تقرير بريطاني: الشعب الليبي قادر على إزاحة المفسدين لو استثمر هذا الأمر

ليبيا- سلط تقرير تحليلي نشره موقع “عرب دايجست” الإخباري البريطاني الضوء على قضية مرور قرابة الـ3 أعوام على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا.

التقرير الذي تابعته وترجمته صحيفة المرصد، أكد أن النخب السياسية لم تستفد من هذه القضية بل أعادت البلاد مرة أخرى إلى الانقسام التنفيذي، ما أجج عدم الاستقرار والعنف وأثار حفيظة الشباب وأنزلهم الليبيون إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد لإظهار الإحباط الشعبي.

وبين التقرير أن ليبيا دخلت لعام آخر من دون أن يلوح في أفقها أي فرصة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لمواصلة هذه النخب إلى جانب نظيرتها الأمنية وداعميها الأجانب الاستفادة من الانقسامات العميقة لترسيخ البقاء في السلطة واستخدام موارد مالية وسياسية لمنع أي تغيير للوضع الراهن وأي عملية انتقال ديموقراطي.

واتهم التقرير نخب السياسة والأمن الليبية بالعمل وفقًا لروح “المافيا” فالعصابات الإجرامية هي الحاكمة للمجتمعات وليس حكومتي تصريف الأعمال برئاسة عبد الحميد الدبيبة والاستقرار التي يترأسها فتحي باشاآغا، فمن الناحية العملية لا تحكم الحكومتان أي شيء على الإطلاق.

وتابع التقرير: إن الجماعات المسلحة غير المذكورة أسماء القائمين عليها علنًا في الغالب الأعم لها إقطاعياتها وتسيطر فعليًا على الأرض فارضة حقيقة سياسية ماثلة، ما يعني ضرورة الإقرار بوجودها في أي حوار بشأن مستقبل ليبيا والتعامل مع وجودها بحكم الأمر الواقع.

وبين التقرير أن المسلحين قاموا ومنذ الإطاحة الدموية بالعقيد الراحل القذافي بالاستيلاء على ما تبقى من الدولة الليبية من خلال تولي مناصب داخل جهازها ونيل شرعيتهم السياسية تدريجيًا من خلال انتماءاتهم المؤسسية، فضلًا عن تأمين أدوار ورتب عسكرية.

وأضاف التقرير: إن هذه الانتماءات إلى جانب الرواتب القادمة من الخزينة العامة زادت من التأثير الفردي لأمراء الحرب، ما صعب على هياكل الدولة الضعيفة أصلًا الإشراف والسيطرة عليهم ومحاسبتهم، مؤكدًا أن واحدًا من كل 5 ليبيين تقريبًا يحصل على راتب حكومي بما فيهم أعضاء الجماعات المسلحة.

وأكد التقرير أن الدولة عجزت في الغالب عن دفع الرواتب لشهور في كل مرة، ما قاد لابتعاد الناس عن المعيار الذهبي للتوظيف الحكومي نحو حياة الامتيازات لعناصر الميليشيات المسلحة في وقت صار فيه الحال عبارة عن حلقة مفرغة من الاندفاع نحو المال، فأمراء الحرب يركزون على أموالهم أكثر لا على القتال.

وبحسب التقرير تتسلل الجماعات المسلحة بشكل متزايد إلى مسارات السياسة، فضلًا عن العسكرية لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ما يعني أن مصير ليبيا المستقبلية الإدارة وفقًا لمبدأ “المافيا” مستدركًا بالإشارة إلى إمكانية إسقاط هذا المبدأ بشبكة جماعاته الإجرامية المنظمة عبر شرعية سياسية.

وأضاف التقرير أن تزايد استقطاب الطبقة السياسية بأكملها للشرعية والموارد في الدولة مفض بالضرورة لتراجع شرعيتها الاجتماعية بعد أن شعر الشعب الليبي بخيبة أمل متزايدة منها، ما يعني أن الأوان قد آن لتدخل المجتمع الدولي بهدف إيجاد إطار للتعبير عن التطلعات الديموقراطية لليبيين.

وأشار التقرير إلى أن هذا منطويًا على نهج شرطي أكثر من قبول إشراك الجماعات المسلحة في مفاوضات السلام، فالبلاد بحاجة إلى نموذج جديد وليس المزيد من العمليات الترقيعية، مبينًا أن هذه النمذجة المبتكرة لا يمكن توقع الوصول إليها على المدى القصير.

ووصف التقرير تعيين عبد الله باتيلي مبعوثًا أمميًا جديدًا باللحظة المناسبة بالنسبة إلى ليبيا، مستدركًا بالإشارة إلى فشل خارطة طريقه المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي في فبراير الماضي في معالجة قضايا أعمق من التركيز على إنشاء هيئة معنية بالتفاوض على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.

