جنيف – وصفت منظمة الصحة العالمية الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، “بأكبر كارثة خلال قرن في أوروبا”معتبرة أن التعافي منها سيستغرق “وقتًا وجُهدًا هائلَين”.
الزلزال بقوة 7.7 درجات، خلف عشرات آلاف القتلى، وأكثر من 50 ألف مبنى مرشح للهدم في تركيا لوحدها، و26 مليون إنسان تأثروا بشكل مباشر بآثار الزلزال في البلدين بحسب منظمة الصحة العالمية، وهو ما يعادل عدد سكان أستراليا.
إنه بحق زلزال القرن، ويتجاوز في حجم الدمار الهائل الذي خلفه، قدرات أي دولة مهما بلغت قوتها وعظمتها، خاصة أن الأمر لا يتعلق فقط بالإمكانيات المادية بل أيضا بعامل الوقت.
فكلما كان الدعم الدولي سريعا وكبيرا، كلما ساعد ذلك في إنقاذ أكبر قدر من الأرواح البشرية، سواء أولئك الذين تحت الأنقاض أو من هم مشردين بلا مأوى وبدون غذاء أو دواء.. فحياة الإنسان على المحك، ولا مجال للتأخر أو التردد.
صحيح أن نحو 100 دولة قدمت مساعدات إلى تركيا، وساهمت في إنقاذ حياة العديد من الأرواح التي كانت تحت الأنقاض، ناهيك عن مساعدات عينية ومادية قيّمة، لكن هل تكفي هذه المساعدات لمواجهة تداعيات زلزال يوصف بـ”كارثة القرن”؟
فتأخر وصول المساعدات الأممية لمتضرري الزلازل شمال غربي سوريا “تسبب في زيادة عدد الضحايا”، وفق شبكة السورية لحقوق الإنسان، أي أنه كان بالإمكان إنقاذ حياة أرواح بشرية أكثر، لو كان هناك تحرك أسرع وبقدرات أكبر ودون عوائق.
إذ لم تتكشف بعد الحصيلة النهائية لعدد ضحايا زلزال كهرمان مرعش، والخسائر التي تسبب فيها، ولا الإمكانيات التي يجب توفيرها لإعادة الحياة كما كانت عليه قبل 6 فبراير/شباط الجاري، لكن المؤكد أنها حصيلة مؤلمة، وتتطلب تحركا دوليا حاسما لتدارك الموقف وحشد قدرات كافية لإعادة إعمار ما هدمه الزلزال في تركيا وسوريا.
ـ هل هناك إلزام قانوني لتقديم الدعم؟
لا يوجد في القانون الدولي ما يلزم الدول على تقديم مساعدات إنسانية بحجم معين في مواجهة الكوارث الطبيعية التي تضرب أي دولة في العالم، لكن هناك التزام أخلاقي من الدول والمنظمات غير الحكومية بتقديم المساعدات الإنسانية “من أجل إنقاذ جماعة بشرية في حالة خطر مؤكد”.
فكل دول العالم معرضة للكوارث الطبيعية المدمرة مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير ناهيك عن التسونامي، ما يخلف خسائر بشرية ومادية متفاوتة يصعب في بعض الأحيان على أي دولة مواجهة الكارثة بمفردها، خاصة إذا كانت الكارثة كبيرة بحجم زلزال كهرمان مرعش، أو كانت قدرات الدولة متواضعة مثلما هو الحال في سوريا.
هذا الوضع يحتم على الحكومات بحث آليات جديدة للتضامن الدولي في الكوارث والأزمات الطبيعية، سواء خلال مرحلة البحث والإنقاذ، أو مرحلة إعادة الإعمار.
هذا التضامن الدولي المتفاوت الحجم، يفتح النقاش حول ما إذا كان هناك حد أدنى من الإلزام القانوني إلى جانب الالتزام الأخلاقي للدول من أجل تقديم مساعدات إنسانية للمجموعات البشرية التي تواجه كوارث مهددة للحياة أو تؤثر على طبيعة الخدمات الأساسية للناس.
فالمجتمع الدولي بحاجة إلى طرح أفكار جديدة وتحويلها إلى آليات تنفيذية عاجلة لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية وحتى الصحية مثل الأوبئة التي تهدد الحياة البشرية.
