باحث مصري: دوامات الصراع الدولي تزداد اتساعا ورهان الغرب على تفجير الوضع في الداخل الروسي فشل

مصر – أكد الكاتب الصحفي المصري والباحث في الشؤون الخارجية مصطفى السعيد في حديث لـRT، إن دوامات الصراع الدولي تزداد اتساعا وأن الرهان الغربي على تفجير الوضع في الداخل الروسي باء بالفشل.

وأضاف “هناك جملتان لكل من الرئيس الروسي بوتين، والرئيس الأمريكي بايدن، في يوم واحد توجزان الأزمة العالمية، حينما قال بوتين “إن انتصار روسيا أمر حتمي”، قال بايدن خلال زيارة أوكرانيا وبولندا “لن تنتصر روسيا أبدا”، وهو ما يعني أن المواجهة ستظل مستمرة بين الولايات المتحدة وحلفائها مع روسيا وحلفائها”.

وصرح بأنه ورغم أن الحرب تدور رحاها في أوكرانيا، فإن الصراع أبعد وأعمق من حرب أوكرانيا، لكن هناك أكثر من معضلة أمام الطرفين، الأولى أن الحرب لا يمكن أن تستمر طويلا، لأن استمرارها يعني الاستنزاف المتبادل لكل المشاركين فيها، في وقت يئن فيه الاقتصاد العالمي، وفي مقدمته اقتصاد أوروبا والولايات المتحدة من أزمات هيكلية وتجاوزت أزمة المديونية كل الخطوط الحمراء، والعجز في الموازنات يتضاعف، ومعه معدلات تضخم عالية، وكذلك تعاني روسيا من أشد حرب اقتصادية عرفها العالم، تشارك فيها نحو خمسين دولة، وأصبحت الحرب الاقتصادية أكثر خطورة من المعارك في أوكرانيا.

وأوضح الباحث أن المعضلة الثانية فهي أن ساحة الحرب ستتسع، وأن الاستعدادات جارية لمثل تلك الخطوة، وستكون بولندا من ناحية وبيلاروس من ناحية أخرى على شفا الاشتراك في المعارك.

وبين أنه عند اتساع الحرب لا يمكن حصرها، وسوف تتحول بؤر الصراع الساكنة إلى بؤر نشطة، مثل التصدعات الزلزالية الناجمة عن تغير الأحمال على القشرة الأرضية، والأحمال تتغير على سطح الأرض بين دول غربية اعتادت الهيمنة على العالم، وأخرى تواقة للخروج من الهيمنة، ولديها الدوافع والقدرات.

وأردف بالقول: “بالتالي من الضروري إجراء تغييرات جوهرية في أسس العلاقات الدولية ومؤسساتها، لهذا تبدو الخريطة الدولية في حالة تأزم قصوى، فالدول المهيمنة القديمة، وهي أوروبا والولايات المتحدة فقدت القدرة على مواصلة الهيمنة، سواء على صعيد الاقتصاد أو القوة العسكرية، بينما الدول الصاعدة لديها القدرة لكنها لا تكفي لإزاحة الدول المهيمنة، والتي لازالت تملك المؤسسات والإعلام والنفوذ، وتسيطر على النظام المالي العالمي، بما يجعل الوضع في حالة توازن أزموي، غير قابل للاستمرار وفي الوقت نفسه لا يسهل تغييره”.

وتابع قائلا: “أما استمرار التصعيد العسكري، والذي تجلى مؤخرا في خروج روسيا من معاهدة مراقبة الأسلحة النووية، فإنه أصبح قابل لتفجير واسع، يؤدي إلى دمار شامل لكل الأطراف، ومع ذلك فالدول الكبرى تمضي نحو هذا الخيار الصفري، وكأنها مدفوعة دفعا نحو هذا الخيار اللاعقلاني”.

وأفاد بأن الخطة الأمريكية في إسقاط بوتين عن طريق الحصار والعقوبات والرهان على تذمر الداخل الروسي فشلت تماما، وعليها أن تواجه خصما عنيدا لن يقبل الهزيمة، بل مملوء بالثقة في استعادة أراضي روسيا التاريخية، التي تناثرت أجزاء منها في غفلة مع انهيار الاتحاد السوفييتي، بينما كان الغرب يسعى إلى مزيد من التقدم نحو روسيا الغنية بموادها الأولية، والطريق الوحيد لإحتواء الصين بفاعلية.

وأشار في السياق إلى أنه لم يعد بالإمكان تحييد الصين، وهي التي تدرك تماما أنها الهدف الرئيسي، وأن روسيا هي خط الدفاع الأول عن الصين، وبالتالي فإن فك الارتباط بين روسيا والصين لم يعد ممكنا.

وبخصوص مبادرة السلام التي طرحتها الصين، صرد بأنها تضع معالم جديدة للنظام الدولي أكثر مما تطرح حلا للحرب الأوكرانية فلن تجد من يصغي لها، مشيرا إلى أن الحديث عن نظام دولي جديد يثير غضب الولايات المتحدة وكأنه تأبين لمكانتها المهيمنة، وروسيا أصبحت تدرك أن أوروبا ليست إلا تابعا للولايات المتحدة، ووصفها بوتين بالمخادعة مرات عديدة في خطابه الطويل، ولهذا لن يدخل مفاوضات تعيد ذكرى خداعه باتفاقية منيسك، أي أن كل الأبواب مغلقة أمام حل سياسي، ولهذا تستعد كل الأطراف لمواجهات طويلة على كل الساحات، حتى يحل التعب بأحد الطرفين أو كليهما.

وذكر أن بوتين يراهن على أن شعوب أوروبا ستدرك أنها ستكون وقود حرب عالمية لن تستفيد منها سوى الولايات المتحدة، وأن تنفض عنها سياسييها،  في الوقت الذي تواصل فيه الصين استعداداتها لمواجهة أكبر مع الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا، لأنها الهدف الرئيسي لحلف الناتو، الذي كان استمد اسمه من المحيط الأطلسي، لكنه يتمدد حاليا نحو المحيطين الهندي والهادئ وبحر الصين.

وقال في السياق، إن الحلف غير من استراتيجيته وأعلن أن دوره لم يعد يقتصر على حماية أعضائه فقط، بل يمتد إلى الدول الحليفة، في قفزة نوعية نحو المواجهة الأوسع، بينما الصين تتحرك بهدوء وثقة، وتبني قوة عسكرية متطورة وضخمة، إلى جانب كونها مصنع العالم مع اقتصاد متين يحقق أعلى فائض عالمي، بينما ترزح باقي دول أوروبا والولايات المتحدة تحت ثقل مديونيات لن تكون قادرة على تحمل فوائدها وأقساطها.

وأكد أن دول أوروبا والولايات المتحدة إما أن تواصل الاستدانة حتى ينهار نظامها المالي، وإما أن تقبل بأنها لم تعد قادرة على قيادة العالم الذي لا تستطيع ان تقدم له المساعدة، ولا تملك فيه إلا تصدير الأزمات.

المصدر : RT

Shares