وتابع التقرير: إن الخارطة أخفقت في التعاطي مع ثقل موروثات النزاعات غير المحسوسة سابقًا. مبينًا أن عملية الأمم المتحدة لم تهتم كثيرا بالعدالة والتعويض والجمهور الليبي الأوسع المعاني من الفقر والإرهاق واللامبالاة، ما أفقده الثقة بالمنظمة الأممية.

وأكد التقرير انغماس الشبكات الإجرامية حاليًا في حماية مناصبها في السلطة عبر الاستفادة من اقتصاد الظل لإثراء نفسها، في وقت يتعلق فيه العقد الاجتماعي أساسًا بالمصالح الاقتصادية ما يعني أن السلطات الحكومية التنفيذية عرضة للفساد من خلال إنفاقها مليارات الدنانير بلا إجراءات وضوابط وتوازنات واضحة.

وتحدث التقرير عن امتلاك ليبيا القدرة على التحول إلى مركز اقتصادي لمنطقة شمال إفريقيا برمتها وجسرًا إلى أوروبا عبر استغلال أزمة الطاقة العالمية، مشيرًا إلى أن الحوكمة الضئيلة في إنفاق أموال الدولة حائلة دون ذلك، لا سيما بعد أن تم نقل أكثر من 40 مليار دينار نقدا في جميع أنحاء البلاد من دون ضابطة.

ونبه التقرير لخطورة تطلعات الشبكات الإجرامية على المديين المتوسط والطويل لأموال مؤسسة النفط في طرابلس المفترض بها أن تستخدم لتطوير البنية التحتية النفطية، موضحًا أن أحاديث الأمم المتحدة عن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لا تتعدى الهواء في الشبك.

وأضاف التقرير: إن المنظمة الأممية لا تملك أي احتمالات للنجاح ضد الهيكل الإداري الأساسي للميليشيات المسلحة المنتج لمثل هذه الثروة والقوة لتبقى المناصب الرئيسية في القطاع الخاص غير جاذبة للاهتمام بما يكفي لإحداث تغيير راغب في مسارها.

واستدرك التقرير بالإشارة إلى أن هذه الضورة القاتمة ما هي إلا قمة جبل الجليد؛ لأن الواقع يشير إلى أن عظم حجم الجريمة المنظمة مقوض لآفاق التنمية في ليبيا، في وقت ينجذب فيه الصبية الصغار هم أيضًا إلى السلاح والمال، فضلًا عن تفشي تعاطي المخدرات في البلاد.

وتطرق التقرير إلى الآثار النفسية طويلة المدى للحرب والموت والتجنيد الإجباري في قوات الأمن منذ الصغر وعدم وجود منظور لمستقبل الإنسان في أي مجال آخر، مؤكدًا عدم وجود نهاية في الأفق لكل هذا فالمصالح الذاتية لقادة الميليشيات المسلحة هي القوة الدافعة للحفاظ على الوضع الراهن.

وأضاف التقرير: إن هؤلاء هم المفسدون الرئيسيون المعرقلون لأي حل سياسي من شأنه أن يفقدهم السلطة والامتياز والنفوذ والثروة. مشيرًا إلى أن الأمل القائم ضعيف في تغيير مسار قادة الميليشيات المسلحة وعناصرها ومشروط بخلق فرص أخرى لهم، فالاستثمار في التعليم وتطوير القطاع الخاص سيكون نقطة انطلاق جيدة.

وتابع التقرير: إن تمكن ليبيا من البروز بصفة مركز للطاقة قد ينقل هذه العناصر إلى وظائف أقل خطورة، فضلًا عن وجوب تركيز الأمم المتحدة على العدالة والمصالحة والمساءلة لتعزيز ذلك، بالإضافة إلى فرض مزيد من الإشراف والضوابط والتوازنات على الإنفاق الحكومي.

وأوضح التقرير أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد وسوء الإدارة المالية يمنح السلطات الحكومية التنفيذية المزيد من الأموال للاستثمار في التعليم والبنية التحتية، متطرقًا لإمكانية استثمار خيبة أمل الجمهور من عملية الأمم المتحدة والنخب السياسية وقادة الميليشيات المهتمين بأنفسهم.

واختتم التقرير بالإشارة إلى أن هذا الاستثمار يتمثل بإجماع الشعب الليبي على صياغة عقد اجتماعي جديد مستوحى من قيمه المحققة للعدالة والمساءلة.

ترجمة المرصد – خاص

Shares