الولايات المتحدة ومغبة التحرش بـ “كوكب” كوريا الشمالية!

الولايات المتحدة – بعد أن قضى 11 شهرا في الأسر، انتهت في مثل هذا اليوم من عام 1968، محنة طاقم سفينة تجسس أمريكية كانت البحرية الكورية الشمالية احتجزتها أثناء تنفيذها مهمة قبالة سواحل هذا البلد.   

هذه الحادثة كانت في ذلك الحين بالنسبة للقوات البحرية الأمريكية الأولى التي تستسلم فيها سفينة حربية للعدو بكل ما تحمل من المعدات السرية منذ 160 عاما!

وتقول تفاصيل الإفراج عن الأسرى الأمريكيين، أن الجانب الأمريكي قدم إلى الكوريين الشماليين اعتذارا رسميا في الساعة  09:00 من صبيحة  23 ديسمبر، وفي الساعة 11:30 من نفس اليوم بدأت إجراءات تسليمهم عند نقطة تفتيش “بانمونجونج”.

وحتى ذلك الحين، أمضى طاقم سفينة  التجسس الأمريكية “يوبيلو” أوقاتا عصيبة ومهينة بمجرد وصلوهم إلى قبالة سواحل كوريا الشمالية.

من ذلك أن الجنرال الكوري الشمالي بارك تشونغ جوك أثناء مفاوضات بين ممثلين عن واشنطن وبيونغ يانغ في معبر “بانمونجونج”، ضحك بعد أن قرأ الأدميرال جون فيكتور بيانا باسم بلاده طالب فيه بالإفراج الفوري عن “الرهائن” وإعادة سفينة “الأبحاث العلمية” التي كانت خارج المياه الإقليمية الكورية الشمالية والاعتذار، وصرّح قائلا: “حدود المياه الإقليمية هي تلك التي يشير إليها الرفيق كيم!”.

المياه الإقليمية الكورية الشمالية كانت حددتها قي ذلك الوقت سلطات هذا البلد بأنها تمتد 50 ميلا من سواحلها، فيما لا تعترف الولايات المتحدة إلا بـ 12 ميلا.

نعود إلى سفينة التجسس الأمريكية “بويبلو”، وكانت مسجلة في الوثائق الرسمية للبحرية الأمريكية على أنها مسح هيدروغرافي وأوقيانوغرافي تقوم بأبحاث هيدروغرافية وهيدروصوتية وفيزيائية وبيولوجية!

أما قصتها الحقيقية، فقد كانت سفينة شحن وركاب، صنعت وانزلت إلى المياه في عام 1944، وجرى لاحقا تحديثها وتحويلها إلى سفينة تجسس ورصد إلكتروني، بطاقم يضم حوالي 80 شخصا، فيما سرعتها الكاملة تبلغ 12.5 عقدة، وكانت مسلحة بمدفعين رشاشين من عيار 12.7 ملم.

بدأت هذه المهمة السرية الفاشلة والمهينة يوم 1 يناير 1968 بعد أن غادرت سفينة التجسس “يو إس إس بويبلو” ميناء ساسيبو الياباني ومرت عبر مضيق تسوشيما، ودخلت بحر اليابان في مهمة لمراقبة سفن أسطول المحيط الهادئ التابع للبحرية السوفياتية.

الولايات المتحدة ومغبة التحرش بـ

بعد بضعة أيام ابحرت “بويبلو” جنوبا على طول ساحل شبه الجزيرة الكورية، وجمعت في نفس الوقت معلومات حول مصادر البث الإذاعي على أراضي كوريا االشمالية.

وفي 20 يناير، حين كانت سفينة التجسس الأمريكية على مسافة 15 ميلا من السواحل الكورية الشمالية لاحت في الأفق سفينة حربية مجهولة، تبين لاحقا أنها سفينة صغيرة مضادة للغواصات تابعة للبحرية الكورية الشمالية .

تواصلت تحركات بحرية كوريا الشمالية بالقرب من سفينة التجسس الأمريكية وجرت يوم 23 يناير محاولات لمعرفة هويتها بإشارات العلم. وحين أبرز الأمريكيون علمهم المرصع بالنجوم ظنا منهم أن ذلك سيردع أي متهور ويبعد أي استفزاز، حصل العكس!

بعد ساعتين من حوار الإشارات عن بعد، طارت أولى القذائف فوق سفينة التجسس الأمريكية، وأصيب أحد افراد طاقمها بتمزق في ساقه، فأطلق الأمريكيون نداءات استغاثة وهرعوا لتدمير المعدات السرية، لكنهم لم يفعلوا ذلك!

قتل أحد افراد طاقم سفينة التجسس، فيما أصيب 10 أمريكيين بجروح متفاوتة، واحتجز  البحارة وعددهم  82.

وحين وصل  الكوريون الشماليون إلى سطح السفينة وقاموا بتفتيشها فوجئوا بأن “اليانكيين” لم يقوموا بتدمير المعدات فحسب، بل ولم يحاولوا حتى إيقاف تشغيلها، حيث كانت تعمل والرسالة السرية تتوالي!

بعد إطلاق سراحهم وعودتهم إلى وطنهم، استقبل افراد طاقم سفينة التجسس في الولايات المتحدة كأبطال، إلا أن محكمة بدأت في يناير عام 1969، بحضور 140 شاهدا. وحينها غضب مسؤولو البنتاغون من أن سفينة أمريكية بكامل معداتها السرية، استسلمت للعدو لأول مرة منذ 160 عاما.

قبطان سفينة التجسس الأمريكية ويدعى لويد بوشر، برر ذلك بالقول إنه قبل شهرين من تنفيذ المهمة، لجأ إلى قيادة الأسطول طالبا تركيب أجهزة خاصة، تتولى تفجير وتدمير المعدات السرية بسرعة، إلا ان طلبه لم تتم تلبيته. وبالنهاية تم إغلاق القضية بتبرئة قائد السفينة بوشر بشكل كامل!

أما المخاوف الأمريكية بشأن مغبة الاستيلاء على المعدات السرية فلم تكن عبثية، حيث قام المتخصصون السوفييت على الفور بتفكيك ونقل عدد من المعدات السرية إلى الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك آلات تشفير فئة “كيلوواط -7″، وباستخدام هذه المعدات، إلى جانب الجداول والرموز وأوصاف مخططات التشفير التي حصلت عليها في السابق الاستخبارات الخارجية السوفيتية، جرى فك تشفير حوالي مليون رسالة تم اعتراضها من البحرية الأمريكية!

هذه الحادثة ليست عابرة، بل تحمل دلالات هامة وخطيرة خاصة في الوقت الراهن. فكوريا الشمالية الآن ليست كما كانت في الستينيات، دولة بترسانة أسلحة متواضعة لا تقارن بأي حال مع الولايات المتحدة. هي الآن دولة نووية  بصواريخ قادرة على عبور القارات!

الأمريكيون في ذلك الوقت وقعوا في خطأ فادح، تكراره في الوقت الحاضر سيكون كارثيا على الكوكب بأسره. خطؤهم يتمثل في أنهم كانوا متأكدين من أن كوريا الشمالية حليف الاتحاد السوفيتي آنذاك، سيتصرفون وفق قواعد القانون البحري الدولي، ولن يمسوا بتاتا سفينة أمريكية تبحر على مبعدة 12 ميلا من سواحلهم. هم لم يدركوا أن كوريا الشمالية بأوضاعها الخاصة والاستثنائية هي بمثابة كوكب آخر!

المصدر: RT

Shares