السفيرة البريطانية رأت في حديث إلى “الشرق الأوسط” أنه من المهم معالجة القضايا الأساسية التي تعرقل التقدم حاليًا؛ وذلك من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بمدى التزام جميع الأطراف بقبول نتائج الانتخابات المنتظرة بمجرد إجرائها؛ وكيفية توزيع الموارد واستخدامها، إلى جانب حدود سلطة المؤسسات المعنية بعد الانتخابات.
وقالت: “من الواضح حاليًا أن قادة ليبيا يخذلون بلدهم”.
واستطردت: “أود أن أرى إجراءً حقيقيًا يُظهر أنهم مستعدون لوضع مصلحة ليبيا أولًا، بدلًا من حماية مصالحهم… المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، خلال الاحتفال بعيد استقلال ليبيا، دعاهم بالمثل لإعطاء الأولوية لاحتياجات الوطن”.
وذهبت إلى أنه عندما يفشل هؤلاء القادة في إحراز تقدم، يخسر الليبيون العاديون كل يوم. بعد مرور أكثر من عشر سنوات على ثورتهم يجب أن تتطور ليبيا، مستفيدةً من مواردها الطبيعية والبشرية الهائلة التي تُحسد عليها، يجب أن تكون منافسًا عالميًا في ملفات التجارة إلى التعليم والصحة؛ التسوية السياسية ستطلق العنان لهذه الإمكانات.
وفي ردها على تساؤل حول رؤية المملكة المتحدة وحلفائها الغربيين بشأن الحديث عن ضرورة وجود حكومة جديدة في ليبيا للإشراف على إجراء الانتخابات، مما يعني إزاحة الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قالت السفيرة: إن التغيير في أي مقعد الآن من غير المرجح أن يحل هذه المشكلات، مقترحةً إيجاد حل وسط من جميع الأطراف، مع التركيز على مستقبل ليبيا، وليس حاضرها فقط.
وتابعت: “أعلم أن هذا صعب في ظل جولات الصراع المتتالية التي خلقت الانقسامات وانعدام الثقة، ولكن الأمر في النهاية ليس مستحيلًا”.
وزادت: “المأزق السياسي المستمر في ليبيا ليس عصيًا على الحل؛ كما قلت مرارًا وتكرارًا لقادة البلاد، يمكنهم إيجاد حلول لهذه القضايا إذا كانوا على استعداد للمحاولة، بما في ذلك معايير الترشح للانتخابات”.
وبشأن عدم تفعيل المملكة المتحدة وحلفائها سلاح العقوبات للضغط على معرقلي العملية السياسية في البلاد، رأت السفيرة البريطانية أن حالة عدم الاستقرار في ليبيا خلال السنوات الأخيرة تم استغلالها من الفاعلين الدوليين؛ كما تم استخدام ليبيا كمسرح لأهداف الآخرين؛ ولكن أعتقد أن المجتمع الدولي بات الآن متوافقًا ومدركًا بدرجة كبيرة أن ليبيا الأكثر استقرارًا وازدهارًا ستكون في صالح الجميع.
وقالت: “نريد أن تكون ليبيا شريكًا مع المملكة المتحدة، حيث يمكننا العمل معًا على التحديات المشتركة مثل الأمن وتغير المناخ والهجرة غير المشروعة، وأعتقد أن الكثيرين من الزملاء الدوليين يشاركوننا هذا الهدف”.
ولوّحت السفيرة البريطانية بإمكانية تفعيل العقوبات تجاه من سيتم تحديدهم كمعرقلين لعملية الانتقال السياسي في ليبيا، من لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، تطبيقًا لقرار المجلس رقم (2571)، وقالت: “نحن على استعداد لاستكشاف هذه الخيارات إذ اقتضى الأمر”.
واستدركت السفيرة البريطانية: “أريد أيضًا أن أتّبع نهجًا إيجابيًا، وهو تشجيع جميع الأفراد والجماعات على رؤية أن لديهم جميعًا شيئًا ما يكسبونه من خلال الانخراط السلمي في عملية حوار سياسي، من خلال محادثاتي مع الليبيين من جميع الأعمار والخلفيات بجميع أنحاء البلاد، أعتقد أنه من الواضح أن هذا ما يريدون رؤيته”.
