تونس – عادة تشهد أسواق العاصمة تونس اكتظاظا ومفاوضات لا تنتهي بين المشترين والبائعين حول ثمن سلع هي غالبا ملابس وألعاب للأطفال مع اقتراب عيد الفطر المبارك، وخاصة في اليوم الأخير لشهر رمضان المعظم.
لكن الوضع الاقتصادي المتدهور في تونس ألقى بظلاله، فالإقبال باهت على الشراء في أسواق العاصمة خلال اليوم الأخير من رمضان، الأحد 1 مايو/ أيار 2022، عشية أول أيام عيد الفطر المبارك.
ولا يتعلق الأمر فقط بملابس وألعاب الأطفال، بل بكل ما تعود التونسيون على شرائه احتفالا بعيد الفطر، الذي يحل الإثنين 2 مايو الجاري، وذلك في ظل وضع اقتصادي وسياسي مضطرب.
جيوب خاوية
رفضُ الحديث بدا واضحا تماما من جانب تجار لدى سؤالهم عن الاستعداد للعيد وحركة السوق ومدى إقبال المشترين، وتحجج بعض التجار بأنه غير مخول بالحديث.
فيما يلتفت تجار يعرضون بضائع على الأرصفة يمينا وشمالا متخوفون من أن تُأخذ منهم سلعهم لو ظهروا في الصحف أو على الشاشات، في ظل اتهامات لتجار بالاحتكار.
بعيدا عن الكاميرا، قال تونسيون لمراسل الأناضول إن الوضع المالي لأغلب مواطنيهم في أسوأ حالاته.
وأضافوا أن قدرتهم الشرائية تراجعت كثيرا مع تواصل ارتفاع أسعار أغلب المواد الأساسية، “فما بالك باحتياجات الأعياد (!)”.
وتابعوا أن الكثيرين باتوا يقتنون ملابسهم واحتياجاتهم للأعياد بعيدا عن فترة الذروة كما هو الأمر في رمضان، والإقبال على الشراء يكون أكبر خلال فترة تخفيضات الأسعار.
في شوارع “شارل ديغول” و”جمال عبد الناصر” و”باب البحر” القريبة من الشارع الرئيسي للعاصمة، الاكتظاظ كعادته في ظل وجود سوق “فندق الغلة” (سوق مركزي للخضر والغلال واللحوم وغيرها).
وترى الدكاكين وطاولات العرض المنتصبة في الشوارع على مدى البصر، لكن دون دخول الباعة والمارة في حوارات ومفاوضات تخفيض الأسعار المعتادة، في ظل جيوب خاوية.
الألوان تشدك أينما توجهت بنظرك: ملابس الأطفال وملابس رياضية من مختلف “الماركات” (أكثرها مقلدة وفق البائعين أنفسهم)، وألعاب بأشكال وأحجام مختلفة مع أسعار بعيدة تماما عما يمكن لتونسي أن يدفعه ثمنا للعبة قد تُكسر خلال ساعات.
ترتيب للأولويات
خلال جولة في هذه الشوارع المعروفة، رفض تونسيون الحديث عن أسباب عدم إقبالهم على الشراء والتهافت المعتاد على المقتنيات وحتى حلويات العيد.
ومفسرةً هذا الوضع، قالت أستاذة علم الاجتماع صابرين الجلاصي للأناضول إن “الواقع المادي في تونس تغير”.
وأوضحت أن “الرواتب لم تعد قادرة على مجابهة ارتفاع الأسعار، ما يتطلب إعادة ترتيب للأولويات بالنسبة لأغلب التونسيين والتونسيات”.
وتابعت: “عدم الإقبال على الشراءات، وتراجع اللّهفة على الإقبال على الملابس والحلويات بشكل أساسي خلال فترة عيد الفطر سببه الأزمة الاقتصادية”.
وأردفت أن هذه الأزمة “غيرت قواعد اللعبة بالنسبة للمناسبات، فأغلب التونسيين يقتنون ملابس العيد قبل فترة التخفيضات وخارج أوقات الذروة”.
وأضافت أن “موازنة التّونسي، وخاصة بعد شهر رمضان الذي تكثر فيه المصاريف بشكل كبير (…) تجعل أي مصاريف إضافية غير مطروحة خلال هذه الفترة”.
وقالت الجلاصي: “حتى الميسورين من التونسيين قد يختارون اقتناء الملابس المستعملة من ماركات عالمية بأسعار زهيدة بدلا عن ملابس مقلدة وبأثمان مرتفعة”.
وتابعت: “التونسي سيجدد تفكيره وقواعده على مدى أشهر السنة حتى يتمكن من التّماهي مع متغيرات الوضع الاقتصادي بالبلد”.
تقشف متواصل
والباعة في دكاكين وحتى في محلات ماركات كبرى محلية وأجنبية في شارع الحبيب بورقيبة أكدوا بدورهم تقلص الشراء في فترة الذروة المعتادة، وهي النصف الثاني من رمضان.
البعض يختار الاكتفاء بجولات في المحلات، ليحدد ما يعجبه على أن يعود للشراء خلال فترة التّنزيلات (تخفيضات أسعار السلع).
ويرى تجار أنه حتى فترة التخفيضات لم تعد فرصة مناسبة لأصحاب المحلات للخروج من أزمتهم بسبب استمرار فترة التقشف التي يعيشها التونسيون منذ نحو سنتين (بداية انتشار فيروس كورونا)، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية بالبلاد وتواصل ارتفاع الأسعار.
أمر متوقع
وقال الخبير الاقتصادي سفيان الجماعي للأناضول إن “السلوك الاستهلاكي للتونسيين يتغير تماشيا مع الوضع الاقتصادي الذي يعيشه وتمر به البلاد”.
وأوضح أنه “لم يعد موسم التنزيلات مهما في أجندته (التونسي)، وحتى مواعيد شراءاته العادية ستتغير حتى يتمكن من الاختيار بين معروضات مختلفة وبأسعار مقبولة عكس فترة الذروة”.
وتابع: “الركود الاستهلاكي خلال هذه الفترة أمر متوقع بعد الكثير من المصاريف في رمضان”.
وأفاد بأن “بعض التونسيين يعيشون خارج منطقة الإنفاق وما يمكن أن يُحصلوه يوجه للمصاريف العادية والاتجاه لشراءات الملابس والحلويات أمر غير مطروح خلال فترات الأزمات”.
ويشكو تونسيون من عدم التزام الباعة والتجار بالأسعار المحددة من جانب السلطات، فضلا عن ارتفاع أسعار الملابس، لاسيما الخاص منها بالأطفال، وفق ما لاحظه فريق الأناضول.
ويواجه الاقتصاد التونسي أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي، بسبب عدم الاستقرار السّياسي منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي، وتداعيات جائحة كورونا، وسط مطالبات للسلطات بالقيام بإصلاحات اقتصادية.
وزاد تدهور الوضع الاقتصادي تحت وطأة أزمة سياسية حادة تشهدها تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين بدأ رئيسها قيس سعيد إجراءات استثنائية منها: حل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على الدستور”، بينما ترى فيها قوى أخرى “تصحيحا لمسارة ثورة 2011”.
فيما قال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تسمر 5 سنوات، إن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”.
وكالات + الأناضول