإعادة تصور ليبيا كقصة لا تنتهي أبدا.

ترجمة المرصد – خاص

Shares