وشددت على أن قيام المجتمع الدولي بما في وسعه لدعم ليبيا أكثر استقرارًا وسلامًا لا يزيل مسؤوليات قادة ليبيا عن مواجهة تحديات البلاد، واستعادة سيادتها.
وبسؤالها عن الانتقادات الليبية الموجهة إلى بلادها وحلفائها خصوصًا واشنطن بشأن التقاعس في إيقاف تدفق السلاح للأطراف المسلحة المتصارعة بالبلاد، قالت السفيرة: “إن مسؤولية دعم حظر الأسلحة تقع على عاتق كل دولة عضو في الأمم المتحدة، ونتوقع من جميع الدول أن تفعل ذلك”.
وتابعت: “وينطبق الشيء نفسه على المقاتلين والمرتزقة الأجانب الموجودين في البلد، فوجودهم يعد انتهاكًا أيضًا لحظر الأسلحة ونريد إبعادهم، دون إبطاء”.
ورفضت السفيرة انتقادات بشأن انحياز بلادها لتيار الإسلام السياسي، في المنطقة وليس في ليبيا فقط، وقالت: “هذا غير صحيح، ورأت أن المملكة المتحدة لا تنشر أي آيديولوجية معينة في ليبيا، ولكنها تشجع جميع الأطراف على الانخراط في حوار سياسي لإيجاد مخرج من الأزمة الحالية”.
كما رفضت اتهامات بوجود مصالح وأهداف بريطانية تقف خلف تكرار لقاءاتها مع محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، وقالت: “المصرف مؤسسة ليبية مهمة وتضطلع بدور حيوي في استقرار وازدهار البلاد، وعلى هذا النحو، تحتفظ السفارة بعلاقات جيدة معه”.
وواصلت حديثها: “نحن نتعامل مع المؤسسات وليست لدينا مصلحة راسخة مع الأفراد، ولا نتعامل معهم بشكل أكثر أو أقل من المؤسسات الليبية الأخرى”.
ونوهت في المقابل إلى العمل مع مؤسسات ليبية مثل ديوان المحاسبة للتحقيق في قضايا فساد مالي وملاحقة بعض الشخصيات المتورطة بهذه النوعية واسترجاع الأموال التي هرّبوها، موضحةً: “في ديسمبر الماضي، وبعد تحقيق دام سبع سنوات، أصدرت المملكة المتحدة إدانات ضد ثلاثة من مديري الصناديق المتهمين بالاحتيال، مما أدى إلى خسائر قدرها 8.45 ملايين دولار من صندوق الثروة السيادية الليبي”.
وأفادت بأن دور ليبيا بات في غاية الأهمية في أسواق الطاقة العالمية وذلك جراء النقص العالمي بسبب الغزو الروسي الغاشم لأوكرانيا.
ودافعت السفيرة عن لقاءاتها مع شيوخ قبائل ليبية خلال الفترة الأخيرة وعدتها جزءًا من المهام المنوطة بها بحكم وظيفتها، وقالت: “دوري كسفيرة هو الاستماع إلى أكبر عدد ممكن من الليبيين، وفهم وجهات نظرهم وآمالهم وتحدياتهم، حتى نتمكن من دعم عملية سياسية واستقرار تلبّي تلك الآمال، وهذا يشمل الاجتماع بشيوخ القبائل وأيضًا مجموعات المجتمع المدني والحركات الشبابية، وأنا فخورة بهذه المشاركة”.
وأكدت السفيرة البريطانية أن بلادها تتطلع إلى بذل المزيد من الجهد، والعمل جنبًا إلى جنب مع الليبيين بشأن قضايا وتحديات رئيسية مشتركة كالهجرة غير المشروعة والإرهاب، مشيرةً إلى برامج العمل المشترك بين البلدين في مكافحة الأنشطة الإرهابية والتصدي للجريمة المنظمة، فضلًا عن الدعم المقدم للمنظمات المعنية بالتخلص من المتفجرات ومخلفات الحرب، والمنظمات المجتمعية التي تعمل على منع التوتر والصراع.