كأن يتم تأسيس صندوق دولي للمساعدات الإنسانية تساهم فيه كل دولة بنسبة بحسب ناتجها الداخلي الخام، تكون له القدرة على الاستجابة السريعة لمثل هذه الكوارث التي تهدد الأرواح البشرية.
فعلى غرار اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية الثلاثة، المتعلقة بحماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، تحتاج البشرية إلى اتفاقيات جديدة متعلقة بحقوق الإنسان والمساعدات الدولية خلال الكوارث الطبيعية والأوبئة العابرة للقارات، وما جائحة كورونا عنا ببعيد.
ورغم وجود مواد في اتفاقيات جنيف تنظم عمليات تقديم المساعدات الدولية للمدنيين خلال الحروب والنزاعات، إلا أن المساعدات الإنسانية في زمن الكوارث الطبيعية الكبرى تحتاج إلى اتفاقيات جديدة تضبط وتنظم هذه العمليات، حتى لا تكون ظرفية أو انتقائية أو محدودة زمانيا ومكانيا، أو تكون عرضة للاستغلال والابتزاز السياسي.
وفي هذا السياق، شدد عدد من خبراء الأمم المتحدة المستقلين لحقوق الإنسان، في بيان نشر في 10 فبراير، على أن “ضمان فعالية عمليات الاستجابة الطارئة، يتطلب إيجاد بيئة تسمح بالتعاون الدولي، وتوصيل المساعدة الإنسانية بدون عوائق، بما في ذلك الغذاء والدواء والمعدات الطبية ومواد البناء، بالإضافة إلى التدفق المالي لدعم هذه المساعدات”.
فزلزال كهرمان مرعش، دق جرس الإنذار بضرورة أن يتعاون المجتمع الدولي لتنظيم وتقنين المساعدات الإنسانية بمختلف أشكالها حتى تكون أسرع وأكثر فاعلية في إنقاذ الأرواح البشرية في الحالات الطارئة والمستعجلة، وإعادة إعمار ما دمرته الكوارث الطبيعية، وتقديم الخدمات المناسبة لمواجهة الحاجات الأساسية للمتضررين.
ـ اتفاقية دولية لم تر النور بعد
والأمم المتحدة، وعبر لجنتها للقانون الدولي، تبذل جهودا لوضع اتفاقية دولية بشأن “حماية الأشخاص في حالات الكوارث”.
ففي 2007، أدرجت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة موضوع “حماية الأشخاص في حالات الكوارث” ضمن برنامج عملها، وعينت “إدواردو فلنسيا أوسبينا”، مقررا خاصا.
وشرعت اللجنة، منذ ذلك التاريخ، في إعداد دراسة حول الموضوع وتقديم مشروع قانون بشأن “حماية الأشخاص في حالات الكوارث”، ومناقشتها مادة بمادة مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لتصبح اتفاقية ذات طابع إلزامي للدول الموقعة عليها مستقبلا.
لكن بعض مواد مشروع القانون لم تحض بالإجماع، وشهدت معارضة عدد من الدول التي لا تريد أن يكون لبعض مواد هذا القانون طابع إلزامي من شأنه أن يمس بسيادة الدول واستقلال قرارها.
على غرار المادة العاشرة من مشروع قانون “حماية الأشخاص في حالات الكوارث”، التي تنص على “واجب التماس الدولة المتضررة المساعدة”، حيث شددت الدول المعارضة لصيغة النص على أن “القانون الدولي، في وضعه الراهن، لا يفرض واجبا ملزما من هـذا القبيل علـى الدول المتضررة”، ما استوجب إضافة تعديلات.
ومن شأن وضع اتفاقية دولية أو أي إطار قانوني ينظم عملية تقديم المساعدات الإنسانية المساهمة في التقليل من آثار الكوارث الطبيعية والبيئية، لكن ذلك يحتاج أيضا لآليات قانونية تجعل الحكومات أكثر انخراطا في تقديم الدعم والإعانات للدول المتضررة.
ورأينا كيف أن دولة عظمى مثل الصين عندما لم تتمكن من مواجهة وباء كورونا بمفردها، وتسبب ذلك في تحول الجائحة إلى كارثة صحية اجتاحت العالم بأسره، ما يدعو للتفكير بشكل جدي لإيجاد آليات دولية ملزمة لمواجهة الكوارث الكبرى.
الأناضول